٠٨‏/١٢‏/٢٠٠٦

عنقود الكهرمان لكليزار انور
السرد في المزج والتفريق بين الرجولي والنسوي
عبد الغفار العطوي

ان دأب القاصة علي اختيار عالمها المثالي لايتأرجح بين الامتناع والاستحالة اوبين الميوعة والتصلب لقد نزعت إلي تأطير نظرتها الحالمة بمثالية اخلاقية لان هدفها تغيير العالم ، ففي (شاطئ الضباب)(10) تبدو المثالية اكثر عمقاً من الحب بحيث ترغب (هديل طارق) ان تكمل ما بدأته (هديل عبد السلام) عبر رسائل الغرام المبنية علي تبادل المشاعر القوية مع حبيب مشترك واسم مشترك ولا تألو المرأة الثانية (هديل طارق) جهدا علي تقمص مشاعر الاولي (هديل عبد السلام) التي ذهبت بعيداً مع فارق البناء النفسي لهما حتي ان الثانية تدرك خطورة اللعبة القائمة علي تبادل المواقع بيد انها تستعذب هذه اللعبة لانها فوق مستوي حبها المزيف وفي(نوافذ الذكري)(11) يتجدد المشهد ذاته من جانب الحرص علي العيش المثالي علي الرغم من ظروف الحرب القاسية حيث العيش مع الذكريات عالم يعج بالطفولة والنزهات الطويلة مع (مروان) في الحرب لينجم عن ذلك العالم انتظار طويل وسط الذكريات وتتصاعد المثالية عند قصة (خيط الزمن)(12) حيث يمكننا ان نصفها بنقطة الذروة أذ تتحدث عن امرأتين تعيشان هاجساً واحداً وتتداخلان روحياً حيث تتقمص الواحدة الاخري لتجذبها نحو الموت والاولي واقعية أما الآخري فخيالية (متقمصة) لتلعبا معاً بغياب الآخرين لعبة تبادل الادوار المثالية حتي النهاية . من هنا تجيء تأكيدات القاصة علي المزاوجة بين تفاصيل الواقع ومماحكات المثالية لتعطي لهذا العالم الآخر ملامح اخلاقية ثقافية.ثانياً: اما الخرائط والبيانات والاحصاءات التي سعت القاصة إلي توفيرها لهذا الواقع تنحصر بالنقاط التالية :ــ أــ حرصت القاصة علي دفع جدولة عامة للامكنة تتطابق مع ما هو موجود في عالمنا الحاضر فهي قد خلقت المكان بكامل هيئته ، الشوارع والساحات والبيوت والغرف والنوافذ كما تبسطت في وصف الازمنة بجميع اتجاهاتها السرمدية والآنية والباطنية واعطت الدليل تلو الدليل علي انها تستمد من واقعها الحي معالم لواقعها المثالي لو نظرنا إلي قصة (الفيل)(13) علي سبيل المثال فقد نجحت القاصة في الالمام بحياة السارد !! وهو يصف عواطفه في المكان والزمان والادلة التي يطرحها والبيانات التي يقدمها إلي من يحب ويصف من يحب بمواصفات تفوق الواقع إلي حد المثال بغية اقتناص لحظة وجد واحدة حينما طلب منها الزواج لكن المفاجأة تقع حينما ترفض وتفضل صداقته ليجد هديتها (الفيل) ترمز إلي الفراغ العاطفي هكذا تشاء المصادفة ان يرمق تلك الهدية (الفيل) ليدرك انه لم يكسب سوي حياة جديدة بواقع مغاير سوي حياة الصداقة دون الحب يشوبها الفشل وفي قصة (ذكريات للبيع)(14) يبدو المكالن واضحاً وكذلك الزمان ومعهما الادلة والبيانات . فهناك بائع ومشتر في مكتبة ما في شارع النجفي بالموصل .