مـأزق المثقفيـن العراقييـن
الأصوليون أكثر قدرة على التكيّف مع العصر
سعد محمد رحيم
أجهز انقلاب (ثورة) 14 تموز 1958 (العسكري) على التيار الليبرالي الناشئ في العراق، دفعة واحدة، فأطاح بالدستور الدائم والحياة البرلمانية والحزبية، وحرية التعبير والصحافة، وهذه كلها لم تكن بأحسن حال، فكانت لها ثغراتها وأمراضها المستعصية، وتستند إلى أرضية سياسية واجتماعية قلقة وهشة، وجاء انقلاب 17 تموز 1968 (العسكري) ليجهز على التيار اليساري على دفعات، لا بالفتك بالحزب الشيوعي العراقي فحسب، بل بتصفية الخط اليساري القومي، حتى داخل تنظيم حزب البعث، ممهداً من حيث احتسب القائمون به، أو لم يحتسبوا لصعود التيار الديني الأصولي بتشعباته الطائفية. وحين سقط نظام صدام حسين، ودخل العراق عهد الاحتلال ومرحلة إعادة بناء الدولة على أسس ديموقراطية، كما يشاع، استيقظ العراقيون، ولا سيما المثقفين منهم، على حقيقة الضعف المريع للتيارين (الليبرالي واليساري) في الساحة السياسية العراقية. وهكذا أصبحت شريحة المثقفين عزلاء ومكشوفة الظهر، وتكاد تكون بلا سند سياسي واجتماعي. وباستعارتنا الاصطلاح من القاموس العسكري يمكن القول ان هذه الشريحة فقدت عمقها الاستراتيجي، محلياً وعالمياً، هي التي كانت مدعومة، أو على الأقل تشعر بذلك، من قبل ثلاث قوى رئيسة تستمد نسغها منها، هي:
1ـ اليسار العالمي مجسداً بالكتلة الاشتراكية والحركة اليسارية في الغرب وحركات التحرر في العالم الثالث. وقد وهن هذا اليسار كثيراً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي وتراجع حركة اليسار، عموماً، في أوروبا الغربية، وفشل برامج التحديث والتنمية والبناء والإصلاح السياسي والاجتماعي التي بشرت بها حركات التحرر في معظم بقاع العالم الثالث.
2ـ الطبقة الوسطى، أو البرجوازية المحلية الناشئة، التي تحدرت منها نسبة واسعة من شريحة المثقفين، والتي أفرزت، في الغالب، التيارين الآنفي الذكر (الليبرالي واليساري). هذه الطبقة جرى التنكيل بها خلال العقدين الأخيرين فأُفقرت وهُمشت وهاجرت من أبنائها، إلى خارج البلاد، الملايين.
3ـ الأحزاب ذات التوجه اليساري والليبرالي. فبعد أن كان المثقفون يشتغلون تحت المظلة الحزبية، أو بدعم مباشر أو غير مباشر من أحزاب معينة، قومية وشيوعية، وإذا بهم، بعد شحوب بريق تلك الأحزاب وانكفائها، يجدون أنفسهم في عزلة وضيق، كما لو أن سفنهم التي وراءهم احترقت فيما هم أضاعوا دليلهم الذي يرشدهم في المفازات المظلمة.
في مناخ كهذا، وأمام وقائع دراماتيكية مأساوية، وبعضها مخزية، يعيشها العراق الآن، يتخلق المثقف الهلامي الحائر والمصدوم، وبعبارة الدكتور حيدر سعيد (المقهور) بديلاً عن المثقف الحزبي. هذا المثقف تشوش ذهنه وتثقل روحه أسئلة وخواطر شتى، لا يعثر على إجابات لها، فتزيده إحباطاً ويأساً وإحساساً بالعجز والهامشية. فما الذي يمكنه فعله عدا الاستمرار بالاستغراق في عالم المثل والأوهام، وصب اللعنات على هذا وذاك، والحنق على الواقع الذي لم يتحول على وفق ما كان يشتهي؟!
أسئلة:
هل المطلوب، الآن، من شريحة المثقفين، أداء وظيفة تتجاوز النطاق الثقافي والإبداعي؟ وبوضوح أكثر؛ هل على المثقفين، الدخول مباشرة إلى معترك السياسة بعدّة الثقافة؟ وإلى أي مدى؟ هل عليهم توسيع حدود تجربتهم بعدّهم أفراداً في المجتمع ومنتجين لمادة ثقافية في الوقت نفسه؟ أم أن المسألة تفرض شيئاً أكبر، تفرض مأسسة للفعل والإنتاج الثقافيين؟ أتراهم (هؤلاء المثقفين) يمتلكون الاستعداد والإرادة والقدرة والمستلزمات ليتفاعلوا ويؤثروا من خلال مؤسسة أو مؤسسات طابعها ثقافي ولها امتداد في الحقل السياسي؟ هل باستطاعتهم أن يتحولوا إلى جماعة ضغط (لوبي) يحسب السياسيون حسابها، ويمكن للمجتمع، أو فئات منه، التعويل عليهم؟ وكيف؟ وهل المناخ العام، السياسي والاجتماعي والأمني، يوفر لهم الشروط والأرضية اللازمتين لتحقيق مثل هذا الأمر؟ وإذا اتفقنا أن طرق المثقفين وأساليبهم التي استخدموها في المرحلة الكولونيالية وعهد الاستقلال والحكم الوطني وزمن الحرب الباردة لم تعد تجدي في ظرفنا الحالي العاج بتناقضاته وصراعاته المعقدة وتحولاته السريعة فهل بمقدورهم (أي المثقفين) اجتراح طرق وأساليب ووسائل وأفكار واستراتيجيات تتوافق مع المتغيرات الصادمة، وأحياناً اللامعقولة، في بلدهم، ومع معطيات عصر العولمة والقطبية الواحدة وما بعد الحداثة؟ والسؤال الأهم، في هذا السياق، ماذا يريد المثقفون على وجه التحديد؟
ثم؛ هل ثمة هواجس مشتركة وحس مشترك، ومعاناة مشتركة، ومصالح مشتركة، وأفكار وتصورات مشتركة بالحدود الدنيا تجعلهم نسيجاً واحداً، أم أنهم ليسوا سوى (أنوات) مبعثرة يخضعون لاعتبارات وانتماءات ومصالح متباينة، وأحياناً متضادة، ولا يجمعهم جامع سوى الاشتغال في الحقل الثقافي والإبداعي؟
هذه الأسئلة وغيرها تضغط على أذهان كثر من المثقفين الذين يتملكهم اليوم شعور بالإحباط والمرارة، إذ يرون مراتع طفولتهم والأمكنة التي أسست ذاكرتهم، فضلاً عن أحلامهم وآمالهم، وأكاد أقول أوهامهم، تنهار وتُخرَّب أمام أعينهم من غير أن يستطيعوا فعل شيء. فواحدة من مآزق المثقفين الكثيرة هي أنهم مهددون في ذاكرتهم التي هي الجزء الأهم من رأسمالهم.
مثقفو الداخل والخارج
ليس من السهل إلغاء ذلك التباين المركب داخل مجتمع المثقفين العراقيين وقد جرى تقسيمه على وفق معيار البقاء في البلاد أو مغادرتها لتشيع تسمية (مثقفو الداخل ومثقفو الخارج)، أي بين من عاشوا داخل العراق إبان عهد صدام حسين وبين من تشردوا في المنافي، وحيث يبدو الأمر مفتعلاً من زاوية ما يتكشف عن تمظهرات وإفرازات من زاوية أخرى. فذلك التباين الذي قد يطال طرق الرؤية والمعالجة الفنية والفكرية وأشكالها وزواياها، يتخطاه إلى المزاج والوضع النفسي وجانب من القناعات، حتى ليكاد يحدث شرخاً في خريطة ثقافتنا المعاصرة، وعند بعضهم يتعمق ذلك الشرخ إلى حد مريع. وإنْ كنت أعتقد أن أحد أسبابه الرئيسة، فضلاً عن أسباب موضوعية كثيرة، يعود إلى سوء الفهم بين الطرفين أكثر من أي شيء آخر. وتتصل بالمعضلة السابقة معضلة مستجدة تتمثل في خروج عدد آخر، غير قليل، من المثقفين الذين حسبوا على مثقفي الداخل لأسباب أمنية أو سياسية أو معيشية فيما عاد عدد قليل (جداً) من المثقفين المنفيين إلى بلادهم، وهذا ما يضفي على خريطتنا الثقافية تعقيداً جديداً، أو قل فراغاً جديداً. فمساحة أخرى من الساحة تُخلى، يوماً بعد آخر، نتيجة الهجرة والهرب والتصفيات الجسدية. مساحة أخرى سرعان ما يندفع لاحتلالها جيش من الديماغوجيين وأنصاف الأميين والشعاراتيين وأشباه المثقفين والانتهازيين ومن لف لفهم، ناهيك عن الأصوليين المتعصبين الذين يمعنون فتكاً بتاريخ ثقافتنا ورموزها ومنجزها.
أما إنكار حدوث مثل هذا الشرخ الذي يضاف إلى شروخ أخرى تسببت بها صراعات الأحزاب والتيارات السياسية منذ نصف قرن أو أكثر، فهو، كما أحسب، من الأخطاء المؤذية. وللأسف ليس من الموضوعية وصف الشروخ والصراعات التي تتخذ عند بعضهم بعداً طائفياً أو عرقياً أو إيديولوجياً متطرفاً، بالتنوع الذي هو سمة كل بيئة ثقافية صحية وحية ومنتجة، بل ان الأمر لا يتعدى كونه نوعاً من التشرذم والتمزق واللاانسجام داخل تكوين شريحة المثقفين. فانعكاس تداعيات وإفرازات الصراعات السياسية والاجتماعية وإعادة إنتاجها داخل ذلك التكوين يفصح عن هشاشة وضعف وأمراض متوطنة، وعدم نضج مؤس، وبطبيعة الحال هناك استثناءات، لكنها غير قادرة على تغيير الصورة غير السارة بشكل مؤثر وحقيقي.
وبعد خروج المثقف الذي عاش في الداخل من خانق العهد السابق حيث المحرّم السياسي إلى مناخ آخر كان طابعه الحرية الواسعة، وأكاد أقول المنفلتة في البدء، نراه يختنق، راهناً، بمحرمات أشد ضراوة، حرّاسها بعض المؤسسات الدينية والاجتماعية، وبعض الجماعات التي لا تتتقن غير صناعة الرعب والموت.
مفارقة ما بعد حداثية!
ثمة مفارقة غريبة نلمسها في علاقة المثقفين الذين يدّعون التقدمية ويبشرون بالتحديث وبعالم ما بعد الحداثة وأحياناً بالعولمة مع عصرهم وعالمهم الذي يدافعون عن قيمه ومنجزه التقني والعلمي والثقافي والإبداعي، سواء بقبوله على علاته أو بروح نقدية. ويقفون ضد أولئك الأصوليين الذين يعادون التحديث والتقدم ويبشرون بالعودة إلى شكل للمجتمع والدولة يعتقدون أنه كان فاعلاً قبل قرون طويلة وبالمقدور استعادته الآن. والمفارقة هذه تتجلى في شعور المثقفين بالاغتراب في مجتمعهم وعصرهم وعدم قدرتهم على استخدام وسائله وأساليبه وتقنياته بفاعلية في نشر قيمهم وأفكارهم، فيما ينجح الأصوليون في هذا الجانب مستخدمين منجزات ما بعد الحداثة من ميديا ووسائط اتصال واستراتيجيات مبتكرة لتسويق معتقداتهم وأفكارهم والتبشير بنمط الحياة الذي يبغونه. أي ان الأصوليين باتوا أكثر حذاقة ومرونة في التكيف مع متغيرات العصر بما يدعم أهدافهم فيما يخفق المثقفون (الحداثويون) في عملية التكيف هذه. ففي الوقت الذي يتواصل الأصوليون مع شبكة الإنترنت، في سبيل المثال، مؤسسين مواقع خاصة لهم، لا تعد ولا تحصى، ويظهرون بالعشرات على القنوات الفضائية يومياً، نجد أن كثراً من المثقفين ما زالوا لا يتقنون التعامل مع جهاز الكومبيوتر وشبكة الإنترنت، ونادراً من يظهر منهم على الفضائيات لطرح وجهة نظره وأفكاره. فضلاً عن عدم استثمار تلك التقنيات في التواصل في ما بينهم بالطريقة التي تجعل منهم قوة ثقافية لها سلطتها في الحقلين السياسي والاجتماعي. في الوقت الذي تتم عملية الدخول الفعّال إلى الحقل السياسي والثقافي، اليوم، في أرجاء العالم المختلفة، عبر بوابة ثورة المعلوماتية والميديا.
صحيح أن الأفكار الأصولية تجد مرتعاً لها وقبولاً وسط الفئات الأقل ثقافة وتعليماً في الغالب وأنها تستفيد من انتشار أمية القراءة والكتابة والأمية الثقافية والأمية المعلوماتية، إلاّ أن هذا لا يسوّغ بأي حال إخفاق المثقفين، (وهم رسل التقدم والتحديث مثلما يدّعون)، في أن يكون لهم صوتهم المؤثر في الوسط الاجتماعي والسياسي. ولهذا لا يأبه رجال السياسة بما يقوله ويكتبه المثقفون في ما يحسبون حساب رجال الدين والدعاة وشيوخ الطرق الصوفية ورؤساء القبائل الذين غدوا فاعلين اجتماعيين وسياسيين مؤثرين أكثر من غيرهم.
وصحيح أيضاً أن سياسات العهود السابقة قد وسّعت من مساحة الأمية والجهل، وهذه المساحة تجعل من الديماغوجيين والشعاراتيين وأصحاب الأصوات الجهورية أكثر جاذبية وتأثيراً بينما لا يجد صوت المثقف العقلاني/ النقدي الهادئ والعميق صدى واستجابة. وإذ ظهرت شخصيات أصولية وعشائرية لها بعض المواصفات الكارزمية، لم تفرز الشريحة المثقفة العراقية، خلال العقود الأخيرة، من بين أفرادها، مثل هذه الشخصيات التي تكون لها حضورها وسطوتها الإعلامية والاجتماعية. فمع غياب المؤسسة الثقافية النشيطة والشخصية الكارزمية التي يمكنها تقديم خطاب ثقافي حضاري جديد يعكس النزوع العام للشريحة نفسها، و(مشروعها). (مع وضع كلمة مشروعها بين قوسين، لما تثيره من التباس في الذهن يُحيل إلى تراث المشاريع الفاشلة التي تبناها المثقفون في القرن العشرين، وربما منذ منتصف القرن التاسع عشر). أقول؛ مع هذا الغياب المزدوج يستحوذ على المثقف العراقي، اليوم، شعور باليتم والقهر والضياع.
فوضى العالم والبلاد
المثقفون، الآن، في موقف الذهول، فالعالم حولهم يتغير بسرعة هائلة ومجنونة، ويبدو للوهلة الأولى وكأنه ينقاد إلى الفوضى ويصعب التحكم به وإدارته، فهو عالم يتحول إلى قرية كونية صغيرة بفضل وسائل الاتصالات والإعلام الحديثة ويحقق فتوحات جبارة في الميدان العلمي والتكنولوجي من جهة، فيما يطبعه العنف والصراعات المحلية والدولية والتعصب والفوارق الطبقية غير المسبوقة في سعتها وحدتها وظلمها البيّن، وانتشار الأمية والجهل من جهة ثانية. أما داخلياً (عراقياً) فيبدو المشهد أكثر تناقضاً وتعقيداً وقتامة حيث المعطيات والمتغيرات والصراعات تتلاحق وتتداخل حد الفوضى ليقترب المشهد في جانبه الدموي من حدود الكارثة إن لم يكن قد تجاوزها. وفي مشهد كهذا يمكن تخيل صورة المثقف كائناً حائراً وعاجزاً عن الفهم، ومن ثم عن الفعل، يضرب أخماساً بأسداس، ويحس أنْ لا حول له ولا قوة، مهمشاً، لا يكاد يعرف موضع قدمه، ويكاد يفقد الثقة بنفسه، وأحياناً، إنْ لم تأخذه العزة بالإثم، قد يعترف بهذا كله. هذا المثقف لم يستطع بعد إنتاج خطاب ثقافي يستجيب لمقتضيات العصر ويرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجهه وتواجه بلده. والذريعة أن ما يجري لا يترك له فرصة لالتقاط أنفاسه، والتأمل بروية وعمق، بفرض أن شرط إنتاج خطاب حقيقي هو توفر مثل تلك الفرصة، وهنا يتجلى واحد آخر من مظاهر مأزقه. ومع غياب الخطاب تتعثر مبادرات التنظيم المؤسساتي والعمل المشترك، فيما تُقابل المبادرات من أية جهة كانت لجمع المثقفين المشتتين في إطار منظم بالشكوك حيث تتلبس القومَ، في كل مرة، شياطين نظرية المؤامرة.
وحتى هذه الساعة، أخفق المثقفون في إيجاد آليات وتقاليد ولغة حوار، بعضهم مع بعض، وكأن كلاً منهم ينفخ في قربته الفارغة ولا يأبه للآخرين، وهم بهذا إنما يعكسون حالة حوار الطرشان التي تسم علاقة القوى السياسية العراقية في ما بينها، فيما يُقتل العشرات في كل يوم، في طول البلاد وعرضها.
ولأن المثقفين يشعرون بالعجز والفشل يصب بعضهم جام غضبهم على القوى الخارجية الاستعمارية والإمبريالية، ويلتفت بعضهم الآخر إلى المجتمع الذي يصفونه بالأمي الجاهل والمتخلف الذي لم يفهم خطابهم، ويمارس بعضهم الثالث جلد الذات من خلال اتهام المثقفين أنفسهم بما أصاب البلاد والعباد وتقريعهم وتحميلهم المسؤولية، جزءاً أو كلاً. فيما يرمي بعض قليل إلى مراجعة التجربة السابقة برمتها برؤية نقدية تاريخية عميقة وصريحة، ومواجهة الذات بشجاعة ومن غير مواربة، أو بعبارة أخرى إخضاع هذه الذات (الفردية والجماعية) معتقدات وممارسات، أي مجمل التجربة الفكرية والسلوكية لها، إلى التحليل والتفكيك النقديين، قبل الإقدام، أو على الأقل مع ولوج معترك الفعل الثقافي والسياسي على أرض الواقع. وهؤلاء، كما أشرنا، للأسف، قلة قليلة، ولكنهم مصممون حيث يتسع نطاقهم ودائرة تأثيرهم يوماً بعد يوم، وإنْ كان ببطء. فهل لنا أن نتفاءل؟
الأصوليون أكثر قدرة على التكيّف مع العصر
سعد محمد رحيم
أجهز انقلاب (ثورة) 14 تموز 1958 (العسكري) على التيار الليبرالي الناشئ في العراق، دفعة واحدة، فأطاح بالدستور الدائم والحياة البرلمانية والحزبية، وحرية التعبير والصحافة، وهذه كلها لم تكن بأحسن حال، فكانت لها ثغراتها وأمراضها المستعصية، وتستند إلى أرضية سياسية واجتماعية قلقة وهشة، وجاء انقلاب 17 تموز 1968 (العسكري) ليجهز على التيار اليساري على دفعات، لا بالفتك بالحزب الشيوعي العراقي فحسب، بل بتصفية الخط اليساري القومي، حتى داخل تنظيم حزب البعث، ممهداً من حيث احتسب القائمون به، أو لم يحتسبوا لصعود التيار الديني الأصولي بتشعباته الطائفية. وحين سقط نظام صدام حسين، ودخل العراق عهد الاحتلال ومرحلة إعادة بناء الدولة على أسس ديموقراطية، كما يشاع، استيقظ العراقيون، ولا سيما المثقفين منهم، على حقيقة الضعف المريع للتيارين (الليبرالي واليساري) في الساحة السياسية العراقية. وهكذا أصبحت شريحة المثقفين عزلاء ومكشوفة الظهر، وتكاد تكون بلا سند سياسي واجتماعي. وباستعارتنا الاصطلاح من القاموس العسكري يمكن القول ان هذه الشريحة فقدت عمقها الاستراتيجي، محلياً وعالمياً، هي التي كانت مدعومة، أو على الأقل تشعر بذلك، من قبل ثلاث قوى رئيسة تستمد نسغها منها، هي:
1ـ اليسار العالمي مجسداً بالكتلة الاشتراكية والحركة اليسارية في الغرب وحركات التحرر في العالم الثالث. وقد وهن هذا اليسار كثيراً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي وتراجع حركة اليسار، عموماً، في أوروبا الغربية، وفشل برامج التحديث والتنمية والبناء والإصلاح السياسي والاجتماعي التي بشرت بها حركات التحرر في معظم بقاع العالم الثالث.
2ـ الطبقة الوسطى، أو البرجوازية المحلية الناشئة، التي تحدرت منها نسبة واسعة من شريحة المثقفين، والتي أفرزت، في الغالب، التيارين الآنفي الذكر (الليبرالي واليساري). هذه الطبقة جرى التنكيل بها خلال العقدين الأخيرين فأُفقرت وهُمشت وهاجرت من أبنائها، إلى خارج البلاد، الملايين.
3ـ الأحزاب ذات التوجه اليساري والليبرالي. فبعد أن كان المثقفون يشتغلون تحت المظلة الحزبية، أو بدعم مباشر أو غير مباشر من أحزاب معينة، قومية وشيوعية، وإذا بهم، بعد شحوب بريق تلك الأحزاب وانكفائها، يجدون أنفسهم في عزلة وضيق، كما لو أن سفنهم التي وراءهم احترقت فيما هم أضاعوا دليلهم الذي يرشدهم في المفازات المظلمة.
في مناخ كهذا، وأمام وقائع دراماتيكية مأساوية، وبعضها مخزية، يعيشها العراق الآن، يتخلق المثقف الهلامي الحائر والمصدوم، وبعبارة الدكتور حيدر سعيد (المقهور) بديلاً عن المثقف الحزبي. هذا المثقف تشوش ذهنه وتثقل روحه أسئلة وخواطر شتى، لا يعثر على إجابات لها، فتزيده إحباطاً ويأساً وإحساساً بالعجز والهامشية. فما الذي يمكنه فعله عدا الاستمرار بالاستغراق في عالم المثل والأوهام، وصب اللعنات على هذا وذاك، والحنق على الواقع الذي لم يتحول على وفق ما كان يشتهي؟!
أسئلة:
هل المطلوب، الآن، من شريحة المثقفين، أداء وظيفة تتجاوز النطاق الثقافي والإبداعي؟ وبوضوح أكثر؛ هل على المثقفين، الدخول مباشرة إلى معترك السياسة بعدّة الثقافة؟ وإلى أي مدى؟ هل عليهم توسيع حدود تجربتهم بعدّهم أفراداً في المجتمع ومنتجين لمادة ثقافية في الوقت نفسه؟ أم أن المسألة تفرض شيئاً أكبر، تفرض مأسسة للفعل والإنتاج الثقافيين؟ أتراهم (هؤلاء المثقفين) يمتلكون الاستعداد والإرادة والقدرة والمستلزمات ليتفاعلوا ويؤثروا من خلال مؤسسة أو مؤسسات طابعها ثقافي ولها امتداد في الحقل السياسي؟ هل باستطاعتهم أن يتحولوا إلى جماعة ضغط (لوبي) يحسب السياسيون حسابها، ويمكن للمجتمع، أو فئات منه، التعويل عليهم؟ وكيف؟ وهل المناخ العام، السياسي والاجتماعي والأمني، يوفر لهم الشروط والأرضية اللازمتين لتحقيق مثل هذا الأمر؟ وإذا اتفقنا أن طرق المثقفين وأساليبهم التي استخدموها في المرحلة الكولونيالية وعهد الاستقلال والحكم الوطني وزمن الحرب الباردة لم تعد تجدي في ظرفنا الحالي العاج بتناقضاته وصراعاته المعقدة وتحولاته السريعة فهل بمقدورهم (أي المثقفين) اجتراح طرق وأساليب ووسائل وأفكار واستراتيجيات تتوافق مع المتغيرات الصادمة، وأحياناً اللامعقولة، في بلدهم، ومع معطيات عصر العولمة والقطبية الواحدة وما بعد الحداثة؟ والسؤال الأهم، في هذا السياق، ماذا يريد المثقفون على وجه التحديد؟
ثم؛ هل ثمة هواجس مشتركة وحس مشترك، ومعاناة مشتركة، ومصالح مشتركة، وأفكار وتصورات مشتركة بالحدود الدنيا تجعلهم نسيجاً واحداً، أم أنهم ليسوا سوى (أنوات) مبعثرة يخضعون لاعتبارات وانتماءات ومصالح متباينة، وأحياناً متضادة، ولا يجمعهم جامع سوى الاشتغال في الحقل الثقافي والإبداعي؟
هذه الأسئلة وغيرها تضغط على أذهان كثر من المثقفين الذين يتملكهم اليوم شعور بالإحباط والمرارة، إذ يرون مراتع طفولتهم والأمكنة التي أسست ذاكرتهم، فضلاً عن أحلامهم وآمالهم، وأكاد أقول أوهامهم، تنهار وتُخرَّب أمام أعينهم من غير أن يستطيعوا فعل شيء. فواحدة من مآزق المثقفين الكثيرة هي أنهم مهددون في ذاكرتهم التي هي الجزء الأهم من رأسمالهم.
مثقفو الداخل والخارج
ليس من السهل إلغاء ذلك التباين المركب داخل مجتمع المثقفين العراقيين وقد جرى تقسيمه على وفق معيار البقاء في البلاد أو مغادرتها لتشيع تسمية (مثقفو الداخل ومثقفو الخارج)، أي بين من عاشوا داخل العراق إبان عهد صدام حسين وبين من تشردوا في المنافي، وحيث يبدو الأمر مفتعلاً من زاوية ما يتكشف عن تمظهرات وإفرازات من زاوية أخرى. فذلك التباين الذي قد يطال طرق الرؤية والمعالجة الفنية والفكرية وأشكالها وزواياها، يتخطاه إلى المزاج والوضع النفسي وجانب من القناعات، حتى ليكاد يحدث شرخاً في خريطة ثقافتنا المعاصرة، وعند بعضهم يتعمق ذلك الشرخ إلى حد مريع. وإنْ كنت أعتقد أن أحد أسبابه الرئيسة، فضلاً عن أسباب موضوعية كثيرة، يعود إلى سوء الفهم بين الطرفين أكثر من أي شيء آخر. وتتصل بالمعضلة السابقة معضلة مستجدة تتمثل في خروج عدد آخر، غير قليل، من المثقفين الذين حسبوا على مثقفي الداخل لأسباب أمنية أو سياسية أو معيشية فيما عاد عدد قليل (جداً) من المثقفين المنفيين إلى بلادهم، وهذا ما يضفي على خريطتنا الثقافية تعقيداً جديداً، أو قل فراغاً جديداً. فمساحة أخرى من الساحة تُخلى، يوماً بعد آخر، نتيجة الهجرة والهرب والتصفيات الجسدية. مساحة أخرى سرعان ما يندفع لاحتلالها جيش من الديماغوجيين وأنصاف الأميين والشعاراتيين وأشباه المثقفين والانتهازيين ومن لف لفهم، ناهيك عن الأصوليين المتعصبين الذين يمعنون فتكاً بتاريخ ثقافتنا ورموزها ومنجزها.
أما إنكار حدوث مثل هذا الشرخ الذي يضاف إلى شروخ أخرى تسببت بها صراعات الأحزاب والتيارات السياسية منذ نصف قرن أو أكثر، فهو، كما أحسب، من الأخطاء المؤذية. وللأسف ليس من الموضوعية وصف الشروخ والصراعات التي تتخذ عند بعضهم بعداً طائفياً أو عرقياً أو إيديولوجياً متطرفاً، بالتنوع الذي هو سمة كل بيئة ثقافية صحية وحية ومنتجة، بل ان الأمر لا يتعدى كونه نوعاً من التشرذم والتمزق واللاانسجام داخل تكوين شريحة المثقفين. فانعكاس تداعيات وإفرازات الصراعات السياسية والاجتماعية وإعادة إنتاجها داخل ذلك التكوين يفصح عن هشاشة وضعف وأمراض متوطنة، وعدم نضج مؤس، وبطبيعة الحال هناك استثناءات، لكنها غير قادرة على تغيير الصورة غير السارة بشكل مؤثر وحقيقي.
وبعد خروج المثقف الذي عاش في الداخل من خانق العهد السابق حيث المحرّم السياسي إلى مناخ آخر كان طابعه الحرية الواسعة، وأكاد أقول المنفلتة في البدء، نراه يختنق، راهناً، بمحرمات أشد ضراوة، حرّاسها بعض المؤسسات الدينية والاجتماعية، وبعض الجماعات التي لا تتتقن غير صناعة الرعب والموت.
مفارقة ما بعد حداثية!
ثمة مفارقة غريبة نلمسها في علاقة المثقفين الذين يدّعون التقدمية ويبشرون بالتحديث وبعالم ما بعد الحداثة وأحياناً بالعولمة مع عصرهم وعالمهم الذي يدافعون عن قيمه ومنجزه التقني والعلمي والثقافي والإبداعي، سواء بقبوله على علاته أو بروح نقدية. ويقفون ضد أولئك الأصوليين الذين يعادون التحديث والتقدم ويبشرون بالعودة إلى شكل للمجتمع والدولة يعتقدون أنه كان فاعلاً قبل قرون طويلة وبالمقدور استعادته الآن. والمفارقة هذه تتجلى في شعور المثقفين بالاغتراب في مجتمعهم وعصرهم وعدم قدرتهم على استخدام وسائله وأساليبه وتقنياته بفاعلية في نشر قيمهم وأفكارهم، فيما ينجح الأصوليون في هذا الجانب مستخدمين منجزات ما بعد الحداثة من ميديا ووسائط اتصال واستراتيجيات مبتكرة لتسويق معتقداتهم وأفكارهم والتبشير بنمط الحياة الذي يبغونه. أي ان الأصوليين باتوا أكثر حذاقة ومرونة في التكيف مع متغيرات العصر بما يدعم أهدافهم فيما يخفق المثقفون (الحداثويون) في عملية التكيف هذه. ففي الوقت الذي يتواصل الأصوليون مع شبكة الإنترنت، في سبيل المثال، مؤسسين مواقع خاصة لهم، لا تعد ولا تحصى، ويظهرون بالعشرات على القنوات الفضائية يومياً، نجد أن كثراً من المثقفين ما زالوا لا يتقنون التعامل مع جهاز الكومبيوتر وشبكة الإنترنت، ونادراً من يظهر منهم على الفضائيات لطرح وجهة نظره وأفكاره. فضلاً عن عدم استثمار تلك التقنيات في التواصل في ما بينهم بالطريقة التي تجعل منهم قوة ثقافية لها سلطتها في الحقلين السياسي والاجتماعي. في الوقت الذي تتم عملية الدخول الفعّال إلى الحقل السياسي والثقافي، اليوم، في أرجاء العالم المختلفة، عبر بوابة ثورة المعلوماتية والميديا.
صحيح أن الأفكار الأصولية تجد مرتعاً لها وقبولاً وسط الفئات الأقل ثقافة وتعليماً في الغالب وأنها تستفيد من انتشار أمية القراءة والكتابة والأمية الثقافية والأمية المعلوماتية، إلاّ أن هذا لا يسوّغ بأي حال إخفاق المثقفين، (وهم رسل التقدم والتحديث مثلما يدّعون)، في أن يكون لهم صوتهم المؤثر في الوسط الاجتماعي والسياسي. ولهذا لا يأبه رجال السياسة بما يقوله ويكتبه المثقفون في ما يحسبون حساب رجال الدين والدعاة وشيوخ الطرق الصوفية ورؤساء القبائل الذين غدوا فاعلين اجتماعيين وسياسيين مؤثرين أكثر من غيرهم.
وصحيح أيضاً أن سياسات العهود السابقة قد وسّعت من مساحة الأمية والجهل، وهذه المساحة تجعل من الديماغوجيين والشعاراتيين وأصحاب الأصوات الجهورية أكثر جاذبية وتأثيراً بينما لا يجد صوت المثقف العقلاني/ النقدي الهادئ والعميق صدى واستجابة. وإذ ظهرت شخصيات أصولية وعشائرية لها بعض المواصفات الكارزمية، لم تفرز الشريحة المثقفة العراقية، خلال العقود الأخيرة، من بين أفرادها، مثل هذه الشخصيات التي تكون لها حضورها وسطوتها الإعلامية والاجتماعية. فمع غياب المؤسسة الثقافية النشيطة والشخصية الكارزمية التي يمكنها تقديم خطاب ثقافي حضاري جديد يعكس النزوع العام للشريحة نفسها، و(مشروعها). (مع وضع كلمة مشروعها بين قوسين، لما تثيره من التباس في الذهن يُحيل إلى تراث المشاريع الفاشلة التي تبناها المثقفون في القرن العشرين، وربما منذ منتصف القرن التاسع عشر). أقول؛ مع هذا الغياب المزدوج يستحوذ على المثقف العراقي، اليوم، شعور باليتم والقهر والضياع.
فوضى العالم والبلاد
المثقفون، الآن، في موقف الذهول، فالعالم حولهم يتغير بسرعة هائلة ومجنونة، ويبدو للوهلة الأولى وكأنه ينقاد إلى الفوضى ويصعب التحكم به وإدارته، فهو عالم يتحول إلى قرية كونية صغيرة بفضل وسائل الاتصالات والإعلام الحديثة ويحقق فتوحات جبارة في الميدان العلمي والتكنولوجي من جهة، فيما يطبعه العنف والصراعات المحلية والدولية والتعصب والفوارق الطبقية غير المسبوقة في سعتها وحدتها وظلمها البيّن، وانتشار الأمية والجهل من جهة ثانية. أما داخلياً (عراقياً) فيبدو المشهد أكثر تناقضاً وتعقيداً وقتامة حيث المعطيات والمتغيرات والصراعات تتلاحق وتتداخل حد الفوضى ليقترب المشهد في جانبه الدموي من حدود الكارثة إن لم يكن قد تجاوزها. وفي مشهد كهذا يمكن تخيل صورة المثقف كائناً حائراً وعاجزاً عن الفهم، ومن ثم عن الفعل، يضرب أخماساً بأسداس، ويحس أنْ لا حول له ولا قوة، مهمشاً، لا يكاد يعرف موضع قدمه، ويكاد يفقد الثقة بنفسه، وأحياناً، إنْ لم تأخذه العزة بالإثم، قد يعترف بهذا كله. هذا المثقف لم يستطع بعد إنتاج خطاب ثقافي يستجيب لمقتضيات العصر ويرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجهه وتواجه بلده. والذريعة أن ما يجري لا يترك له فرصة لالتقاط أنفاسه، والتأمل بروية وعمق، بفرض أن شرط إنتاج خطاب حقيقي هو توفر مثل تلك الفرصة، وهنا يتجلى واحد آخر من مظاهر مأزقه. ومع غياب الخطاب تتعثر مبادرات التنظيم المؤسساتي والعمل المشترك، فيما تُقابل المبادرات من أية جهة كانت لجمع المثقفين المشتتين في إطار منظم بالشكوك حيث تتلبس القومَ، في كل مرة، شياطين نظرية المؤامرة.
وحتى هذه الساعة، أخفق المثقفون في إيجاد آليات وتقاليد ولغة حوار، بعضهم مع بعض، وكأن كلاً منهم ينفخ في قربته الفارغة ولا يأبه للآخرين، وهم بهذا إنما يعكسون حالة حوار الطرشان التي تسم علاقة القوى السياسية العراقية في ما بينها، فيما يُقتل العشرات في كل يوم، في طول البلاد وعرضها.
ولأن المثقفين يشعرون بالعجز والفشل يصب بعضهم جام غضبهم على القوى الخارجية الاستعمارية والإمبريالية، ويلتفت بعضهم الآخر إلى المجتمع الذي يصفونه بالأمي الجاهل والمتخلف الذي لم يفهم خطابهم، ويمارس بعضهم الثالث جلد الذات من خلال اتهام المثقفين أنفسهم بما أصاب البلاد والعباد وتقريعهم وتحميلهم المسؤولية، جزءاً أو كلاً. فيما يرمي بعض قليل إلى مراجعة التجربة السابقة برمتها برؤية نقدية تاريخية عميقة وصريحة، ومواجهة الذات بشجاعة ومن غير مواربة، أو بعبارة أخرى إخضاع هذه الذات (الفردية والجماعية) معتقدات وممارسات، أي مجمل التجربة الفكرية والسلوكية لها، إلى التحليل والتفكيك النقديين، قبل الإقدام، أو على الأقل مع ولوج معترك الفعل الثقافي والسياسي على أرض الواقع. وهؤلاء، كما أشرنا، للأسف، قلة قليلة، ولكنهم مصممون حيث يتسع نطاقهم ودائرة تأثيرهم يوماً بعد يوم، وإنْ كان ببطء. فهل لنا أن نتفاءل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق