١١‏/٠٨‏/٢٠٠٥

سطور من سيرة حياة
(لودفيج فان بتهوفن)
مهند احمد علوان

لو استسلم احد ما لرغبتنا الملحة في أن يجعلنا نقرا شيئا جديدا عن (بتهوفن)، فماذا سوف يضيف إلى عشاقه، وحاليا هناك أكثر من عشرة مواقع على صفحات الويب. أما آثاره فقد دُرِسَتْ في أشهر جامعات العالم الفنية والعلمية، لأنه أنموذجا بشريا فيه إعجازا ليس من السهل، وصف شخصه أو تحليل شخصيته من خلال إعماله الموسيقية، واغلبها وصل عصرنا مدونا على ورق النوتة، وما يزال اغلبها يعزف يوميا، في كل مكان تقريبا من جامعات ومعاهد العالم، لأنها الدرس البليغ الذي يجتازه الطالب لأجل أن يعبر مرحلته. وقد حققت أعلى أرقام المبيعات اسطواناته المعزوفة من قبل الفرقة الملكية البريطانية. ومن بعد أن فسره جهابذة، الباحثون المختصون، الكبار خير تفسير، ليس لأنه يعد واحدا من بين أهم الموسيقيين على مدار العصور، كما كان يؤكد الباحث (ماينارد سولمون) المختص بتاريخ الموسيقى بشكل عام وحياة (بتهوفن) بشكل خاص. وبيتهوفن فنان بارع اشتهرت إعماله جميعها، وراحت دقائق حياته المليئة بالإبداع، والعطاء تدفع الناس للإعجاب أكثر، لأنه ولد موسيقيا عام 1770 في مدينة بون بألمانيا، وكانت عائلته من أصل (بلجيكى) وبالتحديد من منطقة (برابان)، والده كان موسيقاراً كبيرا في بلاط (بون)، وهو منصب رفيع، ولكنه كان ميالاً إلى الشرب والسكر أكثر من اللزوم، أما أمه (فيفيان) فكانت طيبة، ناعمة حنونة، ولكن ذات شخصية ضعيفة، تزوجها وهي في سن العشرين، وراح وراء نساء كثيرات، كان يحضرن بشكل متواصل إلى البلاط. وكان (بتهوفن) يقول عن والدته بأنها كانت أفضل صديق له وقد كان للعائلة سبعة أطفال، ولكن ثلاثة أطفال ذكور فقط، هم الذين بقوا على قيد الحياة، ومن بينهم (لودفيج) فقد كان أكبرهم، وقد أبدى (بتهوفن) اهتمامه بالموسيقى منذ البداية، وكان والده يعلمه أسرار فن الموسيقى كل يوم بعد أن اكتشف موهبته الكبيرة لهذا الفن، وقد قرر أن يجعل منه نوعاً من (موزارت) جديد، وهو طموح ضخم بالطبع لأن (موزارت) هو قمة الموسيقى، حيث عام 1778م قدم (بتهوفن) أولى حفلاته الموسيقية المعروفة، وكان عمره ثمان سنوات، وكان ذلك في مدينة (كولونيا) ولكن المعارف الموسيقية لوالده أصبحت محدودة بعد أن كبر الصغير (بتهوفن) قليلاً، وقد اتسعت آفاقه، ولم تعد تكفيه، لذلك استدل على موسيقار معروف هو (غوتليب نيف)، واكتشف بان العازف القادم إليه بحب بأنه يعرف من أسرار الموسيقى بفطرة ليست عند غيرة، فكشف ضخامة المواهب الموسيقية ل(بتهوفن) وبالإضافة إلى الموسيقى، وفنونها راح يعرّفه على أفكار الفلاسفة القدماء والمحدثين، ويقارن له ما بين ما أنتجوه في الموسيقى والفكر.. حيث كان مؤمنا بان الموسيقى اكبر من كل الفلسفات، إن لم تحويها، وتلفها تحت عباءتها. ويذكر كتاب السيرة (لبتهوفن) في عام 1782 عندما كان عمره اثني عشر عاماً نشر (بتهوفن) أولى أعماله الموسيقية المعروفة وفى العام التالي 1783م كتب أستاذه يقول: أنه إذا ما استمر على هذا النحو فسوف يصبح حتماً (موزارت) العصر، ويذكر الباحث (ماينارد سولمون[1]) في كتابه الصادر مؤخرا عن حياة (بتهوفن)، الذي وسمه ب(الساعات الأخيرة لبتهوفن[2]): وفى عام 1784م عين (بتهوفن) بناء على نصيحة أستاذه نيف عضواً في الجوقة الموسيقية التابعة لبلاط أمير (كولونيا) وكان (عمره عندئذ أربعة عشر عاماً، وهذا المنصب سوف يتيح له أن يتردد على أوساط أخرى غير أوساط عائلته وأصدقاء والده). وعندئذ التقى بأصدقاء سوف يحتفظ بصداقتهم طيلة حياته كلها، وفى البيت أخذ (لودفيج) يحل تدريجياً محل والده وذلك لأن هذا الأخير أصبح يسكر أكثر، فأكثر، وينسى واجباته المنزلية وكذلك بهمل وظيفته في البلاط الملكي. وعندما شعر الأمير (ماكسميليان فرانز) بضخامة مواهبه قرر إرساله إلى (فيينا) عام 1787 لإكمال دراساته الموسيقية ولقاء موزارت. ومعلوم ان (فيينا) كانت آنذاك منارة الآداب والفنون الموسيقية. ولكن لم يصلنا شيء يذكر عن لقاء (بتهوفن) و(موزارت)، عملاقي الموسيقى الألمانية والكونية. كل ما نعرفه هو أن (موزارت) قال لأصدقائه: لا تنسوا هذا الاسم (بتهوفن). سوف يكون له شأن. ولكن فجأة تصل رسالة من بون إلى (بتهوفن) تخبره بأن أمه فى حالة احتضار وينبغي ان يعود فوراً لكي يراها لآخر مرة. وكانت الشخص الوحيد الذي أحبه من كل قلبه. وهكذا ماتت عام 1787. وبعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، أي في عام 1792 عاد (بتهوفن) إلى (فيينا) لمتابعة تكوينه الموسيقى وإكمال دراساته العالية.. وبعد الآن لن يرى مدينته الأصلية بون. سوف يظل في (فيينا) حتى النهاية. وشيئاً فشيئاً راح يدهش (فيينا) بعبقريته الموسيقية والمقطوعات التي كان يعزفها على البيانو بشكل ارتجالي. وفى عام 1795 ينظم (بتهوفن) حفلة موسيقية عامة في (فيينا). وفيها اخذ يعزف أعماله الشخصية ومبتكراته، ك(الحركات الأربع)، ففي عام 1800 نظم سيمفونيته الأولى، وبعض مؤلفاته الأولى التي لم يسميها، ودونها قبيل وفاته بقليل ضمن أوبرا كتبها خصيصا ليجمع بها قصاصاته. ثم التفت إلى أهمية توسيع قاعدة شعبيته، فقام بعدئذ بجولة موسيقية على عدد من المدن الألمانية وغير الألمانية ك(براغ)، و(دريسدن)، و(لايبزيغ)، و(برلين)، و(بودابست). وفى تلك المدينة الهائلة راحت تهدر شعبية (بتهوفن) وتتوسع. فكل الناس كانوا معجبين بهذا الموسيقار الشاب الصاعد، حتى الطبقة الارستقراطية كانت تدعمه، و من هناك بدأت قصة غرامه الثانية، (آنا مارى إيرودى) والتي أهدى إليها أوبرا (متحف العدم) الهائلة، والتي احتاجت منه إلى أن يضيف عددا كبيرا من العازفين الرئيسيين، لمقدمتها فوجد في تلك المرأة مجدا هي تستحقه كونها ساهمت كثيرا في دعمه، وحصلت مشاكل بينه وبينها لاحقا. ولكنه في كل مرة كان يعود إليها ويندم على فعلته ويتوب. والواقع إن موهبته الخارقة كانت تجعل الآخرين يصفحون عنه بيسر على الرغم من أن تصرفاته النزقة، والمتطرفة كانت تزعجهم. ولكنه كان فنانا عبقريا يجذبهم بفنه (لكن أليس كل عبقري شخصا غريب الأطوار بشكل من الإشكال[3]). لقد عاد لينظم أكثر من حفلة موسيقية جديدة في (فيينا) وكان يترأس فرقة العازفين كعازف أول قائد له المحور الرئيس فعزف سيمفونيته الأولى، وكان للمتذوقين من جمهوره يومها الإعجاب الشديد. وعلى الرغم من إننا نعتبرها اليوم كلاسيكية، وقريبة من سياق بناء سيمفونيات (موزارت) و(هايدن)، فإن معاصريه وجدوا فيها نغمة جديدة تدل على أسلوبه الشخصي القوى إلى درجة التطرف. وهكذا راحت عبقرية (بتهوفن) تظهر شيئاً فشيئاً على الرغم من إنها لم تكن قد ازدهرت وأينعت بعد. ووصفه مقربيه بأنه رجل جاد جدا، ويأخذ كل كلمة من المحيطين على محمل الجد، وكأنه لا يعرف إلا الموسيقى. وفى عام 1801م أي عندما كان في الواحدة والثلاثين أصابه الطرش. وفى عام 1802م كتب نصا مشهورا يقول فيه (بأنه يفضل الانتحار على العيش كموسيقى بدون سمع). فيا له من قدر أعمى ذلك الذي حكم عليه بأن يفقد سمعه، وهو الموسيقى الذي نذر حياته لفن قائم كله على السماع، ولكن العبقرية الموسيقية كانت تدعوه إليها لكي يكمل أعماله الخالدة. وهى التي حمته الانتحار، ولكنه بعناد وحرص راح ينظم سيمفونياته الرائعة، ويتغلب على عاهته بواسطة الخلق والإبداع. فكان بذاكرة تنسى كل الأشياء فيما عدا الموسيقى، وعندئذ ابتكر السيمفونية (الثانية) و(الثالثة). وقد نظم هذه الأخيرة مهداة إلى (نابليون بونابرت)، ومعلوم أن المثقفين كانوا ينظرون إليه آنذاك بصفته محرّراً للشعوب الأوروبية، وابناً للثورة الفرنسية التي أنعشت الآمال في القلوب. ولكن عندما نصّب نابليون نفسه إمبراطورا غضب (بتهوفن) غضباً شديداً ومحا اسمه من الإهداء. وفى 7 نيسان من عام 1805، عزف (بتهوفن) لأول مرة سيمفونية (البطولة). ومن جهة أخرى فقد أنهى مقطوعة الأوبرا التي كان قد ابتدأ بكتابتها أو نظمها منذ فترة. وتدعى أوبرا (ليونو). وهى الوحيدة التي نظمها كعمل متكامل في حياته. (وقد صححها وكتب لها أربعة مداخل مختلفة). ثم تواصل النشاط الإبداعي ل(بتهوفن) بكثافة في السنوات التالية. وقد ألف عندئذ عدة سيمفونيات نذكر من بينها السيمفونية الرعوية مبنية على نص الفرنسي (اندريه جيد). بعدها أخذ يُدرّس الموسيقى في مدرسة البلاط العالية لبعض الطالبات الجميلات. و(قد وقع في حب أكثر من واحدة[4]). وعندئذ حصل حادث سعيد ومهم بالنسبة له. فقد أصبح (رودولف) أخ الإمبراطور تلميذه، وصديقه، ثم راعيه، وحاميه لاحقاً. وفى عام 1809 فكر (بتهوفن) في مغادرة (فيينا) بناء على دعوة من (جيروم بونابرت) شقيق الإمبراطور. ولكن صديقته المخلصة الارستقراطية (آنا مارى إيرودى) استبقته في (فيينا)، ومنعته من الذهاب إلى (فرنسا التي كانت تريده كثروة فنية). وقد ساعدها على ذلك أصدقاؤه الأغنياء الذين أغدقوا عليه الأموال والهبات. وهكذا لم تخسره (النمسا). وقد اتفق هؤلاء الأغنياء من أمراء وارستقراطيين على دفع مبلغ سنوي كبير له لكي يجعله بمنأى عن الحاجة أو الهموم المادية. وكان الشرط الوحيد الذي أخذوه عليه هو ألا يترك فيينا إلى أي بلد آخر كائناً ما كان. وهذا الراتب السنوي الضخم جعل من (بتهوفن) موسيقاراً مستقلاً بذاته من الناحية المادية. وكان أول موسيقار يعيش من عمله. فقبله كان (باخ) أو (موزارت) أو (هايدن) يخدمون في بلاط أحد الارستقراطيين ويعيشون على هباته. وهكذا فتح عهد جديد في تاريخ الموسيقي. فالموسيقار أصبح حراً في أن يكتب ما يشاء، ومتى يشاء بناء على طلب أم لا. وفى نهاية شهر يوليو من عام 1812 حصل اللقاء الشهير بين (بتهوفن) و(غوته)، وقد رتبت الموعد السيدة (بيتينا برنتانو)، وكان الرجلان العظيمان معجبين يبعضهما البعض كثيرا، ولكنهما لم يتفاهما، أو لم يفهم أحدهما الآخر. فقد وجد (بتهوفن) إن غوته يتملق السلطة كثيرا من أجل الحصول على هباتها. وأما (غوته) فوجد أن (بتهوفن) متغطرس أكثر من اللزوم وغير مجيد لأية لباقة اجتماعية بما فيه الكافية. والواقع أن الموسيقار كان معجبا بالشاعر وقد تحاورا على جملة أمور قد اتفقا عليها أولاهما بان الشعر والموسيقى صنوان لا يفترقان، وقد ترجم قصائده إلى مقطوعات موسيقية رائعة. ثم تأسف بعدئذ لأنهما لم يتفاهما عندما التقيا. وفى أواخر حياته ما كان (بتهوفن) لا يسمع شيئا، ولذلك فقد كان يستخدم الكتابة على الدفاتر للتفاهم مع محاوريه، وأصدقائه في الشوارع، أو في المقاهي. فكان يرد على محاوريه بواسطة الكتابة، وكثيرا ما كان (بتهوفن) يختلي بنفسه في أحضان الطبيعة وبخاصة في ضواحي (فيينا) وأريافها الغناء. فهناك كان يشمّ رائحة الزهور، ويرى الإمطار وهى تتساقط، ويشاهد الفراشات، والطيور، ويستمتع بكل ما يحيط به من جمال خلاب. ولكنه لم يكن يستطيع أن يسمع خرير السواقي. أو تغريد البلابل والواقع أن هذه العاهة، عاهة الطرش، نكدت عليه عيشه، ولكنه لم يستسلم للأمر الواقع ولم تخر عزيمته، وإنما ظل مثابرا على إبداعه حتى النهاية. وهنا تكمن عظمته. على هذا النحو واصل (لودفيج فان بتهوفن) حياته حتى النهاية عام (1814م) واهبا (إياها للفن، وللفن وحده، فهو لم يتزوج، ولم ينجب الأطفال، ولكنه أنجب السيمفونيات الموسيقية التي لا تزال تطربنا وتهزنا حتى الآن[5]). فهو أحد أركان أسماء كبرى في تاريخ الموسيقى العالمية.
Monday, August 01, 2005
[1] LATE BEETHOVEN MUSIC, THOUGHT,IMNAGINATION .MAYNARD SOLOMON
[2] الناشر: مطبوعات جامعة كاليفورنيا 2005

[3] P165
[4] LATE BEETHOVEN MUSIC, THOUGHT,IMNAGINATION .MAYNARD SOLOMON
[5] المصدر نفسه.
الشاعر نصيف الناصري

عن الشعر


ليس دفاعاً عن شاعر
(ما أكثر الكلام ولكن النصوص قليلة
[1])
بقلم: محمد الأحمد
يسقط هذا المقال
[2] الكيدي في فخّ الفضيحة، والخيانة الأدبية، واعتبره خارجا عن أية موضوعية، فتعمّ السخرية مني حول الكاتب الذي أسقط أسمه قصدا من هكذا مقال مغرض (بائس)، فأخفى أسمه لأنه أراد أن يفضح بلا شجاعة، وكان يبغي به تهشيم ما لا يهشم، فأن إخفاء أسم كاتب أي مقال يعني بأن كاتبه غير شجاع، ولا يستطيع المواجهة و ليس صاحب مروءة، فيقع عليه اللوم الشديد..
جاء المقال مضطربا مشوشا، لا ينوي كاتبه الإخلاص للشعر، أو للثقافة العراقية، إذ نمَّ عن جهل متواصل الغشاوة، متواترا بالضغينة، فكشف عن بؤس الاتهام وبؤس المهاجمة. ومن المضحك حقا وردت ضمن المقال تسمية ما لم افهمها (فضاء شعري) ولم يوضح بما كان يريد الإيضاح به كمصطلح نقدي، أم كاتب المقال نفسه متقصدا للخطل، والوهم ليذهب بقراءة بأنه يفهم في الشعر و مصطلحاته وربما (لا يعرف كيف يعبر بعربتيه
[3]) بعيدا المعنى، أو أنها كرصاصة غادرة هرب مطلقها ومتملصا بإخفاء اسمه، إذ لم يقارن أية مقارنة موضوعية (ما السارق والمسروق)، وأنا ادعي المعرفة بما طرح، فوجدت حقدا دفينا في هذا (الكتاب[4]) الذي ادعى كاتب المقال انه في صدد تأليفه، وأكاد اجزم بأنه جريمة لن تغتفر، ومن الجريمة أن نشجع على هكذا ثقافة.
فأسم مثل أسم الشاعر (نصيف الناصري) قد جاهد وكافح من أجل أن يلمع، وما أرتكز عليه المقال لم يكن موضوعاً يستحق مني الرد، فأبريء الشاعر، وإنما مثل هكذا قامة وهمية يريد أن يطول بها أسماء شعراء، وصاحب المقال ليس بشاعر أو ناقد، و السارق هو كاتب المقال. ثمة أصوات تصدر من هنا وهناك غايتها إيقاف القافلة. ولكنها تسير القوافل رغم عن كل شيء، و إنا واحد بين الوسط الأدبي منذ عام 1978م واعرفه صفحاته المشرفة المبدعة كما اعرف الحاسدة المخزية، وصرت أميز النصوص دون الإشاعات ومقاهي العثة والفساد، و(نصيف الناصري) تجربة عراقية تستحق الفخر لأنه لم يدخل المدرسة، وأنه شاعر تعلم بدون مناهج دراسية ولكنه اثبت بأنه شاعر (ثمانيني) بارز بين جيله. ومن بعد أن تبين الغل الغليل حينما ذكر (ويبدو بأن (نصيف الناصري) لا يستطيع أن يحرر جملة عربية، لأنه كتب سيرته في فضاء شعري
[5]).
ولكننا نعيش اليوم في زمن مترهل، حتى نراهم يطلقون كل ما في أنفسهم من ضغائن وأحقاد، ويرمون بها مبدعينا الأفذاذ، فالرمي لأي مبدع في غفلة، والمهاجمة لا تدل على انه لا يطول القامة بالقامة.. فقصائد هذا الشاعر أو ذاك، هي في إبداعها تثير دعاة الشعر والشعر منهم براء. فكم من شاعر لا يصل بمفردة واحدة قصده حتى يرمي الشاعر ذلك بكل قصده، في غيابه ولا يجرأ على مطاولته في حضوره.. فكم من شاعر غاب، وكم من دعي مهمل فاز بالفراغ. وكم منهم يدعي بأنه كان مبدعاً كبيراً، ولا يملك اليوم من الإبداع النزير، ويدعم كل متسلق، متملق، نمّام، كسيح.. أقول كل ذاك ولا أستثني أي من هؤلاء أحد. فهم قلة كانوا كالكلاب البائسة تركع عند حذائي (رئيس تحرير جريدة الثورة سابقا) في مقهى (حسن عجمي) وتلحس بلسانها حد التلميع دون خجل من أحد، واليوم هي نفسها في غيابه تحاول أن تعلن شراستها، تنبح، فكنت أرى التملق ذاك من ذلك، واليوم أنا لا استغرب لأنه أمس كان يرمي كل مبدع حقيقي بالخيانة، والعمالة لمجرد ساعتها جعل صاحب السلطة يرضى. ذاك كان مع (رئيس التحرير) واليوم ضد (الشعر).. فشتان ما بين الاثنين..
أنا اسأل اليوم أولا جريدة (الصباح) حاشاها الله من هكذا خطأ جسيم يتحمله محرر صفحتها الثقافية فهو وحده المسئول عن هكذا إثارة، و من انتهز فرصة الغفلة لأنها الجريدة الغراء المحترمة. وأعذرها يوم تنشر تنويهاً بذلك الشأن، أردت القول بأن ثمة شعراء بلا أبداع يتصيدون الوهم. هم في الأصل تبعات عهد مضى، وإمعات شعر، وليسوا سوى أقرباء المسئول الفلاني (من ناحية الزوجة)، وهم دونه غدا سوف لن يسوون شيئا. و يكرهون (فلان) كونه شاخصاً أنموذجا يذكرهم بفقرهم الإبداعي على عكس ما يدعون من بطولات زائفة، فلست دفاعاً عن شاعر، ولكن دفاعاً عن الحس الحقيقي للشعر الذي يتمتع به (الشاعر)، وأيضاً للأسلوب الفج غير المقنع ولم يرشدنا به، و صدارة الصفحة الثقافية دلّ على أن مسئول الصفحة متعاطفاً مع كاتب المقال، (إن لم يكن هو) فليس باللغة الركيكة يظن الفرد نفسه فاتحا لعلبة سردين مستعصية (حتما سيكون لنا معه شوطا آخر
[6]).. حيث ظهر المقال وكأنه محاولة تصويب عيار إلى صدر بريء، وكان الصفحة خاصته، وينسى بأن لجريدة (الصباح) قراء كثر، وأغلبهم من الكادر العارف بخفايا الإبداع، العارف بسطور الساحة الثقافية..
أستغربُ اليوم متسائلاً عن هذه الأصوات العاوية في غربة الليل العراقي، إلى متى تبقى الكلمات الحاقدة مرتفعة الصوت، ألانها تبوأت منابرنا العراقية المهمة، لتنال من هذه المبدع أو ذاك إلى متى يبقى الصوت العراقي مقصياً، وينال منه البعض، هذا الذي لا يمكن السكوت عليه..

‏‏السبت‏، 23‏ تموز‏، 2005

[1] ميشيل فوكو
[2] المقال منشور في جريدة الصباح، العدد 601، الأربعاء – 13- تموز-2005، شعراء ولكن/ نصيف الناصري:(استبدال المفردة واستعارة أفكار الآخرين) ولم يظهر مع المقال اسم كاتبه.
[3] المقال تضمن الجملة.
[4] كم من كتب كاذبة لن تصدر ابدا.
[5] من المقال المنشور
[6] إن كان حقيقة ويرى النور