كنت مع السيد حراز
قصة قصيرة
قصة قصيرة
سميرعبد الرحيم أغا
الى: - محمد الأحمد
تمنى اللقاء به يوم أمس وكل يوم ، ترك القلب لديه وأنتظر ، بلغ غانم الصالح بروحه الصغيرة مدخل ضريح السيد حراز المنتصب على تلة قائمة غرب قرية الحديد ، أنزلق عن حصانه الوحيد ، وعند النخلات الثلاث تركه ، الباب الخشبي العتيق يتوسط الجدران العالية الرطبة ، القبة الخضراء تبدو كأنها صرح يلوح في ضوء الشمس ، كأنه سقي بدف الامس ، يؤكد أن جده صالح مازال باقيا هنا يرعى الضريح حتى في موته ، كما كان قائما على الاحياء ، بل لايزال قائما عليهم ، ليس الضريح ألا قرية أخرى ، زاهدة بعشق نور الاتقياء ، يباركه الان بضريحه ويباركها الجد بروحه ، تجسد غانم في ألهام من خطى سلالة الضريح ألهام مفاجىء ، وذات الالهام الذي كان جده ينتقل اليه ، ربما الاوهام تغفو ، ولكن اللحظة يتجسد الجد فيه ، تعلم من جده أن يرى الحمام في الظهيرة يشدو للسيد حراز أناشيد الروح وأناشيد القرية ، هاهو الان يحرسة أيضا بعد موته ، فكر أنه أكثر وفاء من أخوته السبعة ، تمنوا لو يكونوا مكانه ، حدث نفسه ان جده ينحدر من قبائل تعشق السيد حراز الذي ينحدر بدوره من سلالة ال البيت الكرام ، يؤكد غانم دائما مكانه ليس هنا ، بل بجوار جده , لو نهض لقال له ذلك ، ليته يقول ، قال لكل الشيوخ والقائمين على الضريح وأولهم الحاج سالم الفزع .
- غانم خليفتي من بعدي
فتح غانم الباب الخشبي ، سار بالممشى في ضوء الشمس المشتت ، اشار الى الضريح الراقد وسط البناء ، مشى بخشوع وحياء خفيف وقور ، أجتاز الضريح من مكان قصير ، كم مر من الوقت وكل ما حولنا يشئ بالموت والتوبة ، ياغانم كم تبقى من عمرك ؟ نصفه قد نسيته هنا حول قبري ، كيف يحسب جدي حساب كل شيء ؟ حتى هذا المقام . توقف أمام واجهة الضريح على بعد خطوات ، أنثنت يده نحو صدره تحمل الصرة المحملة بالتمر والخبز ، التي يحملها اليه كل ليلة ، طأطأ رأسه تحية000 السلام عليكم ياجدي . توقع أن يرد عليه بصوته المعروف ، السلام عليكم ياولدي ، او تشير اليه العيون المتكسرة ، والفم المفتوح بالانفاس الملتهبة ، تعال هنا في ملكوتي نسي انه الان لايجيب ولاينظر ولايومي ، أوشك أن ينصرف ، خشي أن ينهض ، ان تطالعه ذات الهمسة الدافئة يعرف هذه النظرة تطاره كل مساء ، ثم قال بألحاح – ضع سرك هنا .. حتى تقدر أن تسعدهم ، لكي يبتسموا كما كانوا في حياتك ، تذكر غانم مسبحة جده صالح الكبيرة بطول الجدار مقيمة بين أولاده في غرفة الضيوف ، يذكر تسبيحه في الصباح والمساء سبحان الله ، سبحان الله ، تدفق الحاضر في ذاكرته فجاة كما جده ، أوظل صامتا كالقدر ، هم بالعتذار لمجيئه ولم يرفع رأسه لنداء الاولياء والصالحين ، لو يقول لجده شيأ ، هنا ولدت الايام تحت هذه الشجرات الثلاث وبقية الاشجار ، الليل يعانق بسمة الافق الصامتة واليدين المعقودتين على الصدر والعيون النائمة ، في كل زيارة للضريح مفاجئة وغير متوقعة ، قد تمجده وقد يغضب بأي فم ستقول في خلافات القرية ، كل طرف يتصارع مع الأخر مع مركز الشرطة في شؤون الري وحسد العيشة والتسابق على النساء وفي خلافات القرى مع بعضها البعض ، صارت لقريته سمعة تستجير بالدنيا من تلقاء نفسها وكلمة لاترد ، ومكانة لاتجارى بين القرى ، على تواضع أهلها ومكانة شيوخها ، كلهم ينظرون لحكمة جدي وعشرات الايدي تمتد الى الخالق لتحفظ القرية ، لحظ غانم من الضوء المسلط عليه من أقصى القرية ان له على الارض أكثر من عش ، مابين قيد الكرامة والحب بني أعشاشا عديدة متقاطعة مختلفة القش .. مندهشة لاتزال غير مدركة ما ترى كأنه يراها ، لأول مرة فزع لما تراه عيناه ، هل هي ظلاله بين الاخرين، الان لجده نفحة الطيب . لحظة طالت أنه بين يدي جده ، ظل له وحده وببركته تتحلق حوله كل الظلال الان ، ... هم جميعا صاروا أسرابا تلتمس أثره ، ذلك ما قاله جدي ، جدي يختفي ويظهر دائما في ملتقى منابع الضوء ومصادره ، يكره ان يكون وراءه ، ويرى عيونا تمشي أمامه تمد بساطا على مسالك الافق ، لحظة يحس فيها انه قادر الاتصال بكل أنسان وبكل شيء بل قادر على الاتصال بنفسه . هتف في سره الله حي ، هتاف يشدو في الفؤاد هنا .. هنا تدق ابواب المحبة في هذه القرية بأنتظار المطر ، رفع غانم رأسه قليلا تجاه الضريح وقال لجده – أولادك بخير ياجدي ، لقد طويت الجرح ... جدي ، أبتلع ريقه وأضاف بقوة الكل بخير وأضاف مؤكدا حزانى من بعدك ، لكنني أجعلهم يشعرون أنك ماتزال باقيا بينهم وبيننا ، كأنه يحدث نفسه ، انه غير موجود أمامه يروح ويجيء بين الجدران ، يتأمل مفكرا ، بصوت مرتفع ،الاستراحة لاتكتمل ألابوجودك ، شعر غانم بروح جده تحل فيه الان ، بركاته تغمره مناجاة السؤال على الضريح، أرمي رؤاي على ظلمة الخلود ، رفع غانم رأسه وهتف الشكر لك ياجدي ( هتاف يهتف كحزن الأيام يعود الصوت ..( لاأحد يرد .. صرخة الوحدة ترعى في حقول الصالح ) أشاح غانم وجهه
عنه ، كيف يلقاه ومن أي باب ؟ لم أنطق بما لا يستهان به ، ولم أكذب على أحد , ولم أبك بلا سبب ، ولم أعجن طحين الجوع بالتقوى ، أن جده يراه الان ويسمعه ويعرف أكثر مما كان ، أغنية أشعلت شموع الضريح ، وغابات التاريخ ، حكمة الضريح تبكي كل أغصان الطرق ، أنه شك في معرفته المطلقة ، همس – السلام ياجدي وأضاف يتودد – أمرك مطاع ياجدي ثم قال في نفسه – سأقصد بيتنا لأرى ماهم في حاجة أليه سأسليهم وأقول لاطير يبني وطننا غيرك ، انت جدنا فما كان عليك شيء أبدا وأنما كان لك علينا ، كنت تعطي ماتحب لمن تشاء ولاتسأل عما تفعل ، لك ياجدي ان يظل كل شيء كما كان ، بركة وخير , ذعر غانم وأحنى رأسه – السلام عليكم ياجدي ، ابتعد خطوات ثم أستدار هبطت يده على صدره شد قامته ليرى الحاج سالم الفزع قادما من بعيد مرفوع الهامة وألقى بنظره أمامه باحثا عن جده أيضا ، قال الحاج سالم – انا أعرف صمت المحبين ، احب الصلوات من حب جدي صالح ، اجتاحته في تلك اللحظة أمنية قد تخلد الى الابد ، أن أحرك الزمن المتوقف عند ناصية السيد حراز ، ثم أعود الى الدار لأحكي لأخوتي السبعة 000 والحكاية كلها أنهم يعرفون أنني كنت مع السيد حراز .
--------------------------------------------------------
2004
الى: - محمد الأحمد
تمنى اللقاء به يوم أمس وكل يوم ، ترك القلب لديه وأنتظر ، بلغ غانم الصالح بروحه الصغيرة مدخل ضريح السيد حراز المنتصب على تلة قائمة غرب قرية الحديد ، أنزلق عن حصانه الوحيد ، وعند النخلات الثلاث تركه ، الباب الخشبي العتيق يتوسط الجدران العالية الرطبة ، القبة الخضراء تبدو كأنها صرح يلوح في ضوء الشمس ، كأنه سقي بدف الامس ، يؤكد أن جده صالح مازال باقيا هنا يرعى الضريح حتى في موته ، كما كان قائما على الاحياء ، بل لايزال قائما عليهم ، ليس الضريح ألا قرية أخرى ، زاهدة بعشق نور الاتقياء ، يباركه الان بضريحه ويباركها الجد بروحه ، تجسد غانم في ألهام من خطى سلالة الضريح ألهام مفاجىء ، وذات الالهام الذي كان جده ينتقل اليه ، ربما الاوهام تغفو ، ولكن اللحظة يتجسد الجد فيه ، تعلم من جده أن يرى الحمام في الظهيرة يشدو للسيد حراز أناشيد الروح وأناشيد القرية ، هاهو الان يحرسة أيضا بعد موته ، فكر أنه أكثر وفاء من أخوته السبعة ، تمنوا لو يكونوا مكانه ، حدث نفسه ان جده ينحدر من قبائل تعشق السيد حراز الذي ينحدر بدوره من سلالة ال البيت الكرام ، يؤكد غانم دائما مكانه ليس هنا ، بل بجوار جده , لو نهض لقال له ذلك ، ليته يقول ، قال لكل الشيوخ والقائمين على الضريح وأولهم الحاج سالم الفزع .
- غانم خليفتي من بعدي
فتح غانم الباب الخشبي ، سار بالممشى في ضوء الشمس المشتت ، اشار الى الضريح الراقد وسط البناء ، مشى بخشوع وحياء خفيف وقور ، أجتاز الضريح من مكان قصير ، كم مر من الوقت وكل ما حولنا يشئ بالموت والتوبة ، ياغانم كم تبقى من عمرك ؟ نصفه قد نسيته هنا حول قبري ، كيف يحسب جدي حساب كل شيء ؟ حتى هذا المقام . توقف أمام واجهة الضريح على بعد خطوات ، أنثنت يده نحو صدره تحمل الصرة المحملة بالتمر والخبز ، التي يحملها اليه كل ليلة ، طأطأ رأسه تحية000 السلام عليكم ياجدي . توقع أن يرد عليه بصوته المعروف ، السلام عليكم ياولدي ، او تشير اليه العيون المتكسرة ، والفم المفتوح بالانفاس الملتهبة ، تعال هنا في ملكوتي نسي انه الان لايجيب ولاينظر ولايومي ، أوشك أن ينصرف ، خشي أن ينهض ، ان تطالعه ذات الهمسة الدافئة يعرف هذه النظرة تطاره كل مساء ، ثم قال بألحاح – ضع سرك هنا .. حتى تقدر أن تسعدهم ، لكي يبتسموا كما كانوا في حياتك ، تذكر غانم مسبحة جده صالح الكبيرة بطول الجدار مقيمة بين أولاده في غرفة الضيوف ، يذكر تسبيحه في الصباح والمساء سبحان الله ، سبحان الله ، تدفق الحاضر في ذاكرته فجاة كما جده ، أوظل صامتا كالقدر ، هم بالعتذار لمجيئه ولم يرفع رأسه لنداء الاولياء والصالحين ، لو يقول لجده شيأ ، هنا ولدت الايام تحت هذه الشجرات الثلاث وبقية الاشجار ، الليل يعانق بسمة الافق الصامتة واليدين المعقودتين على الصدر والعيون النائمة ، في كل زيارة للضريح مفاجئة وغير متوقعة ، قد تمجده وقد يغضب بأي فم ستقول في خلافات القرية ، كل طرف يتصارع مع الأخر مع مركز الشرطة في شؤون الري وحسد العيشة والتسابق على النساء وفي خلافات القرى مع بعضها البعض ، صارت لقريته سمعة تستجير بالدنيا من تلقاء نفسها وكلمة لاترد ، ومكانة لاتجارى بين القرى ، على تواضع أهلها ومكانة شيوخها ، كلهم ينظرون لحكمة جدي وعشرات الايدي تمتد الى الخالق لتحفظ القرية ، لحظ غانم من الضوء المسلط عليه من أقصى القرية ان له على الارض أكثر من عش ، مابين قيد الكرامة والحب بني أعشاشا عديدة متقاطعة مختلفة القش .. مندهشة لاتزال غير مدركة ما ترى كأنه يراها ، لأول مرة فزع لما تراه عيناه ، هل هي ظلاله بين الاخرين، الان لجده نفحة الطيب . لحظة طالت أنه بين يدي جده ، ظل له وحده وببركته تتحلق حوله كل الظلال الان ، ... هم جميعا صاروا أسرابا تلتمس أثره ، ذلك ما قاله جدي ، جدي يختفي ويظهر دائما في ملتقى منابع الضوء ومصادره ، يكره ان يكون وراءه ، ويرى عيونا تمشي أمامه تمد بساطا على مسالك الافق ، لحظة يحس فيها انه قادر الاتصال بكل أنسان وبكل شيء بل قادر على الاتصال بنفسه . هتف في سره الله حي ، هتاف يشدو في الفؤاد هنا .. هنا تدق ابواب المحبة في هذه القرية بأنتظار المطر ، رفع غانم رأسه قليلا تجاه الضريح وقال لجده – أولادك بخير ياجدي ، لقد طويت الجرح ... جدي ، أبتلع ريقه وأضاف بقوة الكل بخير وأضاف مؤكدا حزانى من بعدك ، لكنني أجعلهم يشعرون أنك ماتزال باقيا بينهم وبيننا ، كأنه يحدث نفسه ، انه غير موجود أمامه يروح ويجيء بين الجدران ، يتأمل مفكرا ، بصوت مرتفع ،الاستراحة لاتكتمل ألابوجودك ، شعر غانم بروح جده تحل فيه الان ، بركاته تغمره مناجاة السؤال على الضريح، أرمي رؤاي على ظلمة الخلود ، رفع غانم رأسه وهتف الشكر لك ياجدي ( هتاف يهتف كحزن الأيام يعود الصوت ..( لاأحد يرد .. صرخة الوحدة ترعى في حقول الصالح ) أشاح غانم وجهه
عنه ، كيف يلقاه ومن أي باب ؟ لم أنطق بما لا يستهان به ، ولم أكذب على أحد , ولم أبك بلا سبب ، ولم أعجن طحين الجوع بالتقوى ، أن جده يراه الان ويسمعه ويعرف أكثر مما كان ، أغنية أشعلت شموع الضريح ، وغابات التاريخ ، حكمة الضريح تبكي كل أغصان الطرق ، أنه شك في معرفته المطلقة ، همس – السلام ياجدي وأضاف يتودد – أمرك مطاع ياجدي ثم قال في نفسه – سأقصد بيتنا لأرى ماهم في حاجة أليه سأسليهم وأقول لاطير يبني وطننا غيرك ، انت جدنا فما كان عليك شيء أبدا وأنما كان لك علينا ، كنت تعطي ماتحب لمن تشاء ولاتسأل عما تفعل ، لك ياجدي ان يظل كل شيء كما كان ، بركة وخير , ذعر غانم وأحنى رأسه – السلام عليكم ياجدي ، ابتعد خطوات ثم أستدار هبطت يده على صدره شد قامته ليرى الحاج سالم الفزع قادما من بعيد مرفوع الهامة وألقى بنظره أمامه باحثا عن جده أيضا ، قال الحاج سالم – انا أعرف صمت المحبين ، احب الصلوات من حب جدي صالح ، اجتاحته في تلك اللحظة أمنية قد تخلد الى الابد ، أن أحرك الزمن المتوقف عند ناصية السيد حراز ، ثم أعود الى الدار لأحكي لأخوتي السبعة 000 والحكاية كلها أنهم يعرفون أنني كنت مع السيد حراز .
--------------------------------------------------------
2004