٢٢‏/٠٣‏/٢٠٠٦


أي حزنٍ يكتمهُ صدرك ؟

وأي سرٍ يأسر قلبك ؟

إنكَ تحاول أن تكظم كل هذا ..

ويفضحك ،

انهمار الألم من كلماتك .. !

كُليزار أنور

www.postpoems.com/members/gulizaranwar


النواح على اللغة والواقع العالـمي
بقلم : عماد مجيد محمد
كثيراً ما يتحدثون عن تبني لغة رسمية جديدة في الدستور وكأن كارثة ستقع ! وهذا (الحرص) المبالغ فيه لا تبرره مجريات الأمور . فورود نص في أيّ دستور لن يكون له علاقة لا في تطور القوانين الداخلية للغة ( أية لغة كانت) ولا في ازدهار اللغة نفسها أدبيا أو علمياً... فلكي يقر الدستور لغة ما يحتاج المشرعون عادة أن يكون لها ألف باء وأن تكون قد استوعبت اللغة الأدبية والعلمية ويمكن صياغة النصوص بها (بما فيها التجارية والدبلوماسية). وهذا لا علاقة له باللغات الرسمية الأخرى. فقط سيسهل حياة الناس ولن يجبروا على تعلم لغة أخرى غير لغتهم الأم أو التي يتقنونها إلاّ إذا رغبوا بذلك أو احتاجوا إليه .
لقد شغلني هذا الموضوع فترة لا بأس بها من الوقت . ومنها تبني اللغة الكردية في الدستور العراقي . وبصراحة لا يوجد اعتراض إلاّ من المغالين : ( وكيف سنفهم وكيف سنتعامل وما هي لغـة المحاكم الخ الخ ) من الأسئلة الصارخة في ( منطقيتها ) ! وأردت فعلاً أن أعرف كيف هو الوضع في بقية دساتير العالم وكيف تتعامل شعوب أخرى مع الموضوع وهل هو مهم إلى هذا الحد ؟ وكنت أريد أن أعرف ما هي الأسس ، وهل لهذا علاقة بالصراع القومي أو الحضاري ، وهل يعيق تبني لغة إضافية كلغة رسمية في الدستور التطور كما يدعي البعض وهل يخلق إرباكات ، وما هي علاقة الموضوع باللغات القومية والوطنية والمحلية ، وهل بالضرورة أن تكون اللغة الدستورية لغة قوميةٍ تسكن ذلك البلد ؟ وغيرها من التساؤلات .
ولكي نصل سوية إلى الاستنتاجات الموضوعية دعونا نرى إلى دساتير العالم المختلفة وما هي اللغات التي تعترف بها كلغات رسمية لمعاملاتها الحكومية ولجامعاتها الخ . وسأبدأ من الدول التي تبنت لنفسها لغات رسمية ، غير لغتها أو لغاتها المتداولة أو غير لغاتها القومية أو الوطنية . ولهذا الأمر ارتباط بالماضي الاستعماري وبلغة مثقفي البلد والجامعات التي درسوا فيها أثناء
المرحلة الاستعمارية وبعدها، وربما بلغة الإداريين ، والمزارعين والعمال الفنيين في مزارع وورش المالكين الأجانب الخ ..
في أفريقيا الدول التي لغتها الرسمية هي الفرنسية : غينيا ، بوركينا فاسو، ساحل العاج ، السينيغال ، بنين ، الغابون ، توغو، أما في الكونغو فتضاف لغتين عاملتين هما ( اللنغالية والمونوكوتونا ). أما الدول التي لغتها الرسمية الانجليزية فهي : ناميبيا ، زيمبابوي ، ليبيريا ، غانا ، سيراليون ، وبوتسوانا حيث اللغة التسوانية تعتبر لغة وطنية . والدول التي لغتها الرسمية البرتغالية فهي : موزامبيق ، أنغولا ، وغينيا بيساو .
وفي أمريكا الجنوبية هناك ست دول لغتها الرسمية الاسبانية وهي : فنزويلا ، كولومبيا ، الاكوادور ، الأرجنتين ، تشيلي ، الأورغواي ، وهناك دولة واحدة باللغة الفرنسية هي غويانا الفرنسية ، وسورينام اللغة الهولندية ، وغويانا التعاونية اللغة الانجليزية ، والبرازيل هي الوحيدة في أميركا الجنوبية اللغة البرتغالية . وفي أوربا اللغة الرسمية للنمسا وليشتنشتاين هي الألمانية. ولم يشمل الإحصاء أمريكا الوسطى .
أما الدول التي تبنت في دستورها لغتين رسميتين فعددها كثير، وليس في بعضها علاقة بين لغتها في الدستور ولغاتها المحلية (ولا أتحدث عن دول الاتحاد السوفياتي السابق لأنها جميعاً (14) كانت بلغتين ). في أفريقيا : الكاميرون والكونغو الديمقراطي ـ الانجليزية والفرنسية ، وهناك خمس دول أفريقية لديها لغة ثانية إضافة للغة الفرنسية هي: غينيا بيساو ـ الاسبانية، بوروندي ـ الرواندية، أفريقيا الوسطى ـ السانغو، جيبوتي وتشاد ـ العربية . أمّا الصومال فلغتاها الرسميتان : العربية والصومالية . وهناك أربع دول أفريقية لديها لغتان أحدهما الانجليزية هي : تنزانيا وكينيا ـ السواحيلية ، ليسوتو ـ السوثوية ، سوازيلاند ـ السوازية. وفي أمريكا الجنوبية للبارغواي لغتان رسميتان هما : الاسبانية والجورانية . وفي أمريكا الشمالية : كندا لغتاها : الانجليزية والفرنسية . وفي أوربا الدول التي لها لغتان رسميتان هي : إيرلندا ـ الايرلندية والانجليزية ، قبرص ـ التركية واليونانية . أمّا في آسيا ، الدول التي لديها لغتان رسميتان : أفغانستان ( البشتونية والدارية ) ، الهند ( الهندية والانجليزية )،
الفلبـين ( الفلبينية والانجليزية) . أمّا في العراق فالدستور يعتمد ليس لغتين وإنما لغة ونصف ! ذلك أنّ اللغة الكردية رسمية في كردستان . هذا وبغداد يسكنها مواطنون أكراد أكثر من أي مدينة أخرى في العالم ...
وهناك دول لا تتبنى لغة رسمية في دستورها ( تكلم باللغة التي تعرفها وهناك مترجمون، أو الكل يفهمونك ، أو الكل لا يفهمونك ـ لا أدري) أو شيء من هذا القبيل . وهذه الدول هي ، وحسب القارات ، فنلندا ولوكسمبورج ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ملاوي ، وإرتيريا .
وتوجد دول لديها ثلاث لغات رسمية . منها في أوربا : بلجيكا ( الهولندية والفرنسية والايطالية ) وسويسرا ( الفرنسية والألمانية والإيطالية). وفي أفريقيا :رواندا( الانجليزية والفرنسية والرواندية )، جزر القُـمر ( القُمرية والعربية والفرنسية ). وفي أمريكا الجنوبية: بوليفيا والبيرو (الاسبانية والأيمارية والكيشوا).
وهناك دولة لديها أحدى عشرة لغة رسمية هي جنوب أفريقيا .
الاستنتاجات :
1. إنّ وجود لغات وطنية وقبائلية شيء واللغة الرسمية للبلد التي يتبناها الدستور شيء آخر . فأمام القارئ دول ليس هناك علاقة بين لغاتها المحلية واللغة الرسمية في دستورها . وهي منتشرة في طول الأرض وعرضها .
2. يمكن أن تتبنى أية دولة في العالم أي عدد من اللغات بما يتماشى مع مصالحها وتسيير شؤونها ...
3. تعدد اللغات الرسمية لا يعيق استقرار البلد ولا تطوره .
4. ليس هناك من معنى وليس هناك مبرر للخوف من اندثار لغات أو مزاحمة لغات . أكتب معاملتك باللغة المعترف بها كلغة رسمية . وليت الأمر يكون : باللغة التي تعرفها . وهناك مترجمون .
5. وحتى عدم الاعتراف بأية لغة للبلد بأكمله لغة رسمية ( وإنْ كان دولة عظمى أو دولة صغرى ! ) لن يعيق تطور أو استقرار ذاك البلد( أمريكا، فنلندا الخ ) .
6. وجود لغة واسعة الانتشار يساعد على تبنيها كلغة رسمية خاصة إذا كان لها ألف باء ونحو وصرف إضافة للأدب والعلوم الخ .
7. عدم وجود ألف باء للغة معينة يعيق بالتأكيد تبنيها كلغة رسمية في الدستور . عـلى الرغم من أن الـتاريخ يريـنا
شواهداً على أن بعض اللغات الحية قد تم تبنيها كلغات رسمية ثمّ كتبت لها ألفا بيت لاحقاً ( كما جرى بعد ثورة أكتوبر ) ..
8. ولماذا لا تكون اللغة الانجليزية لغة رسمية أخرى في العراق طالما هي اللغة العاملة لكل جامعاتنا، وفي بعض مدارسنا هي لغتها الدراسية من الصف الأول الابتدائي .
والآن وبعد أن يرجع الملايين من الذين هاجروا أو هُجّروا أو هربوا، مع أولادهم،الذين ولد الكثير منهم في الغربة وتعلموا تلك اللغات(والبعض يكادون لا يعرفون غيرها وقوميتهم عربية أو كردية الخ) أليس المفروض أن يهتم واضعو دستورنا الجديد بهم ويأخذون مصالحهم كمواطنين أيضاً ( أليس الوطن للجميع ) والدستور يأخذ مصالح الكل ! وكم ستكون أعدادهم في مختلف المدن ، كم سيرجع ـ دعونا نقول من ألمانيا مثلاً ـ إلى بعقوبة أو العمارة أو البصرة وكم سيكون عدد أبنائهم.. وجميعهم سيكونون من المثقفين أو من المتعلمين على الأكثر( إذا لم تجننهم الغربة) .. وهل من المتوقع أنّ لغة السماوة الثانية ستكون من الناحية التطبيقية هي اللغة الألمانية مثلاً وترى يافطات المحلات مكتوبة بأكثر من لغة غير محلية ، والمدارس تتعلم باللغة .. ربما ، لم لا . ويتجادل موزع الشاي في المقهى مع روادها باللغة السويدية ، وعازف الربابة بالروسية.. ( لم يتكامل عندي الخيال الحضاري للمجتمع المدني فالمفروض أن لا أقول مقهى بل نادي ومكان الربابة أن أتحدث عن عازف السكسفون... فمفاهيم المجتمع المدني هي التي نحتاجها وليس مفاهيم المجتمع الأهلي ) .
ألن يساعدنا هذا في الترجمة ونقل ثقافات الشعوب والتواصل الحضاري الخ. وهل سيعيق تطورنا الحضاري كما يدعي البعض أم العكس هو الصحيح . أليس لجنوب أفريقيا السبق بتبنيها أحـدى عشرة لغة في دستورها . أم نحن مقبلون على تسجيل رقم قياسي عالمي جديد بتبني خمس عشرة لغة مثلاً. أم أن الحل الأمثل لنا هو أن نكون بلا لغة رسمية أصلاً. نحن نترقب جواب برلمانيينا ومشرّعاتنا الـ (33%). وننتظر بفارغ الصبر المناقشات الشعبية لمسودة دستورنا العتيد ويوم 15 /10 /2005 نتائج الاستفتاء العام عليه والتي ستقرر مصيرنا لسنوات طويلة قادمة .