تحدث بينهما مشادة عاطفية قد كانت من قبل رماداً بقيت ذبالتها حتي بعد ان غادرت (هيام) ذلك المكان وبعض الادلة هي (الكتاب) و(بقايا حب مبعثرة) و(مكتبة) باردة ، لقد قوضت القاصة في هذه القصة عالمها الواقعي من اجل بناء عالمها المثالي بالخرائط والبيانات المتبقية التي لم تتعرض للسرقة او التلف .ب ــ لعل العالم الذي طمحت اليه القاصة منبثق من رؤية حالمة لعالمها الحالي الذي هو خارج المتن لانها في مجمل قصصها لاتتقمص ذات رجل الاقليلاً مقابل (خاصة في قصصها الآخيرة في المجموعة) كأنها ملت حياة النساء او انهت سجالها معهن وانتبهت إلي الرجال انظروا :ــ القصص التي بطلها الرجل (السارد)(15) القصص التي بطلتها امرأة (الساردة)1. الفيل 1. النصف بالنصف 2.امام حمورابي 2. البيت القديم 3.الموعد 3.عنقود الكهرمان 4.ترنيمة اجراس 4.الصروح5.جائزة نوبل 5.علي عجل 6.لوحة الغروب 6.شاطئ الضباب 7.الاعتراف 7.نوافذ الذكري 8.خيط الزمن 9.ذكريات للبيع 10.قضبان من ذهب حيث استطاعت القاصة التفريق بين رؤيتها لعالمها النسوي وعالمها الرجولي علي الرغم من تشابك العالمين واشتراكهما في القضايا ذاتها بيد ان الملاحظ علي العالمين الفوارق البينة التي طبقت كلا منهما علي كونهما عالمين لهما اهتمامهما الخاص ويحظي كل عالم بمناخات وقناعات لايمكن للعالم الآخر ان يوازيه وهذا يعني نجاح (كُليزار أنور) في رسم ملامح العالمين المنفصلين عن بعضهما البعض .ج ــ تنفرد قصة واحدة في هذه المجموعة باسلوب مزج العالمين النسوي والرجولي حيث يتقمص رجل ما شخصية أمرأة والقصة هي (نافذة من القلب)(16) ومع احتفاظ الرجل بجنسه واتقانه لحياة امراة تمسك زاوية في صحيفة محلية (غصون) تخاطب قراءها ليعجب بها رجل ما أيضاً ويقع في حبها ويأتي الصحيفة يسأل عنها ويلح علي مقابلتها ليصطدم بالرجل المتقمص لشخصية (غصون) دون ان يعلم بذلك ، واخيراً يكتشف الحقيقة كون (غصون) من بنات افكار الرجل المتقمص وانها مجرد اسم مستعاريدير زاوية صحفية يطلق عليها (نافذة من القلب). ان هذه المناورة التي افتعلتها القاصة كانت تقصد من ورائها التداخل الانفعالي لعالمها الجديد العالم الذي نكتشف نحن القراء ان لاصلة او تاثير للعواطف علي اختيارات المرء وإلا لماذا اقدم محرر الصحيفة علي انتحال شخصية امرأة (غصون) لكي يغري القراء ويغوي احدهم ليكون ضحية حبها ؟مثلاً؟ .. هي تريد اختراق حاجز الاخفاء المتبادل الذي وضعه الرجل والمرأة عبر تاريخيهما الطويل المشترك ونكتشف المستور في خفايا العلاقة بينهما التي تحدث كل يوم وكل ساعة وتنتهي اما بالفشل او بالنجاح لكن القاصة هنا تؤكد علي عدم بروز الالم او الفرح في صياغة العلاقة مادمنا نتبادل الادوار دوماً ، الرجل والمراة كلاهما يلعب اللعبة نفسها ازاء الآخر سواء في الواقع الحياتي ام في العالم المتخيل . ثالثاً: هناك معايير وضعتها القاصة لانشاء عالمها الآخر تتمثل بنقطتين مهمتين ..أــ لايمكن تغيير قوانين الواقع الخارجي (خارج القص) إلا وفق جهد افتراضي تحاول فيه القاصة بالوصف والسرد والمواعظة والحكمة خلق معادل موضوعي ترتقي به للايحاء بالمبررات التي تختلقها شخصياتها لرفض عالمها الحالي عبر السرد فمثلاً في قصة(قضبان من ذهب)(17) يجب علي (سلوي) أن تتعامل مع وضعين مختلفين وضع الحب مع(ياسر) ووضع الزواج مع(حسام) مع الفارق الشاسع بينهما فيما يخص قبولها بتوجهات مشاعرها وردود فعلي حبيبها وزوجها سلباً ام ايجاباً وكذلك في قصة (الموعد)(18) فتتركز العلاقة بين (وائل) وعالم الاحياء من جهة وحبيبته(أسيل) وعالم الاموات من جهة ثانية بمعادل الشبح الذي هو العلة والمعيار بين عالمي الحياة والموت وأخيراً قصة (ترنيمة اجراس)(19) التي تبدو مطابقة لرؤية القاصة في خلق فرصة اخري للمرء في هذا العالم وتتمركز حول الحب الاول ومدي تأثيره في صنع فرصة أخري للعيش دون اخفاق .ب ــ مالايمكن ان يراه المرء بعيداً عن نقطة وعيه بتلك الرؤية تقوده حتما إلي الضياع ذلك ما تعترف به القاصة وهي تدير مسؤوليتها بصدد لملمة عالمها السردي ومضاهاته بعالمها الواقعي من باب المقارنة في أخر خطواتها اعلانها انفصالها عن عالم الواقع إلي عالم السرد فهي تؤكد عدم المطابقة نوعا ما بين العالمين علي الرغم من وجود المقتربات والمفترقات بينهما علي كل حال تعتمد القاصة علي تبيان ذلك من خلال ايجاد الفرص السانحة لاظهار ذلك التوافق او ذلك التنافر حسب ما تجود به المخيلة ، فمثلاً في (جائزة نوبل)(20) يدرك السارد وهو هنا (كاتب قصة اسمه انمار خالد) ان اول الفوز بجائزة نوبل هو مقدرته علي نشر قصصه اولاً وبعدها الشروع في الحلم حتي يصحو علي حقيقة ما يحلم وكذلك في قصة (لوحة الغروب)(21) فتمثل مقدرة السارد الذي يتحدث في قاربه الموشك علي الغرق وسط البحر عند الغروب في التأمل وصولاً إلي نتيجة واحدة هي انتظار الموت مع تذكره لوجه ابنته (شوق) واخيراً يمكن للشاعر في قصة (الاعتراف)(22) ان يقول ان فشله في الحب قد خلق منه شاعراً مشهوراً هذا الاعتراف المتأخر جداً يبوح به لفتاة كانت أمها هي التي دفعته للشهرة برفضها لحبه وذلك اثناء تغطية الفتاة الصحفية لمقابلة معه .ان الهاجس الخفي الذي يدفع بالشخصيات انفة الذكر نحو التحرك إلي امام بوعي او إلي الخلف بعدم وعي هو الذي استطاعت به القاصة ان تبني واقع السرد الجديد بمعايير الحذاقة والصنعة والانشاء القائم علي الادراك المتاخر بحاجة الانسان إلي خلق عالمه الخيالي المتكامل بنفسه . ان ما ارادته القاصة (كُليزار أنور) في مجموعتها (عنقود الكهرمان) من اقامة تصور عام للعالم المحبب لها قد تخطت به اشكاليات الواقع المأساوي إلي أفق أرحب من ذلك الواقع .حاشية 1ــ عنقود الكهرمان / كُليزار انور ــ مجموعة قصصية ــ دار الشؤون الثقافية العامة/ الطبعة الاولي/ بغداد/ 2006 2ــ عنقود الكهرمان ص/583ــ = = ص/844ــ = = ص/65ــ = = ص/116ــ = = ص/167ــ = = ص/238ــ = = ص/299ــ = = ص/3310ــ = = ص/3711ــ = = ص/4112ــ = = ص/4613ــ = = ص/5014ــ = = ص/55 15ــ = = ص/5816ــ = = ص/6317ــ = = ص/7118ــ = = ص/7619ــ = = ص/7920ــ = = ص/8421ــ = = ص/8322ــ = = ص/88
Azzaman International Newspaper - Issue 2559 - Date 2/12/2006
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: