٠٢‏/٠٨‏/٢٠٠٧


غياب الزمن ومتن الحكاية في قصص زمن ما كان لي..
بلاســـم الضاحي

تمهـــــــــيد :
ساهمـــــل الظواهـــــــر المتمـــــيزة إبداعيـــــــا، بقصد، والموزعـــــــة بحضـــــــور مــــهم على مساحات، النصوص واشــــــتغل على ما أجــــده منخفضا فنيا، منطلقا من النص، مســــتفيدا مــن مفــــردة ( الزمن )، التي وردت في عتبـــة العنـــوان والتي تشـــظت إلى عناوين ثانوية فرضت هيمنتها كبؤرة دلالية تقود القارئ.. للدخول من خلالها نحو ماهيات النص .
الانعكاسات الذاتية على النص :
ربما لمزاملتي ومعرفتي الشخصية بتفاصيل حياة القاص المثابـــــــــر(محمد الأحمد) وجدت ما أنتجته تجربة (زمن ما كان لي) انعكاسات شخصانية والتقطات ذاتية في قص الواقع دون أن ينقله إلى ما هو متخيّـل يثير أسئلة جمالية ومعرفية تطرحها تقنيات القص وتوصلها لبلوغ غاية النص. فتعمد منذ بواكير كتاباته الأولى إلى جعل نصوصه حاضنة للسيرة الشخصية وظل بهذا الاتجاه معتمدا على إثارة ذاكرته لإنتاج نص (استرجاعي) يمرره إلى المتلقي عبر أفعال وحكايات تحركت في حيزه الشخصي، محاولا تأسيس علاقات افترضها على إنها تحمل مفارقات الواقع ، لم ينجح في تحويلها إلى علامات تؤشر بدائلها ، فظل متمسكا بـ (المرأة) على إنها بؤرة يتمركز فيها الواقع بكل مكوناته ، ليوجه سؤاله الذي يفترضه في متقعرات وهمية في حكاياته (المسطحة) خافيا إخفاقاته في هذا التقعر الوهمي الذي اختاره للعبور نحو تسويق نصوصه بنشرها منفردة سرعان ما تكتشف هذه اللعبة إذا ما اجتمعت هذه النصوص في مدونة واحدة. ففي معظم نصوصه نجده يفتتح عالمه بالمرأة وذلك بحشد الحكاية وتسطيرها مستفيدا مما احتفظت به ذاكرته التي تتحرك في دائرة مغلقة مركزها المرأة دون أن تنفتح إلى فضاءات أخري فظلت كتاباته (سيرة موضوعية، ذاتية) لكنها ليست سيرة مدونة بخط تأريخي تنقل تفاصيل سيرة شخصية منظمة مما أحالنا إلى تشابه وتكرار شخصياته في نمطية شخصية واحدة هي شخصية المؤلف عبر أفعالها وتجاربها أو طروحاتها التي تحوله إلى راوي للحدث دون أن يتدخل في تحريك خطوطها المستقيمة نحو رسم أشكال جديدة تطرح رؤاها داخل النص المحكوم بذاتية المؤلف ودون أن يسهم ـ المؤلف ـ في صياغة حيوية لدور الحدث فظلت شخصياته مطابقة لما تعكسه مرايا الذات نحو الورق ...... (كنت أقول لعصفورتي الوديعة/ عيناك ص22)، (كنت امشي طويلا وراءها/ خفة زمن ص28)، (شاخصا بعيني بقيت أتابع تدحرج السنين الثقيلة على وجهها/ زمن مضى ص31)، (بقي بين يدي شعر رأسها المنسدل بطراوة ندية / زمن الأبيض البرئ ص34)، (ما هكذا يا كريم دع المرأة/ ما آل إليه ص 64)، (اكتب إليك التماسا/ زمن بارز ص 72)، ( يرخي عليّ الزمن سدوله / فاصلة زمن ص 81)، (تترقرق ضحكتها على بياض التذكر/ روى بعض ما لم يرو بعض ص 89)، ( لم أكن أتخيله فحسب بل أراه / زمن علبة الحليب الفارغة ص 98)، (ما عليّ إلا أن أهول ما أتخيل، واجعلها مشوقة بما يجعلها تغريها ، ترغبها بالبقاء عندي / بقية زمن ص 113)، (كان الليل ممتدا عليّ بلا ملل / زمن الابن ص 120)، (يشدّ عليّ الهواء الساخن/ رئيس سابق لم اعرفه ص 125)، ( كنت قبل اليوم في زمن آخر/ زمن ما كان لي ص 135 )
العنـــــــــــــــوان :
تنطوي عتبة العنوان الموسومة (زمن ما كان لي) ـ والتي تشظت الى عناوين ثانوية بواقع (20) عنوانا من ضمن (24) عنوانا كل ما احتوته متون المجموعة ـ على تركيز مفردة (الزمن) الذي يتجه نحو دوائره الثلاث ـ الماضي، الحاضر، المستقبل ـوالتي انضوت تحت مديات المعنى الفيزياوي للزمن دون أن يحدث ـ العنوان ـ حضورا بصريا مهما يمكن تخيله ضمن المتون النصية التي انضوت تحت (زمن ما كان لي) وذلك ما غييب الإيقاع البصري الذي يشبع فضول المتلقي عند انزياحه نحو المتن الذي غييب مستقبلاته البصرية واشتغل على الإيقاع الذهني الغير سهل على آلية التخيل بإظهاره من خلال آليا القص العاجزة عن ابداع جملة قصصية مكتنزة تنتج إيحاءات تحيط بالحدث والفعل إحاطة شاملة تفعّل أدوات التصوير وتزيد من الفاعلية الذهنية المستقبلة بسبب الإحالة إلى ذاتية محطة (ما كان لي)، فحدد بذلك زمن الزمن بفعله الماضي الناقص (كان) فاوجد له زمنه المحصور في (الاسترجاع) الذي شكل المتون كلها وجعلها بؤرة محصورة في هذا الزمن وبذلك جاءت العناوين الثانوية في سياقات الزمن الماضي دون الإشارة للفعل الماضي في تكوينها الصوري ( المكتوب)، وثمة احتمال آخر، قد يكون - زمن ما قد كان لي - وهب انه يفتح نحو حرية مزوجة للقراءة، وبهذا قد كرر كمبدع للعبة ابداعية لن اتطرق اليها. لاستقطاب أو الجذب الذي يصنعه العنوان الرئيس والمنساب إلى تشجيراته الثانوية يأتي من حاجة الناص إلى تعميق الصلة بين الرئيسي والثانوي بمحاولة لشد أواصر المتلقي وجلب انتباهه باتجاه التنويعات التي تدور في فلك هيمنة مفردة (الزمن) المتشظية والتي غيبت مهمة التشظي بابتعاد العنوان عن دوائر الأحداث على اعتبار ـ العنوان ـ يرسم مسارا إلى المتلقي نحو المتون ويفسر ما يحكى له من خلال معرفة الهواجس التي تبثها النصوص باتجاه التلقي واستثمارها كبؤرة أو بوصلة استدلال يجوب بها جغرافية المتون والتي أراد لها القاص ـ عن وعي ـ أن تنزلق من الغلاف نحو المتن كعلامات فارقة تدعو القارئ للتوقف عندها قبل أن يدخل إلى النص. يصاب المتلقي بخيبة كبيرة حينما لا يجد ثمة علاقة تدعوه للوقوف عندها أثناء تجواله في مسارات النصوص. هذه ( اللعبة ) شكلت علامة سلبية ضد الكاتب لعدم وجود دلالة لأيقونة الزمن تجد مدلولها داخل النص استثني من هذا التعميم نص (زمن الأبيض البرئ) التي وظفت الزمن لصالح سير الحكاية و( زمن بحجم الأفق)ـ التي سأتخذ منها أنموذجا اسقط عليه افتراضاتي ـ التي مارس فيها (الأحمد) لعبة (شعرنة العنوان) من خلال تركيب ألفاظ توحي بغرائبية تقترب من غرائبية تراكيب الحداثة الشعرية وأراد لها أن تتحول إلى علامات ورموز تحمل دلالاتها المفترضة ( زمن فارغ للشمس، هل الشمس وحدة زمانية أم وحدة مكانية ؟ هي وحدة لقياس الزمن تتوالد منها الأيام وتتعاقب منها الفصول، زمن ضوئي مأهول بسيول ضوئية متواصلة منذ شروعها ، ليس فيها فجوة تؤشر حسابها الزمني التقليدي في السبق أو التأخير انما زمن افتراضي تخيلي يساوي وحدة ضوئية على افتراض الغاء زمنية الشروع والوصول والأعتماد على تواصل الأنبعاث الضوئي ، فهو يساوي صفر افتراضي على انه لايعي ذاته . وهي مكان يحسب بعده ضوئيا، مكان بمكوناته المادية ومقوماته الجويولوجية، مكان مأهول بأرواحنا وخيالاتنا حسب، مكان غير مكتشف فهو يساوي صفر افتراضي على انه لايعي ذاته . ومن العنوان الذي يوحي بتساوي الهيمنة الزمانية والمكانية كونهما يشتركان بمصدر مصنّع واحد هو ( الشمس ) نخلص من ذلك الى : زمن فارغ للشمس = زمن فارغ للنص ، مكان فارغ للشمس = مكان فارغ للنص .
ولأجراء تطبيقات تأويلية من المتن نقتطع الآتي :
1 – المروي عنه (مات) زمانه صفر ومكانه صفر لأنه غير مأهول وغير مكتشف حسبما افترضنا .
2 – ( اخترت احد المقعدين الفارغين ) / زمن المقعدين ومكانهما = صفر على وفق ما افترضناه
3 – ( قالوا : - بانه ترك مالا كثيرا ، قلت : - ما نفع ما تركه / الزمان صفر المكان صفر .
4 – ( قالوا : - ( أية سطوة كان يملك ؟ قلت : - جرده الموت منها / الزمان صفر ، المكان صفر .
5 – ( كانت الشمس استقرت في المقعد الفارغ ) / زمن فارغ للشمس ( العنوان ) = زمن فارغ للمقعد ( المتن ) .
بطولة العنوان = الشمس ، بطولة المتن = الموت . وكلاهما لا يعيان ذاتهما ، المتلقي هو الذي يعي هذه الكينونة ويقوننها اذن الشمس = الموت كلاهما فراغ خارج الزمن المحسوب وخارج المكان المأهول لذا صار المتن ( فراغ ) حالة ( ميتا زمانية ، ميتا مكانية ) . لقد استفاد القاص من الغاء الحدود مابين ( ظاهرية ) الواقع العيني المحسوس و ( شطحات ) الخيال حيث انتج نصا محاكا من نسج هذا الواقع الحسي مع الخيال ، نصا لا يعتمد على النسق الحكائي ولا على البلاغة اللغوية بقدر ما يستفيد من اللعب والمراوغة في كلاهما معا لأنتاج جملة شعرية تحتمل التأويل بعد ان تحقق غرائبيتها غير المتناسقة في التأليف للوهلة الأولى فتجد لها اكثر من موقع لأدهاش المتلقي واستقبال النص لفك هذه الرموز واعادة تركيبها من جديد بتأويلات مخلقة من لدن المتلقي قد لا يجدها غيره وهذا يؤشر نجاح النص الذي يزدهر وينفتح الى عدة مستويات للقراءة . لذا ارى القاص وفق جدا في الوجازة والتركيز والتدبير المرمز لصياغة نص يسري فيه نفس شعري ولغوي خاص لألتقاط الأزمة المنتجة للنص خارج مكونات النص بهدم الحواجز الزمانية والمكانية والحكائية بفعلها التقليدي لمكونات القص المعروفة في سياقات التاليف بعيدا عن السرد التقليدي المستهلك وهذه مشكلة القاص ( محمد الأحمد ) كونه يعتمد على ميكانزم التطور الداخلي للحدث وليس على الحدث نفسه وقوانين بناءه القصصي في المساحات النصيّة وهذه السمة لا تقتصر على هذا النص فقط وانما تمتد على عموم كتاباته لذلك تجد من يعارضها او يقف ضدّها. الصدمة أو الدهشة التي يحدثها هذا النص القصير ليس في نهاية الحدث كما هي خصيصة اساسية تسود معظم القصص القصيرة بل نجدها في (فعل) بنية النص، غير مكتوبة ولا تحقق تشخيصها المرئي، طافية في تخوم النص، لا تـفقد قوتها من العنوان حتى السطر الأخير وبذلك خرج من دائرة النهايات التقليدية واحالتها الى المتلقي ليضع افتراضاته من خلال تأثير عموم النص في توليد نهاياته بمعنى الغاء (المتوقع ) والأستسلام الى ( الواقع ) الذي يؤثر به سياق النص على المتلقي ، بمعنى آخر قدرة النص على الأنتقال من ( أناه ) الى ( أنا ) المتلقي ، من هذا كمتلقي اقترحت عدة نهايات منها وجدت روحي تقرأ الفاتحة على روحها بعد ان حضرت المراسيم واستمعت لأحاديث المعزين واجابت عنها كما في حوارات المتن ، اذن زماني صفر ومكاني صفر ، هذه النهاية اقترحها ( المسكوت عنه ) في النص . بقي ان اقول شيئا يحسب لصالح (زمن فارغ للشمس) كونه نصا قصصيا قصيرا جدا فنحن الآن في عصر الزمن المحسوب والمقنن والمحكوم بوحدات الوقت وتفاصيلها الدقيقة التي تفرض هيمنتها على يومنا بقوة امام هذا التدفق الكبير من آليات النشر المرئية والمسموعة والمقروءة والتي لم تترك لنا وقتا فائضا لقراءة المطولات من على شاشات الأنترنيت مثلا من هنا ارى ضرورة انتباه كتاب الأنترنيت الى عدم الأطناب والأطالة والأهتمام بالنص القصير المكثف الممتع والمفيد مراعاة لأستفادة القارئ من سيف الوقت.
الزمـــــن :
عند (الأحمد) ينحصر في استرجاعاته الماضوية ( ما كان لي ) بسبب إخفاقات هيمنت على تطلعاته فأغلقت نوافذه وتركته يتخبط ضمن مساحة ضيقة ، مظلمة لا يرى غير نفسه بها وظل مشغولا في كيفية الخروج منها فنجدة قد تمحور في شخصتين (هو) ـ القاص ـ الذي يعيش على هامش التذكر مع ( هي ) التي توّلد هذا الهامش فظل يدور في فلك ( توالد الذاكرة ) الذي اعتمده كـ (شاشة ) للانعكاسات الذاتية المكررة والتي ذهبت بنا إلى اعتبار هذه النصوص تعمل بمشترك واحد وكأنها عمل روائي غير اننا نجدها تبث إشعاعاتها إذا ما أفردنا كل نص لوحده . نثر مفردة ( الزمن) على عتبات العناوين الثانوية لعبة استفزازية ، تنشيطية مارسها المؤلف على المتلقي قسرا معتقد إنها بؤرة الانطلاق نحو فتح آفاق آخر لقراءة هذه النصوص على إنها نصوص زمنية صادقة مع زمنها الذي يتماها مع حكاية المتون مستفيدا من حضور الزمن في الذاكرة الإنسانية على النحو الذي يعمّق اهميتة في الموضوع الذي استغنى مؤلفه عن الأدوات البصرية في إيصاله إلى المتلقي وذلك بتكرار مفردة الزمن على نحو يثير الفضول والتشبث بها دون أن يجد أثرا لذلك فيما سطره فاتعب مفردة الزمن وضعفت في أن تؤدي دورها الاستفزازي التنشيطي الذي افترضه المؤلف بانزلاقها من الغلاف إلى المتن .
غاب عن ذهن ( الأحمد ) ان الزمن يوجد في وسطين :
1 ـ وسط فيزياوي/ فيزيقي/ محسوب/ كما يحياه الآخرون / ويحياه المبدع خارج زمنية الإبداع / تقني يمكنه أن ينتج معارف ...
2 ـ وسط متفاعل مع الخيال / ميتافيزيقي / غير محسوب / ينتج ابداع غير مألوف ، مذهل ، مفاجئ ، مدهش / لايحياه غير المبدع لحظة الإبداع ويساوي صفر .
الذي أجده إن الكاتب ظل يشتغل في زمنه الفيزياوي لذلك لم ينتج لنا سوى ما ينتجه هذا الزمن .
الثيـــــمة :
ربّ قائل يقول ( ان كل حكاية هي نسيج جامع بين الواقعي والمتخيل ) نقول نعم هذا صحيح ـ إلى حد ما ـ لكن لكي تتحول هذه الحكاية إلى أدب يفترض إضفاء خصائص فنية وفكرية على واقعها أثناء عبورها إلى النص وتجري عليها إسقاطات وإضافات كما يفعل رسام ( البورترية ) مقارنة مع ما يفعله ( الفوتوغرافي ) . ( الحكاية ) لازمة مهمة في القص شرط ان يحولها الكاتب إلى أدب ولا يبقي عليها للقص فقط والوسيلة لتحقيق ذلك هي تنشيط اللغة لتأخذ حيزها المهم في الأداء وعدم ( أسلبة ) اللغة داخل بنية القص كما حدث في ( زمن ما كان لي ) لعدم تدخل الكاتب في إحداث متغيرات في هذه البنية وممازجتها مع الخيال على اعتبار ان الأدب ابن الخيال . مثل هذا يجب ان ينحصر عند ( الأحمد) في تجاربه المبكرة وقبل ان يفترض انه يمتلك سطوته على آليات القص والذي لم نجده في مدونته السابعة ـ كما دونته ببلوغرافيا الغلاف لذلك عليه ان يبحث عن مخارج من شرنقة هذه الإشكالية وينتقل من مرحلة الناقل للحكي إلى مبدع ومكتشف ومخترع له وان يغادر ضواغطه الشخصانية التي مارست وحدانيتها وهيمنتها والتي جعلت الحكاية تقوم بمهامها لوحدها وشخوصها تصل إلى نهاياتها كما تشتهي دن ان يتدخل صانعها على اعتبار ان السرد وبكل أشكاله تتدخل فيه ( الصناعة ، الحرفوية ) .
الكفاءة الإنشائية / التأليف :
ان توظيف التقنيات السردية وتطعيمها بلغة شعرية تنهض بوظائف تعبيرية مهمة داخل النص (الحديث) والانتقال من المعنى القاموسي للمفردة إلى المعنى الأدبي الذي يستطيع منه المتلقي ان يستحضر المعنى الصوري المتوالي الذي يتبنى القاص إيصاله إلى المتلقي بتقنيات التأليف ويبقى للمتلقي ان يستقبله على نحو حسن للنظر إلى أهمية النص من خلال ما تراصف من مفردات على بياضات الورق ولنأخذ بعض نماذج تأليف الجملة السردية عند الأحمد ... ( ذات صباح ما وفي مكان ما نهض من فراشه الوثير ، إذ خنقه العرق المتصبب من جبهته بعد ان سالت قطرات وصارت في انفه ص20 )، ( كنت امشي طويلا وراءها في المدى كله انهج طريقها كله ص 28 )، (الصمت كان شاغلا كالجدار الأصم والليل يمتد من خلاله ص 50 )، (يقفون أمامك في متسع الوقت الضيق ص 53 )، (تأتيه صاحبة العينين الخضراء ص61 ) العينين الخضراء ؟؟؟؟، (وكأنه كان يتحدث إلى معه بقيت وحدي استمع إليه بكل تركيز ص 69 )، (وبعينيك الغائرين كعين تمثال ص73 )، (بطيبة قلب يقدم لهم ما لم يتمكنه الناكرين ص 77 )، ( أقمت في الزمان مكانا وفي المكان زمانا فلم أر أكثر خسة من الخيانة ص 79 )، (مرتجا كأنما نقيضا متصارع مع نقيضه ص81 )/ ( كلهم يحملون القصة إلى غير ما ينبغي عليه ان تكون عليه القصة ص 139 )، والقائمة تطول في إيراد تراكيب غريبة تنم عن ضعف الكاتب في صياغة جملة ناجحة لا سيما إذا ما عرفنا ان لكل جنس أدبي خصائصه وتراكيبه ومفرداته في الصياغة اللغوية لذلك اختلفت الأنماط والأجناس الأدبية وعليه ظل كل جنس يحتفظ بخصائصه ( البنائية ) حتى لو تداخل مع جنس آخر فالسرد مثلا له بنيته اللغوية المميزة ونكهته السردية التي تظل وحدة مميزة من وحدات تشكله البنائي .
هوامـــــــش :
ثمة إحساس (وهمي) أوّل عليه الأحمد في (زمن ما كان لي) ذهب فيه إلى ان منجزه قد استوفى شروط وجوده فلجأ إلى (التجريب) باتجاه اجتراح تجربة كتابية زعم انها (تجديد) كما أشار بيانه المدون على هامش قصته التي حملت عنوانها المجموعة (فينبغي علينا ككتاب .. ان نجدد بأدواتنا الكتابية لنلحق بالركب الحضاري المتوقع ص 135) واعتبر هذا النص دعوة تحليق وتجاوز لكتاباته السابقة نحو تأسيس سياقات يتعاطى معها من جديد لإثبات اسلوب جديد في استثمار معطيات الحداثة قبل ان يجهز أدواته بمنظومة وعي حدا ثوي وإيجاد مساحة مرنة قابلة للحياة والتوالد، مغايرة لمدوناته السابقة مقترحة سلطة جديدة توجه الخطاب الجديد بما يلاءم مخيلة الحداثة وآلياتها .. غير اننا لا نلمس في نصه المقترح نحو التجريب ما زعمه في تامين موجهات تؤمن لخطابه السير دون تعثر فظل حبيس نزعته الشخصية على مستوييها (السلوكي) و (الكتابي) ولم يستطع الإفلات من قبضة التقليد والمحاكاة مع الأسلاف وبقيت قوة الدفع تراوح بين المرئي والمرئي ، بين الموجود والموجود المختلف دون ان ينجح في تحويل ( الكم) إلى ( كيف) حتى لو كانت من داخل الـ ( أنا) بعد ان ينتزع أشكالها التقليدية فظل يعيد حرث ما حرثه غيره من قبل معتقدا ان الحداثة ( خربشة الذاكرة القديمة أو إعادة تنظيمها) متناسيا موجهاتها ودلالاتها الفكرية والجمالية التي غمرت الفكر الجديد وفعّلت فعله متجاوزة حدود واطر القوننة وأحكامها المتعسفة لذلك ظلت (تجريبيته) تكرر قديمها دون ان تبتكر أسئلة جديدة تجد معها أجوبتها المدهشة .... وفي عودة إلى نصه التجريبي المزعوم نجد بالإجابة عن سؤال ملح إجابة صريحة عن مصداقية زعمه السؤال هو: لو لم نجد الإشارة الهامشية التي أوردها بيان الدعوة نحو التجديد، هل نجد بهذا النص مغايرة واضحة عن اقرأنه المدونة ضمن المجموعة من تطورات فنية في عناصر تكوينه كالشكل، المضمون، التكنيك، المعمار، اللغة، السرد، الشخوص، الثيمة، الزمان، المكان، الاستفادة من الأجناس الأدبية الأخر؟؟؟ أجد ان البيانات والزعم بأنها تعد وسيلة لنقل كاتبها من موقعه الحقيقي إلى مواقع متقدمة في خارطة الإبداع الإنساني .
النهايـــــــات :
نجد ان شخصيات الأحمد القصصية تصل إلى نهاياتها الواقعية دون ان يفرض عليها شروطه الفنية ويتدخل في رسم سلوكياتها التي تقودها إلى مصيرها الفني وليس الواقعي على اعتبار ان النص الأدبي ليس هو الواقع إنما الواقع هو المادة التي يبنى منها النص لذلك أجده لا يمتلك ناصية النص وقيادته وموجهاته بسبب ضعف أدواته اللغوية المرتبكة الفاقدة لقدرة التوصيل المنقول مع مؤثراته إلى مخيلة المتلقي الذي يعيد تشكيله إلى صورة متخيلة، بمعنى آخر لم يستفد القاص من (الصناعة) اللفظية ومهام اللغة في بث متعة فنية تؤدي دورها المهم في بنية النص على اعتبار ان المرسل يولـّد وظيفة تعبيرية أو انفعالية مركزها نقطة الإرسال والمرسل إليه تتولد عنه الوظيفة الافهامية بما تقتضيه من فضاءات الدوال التي تحيل المُتخيل إلى الواقع .
الخاتمـــــــة :
إضافة إلى ما تقدم أضيف ان الأحمد أراد ان يؤكد حضوره ألذكوري فحاول توظيف موضوعة المرأة في السرد كوسيلة لفرض سلطة الذكور جسديا ليحول المرأة إلى خطاب أيدلوجي مقموع، ممنوع في الواقع مباح في فسحة الخيال دون ان يحيل المرأة إلى مفهوم ( شهوي) من خلال المرور بمفاتنها. مع كل ذلك تظل (زمن ما كان لي) مجموعة مهمة وجديرة بالقراءة والاهتمام بما أضافته إلى المشهد القصصي العراقي من نصوص تكاد تقترب من الاكتمال الفني فهي نصوص دافئة حميمة تعطي نفسها إلى القارئ من أول مطالعة لها، رغم اني جهرا تعمدت النيل منها، متغاضيا عن الكثير من جمالها الابداعي الذي اشار اليه غيري من المتذوقين.
إشارة :
1 ـ زمن ما كان لي/ قصص/ محمد الأحمد/ دار الشؤون الثقافية/ العراق/ بغداد/ الطبعة الأولى 2007

ليست هناك تعليقات: