كوكب حمزة العائد مع طيوره المهاجرة
ضياء السيد كامل
هل تستطيع الغربة ان تمح تفاصيل الذكريات وملامح الاشياء التي يتركها المهاجر خلفه ؟ ام أنها ترسخها وتجذرها في روحه وذاكرته لكثرة فتح ملفاتها يومياً أو كلما سنحت فرص الاشتياق ، الشوارع ، المدن ، القرى ، المقاهي ، الصغار وهم يحلقون مع طائراتهم الورقية ، رائحة النهر ، ترنيمة الامهات (دللول) وجوه الناس الطيبين ، كل ذلك الأرث الروحي والزمكاني يبقى نابضاً في روح وقلب مخيلة المبدع ليكون حافزاً ومؤثرا ًللابداع و للرجوع في يوم ما وان طال الغياب ، فكثير من المبدعين لم يستطع صقيع الغربة اطفاء جذوة ابداعهم رغم المسافات القصية التي تبعدهم عن وطن الوجع المقدّس هوية ابنائة الطيبين فالعراق كان وما يزال ويبقى وطن الوجع الاول والحب الاول والابداع الاول لانه بصمة الله في أرضه . كوكب حمزة بعد كل تلك السنين التي قضاها متنقلاّ من منفى الى منفى ومن مهجر الى آخر من غربة الوطن الى غربة الروح (الترفة) مع طيوره الطائرة التي طالما حمّلها اشواقه وحنينه الى العراق وهو يصرخ بصوته المجروح (الله يا ديرة هلي) كان صدى صوته يصل متعباً مرهقاً من الترحال والبعد المضني وهو يحمل حقائب آلامه وعوده المعبّأ بالحزن العراقي الجميل ، كوكب ذلك الكوكب المملوء حباً وأبداعاً والذي غادر مداره قبل أكثر من ثلاثين عاماً عاد اليوم ليحل بين ثنايا الذكريات التي تركها خلفه عاد بعد ان اكتسى رأسه ثلجاً اوربياً زاده وسامةً وبهاءاً ، ها قد عاد بعد ان اتعبه طول الطريق لقنطرته (أمشي وأكول أوصلت والكنطرة بعيدة)الذي ابتدأ مع خطواته الاولى في قضاء القاسم في بابل والممتد مع نهر الفرات الذي ارتوى منه عذوبةً ونقاءاً أنعكس على ابداعه والحانه ومع أول قطعة موسيقية له(آمال) التي فتحت آفاق أحلامه وآماله وحتى ىخر سرب للحمام العائد معه ، عاد ليصل قنطرته التي طال أنتظاره لها والتي كلّفته عمراً باكمله ، عاد ليرتمي في حضن بلاده التي أحرقتها الحروب وشوّهت خدها الشظايا ، عاد ليجد بغداد تبكي على أولادها وجسورها تنوء بحزن ثقيل ونخلها أشعث السعف ليجد(لحاصودة) التي غنى لها قبل اكثر ربع قرن من الحب وهي تحصد سنابل هموم أيامها وتهز مهداً فارغاً الا من ذكرى صبي كبر فأكلته الحرب ، الحرب التي لم تعجبها رقصة(الهيوة) التي لحنها ذات فرح فرقصت على أيقاعات الصواريخ والقنابل وسماءٍ سرقوا نجمتها والتي كان يحسدها آنذاك(يا نجمة عونج يانجمة متعلية وتشوفين) . أيه كوكب الحزن العراقي الكبير بم شعرت بعد كل هذا الغياب هل مازلت (تندل) طرقات الماضي وشوارع المدينة ، هل تعثرت خطاك بدرونها لانها لم تعرفك وقد شاخت على فراقك كما الاخرين أيها اللحن النبيل ، وعيناك ايها العزيز أبكت انجمها على اول متر من تراب العراق ؟ ماذا راودك حينما أستنشقت هوائه الممزوج برائحة البارود أرأيت(ديرة هلك) يا كوكب الحزن الفراتي ؟ لاتستغرب أن خانت الذاكرة الكثيرمن الذين لاقيتهم فوجهك الذي غاب منذ سنين اصبح ضبابياً كوجوه الراحلين في قطارات الحروب دون عودة أو أنهم حسبوك واحداً منهم وديرتك التي مانشف دمعها رغم الخسارات والجوع والظلم لم تنسك ابداً أرأيت أماً نسيت ملامح وجوه ابنائها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق