٢٩‏/١٠‏/٢٠٠٧


البيت والمكتبة
البيت عندي هو مكتبته، فالبيوت تتشابه على الاغلب في اغلب المتشابهات، ولكن المكتبة في اي بيت هي العلامة الفارقة، والبيوت التي تحوي على مكتبة عندما نزورها نجدها اكثر حميمية من غيرها، وغالبا ما يكون اصحابها اقرب الى من غيرهم، فالكتب مفاتيح المعرفة، وهي ايضا تدل على طريقة تفكير الرجل، فقد قالوا في السابق قل لي ما تقرا اقل لك من انت، والكتب صارت جواز مرور الى قلب المثقف، لان المثقف في عالم مزحم يكاد يكون غريبا لو لا يستدل الى منطق يتعامل به مع من يضيفه، ولكن لبعضنا مفاهيم اخرى للكتاب، منها بان الكتاب الذي نضعه في مكتبتنا هو مفخرة، والذي نخفيه قد تتعدد الاسباب، ولكن المثقف الحقيقي يعرف بان الكتاب الجيد هو الكتاب الذي لا يمكن اخفاؤه لانه كالعطر لابد وان تتسرب رائحته، الكتب في بيوتنا سيرة حياتنا، ومراحل تطورنا، وهي التي لايمكن نسيانها في يوم ما، الكتب واجهة البيت التي تجتذب المثقف، وربما ينفر منها غيره، ولكن اليوم صار الكتب مهددة لان العالم ازدحم بالمتناقضات والفوارق، والالكترونيات، فصارت الكتب تغوص في حافظات حواسيبنا، وصرنا اليوم نتبادلها عبر الرسائل الالكترونية، وتخطى المثقف الرقيب والفضولي وايضا الذي يستحوذ على الكتاب من دون قراءته.. الكتب صارت مكانا في الفضاء، وصارت سفيرا يعبر عن هوية من يقتنيها، وايضا صارت لدى البعض سلعة لابد ان يتظاهر بها، فالكتب هي الازمنة كلها، وهي الاذواق اروعها...
محمد الأحمد

iالعمة دوريس أديبة نوبل
Doris Lessing
بقلم: محمد الأحمد

ها قد فازت أخيرا العمة دوريس بجائزة نوبل للآداب، من بعد ان وصلت الى عامها الثامن والثمانين، ومن بعد ان وصلت اليها الجائزة وقد عصف بها الزمن وجعلها تمشي بتؤدة من دون أن تستعمل عكازا، وبعد جرفت السنوات الثقيلة كل ملامح البهجة من وجهها، لانها على مدى سبع وخمسين عاما من الكتابة، لم تعرف التوقف، عن حمل دفترها الصغير الذي سرعان ما يمتلئ لتعطيه إلى حفيدتها التي ستدون لها ما كتبته بواسطة مفاتيح الكومبيوتر، حيث بقيت تحبذ القراءة على الكومبيوتر، وليس الكتابة كما تقول لأغلب أصدقائها، فالعمة متوقدة الذهن تذهب للتسوق بنفسها، من دون ان تنسى بان تضيف كتابا جديدا في كل مرة الى سلتها الشرائية، المحملة بالخضار الطازج، عندها الاهتمام الأكبر بالقراءة من الاهتمام بالكتابة، تقرا بالانكليزية والفرنسية والاسبانية، والفارسية، حيث كان مسقط راسها في بلاد فارس (ايران) عندما كان ابوها ضابطا انكليزيا يعمل هناك. جالت طويلا في بلدان جنوب افريقيا، وعاشت قسما من طفولتها في افريقيا ما اثر كثيرا على اعمالها وعاصرت احداثا جسام وتحولات اقليمية حادة، تزوجت مرتين، وطلقت مرتين، وبقيت مناهضة بارزة لحركات تحرر المراة في العالم، كتبت مدافعة بقوة بالغة عن ضرورة افلات المرأة من الاستغلال الجسدي، وضرورة حمايتها من العنف الاسري، وقد ناضلت طويلا مناشدة العالم الرأفة بالمرأة ككائن شريك، وليس ككائن مملوك للرجل كالاسير الضعيف. كان خبر فوزها بجائزة نوبل قد وصلها عندما كانت لوحدها تحمل كيسها المعتاد، ورن هاتفها الجوال، وقد ردت على المتصل بانها لم تعد تهتم بالامر كما لو وصلها متاخرا، ولكنها فرحت كثيرا، قائلة:- (أوه السيد المسيح!... أنا لا أَستطيعُ أَنْ أَهتمَّ أقل). وقررت ترك التسوق لتعود الى شقتها وتستعيد هناك انفاسها، وايضا لتقاوم وقع الخبر عليها، كونها تدرك جيدا ما معنى ان يفوز اديب ما بجائزة نوبل العظيمة، وهي التي تعلمت من معظم الكتاب العباقرة الذين وصلوا اليها بواسطة نوبل الكبيرة، فهي تعتبرها جائزة ايصال الاعمال الادبية الى الخلود، وهي بلاشك مؤمنة بان نوبل تمنح وفق مناهج قويمة وبلاشك بانها ستجد اشهر الصحافيين ملاحقة امام عتبة دارها، وبالفعل عندما وصلت العمة دوريس وجدت جمهرة من الصحافيين ينتظرونها عند البوابة، وحملوا عنها كيسها الحافل بالخضار والفاكهة، ودون ان يتخلوا عن اضاءت الكاميرات الوهاجة والتي غالبا ما تعودت عينيها على ان تهرب بهما من منابع الضوء الحاد، اتوا كصحافيين من كل مكان بالعالم يسألونها عن كل ما يخطر ببالهم، وهي تبتسم عند كل خطوة تتقدمها باتجاه بابها، كانوا يسألوها عن انطباعات ليست من صميم كتاباتها، كلها كانت تخطر ببالها، اغلبها تخص وقع الجائزة عليها، فبقيت تقول لهم بتواضع بانها قد ربحت (جائزة الجوائز) وان نوبل هذه ستجعل قرائها يزدادون ملايين المرات، وستقرأ الناس كتبها الباقية التي لم تنل الفرصة المناسبة من وسائل الاعلام، لانها كتبت كثيرا عن الارهاب، وكتبت عن التطرف المنتبذ، وخاصة الذي يغالي كثيرا بالدم المراق، ومن بين مؤلفاتها الأكثر شهرة (الكراسة الذهبية) و (مذكرات من نجا) و(الصيف الذي سبق الظلام)، كانت (ليسينج) قد رشحت لجائزة بوكر ثلاث مرات، ولم تكن تعلم في يوم ما بانها سوف تكون مرشحة نوبل القوية على مدى حياتها، فالعمة دوريس ليسينج هي المرأة الحادية عشرة التي فازت بالجائزة منذ عام 1901م وهي الكاتب البريطاني الثاني الذي يفوز بالجائزة خلال ثلاث سنوات، حيث فاز بها الكاتب (هارولد بنتر) عام 2005م، وقد وصفت الأكاديمية السويدية ليسينج بأنها (كاتبة ملحمة تجربة المرأة التي سبرت أغوار حضارة متنازعة بتشككها والنار المتقدة في داخلها وقوة الرؤيا لديها)، وبالاضافة الى قيمة الجائزة المادية ستحصل ليسينج ايضا، على جائزة ذهبية ودعوة لالقاء محاضرة باجر مغر في مقر الأكاديمة السويدية، وايضا سوف تستلم مبلغا كبيرا من المال يعادل مليوني يورو، وحتما سوف تعاد طباعة كتبها في طبعات غالية وانيقة، ومذهبة التجليد كحال الادباء الخالدين الذين ابقت نوبل كتبهم مفخرة رفوف المكتبات الغنية، وسوف تترجم اعمالها قاطبة الى جميع لغات العالم، اضافة الى الطبعات الشعبية التي سوف تدخل بها جميع البيوت، وسوف يقتنيها الناس لتقرا في الحدائق والمترو وصالات الاستراحة. صارت العمة موريس اليوم تبلغ العام 88 هذا الشهرِ، وسوف تعد الفائزُ الأكبر سناً لجائزةِ الأدبَ. بالرغم من أنّها تُحتَفلُ بنشر (دفتر الملاحظات الذهبي) الذي دونت فيها ملاحظات المهمة عن علاقتها بالكتابة وتجربتها المحض، وعلى الاغلب لديها الكثير من الأعمال الأخرى غير المنشورة، ففي سنواتها الاخيرة غير مثيرة للاهتمام الاعلامي، ولم تنشر نتاجاها الجديد حيث إنتقدتْ شديدا، و اتهمت بغرابة الأطوار. (أنا لا أَستطيعُ قَول ما فأَنا مَغْمُورُةُ بالمفاجأة)ِ، وقالَت ايضا. (أَنا بعمر 88 سنةً وهم لا يَستطيعونَ إعْطاء نوبل إلى شخص ما قد مات، لذا أعتقد هم كَانوا يَعتقدونَ من المحتمل بأنّهم يُحسّنونَ أوضاع من يَعطونَه)، سوف تبلغ دوريس ليسينغ الثامنة والثمانين من العمر في 22 تشرين الاول/اكتوبر.
تقول:-(انا فرحة لان القراء سوف يقرأون كتابي الجديد الذي خفت عليه من ان اموت ويضيع مع ما يتركه الميت من ملابس)، وان نوبل تَسْحبُهم نحو كتابتها الأخيرِ، (ألفريد وإيميلي) الذي يَتخيّلُ عودة أبويها الى الحياة ولم تكن الحرب حُطّمتْهم، كما (أعطيتُهم حياةَ بدون حربِ)، قالتْ: (أعطيتُهم حياةَ، حياة مُحْتَرمة)، وقد جعلها الخبر تحث خطاها للتهرب من تعاظم ضجيج الاعلاميين حولها، من بعد ان منحت ككاتبة بريطانية يوم الخميس وكفائزة بجائزة نوبل للاداب حسبما اخبرتها الاكاديمية السويدية. وجاء في بيان صادر عن الاكاديمية السويدية ان لجنة نوبل اختارت مكافأة الروائية البريطانية التي تتحدث عن (التجربة النسائية والتي سبرت بتشكك ورؤية نافذة غور حضارة منقسمة). وفي لندن قالت متحدثة باسم دار الادب التي تمثل دوريس ليسينغ لوكالة فرانس برس (نحن سعيدون جدا لانها استحقت فعلا) هذه الجائزة. كتبت الكثير من الاعمال المهمة وبقيت عضوة ناشطة في الحزب الشيوعي البريطاني حتى عام 1956 خلال سحق انتفاضة (المجر) شٌبّهَتْ بجراتها في كثير من الاحيان بالكاتبة الفرنسية (سيمون دو بوفوار) بسبب افكارها المؤيدة لحقوق المرأة. واعدت من اشهر النسوة المتحررات في اوربا، اما كتابها الاكثر شهرة (ذي غولدن نوتبوك) يروي في هذا الاطار قصة امرأة كاتبة ناجحة تكتب مذكراتها في غاية الوضوح والصراحة. وايضا من بقية اعمالها الناجحة (الذهاب للوطن) (1957) الذي تندد فيه بالتمييز العنصري في جنوب افريقيا (الارهابي الجيد 1985) حول مجموعة من الشبان الثوريين من اليسار المتشدد.
الجمعة‏، 12‏ تشرين الأول‏، 2007

٠٢‏/٠٨‏/٢٠٠٧


مـأزق المثقفيـن العراقييـن
الأصوليون أكثر قدرة على التكيّف مع العصر
سعد محمد رحيم
أجهز انقلاب (ثورة) 14 تموز 1958 (العسكري) على التيار الليبرالي الناشئ في العراق، دفعة واحدة، فأطاح بالدستور الدائم والحياة البرلمانية والحزبية، وحرية التعبير والصحافة، وهذه كلها لم تكن بأحسن حال، فكانت لها ثغراتها وأمراضها المستعصية، وتستند إلى أرضية سياسية واجتماعية قلقة وهشة، وجاء انقلاب 17 تموز 1968 (العسكري) ليجهز على التيار اليساري على دفعات، لا بالفتك بالحزب الشيوعي العراقي فحسب، بل بتصفية الخط اليساري القومي، حتى داخل تنظيم حزب البعث، ممهداً من حيث احتسب القائمون به، أو لم يحتسبوا لصعود التيار الديني الأصولي بتشعباته الطائفية. وحين سقط نظام صدام حسين، ودخل العراق عهد الاحتلال ومرحلة إعادة بناء الدولة على أسس ديموقراطية، كما يشاع، استيقظ العراقيون، ولا سيما المثقفين منهم، على حقيقة الضعف المريع للتيارين (الليبرالي واليساري) في الساحة السياسية العراقية. وهكذا أصبحت شريحة المثقفين عزلاء ومكشوفة الظهر، وتكاد تكون بلا سند سياسي واجتماعي. وباستعارتنا الاصطلاح من القاموس العسكري يمكن القول ان هذه الشريحة فقدت عمقها الاستراتيجي، محلياً وعالمياً، هي التي كانت مدعومة، أو على الأقل تشعر بذلك، من قبل ثلاث قوى رئيسة تستمد نسغها منها، هي:
1ـ اليسار العالمي مجسداً بالكتلة الاشتراكية والحركة اليسارية في الغرب وحركات التحرر في العالم الثالث. وقد وهن هذا اليسار كثيراً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي وتراجع حركة اليسار، عموماً، في أوروبا الغربية، وفشل برامج التحديث والتنمية والبناء والإصلاح السياسي والاجتماعي التي بشرت بها حركات التحرر في معظم بقاع العالم الثالث.
2ـ الطبقة الوسطى، أو البرجوازية المحلية الناشئة، التي تحدرت منها نسبة واسعة من شريحة المثقفين، والتي أفرزت، في الغالب، التيارين الآنفي الذكر (الليبرالي واليساري). هذه الطبقة جرى التنكيل بها خلال العقدين الأخيرين فأُفقرت وهُمشت وهاجرت من أبنائها، إلى خارج البلاد، الملايين.
3ـ الأحزاب ذات التوجه اليساري والليبرالي. فبعد أن كان المثقفون يشتغلون تحت المظلة الحزبية، أو بدعم مباشر أو غير مباشر من أحزاب معينة، قومية وشيوعية، وإذا بهم، بعد شحوب بريق تلك الأحزاب وانكفائها، يجدون أنفسهم في عزلة وضيق، كما لو أن سفنهم التي وراءهم احترقت فيما هم أضاعوا دليلهم الذي يرشدهم في المفازات المظلمة.
في مناخ كهذا، وأمام وقائع دراماتيكية مأساوية، وبعضها مخزية، يعيشها العراق الآن، يتخلق المثقف الهلامي الحائر والمصدوم، وبعبارة الدكتور حيدر سعيد (المقهور) بديلاً عن المثقف الحزبي. هذا المثقف تشوش ذهنه وتثقل روحه أسئلة وخواطر شتى، لا يعثر على إجابات لها، فتزيده إحباطاً ويأساً وإحساساً بالعجز والهامشية. فما الذي يمكنه فعله عدا الاستمرار بالاستغراق في عالم المثل والأوهام، وصب اللعنات على هذا وذاك، والحنق على الواقع الذي لم يتحول على وفق ما كان يشتهي؟!
أسئلة:
هل المطلوب، الآن، من شريحة المثقفين، أداء وظيفة تتجاوز النطاق الثقافي والإبداعي؟ وبوضوح أكثر؛ هل على المثقفين، الدخول مباشرة إلى معترك السياسة بعدّة الثقافة؟ وإلى أي مدى؟ هل عليهم توسيع حدود تجربتهم بعدّهم أفراداً في المجتمع ومنتجين لمادة ثقافية في الوقت نفسه؟ أم أن المسألة تفرض شيئاً أكبر، تفرض مأسسة للفعل والإنتاج الثقافيين؟ أتراهم (هؤلاء المثقفين) يمتلكون الاستعداد والإرادة والقدرة والمستلزمات ليتفاعلوا ويؤثروا من خلال مؤسسة أو مؤسسات طابعها ثقافي ولها امتداد في الحقل السياسي؟ هل باستطاعتهم أن يتحولوا إلى جماعة ضغط (لوبي) يحسب السياسيون حسابها، ويمكن للمجتمع، أو فئات منه، التعويل عليهم؟ وكيف؟ وهل المناخ العام، السياسي والاجتماعي والأمني، يوفر لهم الشروط والأرضية اللازمتين لتحقيق مثل هذا الأمر؟ وإذا اتفقنا أن طرق المثقفين وأساليبهم التي استخدموها في المرحلة الكولونيالية وعهد الاستقلال والحكم الوطني وزمن الحرب الباردة لم تعد تجدي في ظرفنا الحالي العاج بتناقضاته وصراعاته المعقدة وتحولاته السريعة فهل بمقدورهم (أي المثقفين) اجتراح طرق وأساليب ووسائل وأفكار واستراتيجيات تتوافق مع المتغيرات الصادمة، وأحياناً اللامعقولة، في بلدهم، ومع معطيات عصر العولمة والقطبية الواحدة وما بعد الحداثة؟ والسؤال الأهم، في هذا السياق، ماذا يريد المثقفون على وجه التحديد؟
ثم؛ هل ثمة هواجس مشتركة وحس مشترك، ومعاناة مشتركة، ومصالح مشتركة، وأفكار وتصورات مشتركة بالحدود الدنيا تجعلهم نسيجاً واحداً، أم أنهم ليسوا سوى (أنوات) مبعثرة يخضعون لاعتبارات وانتماءات ومصالح متباينة، وأحياناً متضادة، ولا يجمعهم جامع سوى الاشتغال في الحقل الثقافي والإبداعي؟
هذه الأسئلة وغيرها تضغط على أذهان كثر من المثقفين الذين يتملكهم اليوم شعور بالإحباط والمرارة، إذ يرون مراتع طفولتهم والأمكنة التي أسست ذاكرتهم، فضلاً عن أحلامهم وآمالهم، وأكاد أقول أوهامهم، تنهار وتُخرَّب أمام أعينهم من غير أن يستطيعوا فعل شيء. فواحدة من مآزق المثقفين الكثيرة هي أنهم مهددون في ذاكرتهم التي هي الجزء الأهم من رأسمالهم.
مثقفو الداخل والخارج
ليس من السهل إلغاء ذلك التباين المركب داخل مجتمع المثقفين العراقيين وقد جرى تقسيمه على وفق معيار البقاء في البلاد أو مغادرتها لتشيع تسمية (مثقفو الداخل ومثقفو الخارج)، أي بين من عاشوا داخل العراق إبان عهد صدام حسين وبين من تشردوا في المنافي، وحيث يبدو الأمر مفتعلاً من زاوية ما يتكشف عن تمظهرات وإفرازات من زاوية أخرى. فذلك التباين الذي قد يطال طرق الرؤية والمعالجة الفنية والفكرية وأشكالها وزواياها، يتخطاه إلى المزاج والوضع النفسي وجانب من القناعات، حتى ليكاد يحدث شرخاً في خريطة ثقافتنا المعاصرة، وعند بعضهم يتعمق ذلك الشرخ إلى حد مريع. وإنْ كنت أعتقد أن أحد أسبابه الرئيسة، فضلاً عن أسباب موضوعية كثيرة، يعود إلى سوء الفهم بين الطرفين أكثر من أي شيء آخر. وتتصل بالمعضلة السابقة معضلة مستجدة تتمثل في خروج عدد آخر، غير قليل، من المثقفين الذين حسبوا على مثقفي الداخل لأسباب أمنية أو سياسية أو معيشية فيما عاد عدد قليل (جداً) من المثقفين المنفيين إلى بلادهم، وهذا ما يضفي على خريطتنا الثقافية تعقيداً جديداً، أو قل فراغاً جديداً. فمساحة أخرى من الساحة تُخلى، يوماً بعد آخر، نتيجة الهجرة والهرب والتصفيات الجسدية. مساحة أخرى سرعان ما يندفع لاحتلالها جيش من الديماغوجيين وأنصاف الأميين والشعاراتيين وأشباه المثقفين والانتهازيين ومن لف لفهم، ناهيك عن الأصوليين المتعصبين الذين يمعنون فتكاً بتاريخ ثقافتنا ورموزها ومنجزها.
أما إنكار حدوث مثل هذا الشرخ الذي يضاف إلى شروخ أخرى تسببت بها صراعات الأحزاب والتيارات السياسية منذ نصف قرن أو أكثر، فهو، كما أحسب، من الأخطاء المؤذية. وللأسف ليس من الموضوعية وصف الشروخ والصراعات التي تتخذ عند بعضهم بعداً طائفياً أو عرقياً أو إيديولوجياً متطرفاً، بالتنوع الذي هو سمة كل بيئة ثقافية صحية وحية ومنتجة، بل ان الأمر لا يتعدى كونه نوعاً من التشرذم والتمزق واللاانسجام داخل تكوين شريحة المثقفين. فانعكاس تداعيات وإفرازات الصراعات السياسية والاجتماعية وإعادة إنتاجها داخل ذلك التكوين يفصح عن هشاشة وضعف وأمراض متوطنة، وعدم نضج مؤس، وبطبيعة الحال هناك استثناءات، لكنها غير قادرة على تغيير الصورة غير السارة بشكل مؤثر وحقيقي.
وبعد خروج المثقف الذي عاش في الداخل من خانق العهد السابق حيث المحرّم السياسي إلى مناخ آخر كان طابعه الحرية الواسعة، وأكاد أقول المنفلتة في البدء، نراه يختنق، راهناً، بمحرمات أشد ضراوة، حرّاسها بعض المؤسسات الدينية والاجتماعية، وبعض الجماعات التي لا تتتقن غير صناعة الرعب والموت.
مفارقة ما بعد حداثية!
ثمة مفارقة غريبة نلمسها في علاقة المثقفين الذين يدّعون التقدمية ويبشرون بالتحديث وبعالم ما بعد الحداثة وأحياناً بالعولمة مع عصرهم وعالمهم الذي يدافعون عن قيمه ومنجزه التقني والعلمي والثقافي والإبداعي، سواء بقبوله على علاته أو بروح نقدية. ويقفون ضد أولئك الأصوليين الذين يعادون التحديث والتقدم ويبشرون بالعودة إلى شكل للمجتمع والدولة يعتقدون أنه كان فاعلاً قبل قرون طويلة وبالمقدور استعادته الآن. والمفارقة هذه تتجلى في شعور المثقفين بالاغتراب في مجتمعهم وعصرهم وعدم قدرتهم على استخدام وسائله وأساليبه وتقنياته بفاعلية في نشر قيمهم وأفكارهم، فيما ينجح الأصوليون في هذا الجانب مستخدمين منجزات ما بعد الحداثة من ميديا ووسائط اتصال واستراتيجيات مبتكرة لتسويق معتقداتهم وأفكارهم والتبشير بنمط الحياة الذي يبغونه. أي ان الأصوليين باتوا أكثر حذاقة ومرونة في التكيف مع متغيرات العصر بما يدعم أهدافهم فيما يخفق المثقفون (الحداثويون) في عملية التكيف هذه. ففي الوقت الذي يتواصل الأصوليون مع شبكة الإنترنت، في سبيل المثال، مؤسسين مواقع خاصة لهم، لا تعد ولا تحصى، ويظهرون بالعشرات على القنوات الفضائية يومياً، نجد أن كثراً من المثقفين ما زالوا لا يتقنون التعامل مع جهاز الكومبيوتر وشبكة الإنترنت، ونادراً من يظهر منهم على الفضائيات لطرح وجهة نظره وأفكاره. فضلاً عن عدم استثمار تلك التقنيات في التواصل في ما بينهم بالطريقة التي تجعل منهم قوة ثقافية لها سلطتها في الحقلين السياسي والاجتماعي. في الوقت الذي تتم عملية الدخول الفعّال إلى الحقل السياسي والثقافي، اليوم، في أرجاء العالم المختلفة، عبر بوابة ثورة المعلوماتية والميديا.
صحيح أن الأفكار الأصولية تجد مرتعاً لها وقبولاً وسط الفئات الأقل ثقافة وتعليماً في الغالب وأنها تستفيد من انتشار أمية القراءة والكتابة والأمية الثقافية والأمية المعلوماتية، إلاّ أن هذا لا يسوّغ بأي حال إخفاق المثقفين، (وهم رسل التقدم والتحديث مثلما يدّعون)، في أن يكون لهم صوتهم المؤثر في الوسط الاجتماعي والسياسي. ولهذا لا يأبه رجال السياسة بما يقوله ويكتبه المثقفون في ما يحسبون حساب رجال الدين والدعاة وشيوخ الطرق الصوفية ورؤساء القبائل الذين غدوا فاعلين اجتماعيين وسياسيين مؤثرين أكثر من غيرهم.
وصحيح أيضاً أن سياسات العهود السابقة قد وسّعت من مساحة الأمية والجهل، وهذه المساحة تجعل من الديماغوجيين والشعاراتيين وأصحاب الأصوات الجهورية أكثر جاذبية وتأثيراً بينما لا يجد صوت المثقف العقلاني/ النقدي الهادئ والعميق صدى واستجابة. وإذ ظهرت شخصيات أصولية وعشائرية لها بعض المواصفات الكارزمية، لم تفرز الشريحة المثقفة العراقية، خلال العقود الأخيرة، من بين أفرادها، مثل هذه الشخصيات التي تكون لها حضورها وسطوتها الإعلامية والاجتماعية. فمع غياب المؤسسة الثقافية النشيطة والشخصية الكارزمية التي يمكنها تقديم خطاب ثقافي حضاري جديد يعكس النزوع العام للشريحة نفسها، و(مشروعها). (مع وضع كلمة مشروعها بين قوسين، لما تثيره من التباس في الذهن يُحيل إلى تراث المشاريع الفاشلة التي تبناها المثقفون في القرن العشرين، وربما منذ منتصف القرن التاسع عشر). أقول؛ مع هذا الغياب المزدوج يستحوذ على المثقف العراقي، اليوم، شعور باليتم والقهر والضياع.
فوضى العالم والبلاد
المثقفون، الآن، في موقف الذهول، فالعالم حولهم يتغير بسرعة هائلة ومجنونة، ويبدو للوهلة الأولى وكأنه ينقاد إلى الفوضى ويصعب التحكم به وإدارته، فهو عالم يتحول إلى قرية كونية صغيرة بفضل وسائل الاتصالات والإعلام الحديثة ويحقق فتوحات جبارة في الميدان العلمي والتكنولوجي من جهة، فيما يطبعه العنف والصراعات المحلية والدولية والتعصب والفوارق الطبقية غير المسبوقة في سعتها وحدتها وظلمها البيّن، وانتشار الأمية والجهل من جهة ثانية. أما داخلياً (عراقياً) فيبدو المشهد أكثر تناقضاً وتعقيداً وقتامة حيث المعطيات والمتغيرات والصراعات تتلاحق وتتداخل حد الفوضى ليقترب المشهد في جانبه الدموي من حدود الكارثة إن لم يكن قد تجاوزها. وفي مشهد كهذا يمكن تخيل صورة المثقف كائناً حائراً وعاجزاً عن الفهم، ومن ثم عن الفعل، يضرب أخماساً بأسداس، ويحس أنْ لا حول له ولا قوة، مهمشاً، لا يكاد يعرف موضع قدمه، ويكاد يفقد الثقة بنفسه، وأحياناً، إنْ لم تأخذه العزة بالإثم، قد يعترف بهذا كله. هذا المثقف لم يستطع بعد إنتاج خطاب ثقافي يستجيب لمقتضيات العصر ويرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجهه وتواجه بلده. والذريعة أن ما يجري لا يترك له فرصة لالتقاط أنفاسه، والتأمل بروية وعمق، بفرض أن شرط إنتاج خطاب حقيقي هو توفر مثل تلك الفرصة، وهنا يتجلى واحد آخر من مظاهر مأزقه. ومع غياب الخطاب تتعثر مبادرات التنظيم المؤسساتي والعمل المشترك، فيما تُقابل المبادرات من أية جهة كانت لجمع المثقفين المشتتين في إطار منظم بالشكوك حيث تتلبس القومَ، في كل مرة، شياطين نظرية المؤامرة.
وحتى هذه الساعة، أخفق المثقفون في إيجاد آليات وتقاليد ولغة حوار، بعضهم مع بعض، وكأن كلاً منهم ينفخ في قربته الفارغة ولا يأبه للآخرين، وهم بهذا إنما يعكسون حالة حوار الطرشان التي تسم علاقة القوى السياسية العراقية في ما بينها، فيما يُقتل العشرات في كل يوم، في طول البلاد وعرضها.
ولأن المثقفين يشعرون بالعجز والفشل يصب بعضهم جام غضبهم على القوى الخارجية الاستعمارية والإمبريالية، ويلتفت بعضهم الآخر إلى المجتمع الذي يصفونه بالأمي الجاهل والمتخلف الذي لم يفهم خطابهم، ويمارس بعضهم الثالث جلد الذات من خلال اتهام المثقفين أنفسهم بما أصاب البلاد والعباد وتقريعهم وتحميلهم المسؤولية، جزءاً أو كلاً. فيما يرمي بعض قليل إلى مراجعة التجربة السابقة برمتها برؤية نقدية تاريخية عميقة وصريحة، ومواجهة الذات بشجاعة ومن غير مواربة، أو بعبارة أخرى إخضاع هذه الذات (الفردية والجماعية) معتقدات وممارسات، أي مجمل التجربة الفكرية والسلوكية لها، إلى التحليل والتفكيك النقديين، قبل الإقدام، أو على الأقل مع ولوج معترك الفعل الثقافي والسياسي على أرض الواقع. وهؤلاء، كما أشرنا، للأسف، قلة قليلة، ولكنهم مصممون حيث يتسع نطاقهم ودائرة تأثيرهم يوماً بعد يوم، وإنْ كان ببطء. فهل لنا أن نتفاءل؟

غياب الزمن ومتن الحكاية في قصص زمن ما كان لي..
بلاســـم الضاحي

تمهـــــــــيد :
ساهمـــــل الظواهـــــــر المتمـــــيزة إبداعيـــــــا، بقصد، والموزعـــــــة بحضـــــــور مــــهم على مساحات، النصوص واشــــــتغل على ما أجــــده منخفضا فنيا، منطلقا من النص، مســــتفيدا مــن مفــــردة ( الزمن )، التي وردت في عتبـــة العنـــوان والتي تشـــظت إلى عناوين ثانوية فرضت هيمنتها كبؤرة دلالية تقود القارئ.. للدخول من خلالها نحو ماهيات النص .
الانعكاسات الذاتية على النص :
ربما لمزاملتي ومعرفتي الشخصية بتفاصيل حياة القاص المثابـــــــــر(محمد الأحمد) وجدت ما أنتجته تجربة (زمن ما كان لي) انعكاسات شخصانية والتقطات ذاتية في قص الواقع دون أن ينقله إلى ما هو متخيّـل يثير أسئلة جمالية ومعرفية تطرحها تقنيات القص وتوصلها لبلوغ غاية النص. فتعمد منذ بواكير كتاباته الأولى إلى جعل نصوصه حاضنة للسيرة الشخصية وظل بهذا الاتجاه معتمدا على إثارة ذاكرته لإنتاج نص (استرجاعي) يمرره إلى المتلقي عبر أفعال وحكايات تحركت في حيزه الشخصي، محاولا تأسيس علاقات افترضها على إنها تحمل مفارقات الواقع ، لم ينجح في تحويلها إلى علامات تؤشر بدائلها ، فظل متمسكا بـ (المرأة) على إنها بؤرة يتمركز فيها الواقع بكل مكوناته ، ليوجه سؤاله الذي يفترضه في متقعرات وهمية في حكاياته (المسطحة) خافيا إخفاقاته في هذا التقعر الوهمي الذي اختاره للعبور نحو تسويق نصوصه بنشرها منفردة سرعان ما تكتشف هذه اللعبة إذا ما اجتمعت هذه النصوص في مدونة واحدة. ففي معظم نصوصه نجده يفتتح عالمه بالمرأة وذلك بحشد الحكاية وتسطيرها مستفيدا مما احتفظت به ذاكرته التي تتحرك في دائرة مغلقة مركزها المرأة دون أن تنفتح إلى فضاءات أخري فظلت كتاباته (سيرة موضوعية، ذاتية) لكنها ليست سيرة مدونة بخط تأريخي تنقل تفاصيل سيرة شخصية منظمة مما أحالنا إلى تشابه وتكرار شخصياته في نمطية شخصية واحدة هي شخصية المؤلف عبر أفعالها وتجاربها أو طروحاتها التي تحوله إلى راوي للحدث دون أن يتدخل في تحريك خطوطها المستقيمة نحو رسم أشكال جديدة تطرح رؤاها داخل النص المحكوم بذاتية المؤلف ودون أن يسهم ـ المؤلف ـ في صياغة حيوية لدور الحدث فظلت شخصياته مطابقة لما تعكسه مرايا الذات نحو الورق ...... (كنت أقول لعصفورتي الوديعة/ عيناك ص22)، (كنت امشي طويلا وراءها/ خفة زمن ص28)، (شاخصا بعيني بقيت أتابع تدحرج السنين الثقيلة على وجهها/ زمن مضى ص31)، (بقي بين يدي شعر رأسها المنسدل بطراوة ندية / زمن الأبيض البرئ ص34)، (ما هكذا يا كريم دع المرأة/ ما آل إليه ص 64)، (اكتب إليك التماسا/ زمن بارز ص 72)، ( يرخي عليّ الزمن سدوله / فاصلة زمن ص 81)، (تترقرق ضحكتها على بياض التذكر/ روى بعض ما لم يرو بعض ص 89)، ( لم أكن أتخيله فحسب بل أراه / زمن علبة الحليب الفارغة ص 98)، (ما عليّ إلا أن أهول ما أتخيل، واجعلها مشوقة بما يجعلها تغريها ، ترغبها بالبقاء عندي / بقية زمن ص 113)، (كان الليل ممتدا عليّ بلا ملل / زمن الابن ص 120)، (يشدّ عليّ الهواء الساخن/ رئيس سابق لم اعرفه ص 125)، ( كنت قبل اليوم في زمن آخر/ زمن ما كان لي ص 135 )
العنـــــــــــــــوان :
تنطوي عتبة العنوان الموسومة (زمن ما كان لي) ـ والتي تشظت الى عناوين ثانوية بواقع (20) عنوانا من ضمن (24) عنوانا كل ما احتوته متون المجموعة ـ على تركيز مفردة (الزمن) الذي يتجه نحو دوائره الثلاث ـ الماضي، الحاضر، المستقبل ـوالتي انضوت تحت مديات المعنى الفيزياوي للزمن دون أن يحدث ـ العنوان ـ حضورا بصريا مهما يمكن تخيله ضمن المتون النصية التي انضوت تحت (زمن ما كان لي) وذلك ما غييب الإيقاع البصري الذي يشبع فضول المتلقي عند انزياحه نحو المتن الذي غييب مستقبلاته البصرية واشتغل على الإيقاع الذهني الغير سهل على آلية التخيل بإظهاره من خلال آليا القص العاجزة عن ابداع جملة قصصية مكتنزة تنتج إيحاءات تحيط بالحدث والفعل إحاطة شاملة تفعّل أدوات التصوير وتزيد من الفاعلية الذهنية المستقبلة بسبب الإحالة إلى ذاتية محطة (ما كان لي)، فحدد بذلك زمن الزمن بفعله الماضي الناقص (كان) فاوجد له زمنه المحصور في (الاسترجاع) الذي شكل المتون كلها وجعلها بؤرة محصورة في هذا الزمن وبذلك جاءت العناوين الثانوية في سياقات الزمن الماضي دون الإشارة للفعل الماضي في تكوينها الصوري ( المكتوب)، وثمة احتمال آخر، قد يكون - زمن ما قد كان لي - وهب انه يفتح نحو حرية مزوجة للقراءة، وبهذا قد كرر كمبدع للعبة ابداعية لن اتطرق اليها. لاستقطاب أو الجذب الذي يصنعه العنوان الرئيس والمنساب إلى تشجيراته الثانوية يأتي من حاجة الناص إلى تعميق الصلة بين الرئيسي والثانوي بمحاولة لشد أواصر المتلقي وجلب انتباهه باتجاه التنويعات التي تدور في فلك هيمنة مفردة (الزمن) المتشظية والتي غيبت مهمة التشظي بابتعاد العنوان عن دوائر الأحداث على اعتبار ـ العنوان ـ يرسم مسارا إلى المتلقي نحو المتون ويفسر ما يحكى له من خلال معرفة الهواجس التي تبثها النصوص باتجاه التلقي واستثمارها كبؤرة أو بوصلة استدلال يجوب بها جغرافية المتون والتي أراد لها القاص ـ عن وعي ـ أن تنزلق من الغلاف نحو المتن كعلامات فارقة تدعو القارئ للتوقف عندها قبل أن يدخل إلى النص. يصاب المتلقي بخيبة كبيرة حينما لا يجد ثمة علاقة تدعوه للوقوف عندها أثناء تجواله في مسارات النصوص. هذه ( اللعبة ) شكلت علامة سلبية ضد الكاتب لعدم وجود دلالة لأيقونة الزمن تجد مدلولها داخل النص استثني من هذا التعميم نص (زمن الأبيض البرئ) التي وظفت الزمن لصالح سير الحكاية و( زمن بحجم الأفق)ـ التي سأتخذ منها أنموذجا اسقط عليه افتراضاتي ـ التي مارس فيها (الأحمد) لعبة (شعرنة العنوان) من خلال تركيب ألفاظ توحي بغرائبية تقترب من غرائبية تراكيب الحداثة الشعرية وأراد لها أن تتحول إلى علامات ورموز تحمل دلالاتها المفترضة ( زمن فارغ للشمس، هل الشمس وحدة زمانية أم وحدة مكانية ؟ هي وحدة لقياس الزمن تتوالد منها الأيام وتتعاقب منها الفصول، زمن ضوئي مأهول بسيول ضوئية متواصلة منذ شروعها ، ليس فيها فجوة تؤشر حسابها الزمني التقليدي في السبق أو التأخير انما زمن افتراضي تخيلي يساوي وحدة ضوئية على افتراض الغاء زمنية الشروع والوصول والأعتماد على تواصل الأنبعاث الضوئي ، فهو يساوي صفر افتراضي على انه لايعي ذاته . وهي مكان يحسب بعده ضوئيا، مكان بمكوناته المادية ومقوماته الجويولوجية، مكان مأهول بأرواحنا وخيالاتنا حسب، مكان غير مكتشف فهو يساوي صفر افتراضي على انه لايعي ذاته . ومن العنوان الذي يوحي بتساوي الهيمنة الزمانية والمكانية كونهما يشتركان بمصدر مصنّع واحد هو ( الشمس ) نخلص من ذلك الى : زمن فارغ للشمس = زمن فارغ للنص ، مكان فارغ للشمس = مكان فارغ للنص .
ولأجراء تطبيقات تأويلية من المتن نقتطع الآتي :
1 – المروي عنه (مات) زمانه صفر ومكانه صفر لأنه غير مأهول وغير مكتشف حسبما افترضنا .
2 – ( اخترت احد المقعدين الفارغين ) / زمن المقعدين ومكانهما = صفر على وفق ما افترضناه
3 – ( قالوا : - بانه ترك مالا كثيرا ، قلت : - ما نفع ما تركه / الزمان صفر المكان صفر .
4 – ( قالوا : - ( أية سطوة كان يملك ؟ قلت : - جرده الموت منها / الزمان صفر ، المكان صفر .
5 – ( كانت الشمس استقرت في المقعد الفارغ ) / زمن فارغ للشمس ( العنوان ) = زمن فارغ للمقعد ( المتن ) .
بطولة العنوان = الشمس ، بطولة المتن = الموت . وكلاهما لا يعيان ذاتهما ، المتلقي هو الذي يعي هذه الكينونة ويقوننها اذن الشمس = الموت كلاهما فراغ خارج الزمن المحسوب وخارج المكان المأهول لذا صار المتن ( فراغ ) حالة ( ميتا زمانية ، ميتا مكانية ) . لقد استفاد القاص من الغاء الحدود مابين ( ظاهرية ) الواقع العيني المحسوس و ( شطحات ) الخيال حيث انتج نصا محاكا من نسج هذا الواقع الحسي مع الخيال ، نصا لا يعتمد على النسق الحكائي ولا على البلاغة اللغوية بقدر ما يستفيد من اللعب والمراوغة في كلاهما معا لأنتاج جملة شعرية تحتمل التأويل بعد ان تحقق غرائبيتها غير المتناسقة في التأليف للوهلة الأولى فتجد لها اكثر من موقع لأدهاش المتلقي واستقبال النص لفك هذه الرموز واعادة تركيبها من جديد بتأويلات مخلقة من لدن المتلقي قد لا يجدها غيره وهذا يؤشر نجاح النص الذي يزدهر وينفتح الى عدة مستويات للقراءة . لذا ارى القاص وفق جدا في الوجازة والتركيز والتدبير المرمز لصياغة نص يسري فيه نفس شعري ولغوي خاص لألتقاط الأزمة المنتجة للنص خارج مكونات النص بهدم الحواجز الزمانية والمكانية والحكائية بفعلها التقليدي لمكونات القص المعروفة في سياقات التاليف بعيدا عن السرد التقليدي المستهلك وهذه مشكلة القاص ( محمد الأحمد ) كونه يعتمد على ميكانزم التطور الداخلي للحدث وليس على الحدث نفسه وقوانين بناءه القصصي في المساحات النصيّة وهذه السمة لا تقتصر على هذا النص فقط وانما تمتد على عموم كتاباته لذلك تجد من يعارضها او يقف ضدّها. الصدمة أو الدهشة التي يحدثها هذا النص القصير ليس في نهاية الحدث كما هي خصيصة اساسية تسود معظم القصص القصيرة بل نجدها في (فعل) بنية النص، غير مكتوبة ولا تحقق تشخيصها المرئي، طافية في تخوم النص، لا تـفقد قوتها من العنوان حتى السطر الأخير وبذلك خرج من دائرة النهايات التقليدية واحالتها الى المتلقي ليضع افتراضاته من خلال تأثير عموم النص في توليد نهاياته بمعنى الغاء (المتوقع ) والأستسلام الى ( الواقع ) الذي يؤثر به سياق النص على المتلقي ، بمعنى آخر قدرة النص على الأنتقال من ( أناه ) الى ( أنا ) المتلقي ، من هذا كمتلقي اقترحت عدة نهايات منها وجدت روحي تقرأ الفاتحة على روحها بعد ان حضرت المراسيم واستمعت لأحاديث المعزين واجابت عنها كما في حوارات المتن ، اذن زماني صفر ومكاني صفر ، هذه النهاية اقترحها ( المسكوت عنه ) في النص . بقي ان اقول شيئا يحسب لصالح (زمن فارغ للشمس) كونه نصا قصصيا قصيرا جدا فنحن الآن في عصر الزمن المحسوب والمقنن والمحكوم بوحدات الوقت وتفاصيلها الدقيقة التي تفرض هيمنتها على يومنا بقوة امام هذا التدفق الكبير من آليات النشر المرئية والمسموعة والمقروءة والتي لم تترك لنا وقتا فائضا لقراءة المطولات من على شاشات الأنترنيت مثلا من هنا ارى ضرورة انتباه كتاب الأنترنيت الى عدم الأطناب والأطالة والأهتمام بالنص القصير المكثف الممتع والمفيد مراعاة لأستفادة القارئ من سيف الوقت.
الزمـــــن :
عند (الأحمد) ينحصر في استرجاعاته الماضوية ( ما كان لي ) بسبب إخفاقات هيمنت على تطلعاته فأغلقت نوافذه وتركته يتخبط ضمن مساحة ضيقة ، مظلمة لا يرى غير نفسه بها وظل مشغولا في كيفية الخروج منها فنجدة قد تمحور في شخصتين (هو) ـ القاص ـ الذي يعيش على هامش التذكر مع ( هي ) التي توّلد هذا الهامش فظل يدور في فلك ( توالد الذاكرة ) الذي اعتمده كـ (شاشة ) للانعكاسات الذاتية المكررة والتي ذهبت بنا إلى اعتبار هذه النصوص تعمل بمشترك واحد وكأنها عمل روائي غير اننا نجدها تبث إشعاعاتها إذا ما أفردنا كل نص لوحده . نثر مفردة ( الزمن) على عتبات العناوين الثانوية لعبة استفزازية ، تنشيطية مارسها المؤلف على المتلقي قسرا معتقد إنها بؤرة الانطلاق نحو فتح آفاق آخر لقراءة هذه النصوص على إنها نصوص زمنية صادقة مع زمنها الذي يتماها مع حكاية المتون مستفيدا من حضور الزمن في الذاكرة الإنسانية على النحو الذي يعمّق اهميتة في الموضوع الذي استغنى مؤلفه عن الأدوات البصرية في إيصاله إلى المتلقي وذلك بتكرار مفردة الزمن على نحو يثير الفضول والتشبث بها دون أن يجد أثرا لذلك فيما سطره فاتعب مفردة الزمن وضعفت في أن تؤدي دورها الاستفزازي التنشيطي الذي افترضه المؤلف بانزلاقها من الغلاف إلى المتن .
غاب عن ذهن ( الأحمد ) ان الزمن يوجد في وسطين :
1 ـ وسط فيزياوي/ فيزيقي/ محسوب/ كما يحياه الآخرون / ويحياه المبدع خارج زمنية الإبداع / تقني يمكنه أن ينتج معارف ...
2 ـ وسط متفاعل مع الخيال / ميتافيزيقي / غير محسوب / ينتج ابداع غير مألوف ، مذهل ، مفاجئ ، مدهش / لايحياه غير المبدع لحظة الإبداع ويساوي صفر .
الذي أجده إن الكاتب ظل يشتغل في زمنه الفيزياوي لذلك لم ينتج لنا سوى ما ينتجه هذا الزمن .
الثيـــــمة :
ربّ قائل يقول ( ان كل حكاية هي نسيج جامع بين الواقعي والمتخيل ) نقول نعم هذا صحيح ـ إلى حد ما ـ لكن لكي تتحول هذه الحكاية إلى أدب يفترض إضفاء خصائص فنية وفكرية على واقعها أثناء عبورها إلى النص وتجري عليها إسقاطات وإضافات كما يفعل رسام ( البورترية ) مقارنة مع ما يفعله ( الفوتوغرافي ) . ( الحكاية ) لازمة مهمة في القص شرط ان يحولها الكاتب إلى أدب ولا يبقي عليها للقص فقط والوسيلة لتحقيق ذلك هي تنشيط اللغة لتأخذ حيزها المهم في الأداء وعدم ( أسلبة ) اللغة داخل بنية القص كما حدث في ( زمن ما كان لي ) لعدم تدخل الكاتب في إحداث متغيرات في هذه البنية وممازجتها مع الخيال على اعتبار ان الأدب ابن الخيال . مثل هذا يجب ان ينحصر عند ( الأحمد) في تجاربه المبكرة وقبل ان يفترض انه يمتلك سطوته على آليات القص والذي لم نجده في مدونته السابعة ـ كما دونته ببلوغرافيا الغلاف لذلك عليه ان يبحث عن مخارج من شرنقة هذه الإشكالية وينتقل من مرحلة الناقل للحكي إلى مبدع ومكتشف ومخترع له وان يغادر ضواغطه الشخصانية التي مارست وحدانيتها وهيمنتها والتي جعلت الحكاية تقوم بمهامها لوحدها وشخوصها تصل إلى نهاياتها كما تشتهي دن ان يتدخل صانعها على اعتبار ان السرد وبكل أشكاله تتدخل فيه ( الصناعة ، الحرفوية ) .
الكفاءة الإنشائية / التأليف :
ان توظيف التقنيات السردية وتطعيمها بلغة شعرية تنهض بوظائف تعبيرية مهمة داخل النص (الحديث) والانتقال من المعنى القاموسي للمفردة إلى المعنى الأدبي الذي يستطيع منه المتلقي ان يستحضر المعنى الصوري المتوالي الذي يتبنى القاص إيصاله إلى المتلقي بتقنيات التأليف ويبقى للمتلقي ان يستقبله على نحو حسن للنظر إلى أهمية النص من خلال ما تراصف من مفردات على بياضات الورق ولنأخذ بعض نماذج تأليف الجملة السردية عند الأحمد ... ( ذات صباح ما وفي مكان ما نهض من فراشه الوثير ، إذ خنقه العرق المتصبب من جبهته بعد ان سالت قطرات وصارت في انفه ص20 )، ( كنت امشي طويلا وراءها في المدى كله انهج طريقها كله ص 28 )، (الصمت كان شاغلا كالجدار الأصم والليل يمتد من خلاله ص 50 )، (يقفون أمامك في متسع الوقت الضيق ص 53 )، (تأتيه صاحبة العينين الخضراء ص61 ) العينين الخضراء ؟؟؟؟، (وكأنه كان يتحدث إلى معه بقيت وحدي استمع إليه بكل تركيز ص 69 )، (وبعينيك الغائرين كعين تمثال ص73 )، (بطيبة قلب يقدم لهم ما لم يتمكنه الناكرين ص 77 )، ( أقمت في الزمان مكانا وفي المكان زمانا فلم أر أكثر خسة من الخيانة ص 79 )، (مرتجا كأنما نقيضا متصارع مع نقيضه ص81 )/ ( كلهم يحملون القصة إلى غير ما ينبغي عليه ان تكون عليه القصة ص 139 )، والقائمة تطول في إيراد تراكيب غريبة تنم عن ضعف الكاتب في صياغة جملة ناجحة لا سيما إذا ما عرفنا ان لكل جنس أدبي خصائصه وتراكيبه ومفرداته في الصياغة اللغوية لذلك اختلفت الأنماط والأجناس الأدبية وعليه ظل كل جنس يحتفظ بخصائصه ( البنائية ) حتى لو تداخل مع جنس آخر فالسرد مثلا له بنيته اللغوية المميزة ونكهته السردية التي تظل وحدة مميزة من وحدات تشكله البنائي .
هوامـــــــش :
ثمة إحساس (وهمي) أوّل عليه الأحمد في (زمن ما كان لي) ذهب فيه إلى ان منجزه قد استوفى شروط وجوده فلجأ إلى (التجريب) باتجاه اجتراح تجربة كتابية زعم انها (تجديد) كما أشار بيانه المدون على هامش قصته التي حملت عنوانها المجموعة (فينبغي علينا ككتاب .. ان نجدد بأدواتنا الكتابية لنلحق بالركب الحضاري المتوقع ص 135) واعتبر هذا النص دعوة تحليق وتجاوز لكتاباته السابقة نحو تأسيس سياقات يتعاطى معها من جديد لإثبات اسلوب جديد في استثمار معطيات الحداثة قبل ان يجهز أدواته بمنظومة وعي حدا ثوي وإيجاد مساحة مرنة قابلة للحياة والتوالد، مغايرة لمدوناته السابقة مقترحة سلطة جديدة توجه الخطاب الجديد بما يلاءم مخيلة الحداثة وآلياتها .. غير اننا لا نلمس في نصه المقترح نحو التجريب ما زعمه في تامين موجهات تؤمن لخطابه السير دون تعثر فظل حبيس نزعته الشخصية على مستوييها (السلوكي) و (الكتابي) ولم يستطع الإفلات من قبضة التقليد والمحاكاة مع الأسلاف وبقيت قوة الدفع تراوح بين المرئي والمرئي ، بين الموجود والموجود المختلف دون ان ينجح في تحويل ( الكم) إلى ( كيف) حتى لو كانت من داخل الـ ( أنا) بعد ان ينتزع أشكالها التقليدية فظل يعيد حرث ما حرثه غيره من قبل معتقدا ان الحداثة ( خربشة الذاكرة القديمة أو إعادة تنظيمها) متناسيا موجهاتها ودلالاتها الفكرية والجمالية التي غمرت الفكر الجديد وفعّلت فعله متجاوزة حدود واطر القوننة وأحكامها المتعسفة لذلك ظلت (تجريبيته) تكرر قديمها دون ان تبتكر أسئلة جديدة تجد معها أجوبتها المدهشة .... وفي عودة إلى نصه التجريبي المزعوم نجد بالإجابة عن سؤال ملح إجابة صريحة عن مصداقية زعمه السؤال هو: لو لم نجد الإشارة الهامشية التي أوردها بيان الدعوة نحو التجديد، هل نجد بهذا النص مغايرة واضحة عن اقرأنه المدونة ضمن المجموعة من تطورات فنية في عناصر تكوينه كالشكل، المضمون، التكنيك، المعمار، اللغة، السرد، الشخوص، الثيمة، الزمان، المكان، الاستفادة من الأجناس الأدبية الأخر؟؟؟ أجد ان البيانات والزعم بأنها تعد وسيلة لنقل كاتبها من موقعه الحقيقي إلى مواقع متقدمة في خارطة الإبداع الإنساني .
النهايـــــــات :
نجد ان شخصيات الأحمد القصصية تصل إلى نهاياتها الواقعية دون ان يفرض عليها شروطه الفنية ويتدخل في رسم سلوكياتها التي تقودها إلى مصيرها الفني وليس الواقعي على اعتبار ان النص الأدبي ليس هو الواقع إنما الواقع هو المادة التي يبنى منها النص لذلك أجده لا يمتلك ناصية النص وقيادته وموجهاته بسبب ضعف أدواته اللغوية المرتبكة الفاقدة لقدرة التوصيل المنقول مع مؤثراته إلى مخيلة المتلقي الذي يعيد تشكيله إلى صورة متخيلة، بمعنى آخر لم يستفد القاص من (الصناعة) اللفظية ومهام اللغة في بث متعة فنية تؤدي دورها المهم في بنية النص على اعتبار ان المرسل يولـّد وظيفة تعبيرية أو انفعالية مركزها نقطة الإرسال والمرسل إليه تتولد عنه الوظيفة الافهامية بما تقتضيه من فضاءات الدوال التي تحيل المُتخيل إلى الواقع .
الخاتمـــــــة :
إضافة إلى ما تقدم أضيف ان الأحمد أراد ان يؤكد حضوره ألذكوري فحاول توظيف موضوعة المرأة في السرد كوسيلة لفرض سلطة الذكور جسديا ليحول المرأة إلى خطاب أيدلوجي مقموع، ممنوع في الواقع مباح في فسحة الخيال دون ان يحيل المرأة إلى مفهوم ( شهوي) من خلال المرور بمفاتنها. مع كل ذلك تظل (زمن ما كان لي) مجموعة مهمة وجديرة بالقراءة والاهتمام بما أضافته إلى المشهد القصصي العراقي من نصوص تكاد تقترب من الاكتمال الفني فهي نصوص دافئة حميمة تعطي نفسها إلى القارئ من أول مطالعة لها، رغم اني جهرا تعمدت النيل منها، متغاضيا عن الكثير من جمالها الابداعي الذي اشار اليه غيري من المتذوقين.
إشارة :
1 ـ زمن ما كان لي/ قصص/ محمد الأحمد/ دار الشؤون الثقافية/ العراق/ بغداد/ الطبعة الأولى 2007

٢١‏/٠٧‏/٢٠٠٧


خرابٌّ ما بعده خراب
خراب متسلسل مدروس، متعمد، بسبق الإصرار
خراب متواصل بالخراب، خراب؛ هو تواصل الخراب بالخراب

١٦‏/٠٧‏/٢٠٠٧


أديب أبو نوّار: وداعا
فاضل عبود التميمي

برحيل الشاعر(أديب أبو نوار-1956/2007-) يكون الأدب العراقي الحديث قد فقد أديب الأمكنة، والبساتين الخضر، والمساحات الحافلة بالمحبة، والحياة، وشاعر الأحزان القزحية... ولأنه ولد في مدينة(بهرز) فقد اخذ منها نسغ المحبة، وسلطة الاخضرار، وغضاضة الماء، وسلاسة المودّة، ونقاء الهواء... من يعرف أديب أبو نوّار، واسمه الحقيقي (أديب شياع البكري العزاوي) يدرك تماما سرَّ تعلقه بالأرض التي ولد فيها، ولزومه الدائم أنهارها، ومنحدراتها بعد أن أحصى بخطواته المتعبة أزقتها، وأسطح المنازل فيها، ودكاكينها المشرعة على واجهات النهر، وسامقات النخل.
لم يكن أديب أبو نوار إنسانا طارئا على البساتين، ونجوم السماء، وزرقة الماء... كان عاشقا نهما في تحولاته المكانية يؤاخي بين بستان ونجمة، بين افياء ونسمة... وكان كلما أدرك أن للبساتين رائحة تكبر مع سر الحياة يمضي بتساوق عجيب مع حيطانها، وأكوام العوسج المغروس على صهواتها... كان يعرف من زاوية القرب منها أنه راحل لا محال ولهذا مارس العشق فيها رجما بالخيال مبدعا أجمل(التحقيقات) فيها، وعنها فكتاباته عن البساتين، والأرض، والوهدان، والأزقة، والمنحنيات، وأخلاقيات الناس تمثل نمطا من الاستحضار الشعري للمكان، وغناء يماميا لفضاءات الزمان... ولم يكتفي بالكتابة وحدها، فقد سجلت كاميرته الخاصة حوارا دافئا مع بوابات البساتين، ونواطيرها، وحيواتها المترامية، لقد حاور عبر عدسة تلك الآلة الصماء براءات القرى المتواشجة مع خرير الماء يوم كانت قرى مترعة بالبهاء، والمسرات العذبة، ثم زاد من تألق مدوناته الفوتغرافية حين عمد إلى نشرها مقرونة بتعليقاته المترفة.
لقد كان أديب أبو نوار مهووسا بالأمكنة، قانعا بمحبتها التي لا تزول فهو في كل نصوصه ينزع نحو المكان، يأخذ من تضاريسه تفاصيل كتابة تشعل هوس المسرات، وتخلطه بأحزان مؤطرة بالحب والحنين... هكذا وجدت أديبا: عينين صغيرتين تخترقان كتل الأرض، وصراخ الجغرافيا، ومجاهل الكثبان بحثا عن انساق الحياة القابعة في مكان لا يستثير أحدا، ولا يشكل ملمحا عند كثيرين، فالحياة التي يمسك بها أديب في تل اجرد، وقنطرة مهدمة، ونخلة بلا رأس، وكلب يعلن عن وثوبه في بوابة بستان، هي نفسها التي يعلن عنها في فضاء البساتين: فراديس الله على الأرض كما كان يسميها.
والمكان في كتابات (أديب أبو نوار) الشعرية عالم يمور بالحركة والألوان والنقاء الإنساني، وهو لا ينفصل قط عن عالم أديب نفسه، حيز جمالي يتحرك بلا منغصات، أو مكائد مفخخة ، يقتفي اثر الجمال، والدهشة وصولا إلى تأثيث(نص) تتشكل فيه حياة أليفة تنمو على عتباتها رغبات البوح، وكسر الألم، وفك مغاليق العزلة بمعناها الخانق.
ترك الفقيد قصائد كثيرة لم تنشر، وأخرى نشرت ولم يجمعها كتاب، فضلا عن رواية مخطوطة لا ادري أين الآن هي... ناهيك عن عشرات التحقيقات الخاصة بالأمكنة العراقية التي زارها في الانبار، والنجف، وبغداد، وكردستان وهي لوحدها تشكل مرجعا فريدا لجغرافية الأمكنة الآهلة بالشوق والمحبة، وله مجموعة شعرية واحدة صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد 2001 عنوانها(المدهش من أحزان العندليب) كرس فيها ظاهرة الحزن في أعلى طبقاتها النبيلة، ترى أي حزن كان يعتلي ذلك الوالد البهرزي النحيل؟.
تنهض مجموعته على دال شعري ينبثق منه مدلول شعري يستّمد نسقه الأول من مخيـّلة الشاعر بدءاً من عنوان المجموعة الذي تفضي القراءة الدقيقة لمحموله الفكري إلى نتاج أحزان مركبة تتقدمها (( الدهشة )) بوصفها حيرة تتملك الشاعر لتشكل من آلامه نمطاً أعلى يميز مكابداته وهو يلج عتبات القرن الحادي والعشرين … فإذا ما غادرت العنوان تلقفتك أحزان أخرى ممهورة بوجع الشاعر وهو يتذكر أصدقاء اليوم والأمس ممن كان الحزن وسيبقى يتبوأ مساحات واسعة في سيمياء لغتهم : الشاعر إبراهيم البهرزي ،وعبد الأمير عبد الكاظم ، والشهيد محمود الزيدي و … و .. :
ترى أيمكن للحزن أن يكون عالماً شعريّـاً تكتمل فيه مدونات الشاعر وأحلامه ؟ .. ذلك ممكن فهو مدلول شعري تلبس (( الشعرية )) مذ أدرك الإنسان الأول أن الشعر قرين الوجود ، ولهذا تشابكت لغته مع كلّ لغات الشعر ، ومدارسه ، واتجاهاته ، وتياراته إذ ما من شعر إلا والحزن رفيقه … هاتوا لي ومضة شعر خالية من فيض الحزن ، من ألمه ، من فرحه … كان ذلك في الأزمنة الأولى فكيف هو الآن وقد كبرت أحزان الشعراء وصارت مدناً مسكونة بالموت ، والألم ، والحصارت المصنوعة.
لنعد إلى المجموعة ، نقرأ ما فيها من أحزان وحيوات نابضة فيها ، لعل القراءة تؤهلنا للامساك بمعاني الشعر القابعة في نظم الكلمات ، والتي في المجموعة كلها تنتظم في سياق قصائد مضافة إلى النثر لا بوصفه جنساً كتابياً معروفاً وإنما لأنه بدء الشعرية الذي خرجت من معطفه أفانين القول، أحزان تتلو أحزاناََ ، وبينهما يقف الشاعر يحتفي بسرد قصيدة النثر المفضي إلى أمنيات مصاغة من سخام كانت على مقربة من( بهرز) ، ما بهرز ؟ وكيف لهذه القرية اللصيقة لمدينة(بعقوبة) أن تستأثر بمداليل الشعراء بدءاً بالشاعر ياسين طه حافظ ، ومروراً بالشاعر كزار حنتوش و …. و….
إن الشاعر أديب أبا نوّار يظهر في مفردة ( بهرز) طيرا ذبيحاً في طبقات وجدها ، وأحتراقها اليومي :
حدقت فكانت بهرز ، أرتبكت فضْجّ البكاء ص20 .
وهل مازال البهرزيون يتعلقون بكهوف الذاكرة ص44 .
وتكاد ( بهرز ) بوصفها مكاناً أليفاً تستجمع أحزان الشاعر في المجموعة لتظهر مرات باسمها الصريح ، ومرات مغلفة بأحزان سرمدية مكنىّ بها… في (نعم …. هذا سؤال) تقوم رؤية أحزان الشعر على أسلوب تكرار لازمة العنوان في سلسلة طويلة من دالات التذكر الذهول : تذكر الأصدقاء ، وأيام الحرب، والأمكنة ، والأزمنة التي شغلت مخيّلة الشاعر في بوحها الشعري، فالشاعر يبدو مشدوداً إلى الماضي ، الماضي الذي يبدو اليوم زماناً مبهجاً ولهذا تراه : يريد الحديث عن فارق العملة عن ذكريات أجزاء الدينار ص13 .
ويحاور ذاته بلغة تميل إلى تقصي أساليب المفارقة:
فأنظري يا روح كيف تريدين لي الخراب
إلى أين أذهب عن هذا الجمع من الأوفياء !!
الذين يضعون الكرة الأرضية في جيوبهم ص14.
حتى ( ميراث) الشاعر وهو كلّ ما ملكت يداه في الدنيا لا يخلو من سمة الحزن :
البكاء الخصب
الهياج الهائل في أقاصي الروح.
وجفاف القمر
كل ذلك أحتفال لآخرة الليل ص15.
هذا ميراث الشاعر ، ولأنه شاعر فلا مهمة له إلا قول الشعر وكتابة القصيدة المدماة:
أريد أن أشكل القصيدة بماس الدموع
لأترك مجالاً للضوء في لغتي ص16.
تلك مهمة الشاعر سمها مهنته، فبها بانت لغته التي لم تغادر تضاريس أحزانها:
كنت أدثر أنثاي بالبنفسج
وأحرضها على الصمت ليلة العيد
وأعلمها البكاء تحت المطر ص19.
وها هو في كل مناسبة يدعونا ويدعو أنثاه إلى مزيد من الحزن لا لشيء إلا لمزيد من لوم الذاكرة :
فيا سيدتي لمي عليك حين نبدأ بالعويل ص26 .
عويل لا آخر له ، وبكاء يجر بكاء تزيد من حدته(الموسيقى) التي كانت سلطتها الشعرية والنفسية تتحشد في مفاصل المجموعة وصورها :
فلا بد أن ابكي مرة والى الأبد ص29
وهو القائل أيضا :
اعدي لي حزنا منيفا هذا المساء
الم اقل لك أن أمسيات الخريف تخترق الروح
ساعديني على صمت يطول
وانتظري مني بكاء أطول ص47
لقد أشار أحد النقاد في مناسبة تحدث فيها عن واحدة من أجمل قصائد المجموعة (رابسوديات أيلول) التي أحال فضاءاتها على حقول دلالية صوتية ، موسيقية مغلفة بالسرد في سياقات حزينة أدركها من قبل وهذا ما يمكن تشخيصه في مظان كثيرة :
لا حاجة لنا بذلك
فهذه الكمانات أكثر فصاحة
إذن حزنا أكثر.. حزنا أكثر
فأنا احبك مفجوعا ص48
إن أحزان أبي نوار لا تستمد نسغها من تجربة لغوية مجردة من حدودها الزمانية ، والمكانية ، ولا تأخذ شرعيتها من رومانسية حالمة بالتـجريد ولهــذا لا يمكــن وصفــه بـ الرومانسي الحالم إن أحزانه أحزان شاعر عذّبته تمظهرات الحياة في صيغها الأليمة فكان أن قاومها بالشعر والحكمة المعطلة .
رحم الله أديب أبو نوار الشاعر(الثمانيني) الذي غادرنا في يوم السبت 7/7//2007 فقد كان أنسانا مملوءا بالمحبة والحكايات المترعة بالحب والأحزان، وستظل مدينة(بعقوبة) بأهلها، وبرتقالها، وأدبائها يستذكرون أبا نوّار الذي أحب الجميع.



سعد محمد رحيم
أديب أبو نوار.. وداعاً
تحولت ذاكرة كل عراقي إلى مقبرة كبيرة موحشة.. لم نعد نتذكر أي حدث إلاّ ويكون طرفاً فيه واحد أو أكثر ممن هم موتى الآن. فلا شيء أسهل وأهون وأسرع من الموت في عراق اليوم، والأمس أيضاً.. يأتي الموت خفيفاً ويمضي خفيفاً كالهواء، أو تراه يسكن الهواء، يأخذ حصته بعدالة قاسية، بإفراط، من الجهات كلها والأماكن كلها والأعمار كلها، مبتدعاً في كل مرة طريقة مختلفة. ومخلفاً الأحياء في حالة من الذهول والضياع.
من الذاكرة:
بعبارة حذرة أعلمني صديق لي بموت أديب أبو نوار ، قال أنه قرأ الخبر في شريط أخبار قناة الشرقية.. وقفت واجماً، إذ كنا نتمشى حينها في سوق بلدتي، وللحظة تداعت في ذهني صور بعينها.. غير أن صورة واحدة استحوذت عليّ أكثر من غيرها.. أديب أبو نوار يسرع الخطى على رصيف خريسان في ليل بعقوبة وهو يحمل حقيبته المنتفخة بالأوراق والصحف والكتب، وماذا كان يملك غيرها؟ ليلحق بالجماعة ( أصدقاؤه ) في السفينة، والسفينة ليست سوى دار على نهر خريسان كان يتخذها رجل طيب من بعقوبة اسمه نوح مكتباً تجارياً في النهار وملتقى لأصدقائه، وجلّهم من المثقفين، في الليل، فسمي مكتبه هذا، عند هؤلاء، تحبباً بالسفينة. ولعبت السفينة دور مركز ثقافي غير رسمي، في زمن الحصار، ببعقوبة، إلى جانب مكتبة مؤيد سامي، ومكاتب ومحلات بعض الأدباء والمثقفين والتي غدت ملتقيات نُخب لتبادل الأخبار وقراءة النصوص ومناقشة القضايا المختلفة. ( وممن أذكر من رواد السفينة؛ كريم علو، المرحوم الدكتور قاسم، محمد، إبراهيم البهرزي، وآخرين. وكنت أزورهم أحياناً برفقة الفنان التشكيلي منير العبيدي أو الأديب الشهيد مؤيد سامي ). التقيت بأبي نوار للمرة الأولى في صيف العام 1992 وكان قد أنتخب تواً أميناً للشؤون الثقافية في اتحاد أدباء ديالى، يومها طلب مني تقديم أمسية في الاتحاد، وخيرني بين ثلاثة اقتراحات، أن أقرأ بعض نصوصي القصصية، أو أتحدث عن تجربتي في الكتابة، وكانت في حينها متواضعة لا تستحق الحديث عنها، أو أعرض كتاباً حديثاً، قلت له سأعرض كتاب ( البئر والعسل ) لحاتم الصكر الصادر في السنة ذاتها. ومنذ ذلك الوقت توطدت علاقتي به. سألته في أتعس سنوات الحصار، وكررت سؤالي عليه السنة الماضية حين بلغ تدهور الوضع الأمني ذروته في بعقوبة: ما الذي يمنعك من مغادرة العراق، أنت الذي لست متورطاً بزوجة وأولاد، ولا تملك أي شيء هنا، لا منصب، لا مال، لا وظيفة. قال؛ لا أستطيع. ثم هز رأسه وقال؛ أمي. وارتسمت على وجهه ابتسامة حزينة، ثم استطرد بعد صفنة صغيرة؛ لا أستطيع ترك بهرز. وضحك؛ وكيف أكون في مكان ليس فيه إبراهيم البهرزي. في أواخر التسعينيات، أعطاني مخطوطة رواية كتبها وقال لي اقرأها.. كانت الرواية على الرغم من بعض اعتراضاتي الفنية عليها ممتعة وصادقة، وهي لم تكن رواية بالمعنى التي تجعل منها عمل تخييل أولاً، وإنما سيرة ذاتية كتبت بضمير المتكلم، فيها مواقف من حياته ( طرائف ومصاعب وشجون عمل وكتابة وعلاقات صداقة وحب وجنس، الخ ) أما أكثر ما بقي عالقاً في ذهني من تلك الرواية هو قصة اعتقاله في منتصف الثمانينيات حيث أخبروه في وحدته العسكرية المرابطة في القاطع الجنوبي والحرب مع إيران حامية الوطيس، أنه مطلوب في مقر الاستخبارات العسكرية في الكاظمية.. وصل بغداد وهو في أشد حالات القلق والتوجس.. كانت الساعة هي الثامنة صباحاً لمّا دخل استعلامات الاستخبارات وسلّم كتابه الرسمي وأعلن عن اسمه، فطلب منه الموظف المعني أن يجلس قبل أن يبلّغ المسؤولين في الداخل، وبقي أديب ينتظر حتى الثالثة عصراً، عندها قال له موظف الاستعلامات أن الجماعة ربما نسوه واتصل مرة أخرى بهم .. تكلم الذي في الجانب الآخر من الخط مع أديب واعتذر منه بنبرة مهذبة، وقال إن كان بمقدوره أن يأتي غداً صباحاً.. خرج أديب وقد تلاشى بعض خوفه وقلقه، لكن ما جرى في اليوم الثاني هو بالضبط ما جرى في اليوم الأول، اتصال وانتظار وطلب مجيء في اليوم التالي، فتضاعف قلقه. وكذلك كان الأمر في الأيام الأربعة أو الخمسة التالية.. وظل أديب يذهب إلى نادي اتحاد الأدباء بعد مغادرته الاستعلامات ليقضي أمسيته وهو مملوء بالرعب.. في اليوم السابع قيل له بعبارة مشجعة أن يدلف إلى الداخل، وحالما تخطى الباب كان في انتظاره، هناك، عدد من الأشخاص، عصبوا عينيه وانهالوا عليه بالضرب.، قبل أن يودعوه في زنزانة مكث فيها ثمانية أشهر..هذا جزء ( حدث في الواقع فعلاً ) مما كتب في روايته التي نسيت عنوانها. ولا أدري إن كانت مخطوطتها موجودة حتى هذه الساعة.
موقف آخر:
ضييف أبو نوار في أواخر ربيع 1995 الشاعر خزعل الماجدي، لا في حديقة اتحاد الأدباء في السراي القديم ببعقوبة وإنما في بستان أهله في بهرز، أستذكر هذه الواقعة لأنها تحتشد ببعض المفارقات.. جاءنا خزعل من بغداد بعد الظهر، وقبيل الغروب رحنا نسير في مجموعة من سبعة أو ثمانية أشخاص، على الرصيف المحاذي للنهر قبل أن نستأجر سيارة إلى بهرز. وخزعل يحكي عن المثقفين العراقيين في الخارج الذين لا يعرفون ماذا يحصل في العراق الآن.. في هذه الأثناء أحاط بنا عدد من الانضباطية وطلبوا هوياتنا ( بطاقاتنا ) وهم يتفرسون في وجوهنا بارتياب.. حين ابتعدوا صاح خزعل؛ هذه صورة واحدة من آلاف لا يعرف عنها مثقف الخارج شيئاً. في البستان الصغير أستل خزعل دفتراً من حقيبته وسألنا إن كنا مستعدين لسماع قصيدته ( حية ودرج ) الطويلة؟ قلنا؛ نحن هنا لنستمع إلى جديده.. في الظلام الهابط، والهواء يقبل عذباً بارداً من جهة نهر ديالى شرع خزعل يقرأ.. استغرقت القراءة أربع أو خمس ساعات.. لم تكن قراءة مستمرة، بل كانت تُقطع بتعليقات وثرثرات وحكايات ونكات وضحكات ومماحكات وتناول شراب وطعام وبرتقال وليمون حامض وقزقزة حب عباد الشمس، وفي منتصف الجلسة دخل علينا إبراهيم البهرزي.. وأخيراً حين انتهت قراءة القصيدة قال أديب أبو نوار؛ ما فائدة الشعر، أي شعر، حتى الجيد منه إن لم يكن يغير أي شيء في هذا الزمن اللعين.. وأطلق عبارات ساخرة.. كان هذا استدراكاً استفزازياً سلب بعض نشوتنا. وحينها قلت: يا جماعة تأخرنا. كانت الثانية بعد منتصف الليل، وليست ثمة سيارات قطعاً في هذه الساعة. كان هناك اقتراح أن ننام في البستان، رفض بعضنا ( أنا أحدهم ) بحجة أن عوائلنا ستقلق علينا. وخرجنا جميعاً تاركين أبا نوار وحده في البستان، أو هو غفا قبل خروجنا.. من كان هناك؟ بحسب ما أتذكر( صلاح زنكنة، عمر الدليمي، أمير الحلاج، علي فرحان، بشار صبحي، فاضل عبد حامي، وربما مشتاق عبد الهادي وفراس الشيباني أيضاً ). إبراهيم اصطحب خزعل إلى بيته أما نحن البقية فرحنا نمشي في الشارع الفارغ، حتى إذا قطعنا بضع مئات من الأمتار توقفت ( يا للمصادفة السعيدة ) سيارة تاكسي، ولا أدري ما الذي أدخل عمر الدليمي في مشادة غير مبررة مع سائقها الذي سارع ليشتكينا لحرس بيت المحافظ القريب فوقف هؤلاء في منتصف الطريق في انتظارنا، أو هكذا خيل لنا، فانعطفت مع آخرين إلى طريق زراعي محاذاة مبزل مخنوق بأعواد القصب.. قلت لهم؛ لست مستعداً لقضاء الليل موقوفاً في مركز للشرطة، فأنا مدرس ولا أريد أن يشاع الخبر غداً بين طلبتي، ولاسيما أن مخيلاتهم الخبيثة ستلفق قصصاً عجيبة حول هذا. هكذا تشتتنا، وشخصياً لم أصل بيتي إلاّ في الرابعة فجراً.
أبو نوار والبهرزي:
بين إبراهيم وأديب علاقة صداقة غير اعتيادية، تجذرت بمرور الأزمان، وتلاحق النوائب، فقد ظلا صديقين ندّين، لدودين، يجمعهما حب الانتماء إلى المكان نفسه، والهيام بالشعر وقراءة الكتب، غير أنهما كانا يختلفان في أشياء كثيرة، لعل منها الرؤية السياسية، وأيضاً طبيعة الشخصية، والعلاقات الممتدة مع الآخرين، ووجهة نظر أحدهما بإبداع الآخر. وهذا لا يعني انتفاء الإعجاب بينهما.. كانا يتخاصمان في الصباح ويجلسان معاً للسهر في مساء اليوم ذاته، أو يفترقان عند منتصف الليل على خلاف هائل ليعودا في نهار اليوم التالي معاً وكأن شيئاً لم يكن. وما كان يشكو منه أصدقاؤهما أنهما كانا في خلواتهما المغرقة بالشعر والثرثرات والتهكمات يفضحان أسرار الآخرين بينهما، وأظن أسرارهما أيضاً.. لم يكن أحدهما يحفظ أي سر عن صاحبه. كانا أليفين ومتناقضين في الوقت نفسه، وتناقضهما كان يجذبهما إلى بعض أكثر مما يفرقهما.. كانا ضروريين لبعضهما، لا غنى لأحد هما عن الآخر. بعد سقوط نظام صدام حسين وواقعة احتلال العراق،غرق أديب في بحران القنوط. قال أنه ليس متفائلاً.. وعمله مراسلاً صحافياً جعله قريباً جداً من الأحداث، وعلى تماس مباشر معها.. كان في منطقة ساخنة تشهد عمليات قتل يومي، تأتيه الأخبار طازجة من مصادر خاصة فيعبّرها إلى قناة الشرقية.. قلت له؛ لماذا هذه الأخبار كلها، لماذا لا تكتفي ببعضها، إنها تصيب المرء بالدوار والإحباط.. قال؛ أليست مهمتنا أن نقول الحقيقة. قلت؛ لا أدري، أحياناً الإفراط في قول الحقيقة يدفعنا إلى اليأس. ويبدو أن تلك الأخبار المملوءة بمفردات ( العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وهدم المنازل والقتل الطائفي وغير الطائفي والاعتقالات والمداهمات ودوريات الاحتلال وإغلاق الطرق والتهديدات والفساد الإداري والخطف والسلب والنهب، الخ ) كانت تأكل من جرفه كما يقول التعبير الدارج. وذات مرة، وكنت حاضراً معه في مكتب كريم الدهلكي لتوزيع الصحف، نقل خبراً عن اغتيال مدني.. سأله الشخص الذي يدون الأخبار في الشرقية لماذا أغتيل.. قال؛ والله أستحي أن أقول لك لماذا.. وحين ألح الشخص قال؛ لأنه من الطائفة الفلانية. أصيب أديب بانتكاسة أولى بعد أشهر من زلزال 9/4/2003، وأجريت له عملية في الرأس، الرأس الذي هو رأسمال المبدع الأول والأخير. ولم تمر سنة أخرى حتى كانت الانتكاسة الثانية، غير أن الثالثة لم تهمله.. يقول إبراهيم البهرزي في رسالة تقطر أسى ولوعة ويأساً، تسلمتها منه قبل أيام، أنه كان بصدد زيارة أديب عصراً.. قيل له أنه استعاد الوعي بعد إجراء العملية الجديدة في مستشفى السليمانية وأنه يرد بالإشارات.. لكنه ( أي البهرزي ) عرف من أخيه أن أديباً فارق الحياة وأنهم دفنوه في مقبرة بهرز قبل ساعات.
الممثل والصحافي والشاعر:
عُرف أديب، في مجتمع مدينة بعقوبة، في السبعينيات، ممثلاً مسرحياً، عضواً في فرقة مسرح بعقوبة، وأدى أدواراً عديدة في ضمن نشاطاتها، لكن الشعر والصحافة أخذاه من المسرح قبل أن يورطه صديقه الكاتب والفنان المسرحي صباح الأنباري، مرة أخرى، في تمثيل الدور الرئيس في مسرحيته ( الصرخة ) في العام 1994. وقد كان أداء أديب فيها معقولاً. برع أديب في كتابة التحقيق الصحافي، وكانت ريبورتاجاته عن المدن والأمكنة التي شغف بها من أجمل ما كتب. أذكر ما كتب عن بهرز ونهري ديالى وخريسان وجلولاء والسعدية وشارع الرشيد وساحة الميدان وكبيسة وراوة وأربيل وجبال كردستان ومدن وأمكنة عراقية أخرى كثيرة. كان يكتب برؤى شاعر وحميمية عاشق، كان ديدنه شعرية المكان، سحره وألقه ونوره الخفي، وتاريخه كما طبع على سحنات البشر وقلوبهم. أما شاعراً فقد عانى من شبه الإهمال على الرغم من بعض مسؤوليته عن هذا، فأديب الشاعر كان يستحق اهتماماً نقدياً أكبر، وكان يجب أن تصدر له أكثر من مجموعة شعرية بحلة أنيقة وليس بالشكل البائس الذي خرجت به مجموعته الوحيدة ( المدهش من أحزان العندليب ) في طبعة محدودة متواضعة، في ضمن إصدارات (ثقافة ضد الحصار ) في العام 2001... كتب أديب الشعر ونشره مبكراً، فأولى قصائده رأت النور في السبعينيات، إلا أنه باعتقادي، رؤيةً وحساسية وأسلوباً، ينتمي إلى الجيل الثمانيني. وقد نشر عشرات القصائد، هنا وهناك، وأظن أنه يستحق بعض الجهد لجمعها ونشرها في مجموعة أو أكثر، ومَن غير إبراهيم البهرزي أهل لهذا؟. موت آخر..صديق آخر يرحل.. وداع آخر.. تتزاحم الصور في الذاكرة.. صور أصدقاء لنا بقوا حتى اللحظة الأخيرة يحلمون بعراق أحلى. أي حلم كان ذاك الذي يخفق في أعطاف أديب غير أن يعشق بحرية ويكتب قصيدته في الهواء الطلق؟. يقول في إحدى قصائده "أريد أن أشكل القصيدة بماس الدموع لأترك مجالاً للضوء في لغتي". بم كان يحلم أديب وماذا كان يريد غير درب آمن من بهرز إلى مقر اتحاد الأدباء في السراي القديم ببعقوبة ليلتقي أقرانه الأدباء، وآخر إلى مكتب كريم الدهلكي أو بلاسم الضاحي أو ورشة حسين التميمي أو السفينة العائدة للسيد نوح أو إلى البستان ليتجاذب أطراف الحديث مع شقيق روحه إبراهيم البهرزي، ومن غير أن ينغص أحد عليهما سهرتهما، بخمر الشعر.
ياااااا لشساعة وبُعدِ، وأكاد أقول استحالة، هذا الحلم!!.

١٤‏/٠٧‏/٢٠٠٧


ينعى ادباء ديالى
فقيدهم الشاب الغزير العطاء الشاعر والصحفي
أديب أبو نوار
الذي وافاه الأجل اثر مرض عضال
بتاريخ 6-7-3007

١٣‏/٠٧‏/٢٠٠٧


رحيل الشاعر والصحفي اديب انو نوار ..

الله معك .....ايها الوفي النبيل
ابراهيم البهرزي

بعد ظهيرة هذا اليوم,السبت السابع من تموز ,انطلقت من قمقمها روحك الطهورة ايها الحبيب الذي ما اذى طوال اعوامه الخمسين جنح ذبابة, ومن بعد اذى مريردام لثلاث سنين خلت,واربع عمليات جراحية في الراس,بعد اذى كان يكابر عليه محتفظا حتى الشهرالاخير بطلعته السامقة البهية, هنا في غرفة الضيوف هذه قبل نحو شهر من يوم الرحيل هذا,كان ينظر من النافذة للحديقة المنزلية الصغيرة مداعبا ولعي بشجيرة الرمان,مستذكرا
ظلالها الوارفات لربع قرن مضى من المسامرات والغناء والجدل.......
بعد ظهيرة سبت ابن كلب في السابع من تموز من عام الرمادة هذا,حملت كل سماحتك واريحيتك وصراحتك الفريدة في زمان البغض والكابة والنفاق
لتهج من زمن لم يعد يليق بالنبلاء منفتحا على الحرية الوحيدة التي اتيحت لك ووجعي يقول في سري :
حسنا فعلت,لانك كنت تردد دوما ان الزمن لم يعد جديرا بالنبلاء..........
حسنا فعلت ايها النبيل, قلت في سري ايضا بعدجهشة عميقة من البكاء الذي ذكرتني به وكنت قد نسيته منذ ربع قرن ,ويزيد..
الله معك...ايها الرحب في زمن يضيق على الضمائر البيضاء
الله معك...ايها القديس المرح في زمن العهر المعمم
الله معك...ايها النبيل الذي ما غير جلده مذ عرفته طفلا فصبيا فيافعا فكهلا مكتمل الوسامة في الخمسين
الله معك ...يا ربيع ذكرياتنا ومغامراتنا واحزاننا واهة البلد الجريح
الله معك...ايها الجريء الواضح في زمن الجرذان المرائية
لقد كان عندك الكثير من الغناء الذي ضاع في ضجيج مهارشات الديكة المخصية
وكان عندك -حتى في حندس المرض -اقمارا من المزاح والسخرية التي تفرج عني الكروب...
ومازلت تحت ذهول الرحيل غير مصدق انك تسبقني اليه ايها اليافع الغض الذي ظل يسخر من عللي المبكرة لربع قرن مضى,وكنت تتسائل متحيرا باي شيء سترثيني انا الصموت الذي لا اترك خلفي اثرا للذكريات,وها انا حائرباثار ذكرياتك الجمةوباية شقفة منها سابتدا الرثاء,وقد انتبهت بعد ضهيرة التشييع، ان لا مكان لي بعد في هذا الزمن فحيثما خطوت ثمة الذكرى تسد علي الطريق منادية : يا لتلك الايام، الله معك... ومع الخمس والثلاثين عاما من رفقة السهر الطويل والصبر الجميل,ولقد عددت على ضربات قلبي من من كل الخليقة كان له نصيب الشمس والقمر في الخمسين عاما التي عشت فما زاد عليك احد من اهل ولاعشير..
الله معك ...يامن اتلف العمر بسبب اريحيته,فعاما في السجن رقم -1 - لاجل نكتة في اوائل الثمانينات واربعين يوما في جهنم -الرضوانية - لاجل قبلة
لفتاة, واخيرا اعتقال من قوات الاحتلال لاجل جلوسك في باب المنزل غير ابه لمرور المدرعات والمارينز....
اعرف ان الناس قد يسجنون لاجل سرقة او جرم , الا انك الوحيد الذي سجن لاجل نكتة وقبلة وجلوس امام باب الدار
مرة كانت حياتك ايها العسل المكتوم ,مرة في جبهات القتال, مرة في السجون ,مرة في شظف العيش ووحدته,حيث لا وظيفة ثابتة ولا امراة حنون,
ومرة كانت حتى بعد رحيلك عنها حيث تهاوت حولنا قنابر الهاونات ونحن في اول ساعة بمجلس العزاء,فرفع السرادق واضيف الى لائحة النعي المعلقة في
سوق البلدة عبارة - وبسبب الظروف الامنية تعذر اقامة مجلس الفاتحة وعذرا للمعزين -
حتى في موتك لم ترد ان تؤذي احدا هكذا عشت وهكذا رحلت كنسمة رهيفة في زمن العواصف الهوج
الله معك ..الله معك .. ايها الحبيب يا ابانوار ..لقد تركت لي الزمن الموحش والعزلة الخانقة مع مطر من الذكريات الندية ممتزجا بالدمع,
اقول الله معك..وقلبي يقول حسنا فعلت..فهذا الزمان لم يعد جديرا بالبقاء...فالبلاد التي حلمنا بها وحملنا لاجلها الكثير من الندوب في القلب ها هي تتهاوى
امام انظارنا,وما رايناه كفيل باجتراح الموت قبلما ان ...تكون المنايا امانيا
الله معك ياشقيق العمر المقتول
باي سارثيك وقد كسدت المراثي...فعذرا؛ لقد اورثتني من جميل الذكريات ما اخشى ان لا اطيق معايشته والداب عليه لشدة الوهن.. الله معك الله معك الله معك .....كل انفاس البساتين في بهرز تشهق اليلة مستذكرة شموعنا ومواقد النار في زمن فرولن يعود لحضرتها ابدا ..ابدا يا ابا نوار
لقد كنت يوم تسالني عن حالي في السنين العجاف الاواخرلا تسمع مني الا قول الشاعر:
رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه
والان لم املك وانا عائد العشية عبر الحقول التي اوت مسااتنا غير ان اردد مختنق العبرة :
قال لي من احب والبين قد جد والتظت في الفؤاد نار الحريق
قال ما في الطريق تفعل بعدي قلت ابكي عليك طول الطريق
adeeb.memori@Gmail.com

١١‏/٠٧‏/٢٠٠٧


ابو نوار ... نعم مات من كنا نحبه...
كتابة: بلاسم الضاحي

بأيام عمرك إلا قليلا ً أعدّ عمري دون أن استثني همسة ً واحدة ً أو قلْ خطوة ً واحدةً ، في آخر همسة ٍ كان قوامك النحيف يذرفها لم أكن أدري إنها آخر خطوة ... قلت : ـ أحبها .... واختفيت على براقك الملّون .. الليل كان قد غادرنا للتو لكن حمرة شفقه تلوّن جرحك الصغير وتخفي دمعة ً كثيراً ما ذرفتها على غيرك ، الحق أقول : لم أكن أدري انك كنت تبكيك وأنت تعدّ حقيبتك البيضاء وتحزم بعض قصائد قديمة ٍ ما أبحت َ بها لغيرنا أقسمت عليّ ثلاثا ً أن لا أفجعها ... حينها ضحكنا وتبادلنا الكؤوس على مهل ٍ ، وقتها كان رفيف الملائكة في سنابله ينتظر آخر همسة نحو الخلود وأنت بمقلتين من ذهب ٍ ترسم دوائر حتفك وتقص للمودة أسرار الليمون وأسيجة الورد ورائحة التراب المرشوش .
بشفتين من سكائر وحقيبة من زجاج تتأبطها عند كل مساء نحو دروب البساتين يعينك الرمان وعريشة العنب التي سرقت طولك وتمددت نحيفة تحت سريرك الملكي سريرك الذي ظلّ منفردا طيلة خمسين دربا كلّ حصادك من البساتين .
حين ينتصف مقامك تترك بقاياك لما تبقى من الليل ، نديمك ( البهرزي ) ( 1 ) ودليلك رائحة القداح كنت تحاورها وتشكوها مشاكسة ذاك النديم .
أعرف .. أعرف ..
أن دروب البساتين لم تعد تسلكها من زمن سبقتك إليها البنادق الملتحية والرصاصات السائبة ، غيّرت مناسمها أقدام الغرباء كنتَ حزينا ، حزينا ولولا صورة كنت قد علقتها على حائط غرفتك الطيني لمت من كمد الفراق .
الحياة بهية ..... كنت تقولها وأنت تستلف ثمن علبة السكائر وتعيد تصفح جرائد الصباح من أقرب كشك مجاني .
يتصفحنك النساء كل صباح
وأصدقاؤك الحميمين يقتلهم ضجر الزوجات وهموم الصغار وأنت تقص أسرار نسائك الجميلات ، ما شكوت يوما شظف العيش ولا انحنت قامتك الفارعة وأنت تجلد شوارع البرتقال ، ترقب قميصَك شبابيك الأحبة فتهامسها من خلف ستائر شفافة ، لكَ درب واحد مثل قلبك الخائن ، كم استبدلت من شبابيك المدينة أما كان لك أن تستبدل قلبك ولو مرة واحدة كي لا يظل مثل ( خريسان ) ( 2 ) يوصلك من المحبة إلى سريرك المنفرد ...... كيف قايضت أقراص النوم بنوم أبدي وأنت لا تحب المقايضة ؟ لِمَ نزفتَ ضوءك على عجلٍ ؟ وهناك ..... هناك ..... لا أحد يعرف وجهك الحريري ’ لا شجرات ( خريسان ) تمد لكَ ظلالها كي تستريح ، لست ( ديالاك ) ( 3 ) هناك ولا ناسك تطفح المحبة منهم قبل الكلام ،
لِمَ قايضت صباحات البهاء بليل طويل ...... طويل ،، بلا صحف ٍ ولا صباحات ولا قصائد ؟
أما ندمت ؟؟؟
على مَنْ ستلقي تحية الصباح إذاً
ولمن تعيد الابتسام
مثلما كنت قبل ليلة من الآن ؟
ليلة شاذة امتطيت بها صهوة قلوب ( بعقوبة ) ( 4 ) ..... بعقوبتك التي صنعتها واعدتَ صياغتها قصيدة قصيدة وحملت صليبها رغم كل شئ .....
وارتحلت بعدما لم يبق في قلبها غرزة إبرة تتسع لحزنك الجديد ، ضمرت سواقي الروح .... وتلاشت هيبتها ،،
ارتحلت ...... !!!
ولم يزل موطنك الذي تحلم فيه جثثا تتأرجح سيقانها وتخب بها الشاحنات ، جثث يهربها الليل نحو شوارعك الأليفة .
أياد من ضباب وجذام تبني لنا بيوت المنافي
وتسمعنا أنين الثكالى
ورائحة شواء القلوب .
كفّ مزاحك ....
وأجّل الرحيل ليس لك َ سوى الرضا ببقعة تتحمل إثم محبتك .
وليس لي سوى أن
أف ..ج ..ع ..ها .... !!!
قبل ان أودعك
بمحبة أهامسك أيها العجول ،،
لماذا أودعت أسرارك تحت عروق البرتقال ؟؟
وأودعت تحت شجر البلوط غفوتك الأبديــــــــــة ؟
ماذا أردت ان تقول ............... ؟؟؟؟؟
أشارات /
1ـ ( ابراهيم البهرزي ) شاعر عراقي معروف صديق ابونوار ونديمه كل مساء
2 , 3 ـ نهران في بعقوبة أحبهما ابو نوار
balasimalthahy@yahoo.com

هل مات أديب أبو نوار
كتابة: محمد الأحمد

تبقى الكلمة عاجزة أمام هذه المحنة، وباطلة أمام هذا الذي يحدث والذي لم يعد يهم أحدا، أبدا، إذ مات الصحافي البعقوبي الشاب (أديب أبو نوار1956-2007م)، فالكل صار اليوم مشغولا بالخلاص من هذا الدمار العظيم، الدمار الذي يجري في مدينة بعقوبة كالسيل العرم، ويجرف معه كل المحتويات الحضارية، ولا يترك منها حتى رمادها، وإذ مات فلان أو فلان، فما عاد في الأمر من أهمية قياسا للذي يجري، وخاصة من كان معنى بالكتابة والإبداع، فالرجل قد مات في سرير الإنعاش، وهو يكتب حساسية الألم، وتورم الدماغ، مات بين أحضان أهله، بعد أن أجريت له سبع محاولات إنقاذ لم تفلح، وما من كلمة تبقت من كلماته دون نشر، وبقيت معانيه معلقة ما بين البستان ودفتر كان يرافقه مدونا فيه مراثيه الواقعية، ورحلاته في المدن النائية، وأيضا قصائد لم تكتمل لأنها احتشدت بالشعر، وخانتها الكلمات.. أي الكلمات التي تبقت عالقة في الذهن، وكانت تأمل أن تخرج بحبه، ويتلوها لأصدقائه غاية في إعجابهم، وليس غاية في نشرها.. كتب المقال، وابدي مهارة، وأبدى شجاعة، وقد عَرَّفَتْ الزمان الغراء قرائها بأغلب ما قال، وما أشار، وما أراد كشفه.. مات وكأنه يقول: - بهرزُ الأسى لن يعود، والعمر لم يعد طويلا، فعلام صبحك يأخذني من فراشي مستباحا بوردك، وشايك؛ لعمري الأمنيات الهائلة لم تكد تلوح في الأفق كما كانت تلوح، والزهر المفترش جانبي طرقاتك كلها، لم يعد إلا متاريس بنادق، رب قفر من الدموع يجري إلى الهاوية.. لكنه لم يقل لي لأنني تركته يذهب إلى مشفاه وحيدا، وبقيت مذنبا تتناوبني الهواجس العاصفة، وحقا كنت أراه للمرة الأخيرة. كان الرجل يتخطى المدينة كل يوم دون خوف برغم الخوف، ويتخطى بآماله الكبار، لأجل يشاركني الشاي وحب الموسيقى، وحب الكلمة، ويشاركني بعض الكتب، التي تطبع أصابعنا المتعرقة بصماتنا على صفحاتها، كنت اقرأ وأنسى، او كان يقرا وينسى او كنت اقرأ ولا انسى، او هو يقرأ ولا ينسى، يذكرني بزهر الرمان البهيج، ومجّ السيجارة على مساحة بحيرة البجع، كان يشاركني حب (فيروز)، ولعنة انقطاع التيار الكهربي، كان يشاركني المدى، وخوف الورقة الفارغة.. كأني كنت أقول له: كيف لي أن أرضى بكل هذا البعد، وحيث لا بعد عنك، يا عمراً كيف انضوت عني ثيابك، يوم كبرنا، وتركتنا نحلم بانجاز كلمات تمنينا قولها، ولم نقلها، هل مضيت بي وحيدا دون أن ادري.. إلى أين؟ أحبتي رحلوا تباعا فرادى وجماعات، يا نوارُ أريكتي وصباح قهوة طريفة بالمشي من المحطة إلى شربتُ الزبيب، الأصدقاء من حولي ينفضون وأنت أولهم، كأني ككل يوم اشتري جريدتي وأمرُّ على الأصدقاء، وأولهم الشعراء، بلحظة كهذه تكدس حزنها وبقيتُ محتقنا بالبكاء، والبكاء لا يأتي، أرى دمعتي في وجه (ابو نوار)، أراها ما بين المكتبة والإشراق، أو بين طوله الفارع ورغبته بان يقطف لي برتقال معلقة ما بين النهر، والنهد النافر في كورنيش (ديالى).. الذي أضحى هو الآخر، فرغا من الماء، كأني كنت أقول للنهر دعني اقرأ وجهك، اقرأ أمانيك، فقد عرفتك كما عرفت نفسي، ويوم رايتك، نظرت في مرآتي.. كان أيضا يحب أن يقرا عن المكان، فكتب بذاكرة سردية كل مكان زاره، منحازا إلى الشعر، ومنحازا الى بقايا الأطلال وبقايا المجد.. لك مني أن أنال رضاك الرضا يا بهرز، يا سلافه اسقيها نعمة النسيان، وإصابتي في الهوى منك نعود رمحا على نار ما بين القلب والقلب مساحة من التوهان وزهر الآس.. كأني أواصل القول: مقامي فيك قمر على هدب يسحُّ بالقداح، ونهر من الأشجان يذيبني بغنائه العذب.. وود حييّا ان يقول: - كيف لي أن أنسى يا بعقوب النسوة الآتيات من فضاء البساتين، محملات بالأقفاص المليئة بالحاصل، و كيف لي ان احترق بالأشواق إليك، رب قصر أو بستان غافل، عن الهوى، فملوك الزمان صاروا بالمسدس، وليس بالمحبة: حين جاءوا كالنعاج، و رحلوا من زمان ليس له بدُّ. فأردت ان أقول، ولم اقل: بعقوبُ الزمان عابث بك اليوم، ام بعقوبُ الهوى عاصف بي اليوم، أبعقوب؟؛ سحرك حبري، ودمعك بستاني، فما حيلتي إن تكدس الماء آسناً في الأنهار، ولاستطعت أن أقول بان الأولاد الذين كانوا صغارا غرر بهم الجهاد لأجل يوم الحساب، وقوافل الأيام تنهب الزمان.. بأحقاد الأولين، وتستنزف الأحلام بالدم بدلا عن الياسمين.. وان أقول: صورنا تحركها حرارة الذنوب التي لم نرتكبها.. لكن الرعد: قلبي ببعقوب معلق، أو ببغداد مربوط، وما بينهما جسر من الموت.. فهذا يقتل لحساب مؤجل، وذلك يقطع الطريق الأمين؛ لم أصبح كل من نعرفهم يتركوننا لوحدنا، نقاس الوحدة، والوحدة تجعنا نموت بأكثر من الموت، وعلام افتح الجريدة يوميا ولم أكن قد صادفت الخبر.. بالامس وجدت نفسي افكر في ما آل اليه المرض، وهو لم يترك حبيبته (بهرز) مسقط راسه على الرغم من خرابها، ووجدته يقول بنفسه لي بان خبر موت (أديب أبو نوار) تناقلته الفضائيات اثر مرض عضال: بصوته الأجش الذي تحشرج بدخان السجائر المتواترة بالقلق الكثيف، بينما كنت أقول لنفسي غير مصدق: هل مات الشاعر الرجل الشفيف؟ كم كنت قريبا منه.. وأنا آخر من يعلم ولا املك قولا في حق ذلك الخبر.
‏الثلاثاء‏، 10‏ تموز‏، 2007

٠٨‏/٠٥‏/٢٠٠٧


جثةٌ قد تأجل موتها
قصة قصيرة
محمد الأحمد


حتى وان قارب بلوغ عامه الخمسين، ألانه بقي يعمل بجد كثور الساقية، يعمل عتالاً هنا، بناءاً هناك، أو في الطلاء، وبالكاد يستطيع حمل لقمة بشرف إلى بناته الثلاث القاصرات، والزوجة الصالحة التي رضيت بأقل ما يمكن للإنسان أن يرضاه، وهي برغم مشقة دنياها الضيقة تتملاه في سريرها طويلا، كل ليلة ، مقتنعة برزقها، راضية في كنفه، تتأمله كحارسة ساهرة، مفتول العضل على الرغم من الشحوب، وجهه باسماً في وجهها على الرغم من الحزن الكثيف، فقد بقي ظامئاً وليل القلب مخيماً على طالعه إلى ابد الآبدين، محطوباً في إنسية المرحلة، جراحه بليغة، وثمة آلاف الشظايا قد بقيت عالقة في متون جسده إلى درجة انه من الألم، لم يعد يحسن تذوق الراحة، ولم يعد في ذهنه قاموسا يفسر الأشياء، بمعانيها.. ولكل موضع الم من جسده قصة يتمنى أن يحكيها، ولكن حكايات الآخرين أقسى من حكايته، اغلب اللذين أحبهم، وأحبوه قد إضاعتهم القصص، حيث صارت قصته تالفة، قياسا لما يسمع من قصص، فما من أحد يجلس إليه، ويحكيه الهم الذي أثقل عليه النفس، إلا ويجد عنده قلبه المثخن الجراح الذي تضطرب إيقاع دقاته من تعسف المرحلة التي تلمه، خوف معشش في كل الخفايا التي تحيط به، فيقال بأنه قد عاش قصة حب عاصفة خلخلت خطوته وجعلته يتردد آلاف المرات، قبل أن يتحدث إلى امرأة، يمر على أماكنهن كأعمى، ويسير بينهن بخطوات الملائكة كي لا ينتبهن له، كي لا يوقظن فيه مخاوف أخرى من تجارب، ربما ستكون أقسى، إذ تخلفت في قراره مشقات تركت سنابكها العنجهية مسافات أميال بما لا يقدر خيط دامع على ردمها، أو إخفائها بعد أن قلص حزنه الكثيف الابتسامة إلى الحد الأدنى، ودائما محلقا في فضاء عزلته، كريما، سخيا مع خياله، ويخاف أن يتكرر دخوله صندوق السيارة، (مارقون يركنون سياراتهم قرب السابلة، ويخطفونهم مقابل فدية كبيرة من المال، وإلا القتل المريع) فذلك قد يعني موتا محققا آخرا، غير الذي يراه في الشارع، وغير الذي يسمع به، فصندوق السيارة يعني أخذه إلى جهة مجهولة وسيتم تنفيذ الإعدام به، عاجلا أو آجلا، ذلك بقي كابوسا يراوده، بدلا من حلمه بقصة حب يعزز بها حياته، فقد تنازل عن قصص الحب المتخيلة، والتي كان يتمنى أن تصادفه يوما ما، من بعد أن تزوج وأنجب، وكان مؤمنا بان قصة حب عنيفة ستفاجئه يوما ما، لأنه بقي مؤمنا بان قلبه النائم خلف الأبعاد، لا بد أن يتيقظ، ولا يريد أن يبقى معزولا في زحام العمل والموت، ويغرق إعياء بين مخازن التجار الذين لا يشفقون عليه كثيرا، ولم يجزلوا له العطاء، فترك وجهه خريطة كلمات أضاعتها المعاني، وأوهام تقلصت بالأحلام فهو منذ يومها بقي لا يقترب من اللحم الذي يعرضه القصابون، لأنه رأى الجثث التي نثرها الانفجار، وبيديه عبأ كيساً كبيراً مما جمعه من اللحم البشري، وهو لا يدري لمن هذا الكبد، المخلوط بالمخ، أو هذه اليد المفرومة بالحديد، أو تلك الساق المهروسة بالبارود، شاهد بأم عينه بان اللحم البشري قد كان اقل احمرارا من لحم البقرة الذبيحة، ويومها انقطع عن سماع هسيس الشجر، والعصفور... انقطع عن المحيط وصار يفهم من حركة الشفتين ما يقولونه له، انقطع إلى أقصى الصمت في لجة الضوضاء، والتأتأة العظيمة، بقي يقول في نفسه (أصبحتُ كبيتهوفن لا اسمع سوى سمفونيات نفسي)، بقي يعمل بجد في وقت عصيب، ولم يكن يتنفس بعمله وهو يحمل بضائع الناس إلى سيارة، أو يفرغها.. حروفه عجلى بالتنفس، كونه يعرف بان الأنفاس عليه بحساب، وان تنفس الآن، فان اللحظات القادمة ستكون أصعب، بقي يكرر القول مع نفسه: (نحن جيل الخيبة!)، يطاردنا الموت الماشي بين الناس، ويركض خلفنا.. هذا البغيض الذي له رائحة زنخة، تفوح من الأمكنة، كرائحة لن تفارق مسامات الأنف، رائحة حاضرة بقوة لتثير الأسئلة (ما الذنب؟).. وتحدث ضجة بالغة على الرغم من خيوط الجريمة، المتقنة، برغم من برودة دم المنفذ الذي يختبأ وراء الكواليس، وينفذها بإتقان، و(باردا إلى ابعد حد)... أيدي بصماتها واضحة، خلف قفازات تقصد المحو، تقصد الناس البريئة، تمتد تلك الأيدي لتمس الجيوب، وتصادرها.. أفعالا قذرة... تصنعُ الموت المزخرف بالبشاعة.. موت يتواصل بالأسئلة، والأسئلة تتواصل ما بعد الموت، وتتفاقم كما الرائحة، فمن هذا القتيل؟، و(من ذاك) وكيف اخترقت كل ذلك الكم الكثيف من الطلاقات جثته؟ الصمت يسكن هذه الصورة التي لن تقول سوى أن المجرم يخاف الجثة أن تلاحقه، وهي كذلك سوف تلاحقه أبدا، وبقي يرى جثثاً تزاحم الطريق، تضيق على المارة خطواتهم، وتبتلع المسافات، جثث تبتكر للموت شكلا جديدا لتقتل في الحياة حياتها.. حماقة جهل مرّ.. كأنها قوالب سخية الخيال تحتجز المنطق، فكلما تكلم مع احد عرفه يمتهن الكلام العابر، ويتشدق بكلمات ليست متواصلة برصيد خلقي، وذاته يفعل عكس ما يقول، فالأنفاس اغلبها كاذبة، والبحر الذي يسمع عنه يفيض كالأحداق بات كاذبا، وما من قطرة ماء منسية، فالبحر هو البحر والكذب هو الكذب، وما من ميت يعود إلى الحياة من الكذب، وما من حياة لا تبتلع الأحياء.. كأن المنطق هو ما يفتقد، كأن المنطق ميدان داج أشبه بدماغ هرستهُ سيارة حمقاء لرجل كان سائقها قد أتى إلى المكان مهموماً، حالماً، ساهماً تجرهُ خطوات فكره أكثر كانت أكثر فعلاً من خطوات فعله.. يضحك كما المجنون، فقد أتى ذلك الزمن المكان بسيارة عدت للانفجار، وبخطوة اعدّت للانهيار، وبزمان تائه، رديء، لتنفجر عند حاجز للشرطة، والرجل عند حاجز للرجولة، وعند احتدام الوقت، لم تصب سوى الناس العابرة.. بقي يتألم: (الناس أصيبت بمقتل).. لقد وصل النفوذ الدموي، إلى كل مفاصل الحياة، وجزيئات الهواء.. إلى ما لا يصدق، فالأشلاء المتناثرة إلى السماء، هبطت إلى الأرض، وبقيت السماء تمطر دماً وتساقطت منها أصابعا متفرقة، أعضاءا بشرية، ولحما محروق، برائحة البارود والشواء.. بقي يخاف، وبسر يتنفس، من بعد أن رأى أيدي كثيرة، عيون مقلوعة، رؤوس معبأة بالرعب، والفزع بلا أجساد، أجساد كثيرة غير متكاملة قد ضاعت بقاياها.. بقيت مبخرة وتطايرت متحولة إلى بخار، تسامت إلى دمار بالغ، والأحوال الرديئة تحولت إلى حفرة في الأرض لا تتسع قبرا واحد لهذه الأجساد.. صفير في الأذن، يلاحقها كعاصفة: ضوضاء كانت عالية، وكان الضوء ساطعا، وكان العصف رهيبا، وكان الدنيا ضيقة إلى الحد الذي لا تتسع للبكاء.. يتساءل (ما فعلنا يا رب عفوك)، ذاكرته مليئة بتلك الصورة البشعة التي اختزنتها الطفولة بدقة وتكاد تشخص كل لحظة، بقي يتجول طائفا في الزمن ينفصل كما ظله أو يستبقهُ إلى مراحل اكبر اتساعاً من الخطوات، كل مرة يبقي سؤالاً إلى آخر المرحلة ؛ (كيف مات الشوق إليك يا صديقتي الرائعة.. يا ذات العينين المدهشتين).. أيامها كان يحاول طمس أسئلتها بأسئلة اكبر، كأنها عصفورة مضيئة تطير في ليل ظلامها دامس، تضحك متناسية، وتجره خطواتها إلى الخيلاء فيطبع على فمها قبلته الذكية.. يحول هدوئها إلى نار من الغريزة، ليدمن عليها.. طعم القبلة تملأ روحه.. القبلة تدور.. تحيله من مبتدأ إلى خبر، والموسيقى تشتعل، من بداية إلى نهاية. يقول؛ (أتسرنم، أتسلطن، اطفوا بالخيال، احلق عاليا في فضاء خديّها المحمرين كتفاح ناضج)،.. تسبل عيناها، وتمدُّ شفتيها الكرزيتين رغبة أدركها جيداً، يسأل نفسه: (هل ينفع السؤال؟)، تذوب خلاياه المتوقدة، عاطفته ليست عمياء إلى ذلك الحدّ، ولكن الحلم يقتله أيضا، يرى العالم كله بشفتيها طعم يجري إلى حيث تبتدئ حريته، يهدى نفسه، يحاول أن ينسحب بعقل بدلاً من انفجار قد يحدث، فما زال يرى وجع اللذة على أصابعه، ويسري كلما بقيت معه في الحلم، الحلم تعويضا عن تكاثف الخيبات المتواصلة، حدّية هذه اللحظات.. حدية هذه الطبيعة، وسيد من يحتكم على قوانينها.. باتت قتيلة، من بعد تعذيب كثيف، نالوا منها شر نيل، (ولكن ذراعاي طوقها، أو طوقي ذراعاها).. تدور عيناي في لمعتها الفرحة، العصافير كانت تزقزق سيمفونيتها الشعرية، والنسيم الطيب بدأ يملا الرئتين.. (أحسّ باني قد بدأت أحقق خطوة نحو السعادة القصوى التي كنت ارسمها، واحدد ماهيتها، أتساءل من خلال الوقت الضيق والأنفاس المتسرعة لمَِ فكري مشوش فيمنعني من تميز الأشياء.. ليلُ القلب يمتلأ به جسدي المتفاعل مع درجة حرارة الجسد الذي يلثمني، عيناي تحاذر أن تستسلم لحلم كان الصحو فيه اقل، بمعرفة أقل.. كان صمتاً أقل بمحاورة أقل).. فما ذنب هذه الأجزاء بان لا تجتمع مع بعضها في قبر واحد، كبقية خلق الله، جثث أضاعت أجزائها، أو ضاعت عن بعضها.. (اسحب نفسي تدريجياً من الحلم، تفهم هي الأخرى كل شيء، وتظل قربي صامته تؤلمني ابتسامتها الضيقة).. ليل القلب الظامئ المتعب بمشاوير الفكر… خذلته الترهات.. تفلت أربطة الذاكرة، يبقى السائل الثقيل متناثراً على الإسفلت الذي يحوي الكثير من الذكرى، والحزن، والعاطفة.. كل شيء محض تذكر في هذا الرأس الصغير الذي يحوي على أكثر ما يجب.. تناثر وتيبس.. (أسائل نفسي: إن كان هناك في مزيج السائل الثقيل بعضاً من الفرح، وقد يكون الفرح المادي الأول الذي يمكنني تحسسه).. الميت ينزل من سيارته الفارهة، ويلتفت إلي بقوة وكأني قد قطعت عليه حبل خلاصه، وتتفلت بيسر منه دقائقه، (كأنها تشغلني بسؤال، وأنا اهرب بعيداً عن سؤالها بسؤال كي أنقذ ما يمكن إنقاذه.. صوتها يؤجج السر المكنون المرّ، فأهزّ أبراجها العالية بهدير من كلمات خائبة: - أقول لا تجعليه يرضيك بهذه الصورة فأنت الأجمل والغاية النهائية، فلا تكوني بين عينيه الساذجة، الواضحة، السهلة؛ فيقضها ويفجر أسرارها ساعة يريد.. حاولي أن تكوني الجوهرة الغامضة ليتسنى تحقيق ما تشائين).. ضوء جميل.. يزدره إلى عمقه المكنون الداجي العميق.. المعرفة قوة.. قوة ليل القلب بما يمتلك من معرفة، (كانت قد بقيت في الشارع، لقتيل عائد إلى البيت، وأضاعت الطلقات مسيره، بعد أربع أو خمس منها، بقي يشخر كالخروف الذبيح.. تمددت لوحدها مخيفة كل المارة، إلى جانبها خيط من الدم، وقد سار لوحده إلى الساقية، واتحد الدم بالماء الآسن، ولكن الشخير ارتفع عاليا.. ثم حضر المشهد من الجهة الأخرى رجلا آخرا، صوره بالموبايل، وبعد ذلك بصق عليه، أي جثة مثيرة هذه؟، وعاد الأول واضعا فوهة المسدس في فم القتيل، وأطلق من جديد رصاصة في فم الجثة وتفجر رأسها، وتناثر بعض الدم على ثياب الأول وبقي (الموبايل) يصور، قد افترش وجه القاتل، ولكن القتيل انتفض بقوة اكبر، ومرة أخرى، في كل مرة يرشق الدم وجه القاتل، والقاتل يبصق فوق القتيل..)، كان من يرى يروي لي بلا خوف بقي يقول؛ بان القاتل قد اخرج شيئا من جيبه ورماه قرب الجثة، لم تكن رسالة، ولم تكن هوية، ولم تكن سوى حاجز يربح به الوقت، ويضيع الدليل، غاية منه تغير مسار الأسئلة، ولكن الأسئلة لم يكن لها سوى اتجاه واحد سوف لن تحيد عنه، وان سكتت الناس يوما، فإنها لن تسكت إلى الأبد، و سوف تقول ما لم تقله في حينه بان القصة حقيقية، وقد جرت وروت نفسها، (فمن بعيد كانت الشرطة تراقب الحدث، وربما كانت تخاف الاقتراب، أو لا تخاف.. تعرف أو لا تعرف، تعرف القتيل والقاتل فلن تخافهما مستقبلا، بقيت في لحظة محايدة مضطرة الحياد.. (كانت الكلمة صورة تطوف فوق المعنى لتحرره من الاندلاع، كصدمة ستوقع المخاوف)، ولكن السوق بقي ينتظر الناس بلا سؤال، فمذُ كنت صغيراُ.. كنتُ أحصى عدد النجوم فوق دارنا، وبعد أن كبرت صرتُ أحصي النجوم فوق الحي كله، فبعد الخمسين اروي للناس قصص الدم والجثث الخائبة التي لا تدفن مع بقية أعضائها، وأقول في تعب بان أبي كان يمنعني من روي ذلك.. ينتصب أمامي بفخذيه الهائلين مشكلا، مثلث متساوي الساقين مع الأرض. أقول هذا مثلث.. فيضربني، ويلعن حظه؛ ظننا منه باني أشير إلى أسفل بطنه، فاضحا عورته، والناس تتبادل القول: (كل من خرج من بيته مفقود، وكل من عاد إليه مولود)

بعقوبة
‏16‏/04‏/2007

Posted by Picasa

mu29@hotmail.com

٠٤‏/٠٥‏/٢٠٠٧

خبر عن كتاب جديد 2007
صدرت مؤخرا للقاص (محمد الأحمد) مجموعة قصص جديدة عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 2007م بعنوان (زمن ما كان لي)، وقد حوي الكتاب الجديد على أكثر من عشرين قصة قصيرة، و بدت اغلبها مترابطة مع بعضها بزمن روائي واحد، ومكتوبة بضمير المتكلم الحاضر، لتؤرخ مرحلة من مراحل العراق المهمة، وقد امتازت بالجرأة على صعيد التجريب والبوح. ويعد هذا الكتاب السابع في تسلسل منجزه الإبداعي، الذي تضمن روايتين (حركة الحيطان المتراصة)، (ورد الحب.. وداعاً)، وأربعة مجامع قصصية (جمرة قرار ابيض)، (أربع وأربعون متوالية)، (بعد الجمر قبل الرماد)، (مابين الحب والحب)..
5/5/2007

٠٣‏/٠٥‏/٢٠٠٧

ادونيس -
هذا الغُبار الأميركي

- 1 –

في قرطبة، ليلةَ 21 نيسان (ابريل) الماضي، حضرت في مسرحها الكبير «باليه فلامنكو» لفرقة «باليه فلامنكو الأندلسية» بإدارة كريستينا هويوس، المغنّية وراقصة الفلامنكو المشهورة. وهذا العمل الفنيّ كلّه مُستوحىً من ديوان لوركا «رومانسيرو جيتان» (الدّيوان الغَجَريّ).

كانت سعادتي تلك اللّيلة كبيرةً وغريبة: فقد اختلطَ عليّ الأمر. لم أعد أميّز، فيما أشاهد الباليه بين ما يُسمّى فَرحاً أو عرساً، وما يُسمّى حزناً أو مأتماً. وبَدا الموتُ كأنّه السّحر الذي يفتح الأبواب المغلقة. وبدتِ الحياةُ كأنّها غيمةٌ لا تحلو ولا تتوهّج إلاّ إذا أَمطرت بُكاءً.

وامتزجت في أعماقيَ الأندلسُ بالنّشوة التي يولّدها رقص الفلامنكو، وبالغبطة التي تنبعث من شعر لوركا: عَبقُ التّاريخ الفنّي الأَندلسي، ذائباً شاهِداً، في رقص الفلامنكو كما يفصح عنه الجَسَدُ الإنسانيّ البديع. وفي الشّعر كما يتفجّر في لغة لوركا.

وهي سعادةٌ أعادتني الى العهد الذي تعرّفت فيه على شعر هذا الشاعر. تذكّرت كيف كان يُخيّل إليَّ في أثناء قراءتي أَنّ ثَمّة أصواتاً لأشخاصٍ غير مرئيين تحيط بي، وأُصغي إليها، تنبعث من شعره:

هل الحقلُ هو الذي ابتكر الثّور؟

- البقرة، في كلّ حالٍ، هي التي ابتكرت قَرْنَيْ الثّور.

- كانت الفتاة التي تحبّني، تنتظرني دائماً في مكانٍ عالٍ، لا يبعد عن حدود السّماء إلاّ بضعَ خطواتٍ من بيتها.

- في الحبّ، اكتشفتُ أنّ للقمر سُلطاناً عليَّ، أنا أيضاً. وأنّ لِلَّيل أبواباً ونوافذَ لا يفتحها إلاّ لمن يعرفُ كيف يُقيم عروشه الحميمة الخاصّة في المخيّلة، وفي الأحشاء وشهَواتِها.

- انظر كيف تكنسُ العاصفةُ الغبار عن الدّروب الى الحبّ.

- كان الخريفُ، ذلك الخريف أعمى. غير أنّه، قبل رحيله، سَلَّم على بيتِ لوركا في غَرْناطة، وملأَ الحقولَ حَوله بخطوطٍ هندسيّة كان يرسمها بريشة الرّيح.

- هل تعرف من أين يجيء هذا اللّيلُ الى قرطبة، حامِلاً هذه الرّائحةَ مِن الحبّ والشّعر والجِنّ؟

- 2 –

قَبل هذه اللّيلة العالية في «مسرح قرطبة الكبير»، كنت قد زرْتُ أكثر من مرّةٍ، الجامعَ – الأعجوبة الهندسيّة – الفنيّة: جامع قرطبة. توقّفت، بخاصّةٍ، عند عبقريّة اليّد، مقرونةً بعبقريّة المخيِّلة.

باللاّشكل، يتمّ البحث، إسلامياً، عن المَعنى.

بالشّكل، يتمّ البحث، مسيحيّاً، عن المعنى.

في فضاءٍ واحدٍ – مكانٍ واحد.

لا تترددُ العين الفنيّة لحظةً في انحيازها الكامل الى اللاَّشكل ذلك أنّ المادّة فيه تبدو حركةً بلا نهاية. ويبدو فيه المعنى أفقاً بلا حدّ.

اللاَّنهاية هنا لا ترسمها المخيّلة وحدّها. لا يرسمها التوهّم. المادّة نفسها هي التي تفجّرها. وترسمها أبجديّة الحجر.

كأنّ الجامع، في هذا المنظور، سماءٌ على الأرض. ولهذه السّماء أبراجٌ، ولها أقواسٌ وأَعمدة. هكذا يبدو كمثل كوكبٍ من الأجنحة. ويبدو ما أُدخِلَ عليهِ من «أشكالٍ» باسم الكنيسة، كأنّه حشدُ أقفاصٍ وأغلالٍ. إنّها أشكالٌ – إضافاتٌ في غير مكانها – «جسداً»، و «روحاً». وما أبعدَها عن بَهَاءِ المسيح.

- 3 –

قرطبة هي، بالنسبة إليَّ، فَنّ. ولم يبقَ للحضور العربيّ – الإسلاميّ فيها، أيّ مَعنى عظيم، خارجَ الفنّ.

ربّما لهذا شغلتني، على نَحوٍ خاصّ، في أثناء إقامتي في قرطبة، بضعة أيّام، مسألة «الجسم» الإنسانيّ، منظوراً إليه، بوصفه «فَنّاً». وكان رقص الفلامنكو سبباً مباشراً في إثارة هذه المسألة.

لماذا يبدو «الجسمُ» في الثقافة العربية – الإسلامية، مرذولاً؟ لماذا «يُدَمَّر» يوميّاً، باستخفافٍ واحتقارٍ، وعلى نحوٍ منظّم، بشكلٍ أو آخر؟

هكذا «نفكّر» كما لو أنّ الجسم غيرُ موجودٍ – لا واقعاً ولا رَمزاً. وهو ممّا أدَّى الى عدم الاكتراث بخسارتهِ، أو موته. بل مِمّا أَدّى الى أن يُصبح قتلهُ مزِيّةً. أقتلُ الجسم: إذاً، أنا موجود!

لا أهميّةَ، في هذه الثقافة، لهذ الشيء الذي هو «جسم» الإنسان وترجمة ذلك، عمليّاً، هي أنّه لا معنى، ولا قيمة للوجود، وجود الشّخص، في العالم، أو في «الدّنيا» وفقاً للتعبير العربيّ. هكذا «يُقتلُ»، اليوم، بين المحيط والخليج، كأنه مجرَّدُ «مادّةٍ» تافهة: لا علاقة لها بالحبّ، والأمومة، والأبوّة، والصّداقة، والفنّ. كأنّه مجرَّدُ لُعبةٍ: يُقطع رأسُها، لِسانُها. تُنتزَعُ عيناها تُحوّل الى لُغمٍ. تُداسُ بالأقدام. بمتعةٍ، ولذّة.

من أين يَجيء هذا الفصلُ بين الشخص وجسمه؟ من أين تجيء هذه النّظرة الى الجسم كأنّه مجرّدُ آلة، أو مجرَّدُ وظيفةٍ بيولوجيّة؟

وكيف يَغيبُ، أو يُغيَّبُ النظرُ اليه بِوصفه، على العكس، «عمودَ» الإنسان؟ الإنسانُ غيرُ موجودٍ إلاّ بِفَضلِ جسمه. بجسمه يُعبِّر عن ذاتيّتهِ، وعَمّا هُوَ بين الأجسام. فالعلامة الأولى على وجود الإنسانِ هي جسمه. ففي «قَتْلهِ» تُقتل «ماديّة» اللّغة، وماديّة الثقافة: لا يبقى إلاّ اللَّغْو!

هكذا يبدو أن احتقارَ الجسم ليس، في عمقه، إلاّ احتقاراً للإنسان نفسه.

- 4 –

يكفي، أيها الحاضِرُ العربيّ، أن «تَنسى» قرطبةَ – الجسمَ والفنّ - يكفي أن «تكتب» تاريخكَ بالقَتْل.

يكفي أن تَلتصقَ بهذا الآخر الأميركي حَتّى أنّك تكاد أن تبدوَ أقلَّ من ظِلّ.

وانظر الى الخريطة العربيّة – الإسلامية: جسمّها كوكبٌ ضخمٌ، لكنّ صوتَها صوت عصفورٍ يكاد أن يختنق.

وفكّر: يكاد ألاّ يكون في الرّياح التي تهبّ على هذه الخريطة، أو تهب فيها، غيرُ الغبار الأميركيّ.

١٣‏/٠٤‏/٢٠٠٧

٠٨‏/٠٤‏/٢٠٠٧


كوكب حمزة العائد مع طيوره المهاجرة
ضياء السيد كامل
هل تستطيع الغربة ان تمح تفاصيل الذكريات وملامح الاشياء التي يتركها المهاجر خلفه ؟ ام أنها ترسخها وتجذرها في روحه وذاكرته لكثرة فتح ملفاتها يومياً أو كلما سنحت فرص الاشتياق ، الشوارع ، المدن ، القرى ، المقاهي ، الصغار وهم يحلقون مع طائراتهم الورقية ، رائحة النهر ، ترنيمة الامهات (دللول) وجوه الناس الطيبين ، كل ذلك الأرث الروحي والزمكاني يبقى نابضاً في روح وقلب مخيلة المبدع ليكون حافزاً ومؤثرا ًللابداع و للرجوع في يوم ما وان طال الغياب ، فكثير من المبدعين لم يستطع صقيع الغربة اطفاء جذوة ابداعهم رغم المسافات القصية التي تبعدهم عن وطن الوجع المقدّس هوية ابنائة الطيبين فالعراق كان وما يزال ويبقى وطن الوجع الاول والحب الاول والابداع الاول لانه بصمة الله في أرضه . كوكب حمزة بعد كل تلك السنين التي قضاها متنقلاّ من منفى الى منفى ومن مهجر الى آخر من غربة الوطن الى غربة الروح (الترفة) مع طيوره الطائرة التي طالما حمّلها اشواقه وحنينه الى العراق وهو يصرخ بصوته المجروح (الله يا ديرة هلي) كان صدى صوته يصل متعباً مرهقاً من الترحال والبعد المضني وهو يحمل حقائب آلامه وعوده المعبّأ بالحزن العراقي الجميل ، كوكب ذلك الكوكب المملوء حباً وأبداعاً والذي غادر مداره قبل أكثر من ثلاثين عاماً عاد اليوم ليحل بين ثنايا الذكريات التي تركها خلفه عاد بعد ان اكتسى رأسه ثلجاً اوربياً زاده وسامةً وبهاءاً ، ها قد عاد بعد ان اتعبه طول الطريق لقنطرته (أمشي وأكول أوصلت والكنطرة بعيدة)الذي ابتدأ مع خطواته الاولى في قضاء القاسم في بابل والممتد مع نهر الفرات الذي ارتوى منه عذوبةً ونقاءاً أنعكس على ابداعه والحانه ومع أول قطعة موسيقية له(آمال) التي فتحت آفاق أحلامه وآماله وحتى ىخر سرب للحمام العائد معه ، عاد ليصل قنطرته التي طال أنتظاره لها والتي كلّفته عمراً باكمله ، عاد ليرتمي في حضن بلاده التي أحرقتها الحروب وشوّهت خدها الشظايا ، عاد ليجد بغداد تبكي على أولادها وجسورها تنوء بحزن ثقيل ونخلها أشعث السعف ليجد(لحاصودة) التي غنى لها قبل اكثر ربع قرن من الحب وهي تحصد سنابل هموم أيامها وتهز مهداً فارغاً الا من ذكرى صبي كبر فأكلته الحرب ، الحرب التي لم تعجبها رقصة(الهيوة) التي لحنها ذات فرح فرقصت على أيقاعات الصواريخ والقنابل وسماءٍ سرقوا نجمتها والتي كان يحسدها آنذاك(يا نجمة عونج يانجمة متعلية وتشوفين) . أيه كوكب الحزن العراقي الكبير بم شعرت بعد كل هذا الغياب هل مازلت (تندل) طرقات الماضي وشوارع المدينة ، هل تعثرت خطاك بدرونها لانها لم تعرفك وقد شاخت على فراقك كما الاخرين أيها اللحن النبيل ، وعيناك ايها العزيز أبكت انجمها على اول متر من تراب العراق ؟ ماذا راودك حينما أستنشقت هوائه الممزوج برائحة البارود أرأيت(ديرة هلك) يا كوكب الحزن الفراتي ؟ لاتستغرب أن خانت الذاكرة الكثيرمن الذين لاقيتهم فوجهك الذي غاب منذ سنين اصبح ضبابياً كوجوه الراحلين في قطارات الحروب دون عودة أو أنهم حسبوك واحداً منهم وديرتك التي مانشف دمعها رغم الخسارات والجوع والظلم لم تنسك ابداً أرأيت أماً نسيت ملامح وجوه ابنائها.
 Posted by Picasa

٠٥‏/٠٤‏/٢٠٠٧

بعقوبة جميلة جدا
احمد فاضل
 Posted by Picasa
بعقوبة وحيدة جدا
طلال محمد
 Posted by Picasa
بعقوبة حزينة جدا
صلاح زنكنة
 Posted by Picasa

٠٣‏/٠٤‏/٢٠٠٧

تعويض الملفات في ويندوز اكس بى
ابو جمال

ربما يكون البعض يعرفها
عن طريق هذه المعلومة لن تحتاج الى تنصيب الويندوز من جديد

الكل يعلم من الاسباب الرئيسيه لتعطيل الويندوز انه يفقد العديد من الملفات

لكن الان لن يعطل الويندوز ابدا بهذه الطريقه
كل ما تفعله الاتى
start
run
اكتب الامر
sfc /scannow وادخل اسطوانه الاكس بى فى السى دى روم
واترك الجهاز

الذى يتم فى هذا الامر الاتى
اولا : بيحذف الملفات المعطوبه ويستبدلها بالملفات الاصليه التى توجد بالسى دى
ثانيا : اى ملف ناقص فى السيستم بيتم عمل عمل كوبى له من الاسطوانه ووضعه فى السيستم
 Posted by Picasa