٢٦‏/٠٥‏/٢٠٠٦

نظرية العقل العربي
الرؤية والمنهج في سلم الحضارات
علاء هاشم مناف


ونبدا بالحدود المعرفية التي تكونت وتتكون عبر مسار تاريخي يولد مرتسما كبيرا من التفاصيل التي تعلقت بالسسيولوجيا - والسيكولوجيا برغم ان الحضارات قد تلابست بحقيقة التاريخ الانساني على هذه الارض وهو التلابس كذلك مع تفاصيل الذاكرة البشرية وخواصها الانسانية وجدليتها الفلسفية والعلوم المعرفية التي انتجتها هذه الحضارات المتعاقبة . هذا الموضوع تحيل عليه اسبقية غير محددة وذلك بسبب سعة فضاءات العلائق الانسانية المرتبطة بحركة الواقع الاجتماعي والتاريخي ، والتاريخ هو رمز لحقيقة النشوء الاولى قبل اكتشاف المعارف وقبل نشوء الحضارات والعلوم .. هي عبارة عن كائنات عضوية حية يمثل ما لها وما عليها من الكائنات العضوية الحية من خواص قانونية للميلاد - والنمو - والغلال والغناء . فالحضارات لها مراحل متعاقبة من الطفولة - والشباب والنضج - والشيخوخة .. فهي تبدا كما يقول (اشلنجر) في لحظة الاستيقاظ الروحي ثم مرحلة الاستقلال السيكولوجي البدائي لتجد فيها الطفولة الانسانية عندما تولد في (زمكان محددين) والحضارة تضمحل وتموت حينما تتسامى فيها الروح والمذهب - والدين . هذا هو الوجود الباطني ، يعمل جاهدا على اخضاع القوى الخارجية في الطبيعة المختلفة والمبهمة وعلى الغرائز الداخلية الدفينة وذات النشوء المعقد ، هذه الاشكاليات هي المحور الرئيسي في عملية الاخضاع لما تنطوي عليه من حنق وصعوبة . ونحن في هذا الموضوع نناقش الاشكال الحضاري بشكل عام وعلاقة هذا الاشكال بالثقافة الغربية وانعكاس هذا على منظومة العقل العربي واستشفاف هذا الموضوع بقياساته المنطقية وما يمثل استنطاقا للمسار العيني من ايصال للتقاليد الحضارية ومن الوعي النقدي لاشكاليات الحاضر العيني للثقافة واستنباطا للمصدر الانساني ، وتطورا يفضي الى خواص من التمييز التاريخي وما يكتنفه من غموض مقارنة بخواص التاريخ وقوانينه المنطقية الحاضرة وبالمصير التاريخي الكوني الذي يجمع البشرية كما هو الحال عند (الرواقيين) . وبالمقابل حين نضع ايدينا لنتمثل مرتكزات الوعي الحضاري العربي الاسلامي الذي يقوم على اركان ثلاثة:
1- الشرق القديم وادواته في الصعود الحضاري وما يتصل بالنبوة السامية .
2- الشريعة الموسوية اضافة الى الثنائيات والتصورات الاخروية في حضارة فارس والصورة التي رسمتها الحضارة البابلية للكون وما انتجته الحضارة اليونانية والرومانية ، ضمن مرتكزات الصورة الهيلينية ومبدأ الحياة اليومية في العلم والدين .
3- اضافة الى ما شكلته المسيحية من خواص في العقائد والتصوف .
اما ما يتعلق بالحضارة الغربية فقد قامت على اربعة مرتكزات وكما يأتي :
1- النبوة السامية .
2- الحضارة اليونانية .
3- النزعة الامبراطورية القديمة .
4- العصور الوسطى القديمة الغربية - والجرمانية بشكل خاص .
هناك مكتسبات حققتها صيرورة التاريخ باهتمام مرحلي فاعل بالاثر الذي خلقه (الزمكان) بفعل انساني كبير .. فهو يوضح وبجلاء أثر الانسان في التاريخ وبالتالي الفراغ منه ، ولو انه ابتدأ من اعماقه وبين كنه هذه الاشياء ومسبباتها ، فما زالت القوانين التاريخية تعكس كل تلك الوحدات الصورية وهي تتمحور حول ذاتها برغم تلابسها بالمعنى منذ البداية ، والحضارة اليونانية على سبيل المثال دخلت حيز المعارف كونها حضارة حيّة وكونها اشتبكت في زمكانات مختلفة ومعقدة قبل بداية نشوء المجتمع اليوناني كون الحلقات الرئيسية للتاريخ متنافرة ، وكون التحولات في المناخات والاستثمار للثروات والتغيرات التي حصلت للعصور السالفة وكان من نتائجها هو التبدل الذي حصل للانسان وللتاريخ وللزمكان الفاعل فيه ، والانسان برز من هذه المعمعة لعنصر فاعل في التاريخ (مؤثر ومتأثر فيه) وعلى كل المستويات والاشياء ويكون مصيره وضعيا كمصير كل الكائنات واشيائها . والتاريخ جزء من تركيبة الانسان الرئيسية لانه يمتلك ادوات وتقنيات عالية لم تتح لغيره من الكائنات لانه يحمل ادوات الصيرورة الجدلية - والمنهجية العقلية في التعامل مع حلقات التاريخ التي تؤدي بالضرورة الى حلقات التأثير والتأثر بالمنهجيات العقلية واشكالياتها الفنية . ولنبدأ الآن من الحلقات الاولية من تاريخ هذا الاشكال العقلي .

ما قبل تاريخ المجتمع اليوناني
والانسان يستطيع ان يستنبط ادوات وعيه بفاعلية وقوانين انتاجية اكثر تطورا عن طريق شبكة من المؤسسات التي يقيمها انطلاقا من ممارسات فعلية في تكوين من التواصلات الفكرية واللّغوية والمنطقية لينطلق منها ظاهريا - وباطنيا فهو يخلق ضغطا متواصلا يعي به (الزمكان العقلي) والذي يتمم ويؤطر أكثر جذريات التاريخ ووضعيات الانسنة التي تتعالق بذات المظهر الاجتماعي والذي يظهر دائما محوطا بهالة الحياة البشرية لتركز اللّغة ويركز الاقتصاد بكينونة اجتماعية ناضجة . فالتاريخ الذي مر قبل تكوين الحلقات الاجتماعية الاولى للمجتمع اليوناني كان قد مر باربع مراحل تطورية رسمت له مستواه العميق بتأريخية مادية وعينية ضاغطة وضعته امام منعطفات جذرية ميزته بذاته في سعيه لزمان راجح الى امام . فالمرحلة الاولى كانت قد تحددت بالعصر الحجري القديم والذي امتد من (نحو 10.000 ق.م الى 5000 ق.م) اما المرحلة الثانية فسميت بالعصر الحجري الحديث والذي امتد من (5000 الى 3000 ق.م) اما المرحلة الثالثة فسميت بالعصر البرونزي والذي امتد من (3000 الى 1200 ق.م) اما المرحلة الرابعة فهي مرحلة العصر الحديدي الاول الذي امتد من (1200 الى 700 ق.م) وان الاساس في ذلك المنهج التاريخي هو توضيح لتاريخية هذه المراحل التي تمثلت هذا التمييز بين هذه الزمكانات على اساس المعاداة التي سادت ، بمعنى آخر قد تمثلت خواص قوى الانتاج وهذا اعتراف ضمني لمؤرخي هذه المرحلة التاريخية ، بانه لا يوجد ثمة اساس موضوعي يوضح قانون الصيرورات هذا ليثبت هذه العصور ويفسر قوانينها العامة بثوابت توضح ما هو موضوعي في عصور ما قبل تكوين المجتمع اليوناني الا هذه الاسس .

في التجريبية التاريخية القديمة
وفي هذه التجريبية يتطلب تعيين الحدود من خلال الحدث التاريخي والتعاقبية التجريبية ومميزات هذه العصور السالفة ، في هذه العصور ومنها العصر الحجري القديم يميز بمرحلة اعداد الغذاء من الطبيعة بشكل مباشر في صيد الحيوانات والاعادة وقد تميز الغذاء في هذه المرحلة بصيد الحيوانات المتوحشة وبشكل جماعي من البشر وفي هذه المرحلة تم اكتشاف النار ، وكان تطورا كبيرا للانسان كذلك طبخ الطعام واكتشاف المعادن المختلفة وباكتشاف سبيكة البرونز وهي من : معدني النحاس والقصدير نسبة معينة ، وبدون اكتشاف البرونز من المستحيل ان ينشا العصر البرونزي اما بالنسبة الى التشكيلات الاجتماعية : الرجال يخرجون للصيد وقد لا يعودون اما عمل النسوة فيجمعن الفاكهة والحبوب والبذور ، وتشكل المراة العنصر الرئيسي في هذه التشكيلات البشرية من العشيرة وهي الضمان الاكيد لاستمرار التشكيلات البشرية ولذا كان الاطفال ينتسبون الى الام لا الى الاب فكان للإنجاز المثيولوجي في هذه المرحلة له ايقاع خاص به وكان الرقص واداء الطقوس والاغاني والموسيقى التي تصاحب فعاليات الطقوس في حفل الصيد والموت والتعميد . كما شهدت هذه المراحل استخدام الاعشاب للعلاج الطبي وفي الجراحة كما ولدت في هذه المرحلة (اللّغة المنطوقة) ويجمع العلماء بان عمليات الصيد الجماعية تستحيل بدون ايماءة أو كلمة .. والكلام قد بدأ بالحديث النسبي واذ توضح الدراسات (البيولوجية) ان جهاز التنسيق بين اليد والعين يشغل جزءا كبيرا من المخ وهو لا يزيد على ان يكون امتدادا طبيعيا لهذا الموروث من القردة اما جهاز التنسيق من الاذن واللسان فهو صغير وحديث نسبيا كما يرى (برنار) والذي يؤكد بدوره انه يستحيل ظهوره ولم يتثبت وضعه تراثيا الاّ بعد ظهور المجتمع . وكان من مميزات (العصر الحجري الحديث) تطور الظاهرة الاجتماعية في نشاة القرية - الانتقال الى حقل الزراعة بوصفها ظاهرة اساسية والقيام بتدجين الحيوانات واستخدام المحراث في العمليات الزراعية وبناء الصوامع لتخزين الحبوب وصناعة الفخار وبناء البيوت من مادة الطين اضافة الى ظهور صناعة الغزل والنسيج وصناعة الخبز اما الانجاز الفكري فكان الاهتمام بالتقويم السنوي ومن هنا بدأ الاهتمام بعلم الفلك وبمعرفة طول الليل والنهار ، وشهد العصر الحجري الحديث بداية ظهور النماذج والاشكال الهندسية وللمرة الاولى وما تحقق من انجازات في العصر البرونزي ونتيجة للتطور الذي حصل في الحقل الزراعي والميادين الاخرى كان المجتمع منقسم الى طبقتين :
1- طبقة سائدة.
2- وطبقة تعيش على فائض الانتاج .
كل هذه التفاصيل استدعت ظهور فكرة قيام الدولة لتنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية كذلك نشوء المدينة على اثر الانقسام الاجتماعي القائم على اساس توفر فائض الانتاج . فالمدينة كانت هي نتاج التطور الحضاري وليست سببا لها اضافة الى اكتشاف المعادن ، ومن هنا جاء التعريف بالعصر البرونزي لاكتشاف معدنين (النحاس والقصدير) كما قلنا سلفا وخروجهما في درجة حرارة معينة وبنسبة 12% للقصدير يؤدي الى معدن جديد وهو البرونز ويكون اصلب من النحاس واجمل من الناحية الشكلية وتكون درجة انصهاره اقل ، وفي هذا العصر اخترعت الكتابة وتم اكتشاف التقويم الشمسي بعد ان كان الاعتماد سابقا على التقويم القمري ، وفي هذا العصر احترف الطب كمهنة على يد الكهنة وفي هذا العصر نصل الى مسألتين خطيرتين هما الانقسام الطبقي وللمرة الاولى يبرز في التاريخ البشري مما ادى الى تفاصيل اجتماعية وسياسية وثقافية خطيرة جدا وكان في مقدمة ذلك نشوء الدولة وللمرة الاولى سمي هذا العصر بعصر الثروة الصناعية . والوصول الى معنى اجتماعي جديد يتخذ شيئا في عملية التفكير وبالتالي فهو معطي للمبادلة ، ومما يؤخذ وما منظور له من الحاجة الملّحة ، وكان العصر الحديدي يعد تحولا كبيرا في التطور الاجتماعي والصناعة والمنفعة الاجتماعية العمومية وتحقق هذا بفعل الصناعة الحربية وصناعة الزجاج وعلى نطاق واسع وكان لاستخدام الزجاج في العصر البرونزي في مصر اضافة الى صناعة الادوية والاصباغ ، وكان نتيجة لهذا التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي تحرك الفعل الاجتماعي حيث اتخذ معنى نظريا في شروطه ومكوناته الفكرية والعقلية وقد شهد العصر البرونزي ثورات اجتماعية ذات طابع ديني خاصة في مصر - وبابل مثل : (ثورة اخناتون) ولكن هذه الثورات الاجتماعية لم تحقق اية نتائج تذكر وعلى صعيد الانجاز الفكري في العصر الحديدي الاول كان لابد ان تبدأ نشأة الحروف الابجدية في صور مبسطة اضافة الى نشوء منظومة المبادلات النقدية المعدنية كظاهرة تبادلية في منظومة التجارة بين المدن الى نشأة الادب والفلسفة كتعبير عن حالة النشوء الطبقي المحددة ، وجاء نشوء العلوم الفعلية كتطور وتعبير عن حالة انفراج الوعي الاجتماعي ، وكان لعلوم الرياضيات والفلك - والطب أثر كبير، وقد نمت وتطورت على يد طبقات سائدة في الحياة الاجتماعية والتي تفرغت للبحث والدراسة : وعصر الحديد الاول جاء كونه حلقة الارتباط العلمي والثقافي بين حضارات (اودية الانهار البارزة - النيل والفرات - والسند) والتي قامت وازدهرت في العصر الحجري الحديث وبين تلك الحضارة اليونانية وخطاباتها الكلاسيكية والتي مثلت الازدهار الكبير في عصرها الحديدي وهي الحلقة الكبيرة التي شكلت المنعطف الخطير في الحضارات والتي تجاهلها الكثير من الباحثين على اساس ان الفكر والعلم اليونانين كانا كينونة ذاتية لا تربطها أية صلة بما قبلها ، وهذا تجن على الفكر والحضارة اليونانية وحضارة عصر الحديد ، هي التي اعقبت حضارات الوديان (مصر - بابل - والهند) وهي التي سميت باسم حضارة عصر البرونز وشهدت مرحلة مختلفة من الحضارة اليونانية وهي مرحلة المدن الحرة والسيطرة المقدونية والتي بدات بالاسكندر واجتثت آخر ما تبقى لهم بعدها تمت السيطرة على مصر من قبل الرومانيين اثر موت كليوباترا في العام 43 ق.م وهي المرحلة التي سميت بالعصر الهيليني لقد كان للاسكندر المقدوني اثر كبير في تغيير الحياة السياسية في العالم ففي السنوات العشر الاولى قام بفتح آسيا الصغرى - وسوريا - ومصر - وبابل - وفارس - وسمر قند ، وبعد معارك دامية قام الاسكندر بتدمير الامبراطورية الفارسية والتي كانت اعظم امبراطورية عرفها العالم القديم . ومن الاسباب الرئيسية التي دعت الاسكندر لهذه الغزوات والفتوحات هي تدهور الاوضاع الاقتصادية والنزعات الكبيرة في المدن الكبرى والصراعات الطبيعية العنيفة داخل هذه المدن اضافة الى التراث العسكري وطبيعة التفوق القتالي للمقدونيين ، هو الذي ساعدهم في حسم المعارك والاسكندر ادرك هذا النوع من الوعي العسكري ، ان القوات التي جاء بها وفتحت هذه البلدان الواسعة هي اعجز من ان تقوم بالمحافظة عليها تحت تاثير تلك القوة فحاول القيام بتاسيس مدن يونانية يقيم فيها نوعا من المؤسسات اليونانية ذات البناء الفكري والسياسي مع هامش من الحكم الذاتي والقيام بعملية التوافق مع التشكيلات البشرية المغلوبة في المدن البعيدة وهذا ما شجع الاسكندر على عملية التزاوج والتوافق بين اليونانيين والتشكيلات المحلية من الناس والتوافق والمزج بين اليونانيين والبرابرة ، غير ان هذه العملية كانت محفوفة بالمخاطر وادت الى موت الاسكندر وعند وفاة الاسكندر كان احد نجليه صغيرا والثاني لم يولد بعد برغم ان لكل منهما انصاره لكن الحروب الاهلية التي حدثت بعد نهاية الاسكندر حدث توزيع للامبراطورية بين ثلاث عائلات من القواد التابعين له وان احدهم سيطر على الاجزاء من اوروبا والثاني سيطر على الاجزاء الافريقية والثالث سيطر على الاجزاء الآسيوية وكان الجزء الاوروبي من نصيب (انتجونس) والجزء الافريقي من نصيب (بطليموس) الذي جعل مدينة الاسكندرية في مصر عاصمة له اما (سيليس) الذي سيطر على آسيا بعد معارك عديدة ، فهو مشغول بمعاركه العسكرية مما شغله هذا الامر في اتخاذ عاصمة له بشكل ثابت وان تحولت انطاكية بعد ذلك عاصمة لاسرته . ويستشهد رسل بمقال مهم للاستاذ (تارن) Tarn عنوانه (المســـــــألة الاجتماعية في القرن الثالث ق.م.

التطور في مجال العلوم
لقد شغل التفكير العلمي للحضارة اليونانية وهو يمارس وجوده ليشغل في حقيقة الامر نحو تسع مئة عام لينقسم الى ثلاث مراحل ولكل مرحلة نحو ثلاثمئة عام . وكانت المرحلة الاولى اشد خصوبة واختلافـا واصالة في ظهور الوعي والافكار الثورية في ظل العلم وتمثل هذه المرحلة البطولية رغم كل الافكار النظرية لكنها لم تضع منهجا علميا التي ابتدأت بها المرحلة الثانية التي تلتها .
والمرحلة الاولى كانت قد بدأت نحو 600 ق.م الى موت ارسطو في العام 322 ق.م وحقيقة الامر ان هذا الحكم لم يكن نظاما فلسفيا ينطبق على كل هذه المرحلة بشكل دقيق والحقيقة ، ان هذه المرحلة الناضجة والعظيمة والتي شهدت نشأة وتطور المدرسة الايونية اما المرحلة التي تاثرت من 400 ق.م - 320 ق.م داخل المرحلة الاولى فقد سما (فانجتون) والذي انتهى بتأليف كتب الاسكندرية وهذه المرحلة بالذات هي مرحلة ازدهار التفكير الفلسفي والمنطقي لاشهر الفلاسفة اليونانيين (سقراط - وافلاطون - وارسطو) وتأتي المرحلة الثانية وهي المرحلة (الهيلينية) وكان الابتداء بها وهي تنتهي عندهم .. وهي بداية مرحلة الغزو الروماني للمشرق وهي بداية المسيحية وفي هذه المرحلة التاريخية تعد المرحلة الزمنية من 320 ق.م - 120 ق.م أكثرها اهمية ، فهي المرحلة التي تكونت فيها باشراف ورعاية (البطالسة) في مدينة الاسكندرية ورعايتهم لفروع العلم والمعرفة وفق اسسها المجالية هذه المرحلة هي التي انضجت وقدمت للانسانية العلوم الرياضية وقدمت للرياضيين الثلاثة العظام (اقليدس - وارشميدس - وأبولونيس) وقد قام اقليدس بتقنين الرياضات ووضعها في سلم معرفي وقدمها على هذا النسق الدقيق في كتابه الاصول ، هذا الكتاب المرجعي الذي مازال حتى يومنا هذا يدرس وقد ساهم (ارشميدس) اسهامات فعّالة وعلمية وعبقرية في الهندسة والرياضيات عموما كما قام بتقديم كتابه المرجعي المهم (بحث في توازن القوى) الذي كان ومازال نقطة علمية في دراسة الميكانيكا كما قام العالم الرياضي (ابولونيس) بتقديم ابحاثه في القطاعات المخروطية والتي استفاد منها (غاليلو - وكبلر - ونيوتن لاحقا) في القرن السابع عشر استفادة جمة في علمي الفلك والقذائف وقد عرفت هذه المرحلة من حضارة اليونان بمرحلة الكتاب المدرسي لكثرة ما تم تاليفه من كتب علمية وتدوين وتبويب ويمكننا ان نضع علامة فارقة وان نميز بين القرن الاول الذي امتد من العام (320 ق.م - 220 ق.م) والذي اختتم برحيل (ارشميدس) في مدينة سيراكوس بصقلية والذي كان في حقيقة الامر هو خاتمة للعمل العلمي الجبار اما القرن الذي تلاه (220 ق.م - 120 ق.م) والذي تم فيه بذل جهود كبيرة وعظيمة في التدوين والدراسة الدقيقة لما مضى من الخلق العلمي وكان لموت (ارشميدس) وابولونيوس هو نهاية مرحلة التجديد الفكري في مجال العلم والمعرفة اضافة الى احتلال الرومانيين (سيراكوس) كان بالغ الاثر حيث فقد اليونانيون الثقة بالنفس مما ادى الى اصابتهم بالشلل التام وبالمقابل كان الاحترام الكبير لما انتجه اسلافهم من العلوم والمعارف .

العلوم الفلسفية
بقيت العلوم الفلسفية حبيسة التسمية المرئية وان شروط الانتساب الى هذا المرفق او الى المعنى هو تحقيق اشياء واقعية وقدرة على تمثيله لا يزال يخضع الى هاجس التاريخ للاشياء . والعلوم الفلسفية اختصرت الاشياء والمسافات من اجل تحقيق نوع من التمازج والتزاوج في الاشياء المنظورة من الوعي اكثر من الرؤية البسيطة للكلمات . فتاريخ الفلسفة الطبيعي بقي تسمية مرئية ولكن الشروط الفكرية الدائمة هي التي فرضت منطقا جديدا لمعنى الوعي الفلسفي وشروطه وحقيقته وما يتعلق بقابلية التاسيس العلمي لهذه القاعدة التاسيسية للعلوم ، يقول الفارابي (ان اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل على العربية وهو على مذهب لسانهم (فيلاسوفيا) ومعناه ايثار الحكمة وهو في لسانهم مركب من (فيلا وسوفيا) فيلوسوفوس ، فان هذا التعبير هو تغيير : وهو تغيير كثرت فيه الاشتقاقات عندهم ومعناه (المؤثر للحكمة) وابن سينا يشرح لنا شيئا لمعنى هذه الكلمة في سعتها ويقول الحكمة : هي استكمال النفس الانسانية ، بتصور الامور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة الانسانية : فالحكمة المتعلقة بالامور التي لنا ان نعملها وليس لنا ان نعمل بها تسمى (حكمة نظرية حكمة عملية) من جهة اخرى فان حقيقة الامر المعلوم من العلوم وما يتعلق بالزهو الذي سيطر على حقب طويلة في هذا الحقل بشكل خاص تبقى الرؤية في العلوم الفلسفية تتاسس على النظرة الشيئية في معناها العلمي الدقيق ، وان العصور الكلاسيكية كانت لا تنظر الى الامور الا وفق نظرة مستكينة وهي بالتأكيد أقل بالنسبة لعملية الترجيح للاشياء ، هذه النظرة القاصرة تتقلص عن قصد او بدون قصد في الحقول التجريبية الانسانية وعليه : فان العلوم الفلسفية كانت قد بدأت مع بداية نشوء وتكوين العالم وقد بالغ الاغريق واحيانا وكما يقول المؤرخون قد كذب الاغريق عندما قالوا انهم الفلاسفة الاوائل .. فالفلسفة كانت قد بدأت وتأسست في حقيقة الامر من (موسى وحضارتي مصر - وبابل) وان نظرياتهم قد اقتبسوها من هذه المصادر المهمة الثلاثة وليس الاغريق هم الفلاسفة وليس عصر الاغريق هو عصر الفلسفة انما هو العصر الهمجي وهذا الرأي يجمع عليه المؤرخون جميعهم ، فالفلسفة تحمل الاصل الالهي ، كانت قد انتقلت الى الانبياء من اليهود ثم الى البابليين والى المجوس والكلدانيين والى المصريين الاحباش - والهنود وحتى الى الجرمان ، بعدها استقبل الاغريق هذه المأثورات واخذت شروط الابتداء فيها حتى نمت عملية الملابسة لديهم وان اقصاء تفاعلاتها الى الكثير من الملل والنحل ثم انتهت من جهة اخرى الى الاكاديمية الجديدة وهي نهاية الفلسفة والى الافلاطونية المحدثة والتي عملت على افساد جوهر الفلسفة المسيحية ويعد تاريخ الفلسفة هو تاريخ معنى تحليل اقصى الاجزاء الكلية وتدرجها المتواصل للفعل البشري والبرهنة العملية على ذلك هو وجود الملل والنحل التي تأسست وفق التعارضات الوضعية المباشرة والتي قامت مقام المركز الاصلي وبديل الفكر الاغريقي بشكل عام( ) والفلسفة كانت قد تمركزت في خلق التصورات والصياغات في المعاني المجردة والمتعلقة بحقائق الحياة والتجاوز المستمر للميتافيزيقا وللفلسفة وظيفة وبنية فعلية وعلمية متحركة في ابتكار التصورات والصيرورات والمعاني المتعلقة بالمهمة الموكلة لها عبر تاريخ المعارف وكان المنافسون لها لم يحققوا تلك التصورات وفي تحقيق حتى المنافسة التأملية . والفلسفة : قطعت اشواطا دون توقف لاثبات صحة تلك التصورات والصيرورات التي جاءت بها ، والمعاني الجديدة والمجردة والشروط في تلك المعاني وضرورة امتلاك التصورات الحقيقية وهي الفكرة التي تمخضت عن نضج في تفاصيل واشكاليات التصور العلمي والمعرفي دون تحويل هذا المعرفي الى عملية قتل للفلسفة وكذلك المعاني المجردة هي جزء اساس وشيء متعالق مع تشكيل اللغة وكذلك المنهج الاسلوبي هو الخلق الجديد في حالة التغيير والتبدل في بوتقة اللغة كذلك الشخصيات في النصوص الروائية والمسرحية فهي تصورات لمعانٍ في زمكانات وهي بالتالي فضاءات كبيرة ترسم للحياة خيوطا بدل عمليات التقوقع . وعليه فان اللغة تصبح نظاما حيا في التجريبية الحسية للعلوم الفلسفية وملابساتها ومداخلاتها في الموضوعات المتعلقة بالجدة والتجريد والسيطرة على تقنيات الحدث الفلسفي بوصفه حدثا يعصف بمجموعة من الشروط السلبية التي أحدثت شرخا كبيرا في التجربة الحسية للفلسفة ، وقامت بتشويه الشبكات الرؤيوية التي وضحت الرغبة في الوصول الى منطق رؤيوي يساعد في استخدام مجسات الحس والاعتماد على التغيير الذي يتعالق بالقياس على مستوى التنظير الفلسفي ، وصار دور الفلسفة في شد الانطباعات والاندماج في حدود المنظور ، بامتداده الخاص لكي يشكل الجوهر في مفاصل الادلة الرؤيوية وحل مشكلة الانتقال الى الاختلاف العلمي واشكاليات الهوية الفلسفية وتماثلاتها في نسق الرغبات الملحة في ميدان المشكل المتعلق بثبات الاختلاف المتطور وهو يشهد استخدام آليات مركزة في تحديد طبيعة الموقف بالنسبة الى البنية الفلسفية واحكامها المباشرة بدل التقصي المعلن والمباشرة في تحديد منهجية في الرؤية التحليلية والكف عن التشابهات المنهجية في المعارف لانها تدخل الفزع والملل في النص الفلسفي .
 Posted by Picasa
أسطرة الغزو الثقافي
محمد الدعمي

على الرغم من أني واحد من الذين كتبوا بإنفعالية في موضوع "الغزو الثقافي"، يداً بيد مع عدد كبير من الكتّاب العرب الذين "إنتخوا" للتصدي لهذا "الغزو الخطير"، بيد أن السنين وتراكم الخبرة تكفل للمرء توسيع الآفاق وكشف الغطاء عن المبالغات والتسويقات، المدفوعة سياسياً، التي شابت طرائق تعاملنا مع هذا الموضوع (الذي أخذ يفقد بريقه) درجة تحويله إلى إستذكار ساذج لرواسب عصور الجاهلية حيث كان "الغزو" والغزو المقابل، الإنتقام والثأر، من قيم البداوة التي لم تتمكن النفس العربية من التخلص منها حتى بعد إنتقالها إلى الحواضر وإستعمالها للطائرات والسيارات والكومبيوترات ! إنه محك آخر لمصداقية تأشير ما يعانيه الكثيرون من إزدواج في الشخصية.
لابد أن يكون عنوان "الغزو الثقافي" قد طرأ في عقد الثمانينات من القرن الماضي كنوع من الفذلكة اللفظية ، المبتناة على ملاحظة من أطلقه لوجود تفاعل أو تلاقح بين الثقافات المختلفة لدى الأمم، وهي ثقافات تتراوح بين التفوق والتدني. ولكن، ضمن هذه الحدود، كان الموضوع مقبولاً، لولا أن لفظ "غزو" يستثير في النفس العربية عامة ذكريات تاريخية تتصل بالعصور المظلمة التي أشرنا إليها في أعلاه. اللفظ ينطوي، تلقائياً، على هالة معبأة بالأفكار والألفاظ الأخرى المثيرة للحساسية وللعدائية، وهي ألفاظ من نوع: هجوم، هدم وقتل، سبي النساء، ومصادرة الأموال، المنقولة في هذه الحالة. هذه الهالة من العناوين قد تمت إستثارتها وتأجيج العواطف حولها عبر ترويج فكرة الغزو الثقافي وتسويقها في الدوائر الثقافية والسياسية العربية، عبر أنواع وسائل الإعلام، الأمر الذي أحالها إلى موضوع فكري/سياسي مثير في آن واحد.
إن مجرد الحديث عن هذا العنوان الذي يستحث عصور الخوف من الآخر يمكن أن يقودنا إلى الإنغلاق وربما إلى التحجر، ذلك إن إستثارة "البداوة" في دواخل الإنسان، الذي قد يبدو متحضراً، تؤول به إلى الإنغلاق المفاجيء والمقاوم لكل ماهو جديد أو طاريء أو وارد من خلف الحدود. لذا وظف السياسيون المؤدلجون، الذين يرمون إلى إحتكار الجمهور لفكرهم فقط، "الغزو الثقافي" أداة لتكريس الإنغلاق والتقوقع من أجل توجيه الجمهور إلى فكرهم عبر الحفاظ على سكونية الجمهور ولجم تطلعاته، بينما حاول بعض "فرسان" الثقافة المسيسة تمجيد الموروث، بغض النظر عن إيجابياته وسلبياته، صفقة واحدة، لفرض نوع من الإقامة الجبرية على العقل في دواخله التي قد تكون فيها زوايا مظلمة أو خانقة. بل إن الأخطر من هذه الظواهر، يتمثل في ظاهرة العبث بأفكار الشبيبة والنشء من خلال تقديم صورة مفبركة لوجود "مؤامرة" مبيتة، دقيقة التخطيط، للحط من الثقافة المحلية على طريق خلق "فراغ ثقافي" قادر على إمتصاص الوافد، بغض النظر عن فوائده وسلبياته، عن طريق الإستبدال بثقافة أخرى.
لقد تطور الأمر لدى القاريء والمتابع السياسي في العالم العربي درجة أنه سيق إلى عالم خيالي مصطنع يصور العواصم الغربية وهي مشغولة في تطوير أجهزة خاصة، غاية في السرية، يشرف عليها خبراء من الراسخين في العلم والتآمر، من أجل وضع خطة لمحق الثقافة العربية، بأبعادها القومية والروحية والسياسية. إن الموضوع ليس بهذه الدرجة من السوء: فلا يوجد مخططون ولا خبراء غزو ثقافي همهم الوحيد إلحاق "الهزيمة" بالثقافة العربية (أو الهندية أو اليابانية)، بمحتواها الإسلامي والتراثي الثر. كما لا توجد دوائر متخصصة بهذا الغرض، بكل تأكيد، لأن الحديث عن الغزو الثقافي، في أصله وجوهره، هو حديث عن "التفاعل" أو "التلاقح" الثقافي بين ثقافات العالم التي كانت عبر التاريخ ثقافات متحركة على نحو دورات وذروات، تبرز هنا مرة وهناك في المرة الثانية، وهكذا. وللمرء أن يتأكد حد التيقن إن الذين تكلموا عن الغزو الثقافي، من الكتّاب العرب والمسلمين الجادين، لم يكونوا يريدون التقوقع وإثارة الحساسية المرضية من كل ما هو أجنبي أوغربي حد "الإنكماش" والتكلس. لقد أراد هؤلاء التصدي لموجة ثقافية طارئة، جرفت الغث والسمين مع سيلها، من أجل إتاحة الفرصة لثقافتنا كي تحافظ على الإيجابي والمفيد، وكي تستل من "الآخر" ما يمكن أن يدعمها ويكرسها ويقوي الإعتزاز بها.
لذا فإن "نظرية المؤامرة" المرتكنة إلى المتخيل من أجهزة وخبراء متآمرين على الثقافة القومية والروحية قد تمكنت، على نحو واع أو غير واع، من قيادتنا إلى نوع آخر من المؤامرات، وهي مؤامرة القبول المتعامي بالسكونية اللامجدية من خلال تقديس المحلي، حتى وإن كان سلبياً أو ضارا. وكانت النتائج مدعاة للأسف، إذ بقي العقل العربي الشاب، في أوسع مدياته الأفقية، حبيساً في سجن يعلمه ويلقنه عدداً كبيراً من الممارسات الخاطئة وطرائق التفكير التي لم تعد تصلح لعصر هو في جوهره "عصر حوارات": الشمال /الجنوب، الشرق/الغرب، الأغنياء/الفقراء، من بين تشعبات أخرى لجدل الحوار. وهكذا راح البعض من هؤلاء الشبان يتباهى بإنتخاب السلبي من التراث لممارسته على شاشات الفضائيات، بينما أخذ الإيجابي من تراثنا يتراجع لصالح إجترار الخلل والتماهي به.
