١٧‏/٠٧‏/٢٠٠٥

عبد الستار زنكنة و ظاهر شوكت


????? ?? ????? ??????? ????? ?????? ?????? ????? ??????

بلاسم الضاحي

شوقي كريم حسن


????? ?? ????? ??????? ????? ?????? ?????? ????? ??????

زملاء

فاضل عبود التميمي


غسق الكراكي حلم روائي

فاضل عبود التميمي
fadilaltamimi@yahoo.com
الغسق في اللغة أول ظلمة الليل ، والكراكي جمع كركي ، وهو طائر بحجم الاوزة يعيش في المناطق الجبلية ، ويهاجر الى السهول في وقت الربيع … وأن يكون للكراكي غسق فذلك حلم يمكن ان يتحقق عن طريق الاستعارة المكنية ، وهي متن مجازي تتحقق فيه أقصى غايات التخيل ، والتخييل … وهما متمثلان في أستعارة الغسق للكراكي في مستويات : السرد واعارة اللغة ، وعنونة الرواية . لقد شغلت الرواية بوصفها نوعاً أدبياً مساحة واسعة في فكر سعد محمد رحيم مذ ادرك بوعيه الانساني المتميز أهمية هذا النوع من الادب الذي صرف من اجله زمناً ليس بالقليل يقرأ ، ويتأمل ، ويعيد القراءة ليعيد انتاج ما قرأ … لقد قادته عملية القراءة الى مظان روائية كثيرة : منها ما هو عربي ومنها ما هو مترجم الى أن القت به في أحضان قراءة أخرى قامت على أليات التذكر ، والتصور ، ومحاكاة القراءات السابقة ، ثم تجاوز ما هو كائن الى ما سيكون ، بمعنى أدق ، إن القراءة الاولى قادته الى قراءات واعية يمكن تشكيلها فيما أصطلح علي بـ (( التناص)) أي الكتابة على أديم كتابات اخرى فكان له أن كتب روايته الاولى (( هكذا أستنطقنا الفولاذ )) 1983 والثانية (( رصاص العمق الهادئ)) 1985 ،و(( الطرائد )) التي لم تنشر بعد ، فضلاً عن خمس مجموعات قصصية معروفة .. تنتمي رواية (( غسق الكراكي )) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية –بغداد-2000 الى نمط من الروايات التي يتم بناؤها عل أسس غير تقليدية ، هي ما تسمى بالراوية الاطارية التي تعتمد بنيتها الشكلية والمضمونية على رواية أخرى مفترضة يبحث عنها الراوي لتظهر في عمله المنجز وتكون في النتيجة هدفاً لتصوراته المعلنة … فضلاً عن أنها رواية قصد يسعى الكاتب الى البوح بها ومن خلالها … والقراءة الدقيقة لما جاء في (( غسق الكراكي )) من افكار تسهم في حل أبرز مشكلاتها إن كانت لها مشكلات … ولعل أستهلالها يؤكد ما نحن بصدده ، قال الروائي على لسان الراوي : (( قال لي : حلم حياتي الكبير أن أكتب رواية )) صفحة 11 ، أتراه حلم كمال فقط أو حلم الكاتب نفسه ؟ لعله حلم الاثنين معاً فهما يتطابقان في متن الرواية حد التمازج وكأنهما شخصية واحدة ولك أن تقرأ : (( غادر كمال ولم يكتب روايته ، غير أن روايته المؤجلة تكتبني الان ، تفرض عليّ سلطتها الباهرة القاسية .. )) ، صفحة 12 و (( تحت وطأة الحضور الكثيف لكمال الباحث عبري عن روايته..)) صفحة 17 و(( وهذه أهي الرواية التي أريد ، أو أراد هو كتابتها )) صفحة 112 والرواية عند البطل تساوي الحياة ، وهو القائل : (( من لم يترك رواية قبل أن يموت كأنه لم يعش )) صفحة 11 ، وهي عند الراوي إثبات واقعي لحقيقة أن كمالاً لم يمت ، صفحة 12 ولهذا شرع بالكتابة مستنداً على خطة حكيمة بنى من خلالها عالماً خاصاً به وبنا أيضاً ، فقد جاء الكاتب – الراوية كما يقول من الكون الأرضي ليدخل بطله كون الورق ليجعله شخصية تتحرك بين الاسطر ، وعلى صفحات الرواية ، صفحة 12 على الرغم من واقعية الحدث ، والشخوص فالبطل كمال كما يقول الكاتب –الراوية شخصية حقيقية ولد بمكان معلوم هو ناحية السعدية ، صفحة 13 وهي أحدى نواحي محافظة ديالى مولد الكاتب نفسه ، فضلاً عن أنها شخصية ليست بالغريبة عن خارطة الوطن كله … لقد قرر سعد أن يكتب روايته ، ولكن الرواية كما يقول الراوي صنيعة خيال صفحة 12 ، وهذا ما لا يفسد بناءها فهي ببنيتها اللغوية تعالق نصي يحتضنه الخيال ، وهو الاديب الذي تمرس في كتابة القصص ، والروايات ولا خوف من تمرد شخصياته ، أو جنوح خياله ، فمثل هذه الشخصية الأليفة لا يمكن لها إلا أن تطاوع الكاتب ، وأن جنح الى التخيل فهذا شيء لا بد منه ، أما قلقه كيف يكتبها ؟ وبأي لغة ومنظور ، فهذه أسئلة على القارئ أن يجيب عنها ، وليست للكاتب الا أن يثيرها بعد أن أعترف بوطأة حضور بطله فيها ، صفحة 17 . إن التذكر سمة من سمات الكتابة وقد مارسها الكاتب –الراوية وهو يعيش تجربة الاقتراب من فضائه الروائي مستذكراً أسماء روايات معروفة ، وأشعاراً مهمة وكتباً قيمة : خريف البطريك ، صفحة 63 ، هنري ميللر ، الف ليلة وليلة صفحة 24 ملحمة جلجامش ، هاملت ،أشعار طاغور ، ديوان بدر شاكر السياب ، رواية للحب وقت وللموت وقت ، لاريك ، ريمارك ، رواية نجيب محفوظ ثرثرة فوق النيل ، مئة عام من العزلة لماركيز ، كتاب الانسان ورموزه لغوستاف يونغ ، صفحة 24 و… و…. معلناً السعي لكتابة رواية عن كمال ، صفحة 25 ، وهو بسعيه هذا يصر على تأكيد موهبته ، ووجوده الادبي والتاريخي فالمهم عنده أن يكتب رواية بطريقة واضحة ولا يهمه الاسلوب ، صفحة 26 ، ترى ما الفرق بينهما ؟ هل الاسلوب غير الطريقة ؟ أو هما شئ واحد ؟ يخيل لي أن الطريقة جزء من الاسلوب ودليلي تعريف عبد القاهر الجرجاني له ، فالاسلوب عنده (( الضرب من النظم ، والطريقة فيه )) ، أي أن الاسلوب رصف الكلمات بطريقة خاصة تدركها موهبة الكاتب .. ولأنه جاد بمشروعه الادبي فقد استشار عدداً من عارفي كمال : (( أخبرت نبيلاً بمشروع كتابة الرواية ، فحذّرني من أسباغ الهالة الاسطورية عليه )) ، صفحة 26 أي على البطل و (( قلت لعارف وقلت لسارة سأكتب رواية كمال )) صفحة 25 ، ,واستشار كذلك شيخ الجامع عبد العليم ، صفحة 142 ، وقرر أن يكتب روايته بأدوات روائية معهودة بعد أن لجأ الى حيل بلاغية جعلته يمد خيطا من دم امتزج بالطين بين الثلج والحريق .. بين الماء والنار، صفحة 27 ، أي بين الشئ ونقيضه ، وهذا ما يمكن للبلاغة العربية أن تمده به…. لقد أدخل سعد في بنيته الروائية تقنيات معروفة مثل :
1- أسلوب القطع وهو أسلوب أخذه الروائيون عن السينما . 2- كتابة الرسائل .
3- كتابة المذكرات . 4- الاستدراك . 5- عنونة الفصول . 6- شخوص واقعيون مثل ((هاجك)) المجنون المعروف في مدينة السعدية والذي توفي قبل سنوات، وشيخ الجامع .7- الافادة من نصوص معروفة الصقها الكاتب في الراوية مثل أفادته من نص واضح من كتاب آفاق ، الفن صفحة52. 8- الاستذكار .. أستذكار الطفولة والحرب معاً.
وكشف الراوي عن معاناة الكاتب وهو يحتضر أثناء الكتابة ، فالكتابة الادبية أحتضار لذيذ بطله الكاتب نفسه، فكيف يكون والكاتب يرى بطله ينأى عنه كلما دنا هو منه ؟ وكيف له أن يمسك بالمشهد الروائي من أليفه الى يائه وأن يرسم الارخبيل ، ويستوعب جغرافية الاقيانوس أي أن ينجز روايته ، صفحة 71 ؟ فمذ قرر الروائي أن يكتب روايته والبطل يتشظى بين يديه يتبعثر في الف ذرّة وذّرة ، ويملأ الفضاء من حوله ، نعم فمذ قرر كتابة روايته وهو يسطو على أفكاره ، وأنفعالاته ، وهواجسه ، ويعلن عن حضوره ، ويصر على نشر فضائح أحتراقاته ، صفحة 72.
ورواية سعد محمد رحيم (( غسق الكراكي )) (( إزاحة لها من الضرورة بقدر ما فيها من الخطورة … أنها الورطة التي تختارها بمحض الحرية وتبقى نكابر في فخاخها .. )) ، صفحة 71 وهذا يعني أن الكاتب كان إزاء عمل أدبي غير معروف النتائج ، ولعل في تعبيره: الرواية إزاحة تمثيل لحقيقة موقع الرواية – الخام في قلب الكاتب بوصفها هما جاثماً في القلب.
لقد تعامل الكاتب مع بطله بوعي أدبي مميز ، فهو يصف معاناته معه بقوله : (( منذ اللحظة التي فيها غدا كمال بطل روايتي بدا من المنطقي أن أتعاطى معه شخصية مختلقة .. )) صفحة 72 ، ثم يكتب بلغة نقدية عن مرجعيات روايته الكثيرة بقوله : (( إن هذا الشد بين العمل الفني والمرجع ، بين الخيال والتاريخ ، بين الخريطة الموضوعة، وفق ما يلائم حركة الشخوص والاحداث وبين المكان الواقعي (…) يجنح بي نحو منظور مغاير ، ويمنح لغتي نبرة لم أعتدها ، كأني أكتشف الاوردة الخفية لهذه اللغة ، وافهم نبضها ورعشة روحها )) صفحة 72 ولكم كان الكاتب صادقاً مع نفسه وهو يدون هذه الانطباعات النقدية عن لغة الرواية التي وجدتها بحقّ لغة – على الرغم من المآخذ القليلة التي تؤخد عليها – تبتعد عن الصياغات السردية التقليدية التي كانت جاهزة في أفواه القصاصين وأقلامهم ، لغة ليس فيها غموض يصل الى حدّ التعمية ، ولا وضوح يصل الى حد الركاكة في الدلالة ، لغة لست أدري ما هي وجدتها تجري مترقرقة على لسان الكاتب مضيئة عتمات الروح تستعير من الشعر رؤاه ، ومن النثر قواه … أهي لغة صادمة ؟ كلا أهي لغة مغايرة ؟ كلا كلا أنها لغة تجاوز الكاتب بها متونه السردية القديمة وظهر من خلالها متلبساً بدلالات نفسية تحيط بالظاهر، والباطن، وبالوجه والقفا.
ثم تحدث الراوية عن محنته التي لا تنتهي : (( كيف يجسد شخصياته فنياً )) صفحة 72 وكيف له أن يؤسس شخصيته المحورية كمال ؟ وصولاً الى رسمها وجعلها تتحرك على خلفية الحرب، صفحة 73 على الرغم من شعوره بزئبقية حياة كمال … ولكنه في النهاية يسعى الى لملمة ما يلوح متشظياً ومبعثراً من حياته فهو يباغته من حيث لا يدري ليطيح ببناء الرواية المخطط له ، صفحة 111 .
ويهم الكاتب أن يشرك قارئه في تقبل الرواية وتلقيها وهو العارف والمطلع على نظريات النقد الحديث .. نظريات ما بعد البنيوية وهو القائل : (( من سيعيد كتابة الرواية في ما بعد ؟ أنا ؟ أم أنت أيها القارئ الصديق ؟ )) صفحة 112 .
ويرفض الكاتب أن ينهي روايته نهاية تقليدية ذلك لأن النهاية بوصفها اسدال ستار اسود على حياة أنسان مثل كمال تعني تشويها لحقيقية الحياة نفسها ، فكمال يجب أن يعيش ، وان لا يكون الستار الاسود فاصلاً بين حياته وموته ، ولهذا وجدناه – أي الكاتب - يقدمّ رواية مشبعة بروح التمايز والمغايرة ففي الصفحة قبل الاخيرة يعلن عن تخليه عن روايته التي قرأناها ورغبته في كتابة رواية جديدة عن كمال بعد أن يلتقي بمها ويحاول أن يقابلها علّها تجد له مساراً أخر لأستئناف كتابة رواية كمال ، صفحة 149 .
وبعد :
ففي غسق الكراكي بحث دائب عن رواية أخرى مقترحة هي رواية الاطار التي لم يتمكن الكاتب من الامساك بها وتحييد أبطالها ، وما هذا المتن الذي بين أيدينا سوى شكل من أشكال البحث عنها رواية سعد وبطله كمال .. ولعلّ هذا البحث يسوغ لي أن أقول: أنني لم أكتب بعد عن (( الرواية )) لأنني سأنتظر صدورها في قابل الايام .