١٢‏/٠٧‏/٢٠٠٦


إبراهيم سبتي
كأن الشاعر موت على وشك الانبعاث؟
إبراهيم سبتي
شقيق كمال سبتي

مفارقة، ان يكون احد إخوتك شاعرا وأنت تكتب القصة وثالث مسرحي!. الأخ الشاعر، كان هيبة الشعر كله في بيت كان الأب، فقيرا طيبا شاء قدره ان ينجب هكذا أبناء. لكنه كان ابا لموهبة اكبر من عمرها.. في الليل وحين ينام الصغار في أحضان الفرش المتهرئة، كان أخونا الشاعر، يقرأ بنهم حتى مطلع الفجر. أخونا، سيصير أحسن منكما، أيها النائمان منذ أول الغروب: قال الأب ساخطا. في أول النهار، سرني أخي الملتهم للكتب: لم اقرأ مثل كتبكم!، حينها كنت أخشى عليه من سطوة أبي الفقير الذي كان يتحجج بالدوخة، كي ينسحب من وجبة الظهر الخفيفة جدا ليبيحها لنا نحن الأرانب. كان وحده يعرف سر أبي. فراح ينهض قبله تاركا المائدة وأبي ينظر له بحيرة ووجوم . ففي عام 1974، نشر كمال أول قصيدة وهو طالب في معهد الفنون الجميلة ببغداد. في عام 1976 نشر قصيدته في مجلة الأقلام. في عام 1980 اصدر ديوانه الأول (وردة البحر). وتوالت دواوينه الأخرى. كما غادر العراق هاربا بمفارقة، أيضا. فمن كان يقدر على مغادرة العراق في الثمانينيات وهو عسكري؟ غادر هاربا ولم يعد، وتنقل بين البلدان، تركيا، قبرص، يوغسلافيا، ومكث في بلغراد سبعة أشهر تحديدا، وكان أول عراقي يمنح اللجوء فيها وسط ذهول الجميع. ثم اسبانيا، وأخيرا استقر بهولندا. كانت المنافي بالنسبة له كما يقول (لكل منا قدره ومصيره. وقد شاءا أن أشقى في حياتي من منفى إلى منفى. مؤكد أن الواحد منا يحاول أن يهضم المنفى معرفياً وحسياً) وكان يردد قولته المشهورة (تعلمت ألا أكون راديكالياً في حداثتي وأن أكون متواضعاً أكثر وأن صفة الشاعر الشهيد لا تُلفَّق ولا تعطى للمرء في حياته بل يهبها التاريخ الذي يسري هادئا)، إذ كان يحب العائلة، وحزن كثيرا لموت الشقيق الأكبر غريبا هو الأخر ولكن في بغداد. هاتفني كمال باكيا : أقم له عزاء يليق به. ولكن المفارقة الغريبة أن يأتي كمال إلى وطنه بعد عقدين من المنفى في عام 2003 ليموت الأب بعد يوم ونصف!
عند المثوى قلت له : كتب علي أن ادفن العائلة وحيدا. اطرق برأسه وبكى. كان الموت يتكرر في معظم شعره وكأنه تعويذته : (تلكم كائنات يبست، هل ترتدي أيها السيد لبادا من الطين؟ لم ادر انك تموت وحيدا، وتحيا مرات قال الراعي: انك مت: أي، انحدرت إلى القاع السحيق، وقال: انطفأت فيك نار الله، فما عدت تقبل علينا بالصراخ، لكأنك مت حقا أيها السيد، ولكأن الراعي تنادى إلى سمعه صوتك القديم، فقال: مات) متحف لبقايا العائلة ص45. مات كمال سبتي تاركا ثمان مجاميع شعرية، أربع في الوطن ومثلها في المنفى، ومئات المقالات والدراسات في التنظير والحداثة الشعرية، وخمسة مخطوطات كان ينوي طباعتها تباعا. ارتح، أيها الشاعر من غربتك في الأصقاع، ارتح فقد بقي الشعر من بعدك حيا إلى الأبد.

هامش : العنوان لإحدى مقالات الشاعر الراحل .
الناصرية
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: