٢٧‏/٠٨‏/٢٠٠٥

سمير عبد الرحيم أغا

كنت مع السيد حراز

قصة قصيرة
سميرعبد الرحيم أغا
الى: - محمد الأحمد


تمنى اللقاء به يوم أمس وكل يوم ، ترك القلب لديه وأنتظر ، بلغ غانم الصالح بروحه الصغيرة مدخل ضريح السيد حراز المنتصب على تلة قائمة غرب قرية الحديد ، أنزلق عن حصانه الوحيد ، وعند النخلات الثلاث تركه ، الباب الخشبي العتيق يتوسط الجدران العالية الرطبة ، القبة الخضراء تبدو كأنها صرح يلوح في ضوء الشمس ، كأنه سقي بدف الامس ، يؤكد أن جده صالح مازال باقيا هنا يرعى الضريح حتى في موته ، كما كان قائما على الاحياء ، بل لايزال قائما عليهم ، ليس الضريح ألا قرية أخرى ، زاهدة بعشق نور الاتقياء ، يباركه الان بضريحه ويباركها الجد بروحه ، تجسد غانم في ألهام من خطى سلالة الضريح ألهام مفاجىء ، وذات الالهام الذي كان جده ينتقل اليه ، ربما الاوهام تغفو ، ولكن اللحظة يتجسد الجد فيه ، تعلم من جده أن يرى الحمام في الظهيرة يشدو للسيد حراز أناشيد الروح وأناشيد القرية ، هاهو الان يحرسة أيضا بعد موته ، فكر أنه أكثر وفاء من أخوته السبعة ، تمنوا لو يكونوا مكانه ، حدث نفسه ان جده ينحدر من قبائل تعشق السيد حراز الذي ينحدر بدوره من سلالة ال البيت الكرام ، يؤكد غانم دائما مكانه ليس هنا ، بل بجوار جده , لو نهض لقال له ذلك ، ليته يقول ، قال لكل الشيوخ والقائمين على الضريح وأولهم الحاج سالم الفزع .
- غانم خليفتي من بعدي
فتح غانم الباب الخشبي ، سار بالممشى في ضوء الشمس المشتت ، اشار الى الضريح الراقد وسط البناء ، مشى بخشوع وحياء خفيف وقور ، أجتاز الضريح من مكان قصير ، كم مر من الوقت وكل ما حولنا يشئ بالموت والتوبة ، ياغانم كم تبقى من عمرك ؟ نصفه قد نسيته هنا حول قبري ، كيف يحسب جدي حساب كل شيء ؟ حتى هذا المقام . توقف أمام واجهة الضريح على بعد خطوات ، أنثنت يده نحو صدره تحمل الصرة المحملة بالتمر والخبز ، التي يحملها اليه كل ليلة ، طأطأ رأسه تحية000 السلام عليكم ياجدي . توقع أن يرد عليه بصوته المعروف ، السلام عليكم ياولدي ، او تشير اليه العيون المتكسرة ، والفم المفتوح بالانفاس الملتهبة ، تعال هنا في ملكوتي نسي انه الان لايجيب ولاينظر ولايومي ، أوشك أن ينصرف ، خشي أن ينهض ، ان تطالعه ذات الهمسة الدافئة يعرف هذه النظرة تطاره كل مساء ، ثم قال بألحاح – ضع سرك هنا .. حتى تقدر أن تسعدهم ، لكي يبتسموا كما كانوا في حياتك ، تذكر غانم مسبحة جده صالح الكبيرة بطول الجدار مقيمة بين أولاده في غرفة الضيوف ، يذكر تسبيحه في الصباح والمساء سبحان الله ، سبحان الله ، تدفق الحاضر في ذاكرته فجاة كما جده ، أوظل صامتا كالقدر ، هم بالعتذار لمجيئه ولم يرفع رأسه لنداء الاولياء والصالحين ، لو يقول لجده شيأ ، هنا ولدت الايام تحت هذه الشجرات الثلاث وبقية الاشجار ، الليل يعانق بسمة الافق الصامتة واليدين المعقودتين على الصدر والعيون النائمة ، في كل زيارة للضريح مفاجئة وغير متوقعة ، قد تمجده وقد يغضب بأي فم ستقول في خلافات القرية ، كل طرف يتصارع مع الأخر مع مركز الشرطة في شؤون الري وحسد العيشة والتسابق على النساء وفي خلافات القرى مع بعضها البعض ، صارت لقريته سمعة تستجير بالدنيا من تلقاء نفسها وكلمة لاترد ، ومكانة لاتجارى بين القرى ، على تواضع أهلها ومكانة شيوخها ، كلهم ينظرون لحكمة جدي وعشرات الايدي تمتد الى الخالق لتحفظ القرية ، لحظ غانم من الضوء المسلط عليه من أقصى القرية ان له على الارض أكثر من عش ، مابين قيد الكرامة والحب بني أعشاشا عديدة متقاطعة مختلفة القش .. مندهشة لاتزال غير مدركة ما ترى كأنه يراها ، لأول مرة فزع لما تراه عيناه ، هل هي ظلاله بين الاخرين، الان لجده نفحة الطيب . لحظة طالت أنه بين يدي جده ، ظل له وحده وببركته تتحلق حوله كل الظلال الان ، ... هم جميعا صاروا أسرابا تلتمس أثره ، ذلك ما قاله جدي ، جدي يختفي ويظهر دائما في ملتقى منابع الضوء ومصادره ، يكره ان يكون وراءه ، ويرى عيونا تمشي أمامه تمد بساطا على مسالك الافق ، لحظة يحس فيها انه قادر الاتصال بكل أنسان وبكل شيء بل قادر على الاتصال بنفسه . هتف في سره الله حي ، هتاف يشدو في الفؤاد هنا .. هنا تدق ابواب المحبة في هذه القرية بأنتظار المطر ، رفع غانم رأسه قليلا تجاه الضريح وقال لجده – أولادك بخير ياجدي ، لقد طويت الجرح ... جدي ، أبتلع ريقه وأضاف بقوة الكل بخير وأضاف مؤكدا حزانى من بعدك ، لكنني أجعلهم يشعرون أنك ماتزال باقيا بينهم وبيننا ، كأنه يحدث نفسه ، انه غير موجود أمامه يروح ويجيء بين الجدران ، يتأمل مفكرا ، بصوت مرتفع ،الاستراحة لاتكتمل ألابوجودك ، شعر غانم بروح جده تحل فيه الان ، بركاته تغمره مناجاة السؤال على الضريح، أرمي رؤاي على ظلمة الخلود ، رفع غانم رأسه وهتف الشكر لك ياجدي ( هتاف يهتف كحزن الأيام يعود الصوت ..( لاأحد يرد .. صرخة الوحدة ترعى في حقول الصالح ) أشاح غانم وجهه
عنه ، كيف يلقاه ومن أي باب ؟ لم أنطق بما لا يستهان به ، ولم أكذب على أحد , ولم أبك بلا سبب ، ولم أعجن طحين الجوع بالتقوى ، أن جده يراه الان ويسمعه ويعرف أكثر مما كان ، أغنية أشعلت شموع الضريح ، وغابات التاريخ ، حكمة الضريح تبكي كل أغصان الطرق ، أنه شك في معرفته المطلقة ، همس – السلام ياجدي وأضاف يتودد – أمرك مطاع ياجدي ثم قال في نفسه – سأقصد بيتنا لأرى ماهم في حاجة أليه سأسليهم وأقول لاطير يبني وطننا غيرك ، انت جدنا فما كان عليك شيء أبدا وأنما كان لك علينا ، كنت تعطي ماتحب لمن تشاء ولاتسأل عما تفعل ، لك ياجدي ان يظل كل شيء كما كان ، بركة وخير , ذعر غانم وأحنى رأسه – السلام عليكم ياجدي ، ابتعد خطوات ثم أستدار هبطت يده على صدره شد قامته ليرى الحاج سالم الفزع قادما من بعيد مرفوع الهامة وألقى بنظره أمامه باحثا عن جده أيضا ، قال الحاج سالم – انا أعرف صمت المحبين ، احب الصلوات من حب جدي صالح ، اجتاحته في تلك اللحظة أمنية قد تخلد الى الابد ، أن أحرك الزمن المتوقف عند ناصية السيد حراز ، ثم أعود الى الدار لأحكي لأخوتي السبعة 000 والحكاية كلها أنهم يعرفون أنني كنت مع السيد حراز .
--------------------------------------------------------
2004

يمور عبد الغفور




كلا أنها لظى
تيمور عبد الغفور

النخيل يشتهى
جسر الرصافة مفخخ بعيون المها
والمسافة للمعسكر لاتتجاوز أغنية
وعلى الفضائيات
مجندة مصابة بالايدز
تعتقل الحياء المصفى
نزيف المرازيب
أنشغال الحدائق بالتجاعيد
ارتماء الظلال بقسوة فوق الضحى
احتمال المحال
انجباس الينابيع وسط اللظى
احتضار الربى
أين انت
فتشت عنك سقط اللوى
وحومانة الدراج والمتثلم
ولم أجد مثقال منعطف اليك
سوى غبار المشظى
واطلال رمزك الالكتروني
شغلتنا الحرب عن جبهتك
وأرسلنا اليك الهمس مائلا للخشوع
لماذا الرحيل ..
وتتركون نشيج الحقائب مبهما
أنا افكر بأجتياح السماء
اين الشهيق لنحرث الوادي
اين الشهيق لنعدو وراء الكواكب
تقدس سرك . لاتفاوض
انهم بائسون .. كقشور البطاطا
ومن اللياقة ان يولدوا مرة أخرى
سأكتفي بالعناق وسط الرذاذ
فأين المفر .. أهرب من جمالك المختصر
كتائه يتبعه القمر
وحولنا هدوء اعصابنا
وضحكة توفيت
كنت ( صعبا قياديا )
ستندلع الكآبة من طحالب أغنية
والنجوم حفاة
أبقى هنا أرعى انوثة قريتي
فالكحل في اجفانها يتصحر
باق مع الجمرات في الموقد


مصائد للغبار / بعد الاحتلال

مندوب أيوب

مضى
مامضى .. وانتهى ,,
كل شئ.. !
فمن
أي ركن
أقوم معافى
وهذا
زمان الغبار
المبلل
بالفقد والاستلاب
عزيز
علي بكائي ... ولكنني
سأطبخ
ضحكي على ....
موقد من رماد الحرب ، وألهو بأرجوحة المهزلة
أرمم ذاكرتي متعبا
وفي
سلة المهملات
أعيش وحيدا
أسافر
في سفن المستحيل
وآوي ..
الى واحة ...
من سراب
أفتش ...
عن ظل تلك القرون
وما ضمها من كتاب
أشم بخورا .. وطيب مكان
فتخضل ..
سوسنة باكية
وثمة من ...
حزنها طائر .. حائر
يهاجر
نحو أحلامنا ..
المتعبة
حدادا
على مدني ..
العارية!
أأسس
أمكنتي في بوار
السقوط
وأجتر
أحلامي الضائعة
أنادى
خرابي بخلق ..
جديد
( وأحمل قلبي على راحتي )
نذورا
لمستقبل واعد
أأذن في الفجر .. هيا
سأوقد نارا
لمن تاه في ..
المستحيل
وأحيا
على ذاتي الخالدة
وأهمس
في رئتي .. سنعود

هوامش تحت ظل السياب ‏2005‏‏

مندوب أيوب

كانت
ومنذ ذلك الزمن
قيثارة الخليج
ومنتدى اللؤلؤ والمحار
ومن صدى حشرجة غريبة
تئن في النشيج
ماذا جرى
يازينة الشطآن والخلجان
يامدينة النخيل
وموطن النخيل
وهمسة السياب عند غفوة الأصيل
قرأت في عيونها
ارتعاشة الشتاء
ومن جفا ورودها
انكماشة الربيع
وحشرجات الناي فوق شطها الجميل
ولو درى بويب
بنفرة الاحباب والاصحاب
وغربة المكان
بكى على محنتها بوحشة الماء
وأنتفاضة الخريف
يامرفأ النور ويادواعي السرور
يا أول الأمصار
منذ تفتحت براعم السنين
فهل الى حنين
يأخذني لأخر الحدود
لتربة تعفرت من دمنا
من عرق الجنود
هناك
ياقبلة من تسوروا
من أول الضياء
لأخر المساء
وأحتبسوا أنفاسهم
كي يعبرون
وياأبا غيلان
هنا نبوءة
( أن تقذف المدن البعيدة والبحار الى العراق )
فها هنا
( آلاف آلاف الجنود )
تقاطرت ... تجيشت ... وعربدت
ولم يعد هناك
( من يملأ السلال
بالماء والأسماك والزهر )
وليته أنتظر
حتى يرى بغدادنا ... أربيلنا .. بصرتنا ... مدائن العراق
تسربلت ...
أنشودة المطر
......................................

فروض الوجع الممنوع

مندوب أيوب
شهيدا .. ألقيت السمع
وأقمت الحجة
وأوقدت شموع البرهان
شيعت بقايا أحلامي
ودفنت حقوق الانسان
وشربت عزائي
وقرأت الفاتحة الأولى
وردفت الأمر الأعظم
لله
من قبل ومن بعد
وركلت الليل بكلكله
وبصقت مرايا أحزاني
وبرغمي
أرزح تحت القيد
وأغرق
تحت لعاب السجان
أتسلى بالضيم وأنكأجرحي
ايذانا
لفروض الوجع الممنوع
لتابوت
يأبى أن يدفن بعد
أفلت من جدثي
من عمري مكتظا باليتم
غلى ناصية التخمة
وريش البذخ
او
فوق لهيب البركان
وبأعزف
عند الفجر تراتيلي
أودع محرابي
وأقر بأني سأعود
كي
يأخذني الزهو بعيدا
أتبلل شوقا أتلاشى
بحضن الوطن الممتد
بأعماق الروح
أتندى بشذى الريحان
لكني
أعرف ان المشوار طويل جدا
والثمن الغالي مدفوع سلفا
والحرية
قدر الساعين الى الآمال الكبرى
وسيفضح سري اعلاني
ياوطنا
يبتلع الهم زمانا
سأمد الليل جسور الحب
وسيسبق ظلي ايماني
سنمر جموعا أثر جموع
فالموعد قادم لاريب