لهذ السبب كان فرض الإقامة الجبرية على العقل العربي الشاب من أخطر أنواع المؤامرات (التي صنعناها بأنفسنا) والتي أدت إلى الإمتناع عن التفاعل والعزوف عن كل ما هو مفيد، خاصة إذا ما كان وافداً من الغرب (الذي صار مرادفاً لليهودية والصليبية، للإستحواذ والهيمنة). لذا يقرأ المتابعون اليوم حالات مؤسفة عن إحياء الولاءات المجهرية والطائفية والرجوعية بين العديد من الشباب الذين يتعمدون الظهور على الفضائيات وهم يلاعبون "المسبحة" باصابعهم دون توقف، كناية عن التمسك بالتراث والتصدي للطاريء من الغزاة الثقافيين. إذا كانت هذه هي النتيجة النهائية لعملية إطلاق وتسويق الخوف الهاجسي من الغزو الثقافي، فإنها تكون نهاية سلبية بالنسبة لنا فحسب.
إن الثقافات العالمية تمر بدورات تقدم وتراجع، كما هي عليه الحال مع ذبذبة المد والجزر، وقد أخذت ثقافتنا العربية/الإسلامية دورتها عبر ذروة العصر الوسيط. ولكن هذا لا ينبغي أن يعمينا عن حقيقة أن هذه الثقافة ينبغي أن لاتحفظ وتحنط دون تفاعل مع الثقافات الأخرى، ومن بينها الثقافات التي تحيا عصور الذروة الخاصة بها. بل أن التفاعل الحيوي مع الثقافات الحية والقادرة على التوليد، حتى وإن كانت متموضعة في أوربا أو في الصين، هو من الواجبات التي تضمن لثقافتنا البقاء والإستمرار على طريق الحفاظ على الموروث المفيد والتخلص من الموروث السالب بشكل إستلالي إنتقائي يضمن التواصل: فما قيمة الثقافة القومية إذا كانت ثقافة طللية لا تستحق سوى الحفظ على رفوف المتاحف ؟ إن الثقافة الحيوية لا تخشى "بعبع" الغزو، بل هي ثقافة متفتحة متفاعلة ترتهن بالتطورات والتنوعات القادمة إليها والمغادرة منها.
إن عملية "النفخ" في بالون الغزو الثقافي راحت تتجاوز حدودها نحو فرض التحجر والتصلب القائمين على الخوف الوسواسي من كل ماهو أجنبي xenophobia، الأمر الذي يفرغ ثقافتنا من قدراتها الحية على الأخذ والعطاء عن طريق الإعارة والإستعارة، الإبدال والإستبدال
 Posted by Picasa
وردة حمـراء واحدة
عمر الدليمي

ولو لمرةٍ واحدةٍ اشتري الورد من ناتاشا
ربما تحتاجينه يا صديقة ،
لاحلام ،
او بلاد ،
او لقبر لن يتسن لك زيارته ..
على ضفة (خريسان)2 أريد قبري ،
قرب ذلك الرصيف ، حيث ابتسم شاب لمطر وبساتين خلفنا
_ كنت التفت لنور مشاكس وعصافير تصلي ،
كنت التفت ولم استطع التقاط شمس
فكم كنت مرتبكاً بك ،
وجشعا ،
وانا احوزك لموتٍ مؤجل _
فاشــــــتري الورد من (ناتاشا )
ليس مهماً ان تقولي _ انه لحبيبي _
فلم يعد لي ما يخصني ،
فما بيني والصباح مسافات مفخخة
وما بيني وحريتي ملثم يقود قطيع ذئابٍ كاسرةٍ
فاشتري الورد .. ،
قليل من الوقت كل الذي تبقى من المواسم
لست مضطرة لاختلاق مناسبة ،
فأنا اتوزع على اوقاتك دمعة .. دمعة ،
واتقرب لذكرى البلاد طلقة .. طلقة .
لم يعد لي ما يخصني
الموت خمرة القاتل
والبلاد طاولة يحتسي عليها كاساً قانية
***********
قولي لناتاشا ،
لم يهدني أحد وروداً من قبل ،
وأهلي لا يزرعونها ،
لذلك لم نتعلم العطر بعد ..
ننام حيث تئن الارض من فرط انين آلاف الاعوام المظلومة ،
وعند الصبح نحصد دموعاً
نسكن حيث يُنبِتُ الدمُ ثكالى ،
وفي مناسباتنا غالباً ما نتهادى الصمت ،
لتسقط اشواك الشكوك في الطريق الى ذواتنا ،
ولذلك يتطلب الامر التكفير عن وجودنا ،
ولذلك ايضا اريد ان تشتري الورد من ناتاشا ،
فلربما كان هناك عيد !!
قولي لها اننا نتبادل زهور الدم في غياباتنا ،
قولي لها ان لا تبيع الورد كله ..
لتخبئ لنا وردة واحدة فقط ..
وردة حمراء واحدة ،
ثم مدي يدك للافقِ .. للافقِ تماماً ..
عند ذاك
ستضيئ وردة
حمراء على صدري



1 ناتاشا_ بائعة الورد في قصيدة الشاعرة كولاله نوري _ لمن سأهدي الورد يابائعة الورد .
خريسان _ نهر في مدينة الشاعر بعقوبة
 Posted by Picasa