٢٩‏/٠٧‏/٢٠٠٦

ضياء الجبيلي


الأدباء والأنترنت وعصور البريد الحجرية !



بعد انقشاع ضباب الدكتاتورية وتوفر الحيز ( غير الكافي ) من حرية التعبير ، ابداعيا واعلاميا ، والتحاقنا البطيء جدا والمتأخر جدا بعجلة التطور التكنولوجي ، وخوضنا في بحر الاتصالات والانترنت ، هل اصبح بمقدور المبدع العراقي الاستغناء عن القلم والورقة والكتابة مباشرة من خلال جهاز الكومبيوتر ، بحيث تسير عملية الكتابة وعملية التنضيد في نفس الوقت ؟ وهل ان كل من امتلك ناصية الابداع صار قادرا على مثل هذه الممارسة ؟ عموما لا بد من الاشارة الى ان عملية ارسال المواد الادبية الى الصحف والمجلات لم يعد مقتصراً على البريد العادي ، وان هذه الطريقة اصبحت قديمة وشبه معدومة وربما لا يستعملها سوى " المبدعين المتعففين " من الذين لا تتوفر لديهم الامكانية في ارتياد مقاهي الانترنت او شراء خط انترنت منزلي . كذلك هو الامر بالنسبة للتنضيد او الطباعة ، فأن قلة من الادباء والكتاب يدبجون مقالاتهم و قصصهم وقصائدهم ، كتابة باليد ، ويرسلونها عبر البريد " السلحفاتي " البطيء ، الذي هو احنّ واعطف عليهم من البريد الالكتروني ، فالبريد العادي لن يطلب من جيب المبدع سوى ثمن الطابع ، ولكنه في ذات الوقت سيبطئ في ايصال المقالة او القصة او القصيدة ، لا سيما وان البريد لدينا هو ابطئ بريد في العالم ، وهذه هي الخسارة ، وفي المقابل فأن البريد الالكتروني ينظر الى جيب " المبدع المتعفف " نظرة توحي بأنه عازم على افلاسه ، لان المسألة ليست ارسال مواد ادبية فقط ، وانما هناك اغراء يتربص من وراء شاشة الكومبيوتر ، ويستفزه ليتصفح ويغوص في اعماق العالم العنكبوتي الذي يكون بين يديه في تلك الاثناء . فضلا عن الوقت الذي سيقضيه في تنضيد المادة التي ينوي ارسالها للنشر ، والذي سوف لن يعبئ به مهما كان طويلا في حال انه كتب مادته باليد ، اذ لن تكلفه العملية سوى قلم وبعض الاوراق .
اذكر هذه الاشياء وقد ابتلعتني الحيرة قبل عدة اشهر فيما اذا كنت سأسدد الاجر السنوي لصندوق البريد خاصتي ، ام لا ، لسببين ، الاول : انني فوجئت ان الاجر السنوي لهذا الصندوق قد ازداد اضعافا عما كان عليه قبل الحرب وبعدها . والسبب الثاني ، هو اعتمادي الكلي على البريد الالكتروني ، وبالتالي فأن حاجتي لصندوق البريد العادي ستكون قليلة جدا ، لكنني في نهاية المطاف قررت ان احتفظ بهذا الصندوق ، لانني ربما سأحتاجه في وقت تجور فيه علينا الصناديق الالكترونية ومقاهي الانتر نت بغلاءها " وقد فعلت !"
على اية حال ، ماذا يفعل المبدع العراقي من اجل اللحاق " بروح العصر " التي لا تريد ان تدنو منه او تكتنف حياته لا من قريب ولا من بعيد ، وهو الذي ما زال يعاني ويفتقر الى ابسط المستلزمات الضرورية واللازمة للاستمرار في عملية رفد الساحة الثقافية والادبية بأبداعاته ؟ كيف يستطيع ان يواكب الحركة الدؤوبة في مجال النشر ، هذه الحركة التي كانت اشبه بالبركان الاعلامي والصحافي الذي انفجر بعد عقود من الظلام والحرمان ومصادرة الرأي والتعبير عنه من خلال الصحافة والادب ؟ كيف يكون قادرا على ذلك ، فيما هو متشبث ـ قسراً ـ بالعصور الحجرية للتواصل البريدي وتوسل حمام الزاجل وارسال مقالات وقصص وقصائد واحلام قد تصل او لا تصل . ولنفترض انها وصلت ، هل يلتفت اليها المحرر الثقافي في صحيفة ما ، ام انها ستأخذ طريقها الى سلة المهملات ، والسبب معروف سلفاً : لانها مرسلة على الطريقة الكلاسية من خلال " قبور البريد " ولا مجال لتنضيدها ، ناهيك عن قدمها بسبب الفترة التي قضتها ، متنقلة من كيس الى آخر ، ومن صندوق الى آخر ، حتى استقرت اخيرا على مكتب المحرر الذي ربما سيبدي امتعاضه منها .
وقد يضحي المبدع بالدنانير القليلة في جيبه والتي سينفقها في ارسال بريده بين يوم واخر ، على امل ان تعوضه الصحيفة التي ستنشر كتاباته ، لكن هل سيقبض حتما ذلك " التعويض " المجزي من الصحيفة ، وهل ان جميع الصحف لدينا تكافئ الكاتب على ما يكتبه لها ؟ قطعا لا ، باستثناء بعض الصحف التي تعرف حجم المتاعب التي يمر بها المبدع العراقي في هذه الظروف المعيشية الصعبة . ومما لا شك فيه ، ان الكثير من لادباء والكتاب ، تعوزهم الاشياء المهمة التي من شأنها ان تجعلهم قادرين على مواصلة العطاء وتقديم ثمارهم بالشكل اللائق والمريح . لا ان يشكل عوزهم هذا هاجسا يشعرهم بالعجز عن التواصل مع المشهد الثقافي العراقي ، قبل ان يسلّموا بأن " روح العصر " هذه نقمة حلت على امكاناتهم المتاحة من قبل ، مع انها في الحقيقة نعمة وفرها لنا العلم الحديث ، لكنها قد تنزع هذه الصفة عندما يشعر المثقف والمبدع العراقي بصعوبة التواصل عبر هذا اللون العجيب من التطور التكنولوجي الكبير . السؤال المطروح : ماذا تفعل وزارة الثقافة الجديدة اذا اكتشفت ان استمرار معاناة المثقفين والادباء العراقيين قد تفضي الى ازمة في جودة المواد او النتاج الثقافي المنشور في صحفنا ومجلاتنا ، بسبب عجز الكثير منهم عن التواصل في نشر نتاجاتهم وابداعاتهم ؟ ام انها غير معنية بتاتا بهذا الامر ، وان على " الادباء المتعففين " ماديا ان يؤسسوا منظمة يطلقون عليها ادباء فقراء بلا حدود ويرجعوا القهقرى الى القحط والحصار ويضحون بقوت اطفالهم من اجل شراء جهاز كومبيوتر ، وخط انترنت ؟!

البصرة
 Posted by Picasa

٢٨‏/٠٧‏/٢٠٠٦

إبراهيم الخياط
زينب




تحت الكراسي العربية
إكتفت القديسة العذراء
بالتريض في شرنقتها المنسوجة
من حرير النكبات
وصمغ الاكتئاب ،
فتبيت ـ كل نكبة ـ
، ملولة ،
ـ كإمائهم اياها ـ
تنتظر من يخون إمبرياليته
ويطارحها النسيب الساخن
في شتاء المذابح ،
وكزرقاء الغمامة
ترى جنات
تجري من تحتها دفوقان نضاختان
بعذب الدماء
وترى أهليها
اللايخافون مقام القاتلين
هم فيها خالدون ،
ومتكئين على رفرف
من النعوش المريحة ،
ولا تدري
لمن تشي
بالزغاريد المحبوسة في حناجر الثكنات ؟
وهي ترى
الشارع الممتد
من أقصى الضاد الى أقصاه
ضاجا على الإسفلت الأخرس
كخشب الكراسي العربية ،
وترى ـ بآيتيها المعصوبتين ـ
أسراباً
من بوم قرطاجة
تنتظر الخراب العظيم
خلف أبوابنا التي تستظل بعاقول الحظوظ
وتلتقط
ـ على مدار الهجير ـ
موجة الامتعاض
وذبذب الإعتراض
في أثير السكون ،
فمن خمسين
ـ في مناسبة نسيتها ـ
ولكن
لا تنسى الأيكة العذراء انها
، من خمسين ،
ما استساغت
حساء الرصاص الفاسد
ـ نكبتئذ ـ
فاعتل صوتها
وعافها الندماء اللطيفون
همولاً
بين أصيص الانتظار
وذبول القدوم ،
وها هي ذي تومئ
على مسناة قصيدتي
وتكاد ان تقول
للكراسي العربية العتيدة :
( ـ ايها الأبنوس المرصع
بدموع المحار ،
هلا دفعت
بالرعاع والمارقين
وكل المغضوب عليهم
الى شاطئ المحرقة ،
ويكون المجد ـ كل المجد ـ لك
ياذا المراقي السواسن
من قبل ومن بعد ،
وأسوة بالسلف الكريم ...
دع الرصاص فاسداً
ـ ولا محرجة ـ
فالذاهبون الي
سيكتفون بأسرارهم المتداولة
فيا أيها الكرسي العربي المبارك
لا تأبه لخشبك السبئي
فالمحرقة بعيدة
وسفراء الغاب محاموك
ولا ويل إلا علينا
في سوارة الوحشة
فلا هادل لله ينوح على
ناي الغصون ،
ولا جارية
( تحرر ) لنا
قدود الليل والظنون
ولكننا قرطاجة الألفية والصحراء ،
بل العنقاء
التي ما استلذت
لأنفاس الاحتضان مشماً
إلا حين اعتلت الخراب
وألقت على المحرقة المجنونة
بضع رئات
من زفير النكسات. )
لقد أومأت القديسة الفصيحة
بمنديلها الأحمر
في ميناء الكلام
وكأنها القصبة الحافية انتعلت أغرابها
وهي تحمل وريقة توتِ
ـ بحجم النكبة ـ
، تحملها ،
ثم في طقس فكتوري باسل
تنحني
أمام الكراسي العربية الكسيحة .


* زينب شعث : مغنية سياسية من فلسطين ، تألقت في سبعينات القرن الراحل .
 Posted by Picasa

٢٧‏/٠٧‏/٢٠٠٦

بعقوبة الثقافية
نغمتنا الساحرة الباهرة


ضياء سيد كامل
 Posted by Picasa
كاظم حسوني

عنقود الكهرمان

لوحات قصصية تفيض بالغنى والتنوع


عند قراءة كتب الأدب نسعى احياناً للبحث فيها في الممكن من اجابة عن اسئلة تبدو عصية كونها مرتبطة بحقائق الوجود ومصير الانسان التي قد نعثر عليها في بنية الاسئلة التي تثيرها القصص والروايات ذاتها لأن الكتابة عموماً ماهي بشكل من اشكالها لاسيما الأدبية منها الا مرايا لذواتنا تخفت بصياغات فنية في محاولات دائبة للقبض على جوهر الذات الانسانية. وسير عوالمها الخفية، بواسطة الخيال (الذي يحول الرغبة المكبوتة عبر الفن الى تمثيل رمزي دال على اصله) من هنا يكون عالم الفنون والأدب قرين لعالم الذات بكل مايعتمل فيها من محمولات ومكبوتات واسرار وتطلعات.. وفي قصص (عنقود الكهرمان) الصادرة حديثاًعن دار الشؤون الثقافية التي ضمت بين دفتيها(18) قصة تحاول القاصة كليزار انور ان ترى نفسها عند الآخر في مرايا قصصها التي تمثل دون شك خبراتها الصافية وشهاداتها الحية في العيش التي حملت مضامينها كتاباتها القصصية في هذه المجموعة وغيرها ذلك بدافع احساسها بضرورة التفوق على ممارستها للحياة ذاتها من خلال محاولاتها للافلات والتمرد على بعض مظاهرها السلبية. فالأديب عادة مايجد حريته في الكتابة،ويعمل على سد ماينقص عالمه الواقعي بالفن سيما وان الكاتب والانسان المثقف غالباً ما يجد نفسه يعيش حياة بديلة لذا يلجأ الى خلق عالمه الذي يحب ويصنع يوتوبياه بحرية على الورق ولعل هذا ما نتلمسه في (عنقود الكهرمان) للقاصة كليزار التي ارتكزت قصصها على ثنائية متناقضة لمعاينتها ومعاناتها من قتامة الواقع وقسوته واصصدامها بمسنناته الصلدة وبين انطلاقها لتشييد عالم حي يتخلق لديها عبر الكلمات وجدت فيه القاصة متسعا للحياة بكل عمقها تتنفس فيه بأفكارها وفنها لعقد الصلة المتبادلة مع المتلقي الذي تشده وتمتعه بعض الاعمال الأدبية المبدعة التي لايرتوي من الاستزادة منها ومثل هذه قصصها ستترك بصمتها وتأثيرها بما توفرت من قدرة بالغة على الاقناع وما انطوت عليه من الصدق الفني واحتشدت به من الحس الانساني .فالملاحظ في مجموعة(عنقودالكهرمان) نزوعها الى نمط الكتابة الذاتية الاعترافية الى حد ما اولعلها ابتداع لتجارب متخيلة لكنها غنية بحسيتها وخبراتها المعرفية فالاحداث المؤسسية التي وعتها الذاكرة والتجارب الروحية وما يتعلق بها من ظلال كلها اكسبتها مهارات المخيلة صياغات قصصية ناجحة، من خلال المعاني العميقة وبوح الاعماق التي تنبض بالعاطفة الملتهبة، وكأن القصص برمتها استلت من عالم الداخل او من مناطق الظل لتجترح لها مساراً مغايراً لما هو عياني وظاهر من الاشياء، مرتكزاً على اعادة خلق الحياة الراسبة الخفية المختلجة تحت جوانح الابطال، حيث راحت القاصة تصنع من مشاعرهم، وما هو كامن خلف تحولاتهم صوراً شديدة الغنى والتنوع موظفة بذلك ما للشعر من طاقة لتوليد الاستلهامات والايماءات بأسلوب مؤثر ينبض بالانفعال الانساني وصدق الاحساس في قصة البيت القديم تقول(للمكان عبق سحري في قلبي ونفسي كم من الاشياء استيقظت في داخلي، الكل غادر البيت لم يبق فيه غير الاشجار، شجرة التوت التي زرعها جدي يوم ولدت، كلانا كبر تشع ببريقها.. اصغي الى اصوات الطيور والعصافير التي عششت فيها، يمتلئ المكان بغنائها، استرق السمع واتلذذ.. شعرت بالفخر فشجرتي غدت وطناً فأسلوبها كما جاء على حد وصف بطل قصصها(نافذة من القلب) تكمن فيه الروح الهادئة والانفاس الدافئة.. وفي لغتها شاعرية سلسلة، هادئة، ناضجة، حرة، افكارها تتسلل الينا بهدوء وصمت) لقد اخفق بعض الادباء ممن لجأوا الى استثمار الشعر في قصصهم وبدا مزجه مقحماً، مفككاً لنصوصهم، وكان تأثيره سلبياً، مثقلاً بالزخارف والمعميات والزوائد، التي لا دور لها سوى افساد النص، مما يشي دون ريب بقلة خبرة الكاتب، وجهله بأسرار صنعة الكتابة (لان ثمة فوارق كثيرة بين اللغة الشعرية واللغة النثرية القصصية، ومع ان القاص ليست غايته اللغة الا كونها وظيفة قادرة على التوصيل، معبرة عن المعنى المطلوب ولكن اللغة القصصية ليست مجرد لغة نثرية، لكنها لغة نثرية فنية تحاول ان تمزج بين الجوانب الادراكية في اللغة، والجوانب التعبيرية وبين العناصر الشعرية والعناصر الدرامية) فيما جاءت قصص كليزار مفعمة بروح الشعر، بهدف تعميق المعنى وجذب اهتمام القارئ، بعد ان جعلت من الشعر عنصرا جماليا، ووسيلة فنية فائقة التعبير للتحليق في فضاء السرد، كبديل مكافئ عن تفاصيل الحدث الواقعي، ورغم ان قصصها صغيرة الحجم لكنها حملت نفساً درامياً مكثفاً عبر التوظيف الشعري للرؤيا الباطنية لشخوصها، وما صاحب ذلك من احتفاء القاصة بأنعكاسات العالم الخارجي الذي شكل جزءاً مهماً ومعادلاً فنياً في بنية النص.. ولعل المتأمل في قصص كليزار انور يبدو له لاول وهلة ان مواد عالمها القصصي لا يرتكز الا على اشتات الذكريات ونتف من احداث الماضي والحكايات الصغيرة والاوهام، والتأملات التي تبدو كالاشياء المتناثرة، الا ان براعتها تمثلت في صهر كل هذه العوالم المركبة المتنوعة في وحدات بنائية وتحويلها الى صور مرئية قصصية، اكتنزت بالغنى والكثافة والايحاء، بعد ان تشكلت في قوالب الفن.. انظر قصة(امام حمورابي) (شعور بالفرح سري في صدري حين رأيتها. ولون هذا الفرح ذهبي ارتعشت له ودفئت، هل هو الفرح يبللنا بعطره؟ كنا محط غابات من الانظار زرعت حولنا فاكتفينا بالمصافحة تبرق عيونها السود بذلك الشوق القديم) ولعل ما يلفت في تجربتها القصصية ابداعها في اللغة وباللغة التي اضفت على اسلوبها توهج الشعر وتوتره في صياغات مركبة فيها خروج على المعنى الظاهري المحدود بأسلوبهاالذي يعمل على ارهاف حس القارئ وقدرتها المتميزة في التعبير عن نوازع ابطالها وكشف صبواتهم وانفعالاتهم بسلاسة سعت لتحقيق المتعة ومد الجسور مع القارئ بأيقاعها الحميم الذي يفيض بالمعاني الوجدانية التي يظل اثرها يترجع طويلاً في النفس،عبر منحنيات السرد من خلال عملية اتساق عناصر القص في حبكة بنائية محكمة فضلاً عن جماليات اخرى تمثلت بعنصر المفاجأة عند نهايات بعض القصص كما في قصة (النصف بالنصف) وقصة (الاعتراف). وبمافيها من الاداء السردي الرائع في تصوير هذه اللحظات وبما انطوت عليه من العفوية والصدق.



‏الاربعاء‏، 26‏ تموز‏، 2006
 Posted by Picasa
علي فرحان
دمعـــــــة في الفاكس

تدق السماء بكعبيك
بالناي توخز القصيدة
تفرك وجه البلاد عن المعطف المطرى
ترسل دمعة يعقوب في الفاكس
هل يصل القلب منفاه في ساعة الصفر
هل يتفرق جمع المحبين ؟
على عجل تكنس الحرب احلامنا
وتؤطر دهشتنا بالبساطيل
قهوة مرة للحمام الذي وجد اليابسة
او نهار بلا قلم يرسم فوق جدار الجليد
مشيئة انثى الفصول
بأن تمنح خاتمها للمحارب
تمنح لون هويتها لليمام الصعير
وهو يطيربلا خبرة
من نخل افكارنا للغمام
اودع في الليل اسرارها
او أجوس ملاءتها بانامل راعشة
يابلادي المسجاة في رئة البوح
اني افلي العناوين عن دهشة للينابيع
افلي القساوة
ذئب المدينة يعلك قمصان روحي
فيهتز عش العصافير في سدرة الدار
وتشرق امي بماء الوضوء
اكان لزاما ماعلى القلب ان يرتجف بالمحبة
ويصهل فوق رماد التراب بغربته
ياأبي يامهابة هذا الغمام
شجر كالح ونساء بلا فضة
كيف يستطيع هذا الفتى ان ينام؟
عليك السلام
وانت تدق السماء بكعبيك
قاصدا عرس هذي الحياة بعشر نجوم
مبتعدا في ثقوب الحكاية
مشتعلا بالاغاني
تسيل على كم حزنك اعمارنا
اتلفتنا الحقائب
اتلفتنا الحدود
بعثرت في الهجير محبتنا
فما كان للقلب أي خيار
طوينا ( يطق) الغربة
عبأنا سلال الصبر بالفولاذ
تأوينا ليال حامضات
قمر يبكي على نجمته الانثى
فتعلو جهشة القلب على وقع حطى فوق
رصيف جاحــــــــــد
يجرح اسرار الحكايات
ويلتذ بدمع عالق بالهدب
ياهول مرايانا التي تعكس نوح الغيم
في ملحمنا الوحشة
والاسمنت والعاقول والاغنية الدمعة
في ملحمنا الترعة للايغال
مضينا دونما أجنحة يزحف تحت الليل معنانا
وتنسانا عيون الله
هل يدرك قلب الارض معنانا؟
أبانا ياابانا
ندم ينبت
دمعة تفلت
ياأبانا وردة ذبلانة تنصت
وصليب من حديد صدىء
ينحت في الاعماق
فأمنحنا نساءا يتهدلن على قاماتنا بالدفىء
وامطر فوق عمر يابس حلواك
اني يابس من فرط
توق واشتهاء
 Posted by Picasa

٢٦‏/٠٧‏/٢٠٠٦

بعقوبة الثقافية
وردتنا البهية الشذية الزكية الطاهرة البريئة




طارق ابو زياد
 Posted by Picasa
التحديق في مرآة الأمل
أو :
حين يتحول الحب الى مشروع ثقافة
بقلم:
ظاهر شوكت البياتي

الحب العذري تجربة وجدانية، وإنسانية رائعة، ولا غرابة في أن تمتاز بالذاتيــة. ترافقها الغيرة والخصوصية، ولكن ذلك لا يمنع ان نفذ من خلال تلك التجــربة إلى مساحة إنسانية أرحب تمتاز بالموضوعية حين لا تعقل التجربة في حدود التجاذب الالي الساذج .
ان الوعي الناضج والصادق، يجعلنا ان ندرك ان هذا الحب التقاء ارادتين بالاضافة
الى التقاء الرغبة والعواطف التي قد تكون لاارادية اذا اعتبرنا الجمال وجودا مـاديا يتحول الى محفز يثير في الذات الأحاسيس ويوقظ فيها العواطف. وعبر المتـوارث عثرنا على هذا الحب العذري يعكس حالة من الاستلاب التام قد يصل حد التلاشي عند الحبيب ازاء محبوبه، فهو يتفاخر بها كما يتفاخر بانه يحمل.. ما يعجز جبل رضوى عن حملة ارضاء لمحبوبه، واليك امثلة قليلة جدا توضح مثل هذه
الافكار. قال قيس ليلى:
أصلي فما ادري اذا ما ذكرتها اثنتين صليت الضحى أم ثمانيا
وقال اخر :
فماهو الا أن أراها فجـاءة فابهت لا عرف لدي ولانكر
بينما راح المتنبي يتمنـى أن يملك قلبا من حديد ليقاوم سحر العيون السود
ليت الذي خلق العيون السودا خلق القلوب الخافقات حديدا
يتلذذ المحب بحرمانه، والعجز في الواقع يدفعه الى الأمنية
فهو يتمنى ان يزوره حبيبه حتى ولو بالحلم ليقول إن حبيبه قد زاره
(تعال ابحلم، واحسبها الك جية واقولن جيت ودخول السنة من القاك).... حبذا ان يحدث هذا الحلم مرة واحدة في السنة ،لان العام يحول مرة واحدة على الكون تسابق المحبون في أن يفروا من هذا الوجود بعيدين وحدهم، وان يلتمسوا مـن الشمس ألا تشرق، فالظلام يضمن لقاء هما (الحبيب و المحبوب) وهذا أهم شيء
خذني بحنانك خذني عن الوجود وابعدني
بعيد بعيد أنا وانت بعيد بعيد وحدنـا
ونقــول للشمس تعـالـي تعالـي بعد سنـة... مش اقبل سنـة
ثم صار من يموت من اجل محبوبتة شهيدا كما قال جميل بثينة : وكل قتيل دونهن شهيد
ثم جاء نزار قباني ليقول:
يا ولدي قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب
وهكذا تكتسب الكلمات مفاهيمها ضمن السياق أن الوعـي الناضـج والصـادق، قد يغير هذه التجربة من حالة الاستلاب، حـين يوجد الوشائـج الإنسانية الإيجابيةش بين الذاتية والموضوعية، ويحول الحب إلى مشروع ثقافة من غير أن يفقد الحب العذري
خصائصه الوجدانية، فالحب قد يصبح وسيلة للتذكير بالوطن ورموزه المضيئة ويدعو إلى
الافتخار بها، بل إلى استلهام المزيد من الدروس في حب الإنسان لاخية الإنسان حـين
يصبح الحب محفزا قويا للعمل المنتج والنظر إلية كقيمة عليا: لامهنـة يستنكـف منها
البعض. خذ هذه الأمثلة القليلة جدا :
هواك أنت يذكرني فرات ودجلة يومية
مثل قلبي ومثل قلبك تلاقن صافية النيـة
أو:عزاز عدنا ومن هويناهم هوينا الناس كلها
أو:شوقهم نسمة جنوب مسيرة لاهل الشمال
أو:خذني للمرواح عود خذني سن لمنجلك
من يشع ضي الخدود شمعة وبديره هلك
وهكذا يتحول الحب الى مشروع ثقافه إنسانية رائعة .




 Posted by Picasa

٢٥‏/٠٧‏/٢٠٠٦

بعقوبة الثقافية
نجمتنا.... او قل خيمتنا كما بيروت قلبنا
 Posted by Picasa

٢٣‏/٠٧‏/٢٠٠٦

بلاسم ابراهيم الضاحي
مجلة بعقوبة

ثقافية تعبر عن صوتها باقلام ادبائها الافذاذ
 Posted by Picasa

٢٢‏/٠٧‏/٢٠٠٦

بغداد امس بيروت اليوم، او كانت الامس تمحو من الذاكرة . فبعقوبة المحاذية للبحر، وهي بلا بحر، وبيروت المحاذية للعراق باتت تكتب الحرية، ترسم قطرة ماء، ترحل في أست التاريخ الذي سرق مفتاحه الاعور الدجال، بيروت بعقوبتنا وبعقوبتنا بيروت شمس يصوغ للشجر نسيجا من الغناء، وشدوا من الحمام.. بيروت آخر السنابل واول الاشجار التي يراها السجين.. بيروت حريتنا ومساحة فيضنا....
بيروت يابيروت.... بعقوب يابعقوب... الفرس نزلت للبحر والبحر نزلت اليه البارجات.. كم من بستان ذبحتها الحرب...اواه يا بيروت.. يابغداد.. يابعقوبة.،
 Posted by Picasa

٢١‏/٠٧‏/٢٠٠٦


إدوارد سعيد ..داخل الزمان.. خارج المكان
سعد محمد رحيم


ما الذي دفع مفكراً ذا شأن مثل إدوارد سعيد إلى كتابة سيرته الذاتية؟.. ما الذي جعله يبحث عن طفولته البعيدة بين القدس والقاهرة وظهور الشوير ـ مصيف لبناني ـ وعن يفاعته وشبابه بين مدن العالم؟. ولماذا هذا الاختراق العمودي العميق والباهر للزمان والمكان؟. ولماذا هذه المجالدة مع الذاكرة وضد الذاكرة؟.إلى مَ رمى إدوارد سعيد وهو ينقب في تفاصيل حياته العائلية، بخفاياها وأسرارها وملابساتها؟.. ماذا كان يمكن أن يجني، وهو يكشف، ما يحاول ملايين الناس الاعتياديين، مواراته ودفنه، أو على أقل تقدير، عدم الاكتراث به؟. ماذا يعني هذا الهوس المحموم لتعرية ميكانزمات سلطة الأب، وتحسس العروق الخبيئة للحب والحقد والكره بين الابن وأبيه، وذلك الانشداد المضني والمقموع والمحبط في العلاقة مع الأم؟يبدو أن المرء وهو يواجه حقيقة الموت المتربصة يتحرر من سطوة قيم ومواضعات اجتماعية عديدة فيكون أشد جرأة، ولا اكتراثاً، وصدقاً مع النفس، ومع العالم.هل إن الموت ـ هذه الموضوعة الوجودية الغامضة والطاغية، هو الباث السري الذي يدفع الإنسان ـ ولا سيما المثقف ـ لاستعادة تلك الأجزاء الضائعة، أو التي هي في سبيلها إلى الضياع، من شريط الحياة، وإبقائها حية، عبر الكلمات؟يقول إدوارد سعيد في تقديمه لكتابه [خارج المكان]: “هذا الكتاب هو سجل لعالم مفقود أو منسي. منذ عدة سنوات، تلقيت تشخيصاً طبياً بدا مبرماً، فشعرت بأهمية أن أخلّف سيرة ذاتية عن حياتي في العالم العربي، حيث ولدت وأمضيت سنواتي التكوينية، كما في الولايات المتحدة حيث ارتدت المدرسة والكلية والجامعة. العديد من الأمكنة والأشخاص التي استذكرها هنا لم تعد موجودة، على الرغم من أني أندهش باستمرار لاكتشافي إلى أي مدى أستبطنها، وغالباً بأدق تفاصيلها بل بتشخيصاتها المروعة”.(1)كانت حياة غير مستقرة، تلك التي عاشها إدوارد سعيد الطفل، واليافع المراهق، والشاب.. حياة قلقة في علاقتها بالمكان، موزعة، تكاد تكون ظل المنفى.. السفر دائماً.. الانتقال من مكان إلى آخر، وذلك الرحيل القسري بعيداً عن مسقط الرأس، بعيداً عن الجذر. أصدقاء جدد في كل مرة، وجيران جدد. ومن ثم قيم جديدة، ومناخات اجتماعية وثقافية مغايرة. فألقى ذلك كله في مسارب نفسه دفقات هائلة من ذكريات، أحداث وأشخاص وأماكن وأحلام مجنحة.“إلى جانب اللغة كانت الجغرافية في مركز ذكرياتي عن تلك السنوات الأولى، خصوصاً جغرافية الارتحال، من مغادرة ووصول ووداع ومنفى وشوق وحنين إلى الوطن وانتماء، ناهيك عن السفر ذاته. فكل واحد من الأمكنة التي عشت فيها ـ القدس والقاهرة ولبنان والولايات المتحدة ـ يملك شبكة كثيفة ومركبة من العناصر الجاذبة، شكلت جزءاً عضوياً من عملية نموي واكتسابي هويتي وتكوين وعيي لنفسي وللآخرين”.(2)وهو يسمي كتاب مذكراته [خارج المكان] يناور إدوارد سعيد في أفق البلاغة والفلسفة والسياسة والتاريخ في آن معاً، فهو لا يغادر المكان على مستوى الواقعة، جغرافياً، إلا من أجل أن يعود إليه رمزياً ليحتويه ويعلن انتماءه إليه، وعدم تخليه عنه، والإمساك به حتى الرمق الأخير.ها هنا يمتزج الوعي بجدل التاريخ وأحابيله، بالحنين الإنساني إلى الغرف والطرقات القديمة والأصدقاء الذين تبعثروا في الجهات، بحلم العودة أبداً إلى الينابيع، وبالمسألة الوجودية الكبرى ـ مسألة الموت. فيكون الحديث، في هذا المقام، عن مدارات تتداخل وتنفصم لتتداخل بكيفية جديدة هذه المرة. ومعها تتبلور الرؤية وتنضج فتستنجد باللغة ـ بأناقتها وهيبتها ومكرها وألاعيبها ـ من أجل أن تخرج نصاً إلى النور.. نص المذكرات وقد تسلل عبر كثافة الذاكرة، والتجارب، والخطوط الدفاعية المستميتة للاوعي، ومقاومة النسيان. ومن ثم خلل الحضور المتطلب، الفريد للشخصية.يعي إدوارد سعيد وضعية المنفي، خارج مكانه الاعتيادي، معالجاً إياها في فصل مثير من كتابه “صور المثقف”، وهو بعنوان “المنفى الفكري: مغتربون وهامشيون” عندما يتحدد المنفى مفهوماً بالإبعاد، وليس بالابتعاد بمحض الاختيار، بالاقتلاع من الجذور والخروج إلى المتاه. فالمنفى وضع نفسي واجتماعي وفكري خاص.. حساسية وموقع وموقف. وكلمات من قبيل (الكآبة والقلق والخوف والغربة وانعدام الأمان، والسخرية) تكون مألوفة في الحديث عن المنفي. ويكون الأمر أشد توتراً وإشكالية حين نتناول موضوع المثقف منفياً. وقد سكن إدوارد سعيد هاجس دائم؛ إنه في غير مكانه.. ذلك الشعور العميق والباهظ للمنفي/ ولا سيما المثقف، والذي سيبحث عن تعويض فذ وفعال من خلال الإبداع.“تصبح الكتابة لمن لم يعد له وطن مكاناً للعيش”.. هذا ما كان يقوله ثيودور أدورنو الذي يعدّه سعيد الضمير الفكري المهيمن لمنتصف القرن العشرين، وقد أمضى سنوات في أمريكا وسمته بعلامات المنفى إلى الأبد (3) فانعكست ظروف المنفى على أسلوبه ذاته في الكتابة كما يرى سعيد.“إن لب تمثيل ادورنو للمثقف كمنفي دائم، يتفادى مجابهة القديم والجديد كليهما ببراعة متكافئة، هو أسلوب في الكتابة متكلف وممحص إلى درجة الإفراط. إنه في المقام الأول مجزأ، متقلب، متقطع، لا حبكة فيه ولا ينتهج تسلسلاً محدداً سلفاً. وهو يمثل وعي المثقف وكأنه غير قادر على التحرر من القلق أينما كان، متيقظاً باستمرار احتراساً من مغريات النجاح، مما يعني، بالنسبة إلى أدورنو، المشاكس في نزعته، القيام بمحاولة عن وعي وإدراك بهدف ألا يُفهم بسهولة وعلى الفور”.(4)وفي حالة إدوارد سعيد، نجده منذ الفصل الأول لكتابه يلخص لنا ملابسات ذلك الوضع الوجودي المقلق لحياته:“وقع خطأ في الطريقة التي تم بها اختراعي وتركيبي في عالم والدي وشقيقاتي الأربع. فخلال القسط الأوفر من حياتي المبكرة، لم استطع أن أتبين ما إذا كان ذلك ناجماً عن خطأي المستمر في تمثيل دوري أو عن عطب كبير في كياني ذاته. وقد تصرفت أحياناً تجاه الأمر بمعاندة وفخر. وأحياناً أخرى وجدت نفسي كائناً يكاد أن يكون عديم الشخصية وخجولاً ومتردداً وفاقداً للإرادة غير أن الغالب كان شعوري الدائم أني في غير مكاني”.(5)ويعود في المقطع الأخير من كتابه ليشير إلى نزعة التشكيك التي هي إحدى الثوابت التي يتشبث بها، والتي تجعله غير مقتنع على الدوام.“والواقع أني تعلمت، وحياتي مليئة إلى ذلك الحد بتنافر الأصوات أن أؤثر ألا أكون سوياً تماماً، وأن أظل في غير مكاني”.(6)هل المنفى مقولة الجغرافيا ـ مقولة التغيير في المكان ـ فحسب؟ أم هو التباس قسري على مستوى السيكولوجيا، وشرخ في الوعي ومن ثم تحول في الرؤية إلى الذات والعالم؟.“أرجوك لا تتخذ هذا القرار!”.هكذا خاطب باسترناك، الرئيس السوفيتي “خوروشوف” عندما راحت الصحافة الشيوعية تطالب بنفيه بعدّه عدواً للدولة السوفيتية “السابقة” بعد حصوله على جائزة نوبل للآداب. وتم إجباره على مغادرة روسيا فلم يطق الابتعاد فانتحر في البرازيل، وخرج ريمارك خفية من ألمانيا النازية لينجو بجلده. وغادر إدوارد سعيد القدس في ظروف أشد تعقيداً ليجد نفسه أخيراً في أمريكا، وهناك فرض نفسه مثقفاً ومفكراً من طراز ممتاز. حورب من قبل اللوبي الصهيوني، وجرى الاحتفاظ به، أيضاً، جزءاً من الديكور الديمقراطي الأمريكي.. تكيف، واستغل وضعه بحنكة وذكاء فصار هاجساً يقض مضاجع الطارحين لوجهة النظر الصهيونية هناك.في كتابه “الاستشراق: المعرفة.. السلطة.. الإنشاء” قام بتفكيك وتقويض طروحات المستشرقين فأثار لغطاً وردود فعل من قبل أولئك الذين يتحصنون في مواقعهم الأكاديمية الراسخة، وهم يظنون أنهم بمنجى عن أي نقد جاد وفاعل يمكن أن يزعزع مواقعهم تلك. وفي كتابه “تغطية الإسلام” فضح الآليات التي تتحكم بصناعة صورة الإسلام في وسائل الإعلام الأمريكية، ونجح كذلك في تقديم وجهة نظر فلسطينية، موضوعية، مقنعة في الراديو والتلفاز والصحافة.يظهر إشكالية حضور إدوارد سعيد في الوسط الأكاديمي الثقافي الأمريكي في كونه عربياً ـ فلسطينياً ـ مسيحياً، حاصلاً على الجنسية الأمريكية، ومثقفاً ثقافة عصرية عميقة، متمثلاً أفكار ومناهج عتاة رجال الفكر والفلسفة الغربيين، ومن ثم عارضاً لوجهة نظر في قضايا العالم ـ ولا سيما القضية الفلسطينية ـ لابد أن تكون مسموعة، وتؤخذ بنظر الاعتبار والجدية.أن يكتب مفكر مثل إدوارد سعيد سيرته، معناه أنه ما يزال يبحث عن هوية وجوده ـ تلك التي تشكلت بتضافر ظروف ومعطيات وشروط متشابكة ومعقدة، وما تزال لم تستقر بعد ـ تلك الهوية ـ على ماهية قارة، أو صورة أخيرة. ذلك أن الهوية ليست شيئاً جامداً نهائياً، بل حالة تستمر في التكون والتشكل ما دام الإنسان يحيا وينتج. (7) وتتجلى الأهمية المزدوجة لسيرة إدوارد سعيد [خارج المكان] في أنها مكتوبة في مكان الآخر “الغرب”، أقصد في المنفى، ذلك الذي ينعته سعيد بأنه “أحد أكثر الأقدار مدعاة للكآبة”،(8) وهي كتابة عن الموطن الأول/ مرتع الطفولة ـ الأماكن التي شهدت تكوين الشخصية والذاكرة.. هذا من جانب، ومن جانب آخر فهذه السيرة هي استجابة واعية ومتحدية ضد الموت، كما ذكرنا آنفاً.“غير أن الدافع الرئيس لكتابة هذه المذكرات هو طبعاً حاجتي إلى أن أجسر المسافة، في الزمان والمكان، بين حياتي اليوم وحياتي بالأمس.. أرغب فقط في تسجيل ذلك بما هو واقع بدهي دون أن أعالجه أو أناقشه، علاوة على أن انكبابي على مهمة إعادة تركيب زمن قديم وتجربة قديمة قد استدعى شيئاً من البُعاد ومن السخرية في الموقف والنبرة”.(9)إنه كتاب خطير وهام ذلك الذي جعل المؤسسات الصهيونية تجند أحد رجالها للبحث في المراحل الأولى من حياة مؤلفه، لتدحض ما كتبه. فإدوارد سعيد بما كان له من مكانة فكرية مرموقة عالمياً عدّ سلطة مؤثرة، وشهادة شخص مثله ستكون مسموعة، لا شك. فما يقوله في هذا الكتاب، لابد أن يرعب تلك المؤسسات التي تسعى لحجب حقيقة اغتصاب أرض فلسطين ونفي شعبها، والتي يفضحها سعيد، ها هنا، بأسلوب غير مباشر، هادئ، جذاب، وعذب.ولد إدوارد سعيد في القدس في العام 1935، وقضى شطراً من حياته هناك، ودرس في إحدى مدارسها قبل أن يرحل إلى القاهرة ليقضي بضع سنوات مع أهله، ومن ثم إلى أمريكا، ويستقر ثمة حتى وفاته في نهاية العام 2003. وقد عاد بعد أربعين سنة لاستقصاء أماكنه القديمة التي ترك في جنباتها شيئاً من أنفاس يفاعته وشبابه، وتركت هي في روحه دفئها وسحرها وألفتها.إن كتابة السيرة أشبه ما تكون بحلم يقظة واع، مشبع بالحنين، وبالشفقة على الذات وهي ترنو إلى شفقها “نازلة المنحدر من الجانب الآخر” على حد تعبير جاستون باشلار.من هنا نخلص إلى أن كتابة إدوارد سعيد عن سنوات حياته الأولى، ولا سيما في الأرض العربية تعد استبطاناً رمزياً وواقعياً في آن، لضمير وعقل وذاكرة مثقف كبير من مثقفي عصرنا في مواجهة أقدار النفي والموت القاسية.
::. سعد محمد رحيم
الهوامش
1- إدوارد سعيد، “خارج المكان”، ترجمة فواز طرابلسي، دار الآداب، بيروت، ط1، 2000، ص 19.2- المصدر نفسه، ص 22.3- إدوارد سعيد، “صور المثقف ـ محاضرات ريث سنة 1993?، دار النهار، بيروت، ط 1، 1996، ترجمة غسان غصن، ص 63-64.4- المصدر السابق، ص 65.5- إدوارد سعيد، “خارج المكان”، مصدر سابق، ص 25.6- المصدر السابق، ص 359.7- أمين معلوف، “الهويات القاتلة، قراءات في الانتماء والعولمة”، ترجمة د. نبيل محسن، منشورات ورد، سوريا، ط 1، 1999.8- إدوارد سعيد، “صور المثقف”، مصدر سابق، ص 57.9- إدوارد سعيد، “خارج المكان”، مصدر سابق، ص 22.saadrhm@yahoo.com
 Posted by Picasa

١٣‏/٠٧‏/٢٠٠٦

العراق إطلالة ما غيّب من التاريخ القريب
في رواية {وردة}[1]
محمد الأحمد
بجرأةٍ موضوعيةٍ عاودتْ بطلةً (وردة).. اقتحام حياة الكاتب (صنع الله إبراهيم)، مجددا، من بعد أن كانت تطارده كفتاة أحلام عذرية، يوما بيوم منذ عام (1957)م.. و تطورت كمشروع خيال كتاب، يكتبه الكاتب، ولكن هذه المرة حقيقة بعيدة عن الخيال كما كانت تأتي إليه، في السابق، حضرت بكل مذكراتها السرية، الخاصة، والعامة، و سكنت معه بأنفاسها الحرة في امتداد صفحات الرواية.. لتتواصل معه في النضال ضد كل ما اعمي شطبا من اسطر كتابه السميك الذي شهد أحداثه الروائي شاهد العصر الذي لوعته مقالب الساسة، والقادة، والملوك، والسلاطين، وحرمته حريته من المعنى.. فالتاريخ هو الذي يهاجم الروائي مرة أخرى (القاهرة ما بين عام 1957وعام1959)م.. تاريخ أحلام تجاوزت الحقبة، واستفاضت في الدقة، حيث ترابطت الأحداث العربية.. مرتهنة بتواشج العلاقات الحاضرة في الصراع على زمان ومكان ستراتيجي مؤثر.. نجد الروائي يصل بنا إلى ملخص جدلي مفاده:
- ربما يستطيع أي حاكم جديد أن يطمس التاريخ الذي سبقه ليوم واحد، أو اكثر، ولكن ليس إلى الأبد، ومهما تفاوتت دكتاتورية قوته، وشراسته، فإنه يجهل قول (بيتر جيل
[2]) الشهير بان التاريخ سجال لا ينتهي، وكل أحداث اليوم.. ستبقى بين الطيّات، إلى حين ما، ولا بد أن يأتي اليوم الذي تطفو فيه محررة نفسها بقوة اكبر، ولن يمنعها أي حاجز أو فاصل مهما كان ارتفاعه، أو متانته.. وتكون شاخصة مسفرة عن الوجه الحقيقي لما قد حدث بالفعل، لتعطي نفسها بكل صدق وغالبا ما يفشل الطمس، فالذين حاولوا ذلك لتعارضها مع ما يريدون تغير مجراه، وفق مصالحهم.. ويتكرر المشهد للحكام الذين نجدهم قد ذهبوا إلى مكان آخر من التاريخ، وابتعدوا مخلفين ورائهم ما حاولوا حجبه من التاريخ، لان التاريخ عصي بسجاله.. كفيل بالحقيقة مهما حاولوه قمعا بآلتهم التي كانت قوية آنذاك، واليوم باتت واهية سهلة الكشف، واهنة المصير.. محصلةٌ وضوحها الكيفية الدنيئة للتحكم بالثروات.. (صراع بعثي في بغداد بين علي صالح السعدي والبكر.. يعتمد الأخير على صدام حسين المعروف باسم جلاد قصر النهاية[3]). والكاتب المصري الستيني (صنع الله ابراهيم) يرصد في روايته احداث العراق الحديث منذ اول ايام تسلم البعث السلطة في العراق، وصارت الرواية (وردة) من الكتب المحظورة.. لانها اطلالة ما غيب من التاريخ، ونظرة على العراق من الخارج، مثلا: (قرأت افتتاحية تشكو من أن الكويت خرجت من كارثة الاحتلال العراقي إلى براثن حرب استنزاف اشق وأدهى، تمص دمائها قطرة، قطرة. فهي تدفع مليارات الدولارات باسم الأمن والتنسيق، والتسليح، والتدريب[4]).. ففي الرواية قصةُ حبّ فيها ليس فيها ما يميزها عن قصص الحب التي حفل بها ديوان العرب، من إثارة وتشويق، و لكنها امتدت على مساحة عريضة من التاريخ العربي بأكثر من عشرين عاما، لتبقى علامتها أنها شاملة التصوير للفكر العربي، وتحولاته الخطيرة التي حددت هويته، ومساره البيّن.. (كانت شهلا أضأل منه حجما، لكن سمرتها كانت خمرية، ولها عينان جميلتان، وشفتان رقيقتان، وصدر ممتلئ[5]) قصةُ حبّ من طرف واحد ما بين الشاب (رشدي) الشيوعي المصري، و الشابة (شهلا) شقيقة صديقه (يعرب) الشيوعية العمانية.. القوية الشخصية والتي تصغر أخيها بسنتين.. وهي شخصية معرفية.. حاضرة البديهية، تقرا بنهم ما تستطيع من كتب هي في حد ذاتها من أمهات الكتب التي نهجت للإنسان العربي يومها من طريق، و مطمح.. فتاة أحلام، ذكية بعينين جميلتين.. جريئة و مغامرة.. حيث كانت تدرس الطب في الجامعة الأمريكية، وغيرتها إلى الفلسفة، ومن ثم أخذها ساح النضال، حيثما يكون للإنسان مطمح يجد نفسه فيه. (في شهر يوليو سقط النظام الملكي في العراق وانهار حلف بغداد في ثوان، بعد أن استولى عبد الكريم قاسم على السلطة[6])، فبدت الأحداث العربية كلها متضحة من خلال مقارنته ما بين السلطنة في السابق، والسلطنة اليوم.. لا يترك أي فارق ليذكره بأمانة المؤرخ الذي يعتمد أداتاً ذكيةً شاملة. بينما كان زائرا في ضيافة ابن عمه الموسيقي وزوجه في (مسقط)، ومنذ الطريق إلى محل سكنه.. يؤكد الكاتب على انه في عقده السادس، و هي أيضا من جيله.. الجيل الذي شهد التحولات الكاملة.. ما بين شرق وغرب.. وما بين شرق أوسط.. مدونا وجهة نظر المثقف الحريص على رأيه: (قال سعودي: أو قل إنها سياسة اللعب على الحبال. في حرب الخليج رفضوا اتخاذ سياسة متشنجة ضد العراق، واكتفوا بإرسال قوات رمزية إلى حفر الباطن[7]).. بذاكرة المناضل الحقيقي الذي مشى بخريطة النضال من القناعة، وحتى الرمق الأخير، ولكن كل الجهود غير الإنسانية ذهبت سدى.. لان المثقف بفطنة الروائي العليم، وبحرية الإبداع، راح يتخيل، وراح يبتكر ثيم عالمه.. متواصلا بالحكاية من آخرها مثنيا على القيمة البطولية السامية، والمبدئية الأصلية.. وان المبدع هو خلاصة العصر الذي يعيشه، فالمثقف في هذه الرواية هو المتحسس الأول لما يحدث، ويتنبأ بالأحداث قبل أن تقع، بل ويعطي النتائج الكاملة من قبل أن تظهر النتائج، والنتائج تكون لاحقة لرؤيته.. مستنتجا محصلة الحقيقية بالكامل، وغالبا ما تكون بدقة ما يكون به صانع القرار السياسي، حيث الكل من مكانه.. ذلك يتحكم بالقرار المصيري، و الكاتب يتحكم بالقرار الذي يكتسب لحما ودما على الورق.. كشخوص لهم الحق في كل ما حولنا من مبررات في العيش الرغيد. وكأنه قد كشف المستور بشفافية من يعرف المعرفة القاطعة. فوجه النضال واحد في كل زمان ومكان، ضد التعسف في الرأي، وقمع الرأي الآخر بتجاهله، أو بتسفيهه، أو تأجليه إلى غير فاعليته.. (مصرع عبد الكريم قاسم على يد انقلاب عسكري. هل ناصر وراء الانقلاب؟[8]). كما كانت المنشورات السرية الشيوعية تتسائل- ربما سجنه (عبد الناصر) بسبب ولائه، أو لانتمائه لما كان يطمح أن يكون.. و (وردة) المناضلة عادت إليه بكل تاريخها المسلوب، المنتهك، وبكل ثقلها الموضوعي، راحت تقرأ تاريخ النضال للقارئ البعيد عن الساحة المتشوق لمعرفة ما حذف من التاريخ بالنار والحديد، تقرأ مسيرة ما قد حدث ولم يستطع أحد مهما كان أن يتجاهلها، أو يعبرها، تقرا البطلة الروائية نيابة عن القارئ، وتبهره بتدفق الوثيقة الحية التي صارت عمودالرواية المكون من مذكرات حية، بصدقها جرئيه بثقلها.. وجادة تمام الجد في كشف مرآة المرأة العربية المناضلة بكل تفاصليها وهي تثابر وتكافح من اجل حياة حرة كريمة، ولم تكن رواية مكان عربي واحد، بل كانت أمكنة عربية في رواية واحدة، تعطي ما كان قد استلب وضاع ما بين المصالح و المطالح على ساحل الأبيض المتوسط، ضاع كما ضاع دفتر ذكريات الحلم العربي المجزأ وفق ما أرادته أن يكون لتك الدول العظمى ووفق ما ترتئيه خريطتها الاستهلاكية بتوازن القوى.. تنقل الصورة الجلية أينما كانت و أينما يتطلب من (وردة) المناضلة أن تسافر، وان تستقر.. من سلطنة عمان إلى مصر واليمن ثم لبنان وسوريا، والعراق ثم الكويت والسعودية.. ولم يكن اختيار المكان لم يكن لرغبة ما، أو سفر من اجل السفر، ولكن قربها كمناضلة وفاعليتها في حركية التاريخ وتنقل صدق وجودها الذي يكشف حركية التاريخ المتوافقة بما يملك من ثروات، و ستراجية موقعيه، و طيبة إنسانية.. تقع سلطنة عُمان في أقصى الجنوب الشرقي من الجزيرة العربية. يحدها (الخليج العربي) شمالاً، و (الإمارات) من الشمال الغربي، و (السعودية) غرباً، و (اليمن) من الجنوب الغربي، و (المحيط الهندي) جنوباً، و (خليج عمان) شرقاً. غزتها البرتغال وسيطرت على مضيق (هرمز) حتى إجلائهم عنها عام 1622 م، وقد دخل البرتغاليون العاصمة مسقط فاحتلوها وحصّنوها بحصونٍ منيعة لا زالت قائمة إلى يومنا هذا. تركها البرتغاليون نهائياً عام 1649م. ثم قويت الدولة (العمانية) بأساطيلها البحرية التي وصلت حتى الساحل (الأفريقي)، وفي المحيط (الهندي)...
رواية (وردة) إحدى أعمدة الفن الواقعي في الرواية العربية، مبدعها كاتبٌ اتسم نهجه الروائي بالجدية، والموضوعية.. فلم ننس له رواية مثل (تلك الرائحة) التي دون فيها ما أحدثه (جمال عبد الناصر) في الشيوعيين المصريين، أو(نجمة أغسطس) تجربة بناء السد العالي في مصر، أو (اللجنة) التي كتب فيها فصلاً عن دكتاتور (بغداد) منذ مطلع السبعينيات، و رواية (ذات) التي لم نستطع أن نقراها بسبب التعتيم و الحصار الإعلامي على مثقفي العراق، (نسخر من حزب البعث وحديثه عن الرسالة الخالدة للامة العربية التي تظهر بشكل متجددة في مراحل التاريخ، وترمي إلى تجديد القيم الإنسانية، ومن زعيمه (ميشيل عفلق) الذي استكتبه الدكتاتور السوري (حسني الزعيم) تحت ضغط المسدس.. تعهدا بالتوقف عن النشاط السياسي
[9]).. فالمثقف هو ذاكرة المكان الذي يكشف بدقة عن المعلن بغير المعلن؟.. أم إن جنس الرواية المتوجة بالوثائق هي قطعة حلوى لابد من التهامها؟.. بكل ما تحوي من شحنات صدق في لغة جزلة تغوي قارئها إلى لذته، فيكتشف انه اخذ إلى مكان آخر تجري عليه الأحداث، حيث الإنسان العربي المستلب من كل ما يتعلق به.. بقي الإنسان هامشا مفكك اللغة، غير قويم الأخلاق.. يعاني من ازدواج كبير في أعماقه، وقد ضاع ما بين الشخصين المتضادين كل ما على الإنسان الحقيقي أن يجده.. يكشف بدقة ما على القوانين الجدية من دقة، و صرامة لتنظيم الحياة المزدحمة بالتخلف، وخاصة كدولة غنية.. تأتي في تسلسلها من الغنى كالإمارات العربية المتحدة، وما غزاها من هجرة عمل، وأخذ يدخلها من هنا، وهناك.. شراذم، أو عكس ذلك.. (القصة العربية ترتفع إلى مستوى مسئولياتها، فتنهض بعبء التعبير والتقييم، والتوجيه لحياتنا الجديدة - د. غالي شكري[10]).. كونها رواية واضحة المقاصد.. اعتمدت الحكاية كعمود بنائي يلم أوزارها للقارئ، و لا يعطيه فرصة لان يذهب عنها حتى التهام السطر الأخير.. بها تشويق، والتشويق صفة الرواية الناضجة، واقعية بقيت في حيثيات ما يحدث داخل البيت العربي الجليل، الذي بقي يعاني من الحاجة لكافة الضرورات التي حرم منها. الميدان العربي، مساحة الروائي الذي أتقن الصنعة الروائية، وراح يوسع فيها ليشمل بها كل الساحة التي تجري عيها الأحداث، الشمولية تلك تحسسناها بعدة روايات عربية- مثل رواية السوري (حيدر حيدر) (وليمة لأعشاب البحر). خريطة أحداث الرواية تجري ما بين مسقط، و صلالة، و في أواخر عام 1992م، تحديدا.. في العاصمة المنتظمة بدقة فرسانها الإعراب، بعد أن رسم الراوي القدير أمكنة الانطلاق إلى تفرعات (وردة) الروائية، وأثاثها البشري الموزع على مساحة عربية شاملة.. واسم (وردة) هو لقب الشخصية المحورية، تجسد امرأة تميل إلى الاعتماد على الذات وتحقق طموحها من خلال العمل، والاجتهاد.. لتروي سيرة مناضلة عربية مكتوبة بين طيّات السجل العربي الحافل بالاستلاب والقمع، و الإخصاء.. فأكد تخصص الروائي بالوثيقة، حيث كمنت خطورة، وجدية التجربة.. (فان الأنظمة بتسلطها وهزيمتها قد خلقت ظروفا لا تزيد على أن تهبط بإنسانية الإنسان العربي إلى حدها الأدنى- شكري عزيز ماضي[11]) حيث الدقائق تمشي متتابعة في تسلسلها المنطقي في تمكن ليس له مثيل.. أهم مدن السلطنة بعد مسقط العاصمة: مطرح، صلالة. عملتها: الريال العثماني. تولت أسرة (آل بو سعيد) الحكم في منتصف القرن الثامن عشر. ثم توالى على الحكم (14) حاكماً من هذه الأسرة حتى عام (1970م).. ونهضت سلطنة عمان بقيادة السلطان (قابوس بن سعيد بن تيمور)، فغير اسم الدولة من (سلطنة مسقط وعمان) إلى (سلطنة عمان).. ولد عام (1940م)، و تلقّى العلوم العسكرية في الأكاديمية العسكرية الملكية ببريطانيا.. خلف والده، (سعيد بن تيمور)، سلطاناً لعمان عام (1970)م، وبدأ عمرانها في عهده. (في العراق أشفق الشيوعيون الذين قاموا بدور رئيسي في إسقاط النظام الملكي أن يحرموا من حقهم في الوجود الشرعي[12])، (كان شئ مثل الذي فعله عبد الناصر.. عندما تحالف مع البعثيين ضد الشيوعيين السوريين توطئة للتفرغ بعد ذلك للأولين[13])، (سقط النظام البعثي في العراق. انقلاب عبد السلام عارف بدعم من حركتنا والناصريين[14])، هكذا دون صنع الله ابراهيم في روايته (وردة)، وصارت الرواية اكثر مبيعا بين قوائم كتب الاستنساخ التي كان يحظر انتشارها ايام العهد الصدامي البائد.

بعقوبة
http://www.postpoems.com/members/alahmed/
[1] رواية صادرة عن دار المستقبل.. عام 2000م
[2]* History is an argument without end.
[3] ص 92 الرواية
[4] ص 13 الرواية
[5] ص 54 الرواية
[6] ص62 الرواية
[7] ص 29 الرواية.
[8] ص 92 الرواية
[9] ص57 الرواية
[10] أزمة الجنس في القصة العربية.. دار الآفاق الجديدة- ص320
[11] انعكاس هزيمة حزيران على الرواية العربية.. المؤسسة العربية- ص 98
[12] ص62 الرواية
[13] ص 62 الرواية
[14] ص 93 الرواية Posted by Picasa
مدارات ادونيس
علاقات «تَفْكير»، لا علاقات «تكفير»
أدونيس
- 1 –
كلما قمت بزيارة الى مدينة اسطنبول، وقد زرتها مراراً. بدءاً من منتصف ستينات القرن الماضي، يتضح لي أكثر فأكثر، أن لهذه المدينة خصائص تجعل منها حاضرة إسلامية فريدة.
إنها، من جهة، نقطة وصل عُضويّ بين الطبيعة والثقافة، يتمازج فيها الإنسان والوسط الجغرافي، في شكل حميم.
المدى الجغرافي، مجسداً في البحر الأسود، فالبوسفور، فبحر مرمرة، فالدردنيل، فبحر إيجه، فالبحر الأبيض المتوسط، يُعانق مدى تاريخياً – ثقافياً، يتجسد في الفترة ما قبل الوحدانية، فالوحدانية المسيحية البيزنطية، فأوروبا.
وهذا ما يجعل هذه المدينة تبدو، من جهة ثانية، كأنها أفقٌ مفتوح بلا نهاية، يتداخل فيه الشرق والغرب كأنهما أرض واحدة، أو «بيت» واحد. وهذا مما ربط الإسلام التركي ويربطه، موضوعياً، بالحداثة الغربية، ومما يجعل منه نموذجاً خاصاً – للفكر والعمل، داخل «العالم الإسلامي».
ولئن كانت هناك مدنٌ – عواصم للماضي، ومدن عواصم للحاضر، ومدنٌ عواصم للماضي والحاضر والمستقبل، فإنني أضع مدينة اسطنبول في طليعة هذه المدن الأخيرة. فهي ليست مشروعاً منفتحاً، موضوعياً وعضوياً، على المستقبل وحسب، وإنما تُسهم كذلك في رسم صورته، وفي بنائه.
الإسلام التركي هو، اليوم، السؤال الأول الذي يجب أن يُطرح على الإسلام العربي. لا على مستوى «الخارج»، وحده، وإنما كذلك على مستوى «الداخل»، وليس على السياسة وحدها، وإنما كذلك على الثقافة. خصوصاً أن الإسلام التركي يؤسس لعلاقات إنسانية جديدة، في ما بين أبنائه، من جهة، وفي ما بينهم وبين «الآخرين»، من جهة ثانية: علاقات «تفكير»، لا علاقات «تكفير».
- 2 –
من اسطنبول، ذهبت الى باليرمو، عاصمة صقلية. لا يزال شعاع من الفن العربي يتلألأ فيها. في كنائسها، خصوصاً. في الكاتدرائية الباذخة، مونريال، على الأخص. حتى في باليرمو، يواجهك تساؤل داخلي صامت: لماذا لا نجد في البلدان العربية فناً عربياً يضاهي بقايا الفن العربي في الأندلس، مثلاً، أو حتى في صقلية؟
هل يجب أن يخرج العرب من ديارهم لكي يكونوا مبدعين وعظماء؟ هل معناهم منحصر في «الهجرة» التي تجعل منهم «أفراداً»؟ كأن العرب لا يبدعون إلا بالمشاركة مع غيرهم. كأن ذاتيتهم الخلاّقة لا تنشحذ إلا بالآخر.
كن غيركَ، إذاً، لكي تكون نفسك. الآخر يُعطيك ما ليس فيك. يكملك، فيما يجعلك أكثر معرفة بنفسك وبالعالم.
«الهجرة» هي أن تكون»فرداً» – هي أن تخرج من «الأمة» الى الكون كله. في «الأمة» لا يكون الفرد سيد نفسه، بل تكون هي السيدة. وليس هو من يحدد الغاية من حياته ووجوده، بل هي. هو فيها مجرّد «خلية» في جسم – كتلة. وهويته هي هوية هذا الجسم – الكتلة.
لا فرادة له.
الفرادة تضاد، وتريد «الأمة» أن يكون الفرد معيّة. الفرادة علوٌّ، وتريد «الأمة» أن يكون الفرد «ترسّباً».
- 3 –
هكذا، فيما وراء العام، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وهو بالغ الفاعلية والأهمية، تأخذني «الهجرة» دائماً الى الذاتي الخاص، البالغ الفاعلية والأهمية هو كذلك، كأنه وردة فاتنة في بستان عظيم، فأردد ما يقوله الشاعر الفاتن مالكولم دو شازال: «جسم المرأة الجميل، أفضل القناديل. نوم اثنين معاً يجعل الليل أقل عتمة».
لكن، سرعان ما يستحوذ عليّ الهاجس الذي لا يقل فتنة. لا أشعر انني موجودٌ، حقاً، بالوصل بل بالفصل. وكلما ازددت اتصالاً أشعر أن علي أن أزداد انفصالاً. ألأنَّ في الاتصال شيئاً من «المعيّة» أو «التبعية»؟ ولماذا هذه «الجدلية» الجامحة في العلاقة حتى بين العمق والعمق، العِرق والعِرق، العَصَب والعصب، الشريان وأخيه الوريد؟ هل لأن «الاستقلالية» هي وحدها الوجود الحي، والحر؟
ومن أين يجيئني هذا الطبع: لا أثبتُ. أحيا متحولاً في حركة من الانفكاك المتواصل الى أن يذوب جسدي في موج الكون.
وماذا أفعل؟
كثيراً، شكوت أمري الى الطبيعة. وتمنيت لو أنها أصغت إلي ولو مرة واحدة.
لا تسألوني، إذاً، لماذا أعشق الجانب البدوي، البدائي في هذه اللغة الفاتنة – لغة العرب: امرئ القيس، طرفة، الأعشى الكبير. الشنفرى وتأبط شراً، وبقية الصعاليك.
هذه البدائية بداية دائمة. تحولٌ دائم.
والقِدَمُ هنا ليس إلا قَدَماً لا تتوقف عن الحركة وعن الرقص في قلب الحاضر.
وما تكون الحياة إذا لم تكن هذه البداية الدائمة؟
- 4 –
أنتظر.
بعدُ، لم تجئ الطائرة. باليرمو – فينيسيا. لا تزال اليقظة باكراً تشوّش حاسة اللمس، كما لو أن جسدي لا يزال يتمطى في سرير نومه.
آخذ عصير برتقال. أتأكد أن لدي قوة لتدمير طاقاتي أحارُ في تأويل دلالاتها. من أين تجيئني الرغبة في استنفاد ما أكتنزه؟
بعد، لم تجئ الطائرة.
في القاعة أشخاص مثلي يحملهم النوم في أرجوحة. تعب السهر كمثل غيم على الوجوه. ليس للصباح معنى، حين لا يطلعُ من الليل، عفواً. حين يتحول الى نُعاس وتثاؤب. حين يؤخذ اغتصاباً.
الصباح، تحديداً، مستقبل. ولا يكون، في مثل هذه الحالة، إلا ماضياً. وما أشقى الحياة حين يكون «الغدُ» فيها، هو «الأمس».
تأخّرت الطائرة.
انهار جسر كنت أمدّه بين الواقع ورغبتي. هكذا تحوّلت رغبتي هي نفسها، وانضمت الى الجيش الذي يحاربني.
أقدر الآن أن أقول: أعرف الوحدة.
الأرض كوخٌ يكاد أن يتهدّم عليّ.
السماء بطاقةُ سفر.
والشمس كمثل ثوبٍ شفافٍ على جسد الأرض.
 Posted by Picasa
تحليل الرواية العراقية الحديثة..
انموذجا: غسق الكراكي

تحسين كرمياني
س : ما الذي دفعك لكتابة روايتك الأولى..؟
ج : الطموح لكتابة رواية..!!
(كلود سيمون)
***
تعرف الرواية على أنها عالم متكامل غريب مبهم الجغرافية،يتوجب على السائح/القارئ/معرفة لغة هذا العالم الشائك والشيق بطبيعة الحال،قبل أن يتجشم عناء مغامرة قد تدفعه مفاجأة للحيلولة عدم مواصلة رحلته الاستكشافية لمعرفة تضاعيفه الحافلة بالأسرار،والرواية الناجحة كما يذهب(كولن ولسن)/تبني التوتر ثم تسمح بالانطلاق كالرعد/..ينطلق(سعد محمد رحيم)من شرارة تلهب أفكاره وتشحن رؤيته بممكنات تؤهله لبناء نص روائي حر يناظر ـ وفق الأساليب الحديثة ـ الواقع ويتلاحم معه،هذه الشرارة يطلقها(كمال)الشخصية التي يجدها الروائي مناسباً ليتوارى خلفه،يتمكن وعلى لسانه طرح همومه أو التعبير بحرية أكثر عّما يؤرقه،لقد كان(كمال)شرارة ملهمة منحت الراوي عتبات تقود إلى شواطئ تعج بلآلئ تبحث عن يد مدربة بإمكانها أن تبهر لو تم إعادة صياغتها بما يناسب فضاء السرد الإبداعي،حيوات مشحونة بتوترات حميمة وباقة أحلام متناسقة تبحث عن فضاء أو إناء يستوعبها..يقول(كمال)/حلم حياتي الكبير أن أكتب رواية/ثم يضيف/الرواية تساوي الحياة ومن لم يترك رواية قبل أن يموت كأنه لم يعش/(ص 11).هذا الحلم الكبير يحتاج إلى مرجعيات شائكة،وربما إلى حد ما ثقافة موسوعية وتجارب حياتية مريرة،مع قدر معين من موهبة قابلة للانفجار،إذا ما تمكن من فض المسلك السليم للوصول إلى شاطئ الإبداع،لا يملك(سعد)بديل(كمال)إلاّ قلمه ومشعل مغامرة وقودها رغبة صادقة لمواصلة المشوار،يكتشف أنه مسكون بأرق البحث عن تفاصيل متناثرة في أزمنة وأمكنة وفي ذاكرات قديمة،ثمة سؤال يلح:هل يريد(سعد)تحقيق رغبة(كمال)..؟؟أم هي غيرة فجرها(كمال)فيه لكتابة رواية وجد أشلائها متواجدة لا تكلفه سوى رحلة تقصي الحقائق لملئ حقيبته بالتفاصيل قبل تشكيلها كنص حياة،تشير السيّر الإبداعية أن الروائي الناجح هو من يزور مواقع أحداث روايته إن لم تكن تلك المواقع مواطن طفولته وله فيها مقابر آلام وسلال مشاهد،عليه أن يغامر ويخاطر من أجل هدف نبيل،فكتابة الرواية كتابة تاريخ حقيقي غير قابل للتزوير أو حذف ما هو فاضح وخادش،والروائي عبر منجز تراثي هائل تبين بما لاشك فيه أنه شاهد عصر ومؤرخ الجوانب اللاإنسانية من إفرازات ومظاهر تصنعها تيارات تتسيد رقاب كل مرحلة،هكذا فعل كبار الروائيين قبل أن يخلدوا لنا مآثر لما تزل تثير اهتماماتنا الفكرية وهي بالتالي تواريخ تنضح بالحقائق لعصورها،فزيارة المكان الروائي أو تخيله تمنح فرصة مثالية لتوزيع الأدوار بشكل غير مربك،وتمنح إلى حد معقول الصدق الفني للنص،ولن يفلح من يجلس في غرفة ويستسلم لخياله كي يقوم بدلاً عنه في جلب أو لملمة أجزاء قد تتضاد مع الفكرة أو تتقاطع مع طبيعة الشخصيات وربما تتنافى مع عقول المرحلة وما تليها،هل يفلح طبيب معالجة مريضه دون معاينته والكشف عليه قبل تحرير عقاقير شفاءه،ينطلق(سعد)صوب تلك الأمكنة الطفولية النائية،يبحث عن شخصيات يعرفهم هو ويعرفون(كمال)جيداً ولهم معه حيوات،يمكننا أن نقول أن(كمال)هو(سعد)وهذا ما يشير إليه الراوي(ص 50)/كما أن مدام بوفاري هي فلوبير/يستند على شخصيات يعرفهم،متواضعون متسامحون،لهم ذاكرات عفوية،ما زالوا يتمسكون بفطرتهم وبساطتهم يعيشون في مكان لم يبرح تلقائيته الأولى،مما كسبت الرواية صفة الشعبية،وسمحوا بدورهم بدراية أو بلا دراية الراوي اللجوء إلى جملة أساليب في تناول التفاصيل المتشعبة لماضي(كمال)العاشق والحالم والمغامر،هذه الأساليب طوّعت الأشلاء المبعثرة لخلق فضاء روائياً حفلت بشاعرية دفعت الرواية بمسار غير ملتو إلى أمام،أعتمد على سرد متداخل،تارة يمتد وطوراً يتقلص،تارة يندفع وأخرى يرتد،مما جعل القراءة لاهثة،وجاء كبديل لابد منه عن الإغراء وحافظ على عدم إملالية النص من جهة أخرى،ربما أقترب أو بالأحرى استفاد(سعد)إلى حدٍ ما من مقولة(كولن ولسن)/الأسلوب التوثيقي هو الترياق الكامل للرومانسية/.حسناً فعل حين تجنب السرد الأفقي كونه رحلة مستقيمة في صحراء إن جاز الوصف،ليس ثمة مجال للوقوف أو الرجوع،متاهة ما بعدها متاهة،هذا الفاصل يحيد عنه الراوي بطريقة ماكرة وخادمة لخلق نصه الحافل بالأغراء والتوتر،يلتجأ إلى رسائل(كمال)وحاجياته في صندوق قديم حافظ على يد الكاتب على رائحة(كمال)وكل أحلامه المؤجلة،براءته،مغامراته الغرامية،ما عشق من كتب،قد تكون مقاربة متوازنة وعلانية من قبل الراوي،فاللجوء إلى الذاكرة وما هو راقد فيها من مواقف وذكريات،تقابل اللجوء إلى صندوق يحوي الأشياء الغامضة والسرية،في ذلك الصندوق يتم العثور على أشلاء رواية لم تكتمل،كانت رغبة صادقة ووثابة قمعها الزمن ومنح الفرصة لـ(سعد)البديل الممكن لاستكمال المشروع الحلمي لـ(كمال)،فالرواية مكتوبة أصلاً في الزمن لكن فصولها متناثرة في أمكنة وذاكرات ما تزال متواجدة أو وثائق غير ممحية،أنها تشبه إلى حد ما عملية لصق أجزاء صورة ممزقة،البارع وحده من يرجع الأصل بفراسته ومثابرته،تبدأ اللعبة الروائية بعملية لملمة الجذاذات المتناثرة،عبر لغة صادمة أحياناً تنزلق في سياحة شعرية لتحميل المتن جواً رومانسياً،كون الثيمة تعالج حلماً غاطساً في رحاب علاقات عاطفية وإنسانية حفلت بعفويتها،ومن خلال جملة محمولات ينثرها الراوي في بقع يجدها محطات ضخ الروح لقطار رحلته،بإمكان الدارس أن يستنتج أن(سعداً)هو(كمال)،(من خلال زج طروحاته بخصوص كتابة الرواية غالباً ما تتمرد شخصيات الروايات على مؤلفيها وتصبح صعبة السيطرة عليها)(ص13)ويضيف في(ص26)(المهم هي الطريقة..طريقة الكتابة..الأسلوب)لنرى ما الذي يقوله(كولن ولسن)(الأسلوب يهتم بنفسه عندما يعلم الروائي ما يريد قوله)لنعد إلى(سعد)ما هو دافعه لكتابة هذه الرواية(لأثبت أن كمالاً قد عاش)(ص12)ويؤكد رغبته(استناداً إلى أية قواعد للصيغة يمكنني أن أبتكر كمالاً في رواية)(ص17)تتولد لدينا رغبتان متداخلتان،رغبة(كمال)لكتابة رواية،ورغبة(سعد)لكتابة رواية أراد(كمال)كتابتها،يقترح(سعد)(كمال)النول الذي ينسج حوله رداء رغبته،رغب الراوي أن ينفرد أو يتخلص من فكرة تحقيق رغبة(كمال)لكتابة رواية كي يعيش أبداً كما جاء في مستهل الرواية،(يمكنني أن أبتكر كمالاً في رواية)بيد أنه سرعان ما وجد نفسه يلهث بحثاً عن كل تفاصيل حياة(كمال)الذي بعث جذوة الشرارة ووزع أشلاء حلمه في أمكنة متيسرة الغوص فيها،لا تلين عريكة الراوي،يجتهد لإثبات كينونته وصنعته الروائية(كيف يكون الأمر مع شخصية حقيقية)(ص13)محاولة لإقناعنا أن العمل السردي يتطلب اللجوء إلى الخيال واجباً إلزامياً لصناعة فنية العمل وسحريته،والرواية المفعمة بروح الخلود كما هو مألوف لا تحقق شعبيتها من واقعيتها السطحية،لابد من صنعة محكمة ولمسات فنية تبعث نشوة الانسجام وتجذب الحواس وتستفزها،لابد من فواصل إقناع،موجبات صراع ونتائجها العقلانية،أن تشكل مع المتلقي وسيلة اتصال لا مرئي وحوار ودود،أن تمنح أجوبة لأسئلة قابعة في ذات القارئ الولهان،ثمة حالة غالباً ما يغيبها أو يقصيها الروائيون في الكثير من أعمالهم،حالة توازن الأضداد والنقائض،فالحياة كما هو معروف قائمة على شطرين متكافئين،حرب وسلام،ليل ونهار،خير وشر،بعث وموت،أنثى وذكر،صدق وكذب،يبقى فاصل الجذب بين الطرفين هو المحرك الأساس لديمومة الحياة وجماليتها،لكل فعل رد فعل يساويه قوة ويعاكسه اتجاهاً،كيف لم يلتفت الروائي لهذا الفاصل الحيوي وتوظيفه كحق عن مشروعية الحياة وسر انبعاثها وتجديدها،كثيرة هي الروايات التي فشلت كونها سارت على مسلك أمين،هاملة الجانب الجاذب الموازن والخادم لتفعيل النص وشحنه،فزج شخصيات مضادة تمنح فرص متكافئة لخلق حوارات تحاول هدم فكرة الروائي،شخصيات تعاكس وتخاصم،تفند وتقصي،تخلق صراعات جانبية تحاول إرباك أو عرقلة إيصال الفكرة،مما تفتح أمام المتلقي حلبة صراع،ما بين راوي يريد إقناعه وآخر يخلق أجواء مشوشة له،فالرواية هي(دعني أخبرك ما يحصل)كما هو مشاع،ينتظر المتلقي النتيجة النهائية مشدوداً،كي يضع النص في موقعه المناسب،هنا أيضاً بإمكان الراوي أن يجد فرص متوفرة للمراوغة للتخلص من مطبات وعراقيل الشخصيات المضادة،والتي وجودها ملح لابد منه لتعقيم الرواية من الروتين والملل،وربما فرصة مناسبة لدفع المتلقي ليكون طرفاً مشاركاً أو حكماً على ما يجري،ومساحات أوسع لتبرير المواقف وقيادة سفينة الثيمة عبر مسالك متشعبة هي في النهاية ترسيه في بر الأمان،هذه الفواصل دفعت روايات كبار الكتاب نحو خلودها،روايات دستوفسكي وتولستوي وفولكنر وهمنغواي وكازانتزاكس،كانت حافلة بصراعات فكرية بين شخصياتها،منحتنا فرص ممتعة لنكون مشاركين مستفيدين،(سعد)لم يلتجئ إلى هذا الفاصل،يقترح أسلوباً متناوباً مقتضباً مبتوراً أحياناً،سريع التحول من وإلى،بين ماض مغر يجذب ورغبة تستعر كلما اندفعت الرواية صوب متاهات ومقتربات من ميراث(كمال)،هذا الأسلوب منح الرواية فرص قراءات متوالية هندسية،قبل تكوين الجواب النهائي حول(تحقيق الرغبة)في (غسق الكراكي)،هذا ما يطرحه الروائي(لذا فأن هذه الرواية ستبقى تكتبني ما حييت)(ص150)يزرع الكاتب عدة كاميرات ويستنفر ذهنه،كاميرا لرصد حياة(كمال)كاميرا متنقلة تبحث عن حوارات وعن أسرار دفنتها الطفولة في نهر مدينته أو في ظل أشجار البساتين وربما في طوايا الجدران،كاميرا تطارد رسائله،تلك الأسرار الأكثر شخصية،ويولي الحريق اهتماما ملحوظاً كون الحياة عبارة عن حرائق متلاحقة مشعلها ووقودها الإنسان،لا فرق الرغبة تساوي الحريق لكل مبرراته وأسبابه،كما للنهر دلالته في الرواية كونه دافن أسرار،وكان لـ(كمال)مع رفاقه في أزمنة متباعدة رغبات جرفته النهر في قيظ الظهيرات اللاهبات،كل مكان ممكن أن أحتفظ بشيء ولو برائحة أو كلمة وربما همسة انفلتت من بين شفتيه،صار هدفاً مغرياً لـ(سعد)وهو بطبيعة الحال لا يريد كتابة سيرة مختزلة،أو رواية عابرة،يريدها رواية حياة وحلماً قائماً تؤكد أن(كمالاً)أو(سعداً)قد عاش،التفاصيل الحميمة تزيد من ضراوة النص وتدفعه إلى الأمام،(كمال)باعث شهوة الكتابة هو خارج الزمان والمكان،لم يترك سوى خطوط كافية لتحقيق رغبة،رغبته أو رغبة من يحقق رغبته وربما رغبة من يبغي قراءة رواية،(غسق الكراكي)رواية رغبات،رواية بوليسية،رواية تحري،رواية رحلة بحث عن حالم كبير خنقه ظرف طارئ،رواية رحّال يسافر عبر طرق شائكة،يرغب أن يحقق رغبة،فالرواية كما أشرنا مأمونة مصانة مفاتيح الولوج إلى أسرارها متروكة،وحده(سعد)أمتلك الشفرات السرية،وراح ينقب بطريقته النادرة كي يرتق المعطف الذي أراد(كمال)ارتداؤه كي يخلد،لا فرق إذاً لدى الطرفين،سواء حمل الغلاف أسم(كمال)أو(سعد)فالمتن يحرره الراوي،(كمال)يسرح ويمرح في خياله،يتدخل في أوقات حرجة ليدس معلوماته عن سبل إنقاذ الرواية الحاضرة من مخالب التكرار والهامشية،فهو لديه رغبة سواء لتحقيق رغبة(كمال)أو رغبته الخاصة،حول نظرية كتابة الرواية الحديثة،من خلال أسلوبه المتقافز كما ألمحنا،ليس بالضرورة أن تكون الرواية مدونة،هناك من ترك حياة ملحمية تسرطنت في الأذهان ومضت من جيل لجيل تنتقل شفاهاً،قبل أن يزحف عصر التدوين ويأسر تلك الملاحم في أقفاص الورق ويجردها من التشظي المتنامي عبر الأجيال،قد تتغير الكثير من موجبات الشرارة الدافعة لخلق التوتر،مما يجد الراوي نفسه في دوامة شكوك،قد يغير من فكرته أو رغبته،(ما أعنيه هو أن كمالاً مثلنا جميعاً،كانت له أخطاؤه وشطحاته وخطاياه)(ص26)يمنح الكاتب شخصياته حرية وطرائق تعبير دون أن يتكفل هو التعبير عن ما يريده،لا يجبرهم أو يحملهم أفكاره كما يفعل البعض من كتاب الرواية،يبيح لهم قول ما يبغون قوله حتى لو كانت خارج حساباته الروائية،فهو مشحون بجملة أسئلة،تشكل لديه أرهاصات لا يريد البت بها،وفق قناعاته أنها تربك نمطية السرد وانسيابيته وبالتالي يرتبك الإيقاع،يتجنب الخوض في مستنقع المفاجآت،كنت أرجو أن لا يهرب من ذلك،طالما الروائي عليم بما هيأ من دروب خلاص وسبل إقناع،(السؤال هم ضاغط في النفس،ولو كان متاحاً الجهر بأسئلتنا كلها لكان العالم غير هذا العالم،السؤال يغوي أسئلة أخرى)(ص104)هل حقاً يخشى الروائي قول الذي في باله..؟؟أم عليه أن يبتكر وسائل ومسالك تجنبه الفخاخ المنصوبة كي يعبر عن فكرته دون ترك الإجابات لتؤرق ذاكرة المتلقي وبالتالي يحرمه من فرصة المتعة المرجوة،أم أن(سعداً)يريد أن يؤكد أن ما يدونه ليس رواية أسئلة انسجاما مع متطلبات مرحلة الكتابة،دفعاً للتأويل المضاد،وهو يدرك أن الباحثين عن الروايات غالباً ما ينشدون محطات تعج بأجوبة للذي يحصل في عالم اليوم،لذلك يدفع عن نفسه بهذه الجملة أنفة الذكر شر المتصيدين في بحار الكلمات بحثاً عن مصابيح الحقيقة،الهم يسكن الراوي ويقلقه لذلك يراوغ ويخادع بتنقلاته،فهو يعلم أنه قادم للتعامل مع أشياء قد لا تسر،لابد من وجود أسرار تخدش حياة(كمال)أو حياته كون العرف السردي يؤكد أن كل شخصية هي إطار واهن للسارد،وهو يدرك أنه أسير مجتمع لم يتحرر بعد من خصوصيات الماضي بعد رغم الفاصل الزمني الطويل،مجتمع لامع بيد أنه لا يتعامل بعملة الصراحة،الكاتب يريد أيضاً أن يبعد الأذى عن شخصية(سارة)أيضاً،وهذا ما يدفعنا أن نمسك بشخصيات حقيقية لما تزل حاضرة لذلك يخشى(سعد)البوح بكل ما هو سر أو له خصوصية معينة تخرق الفضاء الأخلاقي كما تحسب له قبل الخوض في رحلته،(سارة)شخصية مهمة وشاهدة للكثير من أسرار(كمال)و(سعد)يشعر بتأنيب ضمير حين يكتشف أن الأسئلة تحدث خدشاً لها(أكون قد دفعتها إلى دائرة التعذيب)(ص104)تأكيد واضح على أن(سعداً)هو(كمال)،وإلا كيف عرف أن أسئلته ستحدث ما تحدث لها،يترك(سارة)وفي لوحاتها الكثير من أجوبة وتفاصيل ودودة مزجتها برغباتها عبر تلاوين عاطفتها،تعبير واضح عن إيروسيتها،عن تمازج رغباتهما الجنسية،هنا لابد لنا أن نترك(سارة)(غسق الكراكي)ونبحر قليلاً باتجاه(سارة)(جون فاولز)في رائعته(امرأة الضابط الفرنسي)لنكتشف أنها أيضاً أسيرة ماضي يكويها،ماض حافل بأسرار مؤرقة،هذه الأسرار دفعها للعزلة في مجتمع صارم يفسر الأخلاق وفق قواعد تحرسها مخالب لا ترحم،ونجد أن الروائي(فاولز)هو من سبق(سعد)في شحن روايته بخصوص نظرية الكتابة الروائية وتوضيح قناعته بالأسلوب المقترح لبناء هرم النص،وهو يقول(أنني أعلم أن سارة في سياق واقعية روايتي ما من شانها أن تكفكف دموعها وتميل إلى أسفل وتقدم فصلاً في الاعتراف)ويقول(ص126) أيضاً(أن نساء عصريات من مثل سارة موجودات ولم أفهمهن قط)،كلتا(السارتان)تحملان أسرار شخصيتين عسكريتين غابا أحدهما برحيل عبر البحر وآخر بالحرب،ولنا حول هذا الآتونين وجهة نظر لاحقة،ما الذي دفع(سعد)إلى هذه المغامرة إذاً،إذا كان دافع(فاولز)هو تبرير عمل إنساني نبيل تطور بفعل ظرف طارئ إلى عمل خادش للحياء في عصر التقاليد الصارمة لمجتمع متزمت هو المجتمع البريطاني،فما هو دافع(سعد)لكتابة(الغسق)واتخاذ شخصية رقيقة مماثلة أو مناظرة ولها نفس الدرجة لكتمان ما يسكنها من آلام..؟؟هل كانت مجرد رغبة محض غير مكتملة من الجوانب القدرية..دفعته اللجوء إلى خيال رحب لم يستخدم فلتر التجنب من السقوط في آبار حفرها كتاب آخرين..؟؟أم فقط أراد أن يحقق رغبة(كمال)كما يدعي مستنداً على قواعد اللعبة الروائية كما يصرح بذلك..!!وهل كان يعلم أن(كولن ولسن)حدد الملامح الأساسية لمفهومية الرواية(يمكن اعتبار الرواية طريقة لاكتشاف قوانين العقل البشري من خلال التجربة الفكرية)يقول(سعد)(وأنا أعرض حكاية كمال مع هذا العالم،أجدني إزاء الأسئلة الوجودية الصارخة،أسئلة الذات،والحياة،والحرية،وآخرين،والغربة،والمصير،والموت)(ص105)مرة أخرى يجد الكاتب نفسه محاصراً بأسئلة هي متعلقات يومية لعالم لا يرحم،نستنبط خشيته التوغل أكثر لمناطق الغموض والتي تعطي تفاسير شتى،يكتفي بتلميح دقيق حول هول الأسئلة،فالذات الإنسانية غالباً ما هو رافض وغامض ومناهض وغاضب،والحياة تمزقها مخالب اليأس ومقامع الوحوش،لا حرية بطبيعة الحال،يكتفي بكلمة(صارخة)لينجو من أجوبة الرواية الحديثة المطلوبة والتي هي سباحة في برك الشياطين،يريد(سعد)(تحقيق رغبة)ليس غير،لابد من مغامرة والمغامرة تغوي وتغري وفيها اكتشاف ما هو صادم ومفيد،أو إخماد شهوة ملحة تعمي بصيرة حاملها وتشحنه برغبة أسطورية لتحقيق الهاجس المقلق،يستفيد الراوي من طبيعة لغته،اللغة الموجزة الموحية،لغة تتشرب بالشعرية كونه يتعامل مع رغبات وتفاصيل حياة،وأنها تحافظ إلى حدٍ معقول على إيقاع السرد،بالتالي تغري القارئ قبل أن تدس محمولات الرواية في ذهنه،كلما تندفع الرواية خطوة باتجاه المرفأ،تتكشف أوراق تحتاج لدربة فنية لصياغة قيافة الرواية،يراوغ(سعد)بين ماضٍ يلهث إليه واللجوء إلى مذكرات هي لعنة زمن وهي أجوبة لأسئلة كان يخشاها أو يريد أن يتحاشاها ضمن السرد،أيام معجونة بالنار والقنابل والموت،والروائي العليم،الضابط لأدواته البنائية،ينأى عن السرد المباشر حين يتعامل مع المواضيع الحيوية والتي هي وقائع مرحلة ساخنة،وصناعة أو خلق أي نص إبداعي يتطلب عصا سحرية،هذه العصا هي الرغبة الصادقة كما يقول(كولن ولسن)(سر نجاح الرواية في القرن العشرين تحقيق الرغبة)،لنعد للمذكرات نجدها فواصل إرهاصات تتوالد إزاء مواقف متأزمة،تنتجها الحياة لحظات التوتر ووجود خرق في القوانين،تشكل فقرات متناثرة لحياة(كمال)أو(سعد)قد تدفع هذه الفقرات الرواية باتجاه نغمة(التعبوية)التي لوثت نتاجات مرحلة ساخنة من عمر البلد،ومن خلال قراءة تحليلية نجد أن تعبويتها جاءت إلى حد مناسب مقنعة،من خلال فقاقيع جرأة يضخها الراوي خلال سرده المتقافز،هذا الأسلوب جعلنا نتوزع بين رغبتين،رغبة معرفة حياة(كمال)ورغبة ما يريده(سعد)قوله من خلال تحقيق رغبة(كمال)عالم شاسع خاضه(سعد)وتمكن بعد رحلة موفقة من ابتكار(غسق الكراكي)رواية عراقية فلتت من نمطية ووتيرة التقليد رغم ما طوت من فواصل يمكن تجاوزها،لم يكتف بتحقيق الرغبتين فحسب بل منح فرصة ثمينة للقارئ أن يحقق رغبته بقراءة رواية ممتعة،هي رواية رغبات ورواية تعليمية،تتناظر إلى حد مدهش مع رواية(قصة غريق)لـ(ماركيز)من حيث الغرض،(ماركيز)أيضاً تستعر فيه رغبة الكتابة عن(غريق)يمتلك حياة حافلة بماضٍ عجيب أطلق شرارة لحظة غرقه،وكان قلم(ماركيز)المجداف الذي أبحر عبر مغامرة شيقة لإنقاذ رواية كانت من الممكن أن تضيع،رواية متناثرة دهم بطلها(الغرق)،لا فرق إذاً بين الحرب الذي لاك(كمال)والبحر الذي لاك غريق(ماركيز)،الحرب الذي أسأم حياة(سارة)(سعد)والبحر الذي بدد أحلام(سارة)(فاولز)البحر والحرب كملة قدرية مهولة تم تغير مكان حرف الباء فيه،ومثلما الحياة حريق فهو بحر مجهول أيضاً،البحر والحرب يلتهمان الإنسان كل بطريقة مرعبة وصادمة،لم تبارح الواقعية ذهن(سعد)نراه يلتجأ إلى البساتين والنهر،النخيل،جبهة الحرب،الصندوق،الأصدقاء،الرسائل اللوحات،فالواقعية هي الرحم المنتج لكل عمل إبداعي،بدون مكان لا حياة،وبلا حياة لا تكون هناك تفاصيل حياة أو رواية،وكان موت(كمال)حالة منحت الرواية العافية ودوام (البقاء)،مثلما فعل اختفى (ضابط)(فاولز)أو موت(غريق)(ماركيز)الشخصيات تموت والحياة تتواصل،كون الحياة هي رواية الروايات،ثمة نقطة حيوية تخدش الذاكرة،محافظة المفتاح المعلق في فروة النخلة على بريقه،كما جاء في الرواية،يجعله(سعد) صامداً بوجه أعاصير الزمن وقسوة المناخات المتلاحقة،ربما غاب عن ذهنه أن النخيل أشجار تتعرض لحلاقة إجبارية كل موسم قبيل التلقيح،كيف تمكن مفتاح من معدن لدن قابل للصدأ أن يجابه مواسم لا ترحم من أمطار غير منتظمة ورياح مغبرة وشمس تنقض بوحشية لتلتهم الحديد واللحم،وكيف فلت من أيدي تسلقت لإزالة توحشات السعف،يبقى سؤال المفتاح مفقوداً في ذهنية المتلقي،وسؤال تشابه(السارتين)وتناظر الرغبتين،رغبة(سعد)ورغبة(ماركيز)،ثمة ميزة مهمة تسقط الرواية في سلة الضعف الفني،هي العجالة في الكتابة،غالباً ما يجد الكاتب نفسه أسير حمى لا تدعه يلتقط أنفاسه،يشعر بهم ضاغط يدفعه لتفريغ حمولة ذهنه،الأمر الذي جعل النهايات للكثير من الروايات مبتورة أو ناقصة وربما منفلتة من سحر الإيقاع وخارج الخطوط البيانية لسياق البناء الروائي،أعتقد أن هذا الخطأ الفادح سببه كما أسلفنا هو عدم إشراك شخصيات مضادة تقوي من متانة البناء الفني وتضخ السلامة الفكرية للنص،هذه الرواية توفرت لها فضاءات ساحرة للسياحة لتشكيل الكثير من الأسئلة وحصد باقة إجابات حول إمكانية تعبئة الرواية التعبوية بأشواك تدفع الغاية باتجاه مضاد لهدف إشاعة هذا النمط الروائي أوان المنازلات الحربية،تمكن(سعد)أن يقول أو يصرف غضبه بهذه الطريقة،كونها المسلك الوحيد لقول ما يبغي قوله،أسر لي الكاتب ذات يوم أن(س.م)كان خبيراً لروايته،كان معجباً بها لحد الذهول،وأعلمه بموافقته على طبعها،لكنه تمكن أن يقصم ظهره،حين أجهز على ضربته الغاضبة في نهاية روايته،أزاح جملة كانت حسب قناعته غاية في الأهمية(من الذي قتل كمال،الله أم نحن أم..!!)أراد الكاتب أن يقول أن أصحاب الأحلام النبيلة هم أهداف أكيدة للموت من قبل صناع الشر،في بلد أجهز على كل مصباح تنوير كونه ينير الضمائر النائمة،نجد أن الرواية تحتاج لجزء ثان،طالما أسئلة الكاتب زمن كتابة الرواية ظلت تؤرقه،بإمكان(سعد)أن يفترض أن(كمالاً)لم يمت،كأن الجثة لم تكن جثته،هذه الحالة كانت واقعية وكم من عائلة دفنت جثث محترقة أو أشلاء تجلب ممزقة داخل صناديق غير مسموح فتحها،جثث كانت ليست لأبنائها،وأنها باب مفتوح لميلاد إدانة أخرى ضد طلاب الحرب ومشعليها،عودة(كمال)صحوة ممكنة لميلاد فجر جديد من خلال رحلة أخرى يقوم هو هذه المرة بحثاً عن أصدقاء رحلوا،أمكنة تم أزالتها،مذكرات لاكتها أنياب التغير وسلبيات الحرب،هذا الأمر متروك لـ(سعد)إن رغب تشظي رغبته الأولى منطلقاً من(المبدأ الأساس للإبداع البقاء للأصلح)(كولن ولسن)لقد كان الترياق الكامل للرومانسية في(غسق الكراكي)هو تحقيق الرغبة،وكانت المغامرة هي بحد ذاتها رواية،رغم اعترافه(كلما سعيت إلى لملمة ما يلوح متشظياً ومبعثراً باغتني كمال من حيث لا أتوقع ليطيح بالبناء كله مشكلاً أبعاداً وزوايا وخطوطاً جديدة ومقترحاً تناغماً آخر،وتعاملاً مبتكراً مع عناصر روايته زماناً ومكاناً وفضاء وتفاصيل حياة)(ص111)،يقول أيضاً(لم تنته رواية كمال بعد)(ص150)أليس هذه شرارة أخرى للانطلاق..؟؟أليس لدى الكاتب جملة أسرار أخرى كما يؤكد من خلال لوحات(سارة)أو حين يتجنب خدش حياتها..؟؟يبرر الكاتب من خلال هذه التمريرات الصريحة أنه لم يبغ إلاّ رواية حياة كما يسميها،رواية تساوي العمر وتجعل كاتبها أن يعيش خالداً،(فهل مات كمال)(ص150)يتساءل،أزعم أن(كمالاً)لما يزل يعيش في ذاكرة الكاتب والمتلقي طالما أجوبة الأسئلة ما تزال غير مكتملة وأن الفضاء الروائي يبيح للنص أن يرتدي أجزاء متلاحقة كأن تكون ثلاثية أو خماسية أو سباعية،أن أسئلة الكاتب هي شرارات جاهزة للانطلاق،هذا إلاّ إذا كان(سعد)يبغي أن يترك قارئه في حيرة وتأويل دائمين عبر قراءات متكررة للوصول إلى خيط الرواية السري،من خلال سكوت(سعد)أزمع أنه يريد ذلك..!!
***
غسق الكراكي ـ رواية ـ سعد محمد رحيم ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ 2000
الرواية نالت جائزة الإبداع للرواية العراقية لسنة صدورها.
 Posted by Picasa


باسم عبد الحميد حمودي

النتاج الثقافي النسائي العراقي
في القرن العشرين

محمد الأحمد

على الدوام يتحفنا الباحث العراقي (باسم عبد الحميد حمودي).. حيث يستل الجوهرة النادرة من خضم الرماد، ويجلي عنها كل ما تعلق بها من سخام. فالجواهر على الأغلب تكون قيمتها ليس بجمالها وحسب. بل بشدة صلادتها، وغالبا ما تكون الجواهر مكنونة تحت غمار من المجاهل، فعلى الرغم من إن المجهود الكبير هو القياس في تثمين أي نتاج، فقد وضع الباحث مقدمة قرر فيها خطة سيره بين كم هائل من الكتب، والدوريات.. مدونا منها كل ما يخص الأدب النسوي العراقي.. ونتيجة المهمه الصعبة، قياسا إلى الفترة الواسعة من القرن العشرين، هذا الذي قطعت الإنسانية بنصفه الأخير في إنجاز المطبوع اكثر من أربعين ضعفا مما كانت تنتجنه البشرية، في السابق، وحتى النصف الثاني منه. حيث دخلت التقنية الحديثة الحاسبية، فنقلت العالم إلى حافة حادة في كل جوانب الحياة.. وقع الكتاب في أربع وثمانين صفحة من القطع المتوسط، وصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 2001 م.. هو موسوعة القرن للنتاج النسوي العراقي، و قد حوى قائمة يحتاجها الباحث، و يوفر له الجهد.. لانه الكتاب الذي اختصر قوائم كثيرة، وقدم مادته بطبق من ذهب.. فيها ما وسعت إليه الخطوة، وما طالت به اليد.. متحديا زحمة القرن رغم أحداثه الجسام، والتي غيرت مسيرة الفكر إلى مسافات لم تقطعها التقنية مذ الثورة الصناعية بمثل ما قطعتها تقنية العالم الجديد بمصنوعاته ومطبوعاته خاصة. بعد اتسعت رقعة النشر، وتعددت المنابر.. فصار على الباحث التعب الواضح من اجل أن يمر على كل الدوريات والمطبوعات على مختلف المشارب، والمغارب.. حيث (بلغ عدد الكتب المؤلفة للنساء العراقيات بين عامي 1900-2000م، ما مجموعه (527) كتابا – ص79).. وقد تبوب الكتاب وفق الحروف الأبجدية الهجائية العربية، بشكل تصاعدي و وثق بالأسماء المؤلفات و الدراسات والقطع الأدبية.. كل بمؤلفه.. مبتدءا بـ(الآلوسي/ منال)، ومنتهيا حسب التهجئ العربي بـ(الياسين/ ذكرى).. متضمنا اسم الدار التي صدر عنها المؤلف.. والسنة، والمطبعة التي طبع فيها.. فصار الكتاب موسوعة قرن يستنجد بها الباحث، والدارس.. والدليل المختصر لمحتوى مكتباتنا التي تفتقر إلى مثله مكتبات العالم العربي.. خاصة بعد نادت المدارس النقدية محددة عزلة المرأة في العالم، و بقيت تقول بأنها مقصية عن البحث الحقيقي، وان الذكر قد سجل الكتاب بحكم سلطته وجبروته بكل ما يتعلق برجولته. ومن ذلك تكمن أهمية الكتاب، وخطورة إهمال كتاب المرأة.. بعد أن اجتهدت في العصر الجديد لتثبت بان لها كتبا في مختلف الموضوعات، ولها حضورها وفعالياتها في كل الميادين.. خاصة البحثية، وبتفوق عراقي جليل.. فللمرأة العراقية ساحة فكر قويمة من مختلف العلوم، والآداب.. وللعراق العظيم أعلام نسوية مبدعة لا يمكن عبورها في مسيرة الإبداع والتأليف لخصها الكتاب الذي بين أيدينا، ويستحق الإشادة لما فيه من موضوعية فاعلة في المكتبة العربية، والعالمية.. فالكاتب لم يتحف المكتبة، وحسب، و إنما انصف نتاج المرأة، وجمع النثار من الشتات، وكان الكتاب الذي يستحق بموضوعيته كل اهتمامنا..
الخميس، 14 تشرين الثاني، 2002
 Posted by Picasa

١٢‏/٠٧‏/٢٠٠٦


إبراهيم سبتي
كأن الشاعر موت على وشك الانبعاث؟
إبراهيم سبتي
شقيق كمال سبتي

مفارقة، ان يكون احد إخوتك شاعرا وأنت تكتب القصة وثالث مسرحي!. الأخ الشاعر، كان هيبة الشعر كله في بيت كان الأب، فقيرا طيبا شاء قدره ان ينجب هكذا أبناء. لكنه كان ابا لموهبة اكبر من عمرها.. في الليل وحين ينام الصغار في أحضان الفرش المتهرئة، كان أخونا الشاعر، يقرأ بنهم حتى مطلع الفجر. أخونا، سيصير أحسن منكما، أيها النائمان منذ أول الغروب: قال الأب ساخطا. في أول النهار، سرني أخي الملتهم للكتب: لم اقرأ مثل كتبكم!، حينها كنت أخشى عليه من سطوة أبي الفقير الذي كان يتحجج بالدوخة، كي ينسحب من وجبة الظهر الخفيفة جدا ليبيحها لنا نحن الأرانب. كان وحده يعرف سر أبي. فراح ينهض قبله تاركا المائدة وأبي ينظر له بحيرة ووجوم . ففي عام 1974، نشر كمال أول قصيدة وهو طالب في معهد الفنون الجميلة ببغداد. في عام 1976 نشر قصيدته في مجلة الأقلام. في عام 1980 اصدر ديوانه الأول (وردة البحر). وتوالت دواوينه الأخرى. كما غادر العراق هاربا بمفارقة، أيضا. فمن كان يقدر على مغادرة العراق في الثمانينيات وهو عسكري؟ غادر هاربا ولم يعد، وتنقل بين البلدان، تركيا، قبرص، يوغسلافيا، ومكث في بلغراد سبعة أشهر تحديدا، وكان أول عراقي يمنح اللجوء فيها وسط ذهول الجميع. ثم اسبانيا، وأخيرا استقر بهولندا. كانت المنافي بالنسبة له كما يقول (لكل منا قدره ومصيره. وقد شاءا أن أشقى في حياتي من منفى إلى منفى. مؤكد أن الواحد منا يحاول أن يهضم المنفى معرفياً وحسياً) وكان يردد قولته المشهورة (تعلمت ألا أكون راديكالياً في حداثتي وأن أكون متواضعاً أكثر وأن صفة الشاعر الشهيد لا تُلفَّق ولا تعطى للمرء في حياته بل يهبها التاريخ الذي يسري هادئا)، إذ كان يحب العائلة، وحزن كثيرا لموت الشقيق الأكبر غريبا هو الأخر ولكن في بغداد. هاتفني كمال باكيا : أقم له عزاء يليق به. ولكن المفارقة الغريبة أن يأتي كمال إلى وطنه بعد عقدين من المنفى في عام 2003 ليموت الأب بعد يوم ونصف!
عند المثوى قلت له : كتب علي أن ادفن العائلة وحيدا. اطرق برأسه وبكى. كان الموت يتكرر في معظم شعره وكأنه تعويذته : (تلكم كائنات يبست، هل ترتدي أيها السيد لبادا من الطين؟ لم ادر انك تموت وحيدا، وتحيا مرات قال الراعي: انك مت: أي، انحدرت إلى القاع السحيق، وقال: انطفأت فيك نار الله، فما عدت تقبل علينا بالصراخ، لكأنك مت حقا أيها السيد، ولكأن الراعي تنادى إلى سمعه صوتك القديم، فقال: مات) متحف لبقايا العائلة ص45. مات كمال سبتي تاركا ثمان مجاميع شعرية، أربع في الوطن ومثلها في المنفى، ومئات المقالات والدراسات في التنظير والحداثة الشعرية، وخمسة مخطوطات كان ينوي طباعتها تباعا. ارتح، أيها الشاعر من غربتك في الأصقاع، ارتح فقد بقي الشعر من بعدك حيا إلى الأبد.

هامش : العنوان لإحدى مقالات الشاعر الراحل .
الناصرية
 Posted by Picasa
تهليل
بالضرورة ان نعلن بان مجلة بعقوبة ادبية مستقلة، تحب العراق وادباءه، ولن تنشر ابدا في يوم ما ما يسيء الى العراق لا سامح الله... هي وجدت بعقوبة ام البساتين وام الادباء، وتفخر بانها قد اسمت واجهتها باسم ادباءها الغرّ الميامين، وبعقوبة اسم جميلٌّ، وهي تناصر الثقافة الحرة المستقلة غير المدجنة، وبعقوبة يحبها الادباء والعلماء.. بعقوبة اسم مجلة خصت الثقافة ولا تخص الساسة...بعقوبة اسم في النهر واسم في الشمس واسم في العطر واسم في الشعرا Posted by Picasa

ضمد كاظم وسمي
الحداثة .. وإشكالية النهايات

damad54wasmy@yahoo.com
مع تباشير ظهور عالم جديد .. ومع طوفان العولمة العاتي الذي يجتاح العالم بدفقات معرفية وتقنية متواصلة برفقة ضغوطات اخضاعية .. ديدنها الانسان،يمكن القول ان ثلاثة عوالم باتت تتجاذب الانسان - لكل منها هويته ومركز استقطابه - تؤلف مايمكن تسميته بثالوث الاصولية والحداثة والعولمة : فالاصولية تشتمل على العالم القديم باصولياته الدينية وتصوراته الماورائية .. وهو عالم قد استنفد قدرته على الابداع والابتكار منذ قرون خلت .. لاينتج الا بالاجترار كل تكرار ومعاد .. لذلك ماعادت تنفع محاولات استيعاب العالم وفهمه وتوجيهه بقيم الاصولية ووسائلها وادواتها ، والحداثة تشمل العالم الحداثي بطروحاته العلمانية وتمجيده للعقل وادلجته الاممية وتهويماته الانسانية القائمة على((الانسنة))التي تعطي للانسان مركزية الكون وسموه .. وبالتالي تسخير هذا الكون لمصلحته . ان ادوات المقاربة واشكال العقلنة وخطط التغيير ووسائل التعديل التي انتجتها الحداثة لم تعد تجدي في فهم العالم وهذا بالضبط مايشكل الاشكالية الكبرى .. اشكالية النهايات التي باتت تشكل مرحلة مفصلية - لافاصلة - بين الحداثة وما بعد الحداثة .. مرحلة الانتقال من الحداثة الى عصر العولمة التي تؤسس لعالم في طور التشكل ((اي عالم العولمة بفضائه السبراني ومجاله الاعلامي ، بانسانه العددي ومواطنه الكوكبي )).. العولمة التي تنتقل بالانسان من عصر ((الانسنة)) الى عصر ((الكوننة)) التي تعني ان الانسان احد موجودات الطبيعة ومسؤول عن الحفاظ عليها .. ذلك العالم - العولمة - الذي ((يخضع لتحولات تنقلب معها القيم والمفاهيم ، وتتغير المشروعات والمهمات ، بقدر ماتتجدد القوى والوسائل والمؤسسات )).
لابد من القول ان الثقافة الجنائزية لم تبارح سيرورة الحداثة ، اذا لم نقل انها كانت تغازلها حتى تطارحها الهوى تارة وتنعاها وتبكي ايامها الاخيرة - نهاياتها- تارة اخرى .. وكانت الثقافة الجنائزية التي انتجتها الحداثة تشيرالى تحولات نوعية ، وتعبر عن سرعة التغير والانتقال في كل مستويات العصر الحديث .. وهي اذ تقيم مآتمية ((الموت والنهايات )) فانها تعكس ازمة الحداثة الدورية من جهة وتظهرالتحول الدوري المستمر في بنيات الحداثة من جهة اخرى .. ((كما تعكس فكرة اساسية تجمع بين كل هذه النهايات والموتات، وهي غياب الفاعل المفرط او غياب الفاعل المطلق وسيادة السيرورات والصيرورات )) .. لكن يجب ان لاتفهم هذه المقولات((النهايات)) وكآنها قطيعة معرفية فاصلة بين اطوار من الوجود والعدم .. بل يجري تأويلها ضمن ماتخضع له الحداثة من نقد فكري يطال المفاهيم والثوابت وبالاخص اقانيم الحداثة الثلاثة :((العقل والحرية والتقدم )) .. ناهيك ماشهدته مقولة((الانسنة )) من انفجارات في ضوء الكشوفات المعرفية الشفافة .. وبذلك لم يعد نقد الحداثة نكوصا عن العقل او اطفاءً لاشعاعات التنوير((بقدر ماهو انفتاح على المستبعد واللامعقول او على المتغير والمجهول ، اي على كل ما نفته الحداثة من فضائها، وجعلها تستنفد نفسها او تبلغ مآزقها او تشهد انفجاراتها)) كما يقول علي حرب. يصح القول ان تدشين النهايات او الموت المجازي يرمي الى تنقية الحداثة من اوضارها التي باتت تتكلس لتشكل اصولية حداثية تقود الى تصنيم التاريخ وتأليه الانسان من خلال تقديس العقل وتحكيمه في الكون .. وفي ذات الوقت فإن هذا التدشين يعتبر توطئة لتأسيس عالم جديد هو عالم العولمة الذي يختزل العالم بواقعه العيني وفكره العقلي الى ثالث لطيف مبتناه المعلومة الالكترونية والعلامة الرقمية الخارقة والفائقة .. كل ذلك يقوم على اساس شبكة من أشكاليات النهايات في خضم مآتم الفكر الجنائزي ليعلن موت المقدس وموت الانسان وموت الفلسفة ونهاية التاريخ ونهاية المثقف ...الخ.
فموت المقدس :هو تعبير رمزي ،واشارة مجازية تضمنته من قبل افكار مارتن لوثر رائد حركة الاصلاح الديني الكنسي ، وتمتد اصوله في فكر هيجل، وقد اشار اليه نيتشه عندما قال : (( لقد مات الاله، الان)) .. للتدليل على التحولات الفكرية الكبرى التي شهدتها أوربا لاسيما على مستوى النخبة .. التي ما فتئت تنحوبها نحو المزيد من العدمية.. مرورا بذبح((البقرات المقدسة)) في الفكر و القيم وتحطيم اصنامها وصولا الى احضان التاريخ الحي .. الامر الذي يشير الى ((تضاؤل دورالمقدس في التاريخ الحديث،وبخاصة في تاريخ اوربا والغرب)).
وموت الانسان : هذه النهاية التي ترتبط بالفكر البنيوي، ذلك ان موت الانسان أنتعش وذاع مع ذروة تطور البنيوية كرؤية فكرية تحكّم الموضوعي بالذاتي ، وتقدم البنيات والسيرورات الموضوعية بحتمياتها الكثيرة ، وتؤخر الخلجات الذاتية والطموحات الشخصية ، ثم جاءت مقولة ما بعد الانسان التي قد تتماهى مع مقولة مابعد الحداثة ولكنها تتعارض مع نظرية الانسان ذي البعد الواحد ، ان مصطلح ما بعد الانسان لايفهم هنا ((بالمعنى البيولوجي ، بل بالمعنى الانطولوجي ،أي لايشير الى كائن من نوع جديد ،بقدر مايشيرالى شكل انسي جديد)) .
وموت الفلسفة .. هي مقولة تعبر عن ازمة الفلسفة كنموذج معرفي كان يشكل اساس العلوم .. فقد تراجعت الفلسفة مع تصاعد المد الحداثي في العالم، وطفقت تركع امام نموذج معرفي جديد هو العلم بما يمثله من قدرة معرفية وقوة اداتية قاهرة وصارمة اعادت تشكيل الوعي الانساني بما وفرته من اشتراطات يئية مكنت للانسان من العيش الرغيد من خلال سيطرته على الطبيعة والتحكم بها لصالحه.
ونهاية التاريخ: هي اشارة الى انتهاء عصر الايديولوجيات والافكار الثورية لا من حيث الواقع ، بل من حيث القدرة على الفعل الحضاري في الواقع.. وإنغلاق المستقبل بتمامية امامها .. بتعبير آخر إن آفاق التاريخ المتعددة فقدت امكانياتها على النماء على نحو التعدد الايديولوجي لتنتهي الى افق وحيد ونهائي للتاريخ من خلال انتصار الفكر الليبرالي.
ونهاية المثقف :لاتعني نضوب مداد المثقف أوتهشيم قلمه .. بل لاتعني ((موت الحلم)) .. المثقف الذي يفكربالنيابة عن جمهوره بغية السيطرة عليه ، مثل هذا الدور الذي كان يضطلع به المثقف قد ولى عصره .. إذ مع ثورة المعلومات المتاحة للجميع - بشكل من الاشكال - يتغير الامر .. حيث تنتج واقعا جديدا ييسر للفاعلين عملية الابداع طالما يجري تشغيل الفكر وتوظيف القدرات الفعلية .. وبذلك تتوقف الحاجة الى المثقف البيروقراطي الموجه المتعال.
يبقى أن نقول أن صناعة النهايات المقترنة بتيار العولمة الجارف لايعني نفيا للحداثة وقطيعة ابستمية معها بقدر يؤشر تفكك العالم الحديث ويشهد انفجاراته .. ويفتح آفاقا جديدة للتحول والانتقال تطال ثوابت الحداثة واصولياتها ، ويؤسس لعالم يجسد نمطا جديدا في ممارسة الوجود .. يقول علي حرب: ((فكما أن الحداثة ليست نفيا للتراث ، بقدرما هي قراءته قراءة حية وعصرية ،وكما ان العالمية ليست نفيا للخصوصيات، بل ممارسة المرء لخصوصيته بصورة خلاقة وخارقة لحدود اللغات والثقافات ، كذلك فإن العولمة لاتعني ذوبان الهوية .. ولاتعني نفي الاطوار والمعطيات السابقة ، بقدر ماتعني الاشتغال عليها والعمل على تحويلها بغية استدماجها واستثمارها في ما يفتتح من الحقول والمجالات أو ما يبنى من الانظمة والمؤسسات أو يبتكر من الادوار والمهمات)) .
 Posted by Picasa
مصعب أمير اسماعيل
(( التطرف الفكري والسينما
))
في لقاء شاهدته على التلفاز عام 2001 على قناة الجزيرة مع الدكتور مراد وهبة رئيس جمعية الفلسفة المصرية وعضو جمعية السلام في كوبن هاكن تحدث فيه عن التطرف،وقال ببساطة إن التطرف شيء خطير ومدمر وهو إلغاء الوسط بين اليمين واليسار وإلغاء الحوار بين الأديان والحضارات وبين الشمال والجنوب وهو التعصب الأعمى سواء كان طائفيا أو عرقيا أو دينينا والتاريخ حافل بالمجازر التي كان سببها التطرف وقد سادت في العقود السابقة حركات متطرفة ذات طابع يساري مرتبط بالاتحاد السوفيتي مثل الألوية الحمراء في أطاليا والجيش الأحمر الياباني وكارلوس الملقب بالإرهابي آنذاك أما الآن فان التطرف اليميني هو السائد في الساحة السياسية ففي الدين اليهودي عصا القوة بيد التيار اليميني المتمثل باريل شارون وفي المسيحية هناك الإدارة الجمهورية اليمينية المحافظة وفي الإسلام هناك حركات متطرفة هي الفاعلة في الساحة السياسية وقال إن الأزمات السياسية سوف تستمر في العالم والدول وبينها، إلا في حالة واحدة هي صعود تيار علماني معتدل في القمم الثلاث يؤمن بلغة الحوار والسلام. وحسبما يرى كاتب هذا المقال ، إن التطرف هو غياب الألوان والتصادم إلى ما لا نهاية، التطرف هو أثداء يابسة لا تدر الحليب، التطرف هو تساقط الشعر من على راس الفتيات أو امتلاء القلب بعد الوجه بالشيب، التطرف هو انحرافات الرياح والطرق المتعرجة المسدودة بل هو الانهمارات الترابية، التطرف هو الأقنعة المزيفة، هو أظافر الطريق الطويلة المدببة، هو دوائر داخل دوائر تدور داخل دوائر، التطرف هو غياب التدفق والحيوية، هو شجرة برتقال بدون أثمار، سفينة تائهة في البحر بلا ركاب، هو وجع الأغصان وانين اللوحا ت الأنيقة، التطرف هو ذيل تاريخ مزيف وعدواني، التطرف هو الانزلاق بدون توقف إلى هاوية ما، التطرف هو تطاير الشفاه من وجوه النساء، التطرف هو اغتيال الحلم والبراءة والتطرف هو انغلاق الوعي وتبيض ما لا يعتق التبيض، والتصرف هو رعشة الأرامل هو احتياج النظارات لكي ترى كل شيء، التطرف هو محيطات الغباء وجبال ( الـ TNT) الجاهزة للتفجير، التطرف هو ثلج الشتاء القاسي حيث تقل درجات الحرارة عن الصفر المئوي( بـ -16 درجة) وعلاقات اجتماعية ابرد من هذه الدرجة، التطرف هو نار الأسئلة التي بلا أجوبة، هو زلازل من الحوق، التطرف هو غياب الطمأنينة وغياب فيالق الفرح والحب هو ازدواج الصورة وأرصفة متناثرة وأشلاء هنا وهناك، التطرف هو مومياءات حديثة جاهزة للموت في أي لحظة، التطرف هو الغياب عن طاقة الحلم وعري الأجساد على الشواطيء الإيطالية، هو غياب الأصوات الاوبرالية وموسيقى هايدن موتسارت هو قتل الأجنة في الأرحام، هو جفاف الأنهر والينابيع وازدياد شهود الزور هو اللوعة المحمومة هو وجوه بلا ملامح ونساء بلا أرجل هو هطول الأمطار لحد غرق النباتات وموتها أعاصير من الكلمات المشحونة تكهرب كل من تمسه هو هروب القيم الإنسانية من مواقعها هو العوق الروحي هو غزال هارب طول عمره لا يعرف لماذا؟ هو لسعة العقرب وعضة الأفعى الرقطاء. والأفلام التالية أثارت جدلا واسعا في بلدانها وتجاوزت النابوهات المعروفة وناقشت موضوعات صنفت في وقت من الأوقات بالمحرمات التي لا يجب الاقتراب منها لأسباب مختلفة وقد كانت صارمة وجريئة وواجهت رفضا كبيرا وصل في بعض الأحيان إلى رفع القضايا في المحاكم وبعضها إلى القتل المتعمد الصريح. وهذه الحالات ظهرت أخيرا منذ أن عرض فيلم تجربة المسيح الأخيرة للمخرج فرانشيسكو روزي قبل حوالي عشرة أعوام وأحرقت آنذاك 16 دار للعرض السينمائي.
 Posted by Picasa

١١‏/٠٧‏/٢٠٠٦

 Posted by Picasa

قصة قصيرة..
لا أحد يريد ترك الدراما ..!!
تحسين كرمياني
في تمام الساعة الرابعة وعشر دقائق من عصر أول خميس من شهر مايس عام 1975،ارتفعت رؤوس الناس من فوق أسطح البيوتات الطينية المتباينة مثل فقاعات مساحيق الغسيل،عائمة ترتجف قبل أن تلفظ أنفاسها،بدأت مئات الأيدي تتحرك مثل رايات مهملة تتموج بفعل ريح مباغتة،كانت ترتفع وتهبط لتشكل واقيات فوق حواجب العيون وهي تجاهد خرق التوهج الحاد لشمس مايس القاسية التي راحت تقذف ذروة أشعتها ـ بشكل مفاجئ ـ في يوم حفل بهدوء نسبي لم تعهده مدينتنا الجاثمة ـ بحياء عذراء ليلة زفافها ـ على نهر(ديالى)المتعرج كثعبان في لحظة فرار من أعالي الشمال،تحاول العيون جهد مساعيها استيضاح مئذنة الجامع الوحيد وهي بالكاد تلوح من بين فيضان الشمس،شارخة الفضاء الخالي من بين كوكبة نخيل تبدو أشباح ضئيلة تبغي التسلق باتجاه القمة المزججة،كان المنادي ينادي عبر مكبرات الصوت في محاولة يائسة لاستقطاب الناس لأداء فريضة العصر،تحديداً كبار السن كون الشباب كانوا يشكلون خطراً على مستقبل البلد فصاروا عرضة لملاحقات ومطاردات رجالات ووكلاء أمن ووشاة يعملون لصالح السلطة مندسين بتنكر وأيمان مصطنع بين جموع المصلين وأمام المنافذ المؤدية إلى الجامع الكبير،ربما لأول مرة في تاريخ المآذن يتم الدعوة لأداء فريضة واجبة لأكثر من سبع مرات،ما خلى دعوات عرضية تحصل في فترات متباينة،أوان قحط يعصف يستجمع الناس لأداء صلاة الاستسقاء أو حين تحصل فيضانات يتم شحن الناس لنجدة المنكوبين وربما ـ وهذا ما كان يحدث دائماً ـ كلما يتم العثور على طفل تائه أو طفلة،أو يفقد طارئ شيئاً من أشياءه،أصبح الجامع في نظر الناس مكان مؤهل لنقل الخبر إلى تشعبات المدينة،ظلّت ألسن وعيون النسوة والفتيات والأطفال تتساءل عن سر الخطاب المتلاحق لمؤذن الصلوات الخمس في تلك الساعة..
**********
في تلك اللحظة..كانت جموع الناس تندفع باتجاه الوادي الكبير،شيئاً فشيئاً بدأ هدير يتنامى ويستفز المسامع أوان الفواصل المتلاحقة للصمت ما بين نداء وآخر للصلاة ، رويداً رويداً بدأت فقاقيع الرؤوس تنفلق وبدأت أيقونات غبار تستفحل وتتشكل قبل أن ترتفع هامات أفعوانية متذبذبة من ممرات الأزقة المتعرجة بين البيوتات العشوائية..!!
**********
في تلك اللحظة أيضاً..كانت (دلباك)تتهيأ لليلة عرسها،لم تنم الليل بعدما حالفها الحظ من بعد سنوات عذاب،قبلت أمها على مضض زواجها من حبيبها (كوركة)شاب ظلّ يخفق كل عام في دراسته بسبب استهواءه الدراجات النارية من ثم السيارات القديمة المتهالكة،بعدما تناولت غداءها،لم تترك مرآة زينتها غير مصدقة على ما سيحصل من تغير دراماتيكي في أسلوب حياتها،ستجلس كل أصيل ـ هكذا فكرت ـ في صدر مركبة ويقوم بعلها(كوركة)بمغامراته المسائية كما كان يفعل سابقاً ـ قبل أن تعشقه ـ على الشارع الرئيس الممتد على طول الوادي الذي يشرخ مدينتنا إلى طرفين متعادلين،سمعت جلبة أقدام تهرول،قامت وصعدت إلى سطح البيت،رأت جموع بشرية تلهث وأخرى تحتشد على طول الشارع،لم تصغ لنداء المنادي،تمنت أن يعجل (كوركة) موكب الزفاف بعدما لاحت فرصة مناسبة كي تتبختر أمام هذه الجموع..!!
**********
في تلك اللحظة أيضاً..توقفت ألسن المعلمين والمدرسين،وراحت عيون التلاميذ تلتصق بالنوافذ العارية،فقدوا توازنهم وبدأت رغبة الانفلات تنضج وتتدافع فيهم،كلهم أمل أن تقرع الأجراس كي ينتهزوا الفرصة السانحة ليجتازوا الجدران ويكونوا مع البشر الراكض بذهول صوب شيء ما يحصل في مكان ما من المدينة،سيارات جيب متهالكة تزمر بحشرجات صوتية مخنوقة،تحمل شباباً يتصارخون ويلوحون بقمصانهم..!!
**********
لأوّل مرة في تاريخ المدينة تركن الشرطة للهدوء،ظلّوا ملازمين ثكنتهم الحصينة،في محاولة مسك خيط القضية قبل أن تتحرك ـ مسلحاتهم ـ وهي تطلق العيارات النارية في الهواء كجزء من خيارات مطروحة لتفكيك كل أمر جلل قبل حصول مصادمة غير محمودة العواقب في مدينة تقطنها قوميات متعددة وتسري في عروقها دماء مبادئ رافضة،من فوق بناية الناحية العملاقة المتربعة صدر السوق الرئيس أرسلوا نظرات وجلة عبر نواظير يدوية،متأهبون لأية انتفاضة شعبية قد تحصل بعد مرور أسبوعين على إعدام أربعة أشخاص في تجمع جماهيري غاضب أمام المبنى..!!
**********
لم يحتمل التلميذ(رشيد أحمر)كما شاع أسمه،فوران دمه،كان معروفاً بين الكثير من الناس فتى المظاهرات الأوّل وخالق مشاكل لرجال الأمن وناثر مناشير بارع،ضرب رحلته بكتبه قام وصاح :
ـ إلى الشوارع يا شباب..!!
أثار حماسة زملاءه،اندفعت الصفوف رغم صرخات وتهديد المدير والمدرسين قبل أن يخرجوا هم أيضاً ليروا ما الذي يجري في مدينة سادها الهدوء بعدما أعدمت السلطة رجل وضيوفه..رجل أوى رجلان وفتاة قدموا من الشمال في قطار الظهيرة،قيل أنهم زرعوا عبوة تحت سكة القطار الذاهب إلى مدينة(كركوك)ساروا يهتفون ويضربون بباطن أكفهم كتبهم كأنهم في مسيرة احتجاجية أو أسرى فرحة غامرة لزوال سلطة اغتصبت البلاد بثورة باطلة،على امتداد حافة الوادي الكبير ليس بوسع طفل أو امرأة الحصول على شبر أرض كي يتمكن رؤية ما يجري بوضوح،ظنّ البعض عملية إعدام جديدة،بشر يهدر وقهقهات تتناثر رغم موج الغبار الذي أزال رقعة شمس الأصيل عن سماء المدينة،ما بين لحظة وأخرى تتحرك الجموع دفعة واحدة لتكشف الطريق أمام يائسين سقطوا تحت الأقدام،قبل أن يبرز جسد ثور ضئيل شرس الطباع وهو يطارد كل من يدنو منه،لم يفاجأ(رشيد)ولم يبدل من حماسته،إذ وجدها فرصة متاحة لتمرير غضبه وتهيئة رفاقه للتعبير عمّا تجيش صدورهم به من منابع ثورية جامحة،تقدم باتجاه الثور الغاضب،وهو يلوح بقميصه الأصفر كدلالة لراية حزبه أمام الجموع،لم ينتبه واشي أو وكيل أمن لذلك،سرعان ما برزت من كل زاوية سروال داخلي أو قميص ومناديل صفر،راحت ترفرف على إيقاع التصفيق المتناسق للكفوف،كان الثور يحدق بعين ملؤها تساؤلات،في المسافة الفاصلة بينهما،يزوي بعينيه بحثاً عن مخرج من هذه المعضلة..!!
**********
لم تكف (دلباك)عن البكاء وهي تلبس فستان عرسها..
قال كوركة :
ـ سأجعلهم يتقاطرون من حولنا..
ـ أريد أن أفرح وأرفع رأسي بين الناس..
لم يكن في الزقاق سوى أمها وأم (كوركة)العجوز وامرأة بدينة رفضت مرافقة العريسين،أنسحب الطبّال والعازف بعدما هرب الناس صوب الوادي،صعدا العروسان إلى سيارة(اللادا)فانطلقا،منتصف الشارع الرئيس على الوادي كانت الحشود البشرية تتراكض وتقف،أوقف (كوركة)سيارته وسط الجماهير الراكضة،حين أراد أن ينطلق ـ بعدما تكشف الشارع ـ عطس المحرك وتوقف..
ـ لعنة الله على الشيطان هذا الصباح جفّت المحرك..
ـ قلت لك سيارتك لا تنفعنا..
ـ ولكننا اتفقنا على أن يكون زواجنا تاريخياً..
ـ سنكون فضيحة بين الناس..
ـ لا تهتمي..الناس مشغولون بالثور المخبول..
هبط وفتح باب المحرك،وجد ربطة عنقه تعيقه،نادى على (دلباك) مررت كفها من فوق زجاج النافذة وحشرته داخل قميصه،أخرج (كوركة)بدلة عمله،ارتداها على عجل،تمدد وزحف إلى أسفل السيارة..!!
**********
في تلك اللحظة كان الثور يندفع باحتراس وراء(رشيد)الذي أنطلق بما لديه من حرص وخوف وقوة اتجاه رجل وقور يرتدي نظارة سوداء،تفاجأ الرجل بالثور ينطلق صوبه،قبل أن يفتح باب سيارته،فاجأه الثور وأرداه طريح الأرض،قهقه الناس وتعالت صيحات ورفرفت الرايات الصفر،لقد جهل الناس في تلك اللحظة أن (رشيداً)مارس ذكائه وأصاب كبد السلطة في الصميم لحظة أدار دفة غضب الثور نحو مسؤول المدينة الذي ترجل من مركبته وأراد أن يفرض جبروته على الناس،تنامت رغبات المغامرة لدى الشباب،بدأت الجموع تتقدم وتهرب وكان الثور دائماً يجد ضحية ملائمة وباقة تصفيق وصيحات..!!
**********
لحظة أراد (كوركة)أن يخرج من أسفل السيارة،شعر بشيء يقف ويعيق حركة قدميه،صرخة(دلباك)دعته يستدير رأسه من أسفل السيارة الجاثمة،رأى أربعة قوائم (تنزرع)سوداء عرف أن الثور يتأهب للانقضاض عليه،تناهت إلى سمعه أصوات هادرة..
ـ كوركة..كوركة..!!
لملم أطرافه بينما كان ـ بوز ـ الثور يبحث عنه..
صاح :
ـ دلباك..دلباك..مسدسي في (الجكمنجة)..
صاحت الجموع :
ـ رشيد ..رشيد ..
أندفع (رشيد)وهو يلوح بقميصه إلى الثور الواقف،استدار الثور ليجد الفتى ينطلق إليه،ضرب بقوائمه الأرض وراح يستعد كي يدركه هذه المرة،صارت المسافة بينهما خمسة وعشرين متراً،رفرف القميص الأصفر وهدرت الأفواه..
ـ رشيد..رشيد..
كان الثور يتلفت باتجاه الحشود،وظلّ (كوركة)يشد من أزر(دلباك)ويشجعها على تناول المسدس،استدار الثور وبدأ يكافح لدفع السيارة برأسه..
صاح كوركة :
ـ دلباك..دلباك اسحبي البريك..
استدار(رشيد)ولوّح برايته،هدرت الأفواه ثانية،تهتف (رشيد..رشيد..)تقدم رهط من رفاقه لإسناده،بدءوا بإلقاء الحجر في محاولة لسحب الثور والسماح لـ(كوركة)أن يتدارك نفسه،أصابت واحدة زجاج السيارة وأحدثت كسراً دفع(كوركة)من أسفل سيارته يطلق لسانه الوسخ ساباً وشاتماً الرامي،تقدم(رشيد)ووقف أمام السيارة وهو يوقف زحفها بينما كان الثور من الخلف يدفعها،توقف الثور وأتجه بخطوات حذرة باتجاه(رشيد)الذي بدأ يستدير على مهل واحتراس شديد،شعر الثور بغبائه بعدما دار أربعة دورات وسط هدير الأفواه الزاعقة،تمكن (رشيد)أن يوصل كلام (كوركة)إلى(دلباك)سحبت المسدس،ترددت كثيراً قبل أن تتمكن من فتح النافذة،قذفت المسدس ورفعت الزجاج على عجل،تقدم الثور وراح يداعب كتلة الحديد الساقطة،فشل(كوركة)سحب المسدس بعدما لاحت فرصتان قبل أن ينتبه الثور لحركة يده من أسفل السيارة..
**********
لحظة أنقرض المساء،هدرت مكبرات الصوت..
ـ يا أهالي المدينة،يا أهالي المدينة..حيّ على الصلاة..
لا أحد يريد ترك الدراما،ثور فلت من سكين قصّاب المدينة(شهاب أبو كرش)ووجد نفسه في قفص الناس،زواج أعجوبة بين(كوركة و دلباك)بعد سنوات من الحب،مع بداية الليل بدأت الجموع تتقهقر تاركين سيارة العرس واقفة و العريس يتمدد أسفلها،وحده(رشيد)ورهط شباب يحاولون إنقاذ الموقف..
**********
في اليوم التالي،تحركت مركبات الشرطة بعدما شاع خبر تواجد الثور في مكان ما فوق الجبل،من جديد بدأت أفواج الناس تنطلق باتجاه سلسلة الجبال الممتدة شرق المدينة،شكلت الجموع قوساً بينما تراصت في المقدمة المركبات المسلحة،كان الثور يتمدد ـ مثل أسد بابل ـ على قمة تل،بدأت البنادق تصوب وتطلق الرصاص،بعد نصف ساعة نفد مخزون العتاد،ما أن تحرك الثور ووقف ليستطلع ماذا يجري من حوله،هدرت الثغور تعبيراً عن الفرح،أندفع(رشيد)الذي أكد أنه أنقذ زميله(كوركة)في الليل بعدما أكتشف نفاد البنزين،صار الآن فوق تلّه مقابلة،لوّح بقميصه فتعالت الأصوات :
ـ رشيد..رشيد..
تحرك الثور وأندفع هابطاً باتجاهه،ساد صمت مهيب،توقع الناس أمراً بعدما أعدمت كل فرصة للانفلات من قرون الثور،لكنه غير رأيه لحظة هبط وصار وسط المنحدر بين التلين،أندفع نحو الجموع،تحركت المركبات وانطلقت باتجاه المدينة،علا هدير وراحت الأقدام تنهب الأرض أمام الثور الذي أندفع هائجاً،بعد عشر دقائق كانت الجموع تقف لاهثة فوق الوادي،بينما الثور جلس يائساً على الرمل قرب المياه الآسنة،من جديد علا (خرخشات) مكبرات الصوت :
ـ يا عالم اتركوا الحيوان لحاله هذا يوم الجمعة..
كانت الساعة الحادية عشر ونصف لحظة تقدم(شهاب أبو كرش)وهو يحد سكينه،تعالت الأصوات ساخرة..
ـ أبو كرش..أبو كرش..
تقدم من الثور الذي أستسلم وتمدد قبل أن تنزل السكين وتفصل رأسه تعالت آهة موحدة وساد صمت بليغ وسط ذهول الناس..!!
**********
**كان يوم السبت يوماً غير عادياً،وجد مدراء المدارس أنهم في محنة،لم يجلب تلميذ معه حقيبة أو كتاب،لقد تناثر كل شيء في الوادي وعلى الشارع،تم اللجوء إلى بلدية المدينة كونها قامت بتطهير الشارع من فوضى الأشياء ولم تجد عندهم كتاباً واحداً..
**عاد العروسان من شهر العسل بعد مرور ستة أيام،تبين أن(كوركة)باع سيارته نزولاً عند رغبة(دلباك)وقضيا وقتاً ممتعاً في العاصمة بغداد..
**تم إدخال الشرطة إلى معسكر ضبط وتعليمهم فن الرماية كعقوبة على إخفاقهم الجماعي لقتل الثور..
**أكتشف(رشيد)عن طريق المتابعة والتحري كتب ودفاتر التلاميذ لدى القصّابين والعطّارين تم تجميعها وتحويلها إلى أكياس ورقية..!!
**********
 Posted by Picasa