٢٧‏/٠٨‏/٢٠٠٥

سمير عبد الرحيم أغا

كنت مع السيد حراز

قصة قصيرة
سميرعبد الرحيم أغا
الى: - محمد الأحمد


تمنى اللقاء به يوم أمس وكل يوم ، ترك القلب لديه وأنتظر ، بلغ غانم الصالح بروحه الصغيرة مدخل ضريح السيد حراز المنتصب على تلة قائمة غرب قرية الحديد ، أنزلق عن حصانه الوحيد ، وعند النخلات الثلاث تركه ، الباب الخشبي العتيق يتوسط الجدران العالية الرطبة ، القبة الخضراء تبدو كأنها صرح يلوح في ضوء الشمس ، كأنه سقي بدف الامس ، يؤكد أن جده صالح مازال باقيا هنا يرعى الضريح حتى في موته ، كما كان قائما على الاحياء ، بل لايزال قائما عليهم ، ليس الضريح ألا قرية أخرى ، زاهدة بعشق نور الاتقياء ، يباركه الان بضريحه ويباركها الجد بروحه ، تجسد غانم في ألهام من خطى سلالة الضريح ألهام مفاجىء ، وذات الالهام الذي كان جده ينتقل اليه ، ربما الاوهام تغفو ، ولكن اللحظة يتجسد الجد فيه ، تعلم من جده أن يرى الحمام في الظهيرة يشدو للسيد حراز أناشيد الروح وأناشيد القرية ، هاهو الان يحرسة أيضا بعد موته ، فكر أنه أكثر وفاء من أخوته السبعة ، تمنوا لو يكونوا مكانه ، حدث نفسه ان جده ينحدر من قبائل تعشق السيد حراز الذي ينحدر بدوره من سلالة ال البيت الكرام ، يؤكد غانم دائما مكانه ليس هنا ، بل بجوار جده , لو نهض لقال له ذلك ، ليته يقول ، قال لكل الشيوخ والقائمين على الضريح وأولهم الحاج سالم الفزع .
- غانم خليفتي من بعدي
فتح غانم الباب الخشبي ، سار بالممشى في ضوء الشمس المشتت ، اشار الى الضريح الراقد وسط البناء ، مشى بخشوع وحياء خفيف وقور ، أجتاز الضريح من مكان قصير ، كم مر من الوقت وكل ما حولنا يشئ بالموت والتوبة ، ياغانم كم تبقى من عمرك ؟ نصفه قد نسيته هنا حول قبري ، كيف يحسب جدي حساب كل شيء ؟ حتى هذا المقام . توقف أمام واجهة الضريح على بعد خطوات ، أنثنت يده نحو صدره تحمل الصرة المحملة بالتمر والخبز ، التي يحملها اليه كل ليلة ، طأطأ رأسه تحية000 السلام عليكم ياجدي . توقع أن يرد عليه بصوته المعروف ، السلام عليكم ياولدي ، او تشير اليه العيون المتكسرة ، والفم المفتوح بالانفاس الملتهبة ، تعال هنا في ملكوتي نسي انه الان لايجيب ولاينظر ولايومي ، أوشك أن ينصرف ، خشي أن ينهض ، ان تطالعه ذات الهمسة الدافئة يعرف هذه النظرة تطاره كل مساء ، ثم قال بألحاح – ضع سرك هنا .. حتى تقدر أن تسعدهم ، لكي يبتسموا كما كانوا في حياتك ، تذكر غانم مسبحة جده صالح الكبيرة بطول الجدار مقيمة بين أولاده في غرفة الضيوف ، يذكر تسبيحه في الصباح والمساء سبحان الله ، سبحان الله ، تدفق الحاضر في ذاكرته فجاة كما جده ، أوظل صامتا كالقدر ، هم بالعتذار لمجيئه ولم يرفع رأسه لنداء الاولياء والصالحين ، لو يقول لجده شيأ ، هنا ولدت الايام تحت هذه الشجرات الثلاث وبقية الاشجار ، الليل يعانق بسمة الافق الصامتة واليدين المعقودتين على الصدر والعيون النائمة ، في كل زيارة للضريح مفاجئة وغير متوقعة ، قد تمجده وقد يغضب بأي فم ستقول في خلافات القرية ، كل طرف يتصارع مع الأخر مع مركز الشرطة في شؤون الري وحسد العيشة والتسابق على النساء وفي خلافات القرى مع بعضها البعض ، صارت لقريته سمعة تستجير بالدنيا من تلقاء نفسها وكلمة لاترد ، ومكانة لاتجارى بين القرى ، على تواضع أهلها ومكانة شيوخها ، كلهم ينظرون لحكمة جدي وعشرات الايدي تمتد الى الخالق لتحفظ القرية ، لحظ غانم من الضوء المسلط عليه من أقصى القرية ان له على الارض أكثر من عش ، مابين قيد الكرامة والحب بني أعشاشا عديدة متقاطعة مختلفة القش .. مندهشة لاتزال غير مدركة ما ترى كأنه يراها ، لأول مرة فزع لما تراه عيناه ، هل هي ظلاله بين الاخرين، الان لجده نفحة الطيب . لحظة طالت أنه بين يدي جده ، ظل له وحده وببركته تتحلق حوله كل الظلال الان ، ... هم جميعا صاروا أسرابا تلتمس أثره ، ذلك ما قاله جدي ، جدي يختفي ويظهر دائما في ملتقى منابع الضوء ومصادره ، يكره ان يكون وراءه ، ويرى عيونا تمشي أمامه تمد بساطا على مسالك الافق ، لحظة يحس فيها انه قادر الاتصال بكل أنسان وبكل شيء بل قادر على الاتصال بنفسه . هتف في سره الله حي ، هتاف يشدو في الفؤاد هنا .. هنا تدق ابواب المحبة في هذه القرية بأنتظار المطر ، رفع غانم رأسه قليلا تجاه الضريح وقال لجده – أولادك بخير ياجدي ، لقد طويت الجرح ... جدي ، أبتلع ريقه وأضاف بقوة الكل بخير وأضاف مؤكدا حزانى من بعدك ، لكنني أجعلهم يشعرون أنك ماتزال باقيا بينهم وبيننا ، كأنه يحدث نفسه ، انه غير موجود أمامه يروح ويجيء بين الجدران ، يتأمل مفكرا ، بصوت مرتفع ،الاستراحة لاتكتمل ألابوجودك ، شعر غانم بروح جده تحل فيه الان ، بركاته تغمره مناجاة السؤال على الضريح، أرمي رؤاي على ظلمة الخلود ، رفع غانم رأسه وهتف الشكر لك ياجدي ( هتاف يهتف كحزن الأيام يعود الصوت ..( لاأحد يرد .. صرخة الوحدة ترعى في حقول الصالح ) أشاح غانم وجهه
عنه ، كيف يلقاه ومن أي باب ؟ لم أنطق بما لا يستهان به ، ولم أكذب على أحد , ولم أبك بلا سبب ، ولم أعجن طحين الجوع بالتقوى ، أن جده يراه الان ويسمعه ويعرف أكثر مما كان ، أغنية أشعلت شموع الضريح ، وغابات التاريخ ، حكمة الضريح تبكي كل أغصان الطرق ، أنه شك في معرفته المطلقة ، همس – السلام ياجدي وأضاف يتودد – أمرك مطاع ياجدي ثم قال في نفسه – سأقصد بيتنا لأرى ماهم في حاجة أليه سأسليهم وأقول لاطير يبني وطننا غيرك ، انت جدنا فما كان عليك شيء أبدا وأنما كان لك علينا ، كنت تعطي ماتحب لمن تشاء ولاتسأل عما تفعل ، لك ياجدي ان يظل كل شيء كما كان ، بركة وخير , ذعر غانم وأحنى رأسه – السلام عليكم ياجدي ، ابتعد خطوات ثم أستدار هبطت يده على صدره شد قامته ليرى الحاج سالم الفزع قادما من بعيد مرفوع الهامة وألقى بنظره أمامه باحثا عن جده أيضا ، قال الحاج سالم – انا أعرف صمت المحبين ، احب الصلوات من حب جدي صالح ، اجتاحته في تلك اللحظة أمنية قد تخلد الى الابد ، أن أحرك الزمن المتوقف عند ناصية السيد حراز ، ثم أعود الى الدار لأحكي لأخوتي السبعة 000 والحكاية كلها أنهم يعرفون أنني كنت مع السيد حراز .
--------------------------------------------------------
2004

يمور عبد الغفور




كلا أنها لظى
تيمور عبد الغفور

النخيل يشتهى
جسر الرصافة مفخخ بعيون المها
والمسافة للمعسكر لاتتجاوز أغنية
وعلى الفضائيات
مجندة مصابة بالايدز
تعتقل الحياء المصفى
نزيف المرازيب
أنشغال الحدائق بالتجاعيد
ارتماء الظلال بقسوة فوق الضحى
احتمال المحال
انجباس الينابيع وسط اللظى
احتضار الربى
أين انت
فتشت عنك سقط اللوى
وحومانة الدراج والمتثلم
ولم أجد مثقال منعطف اليك
سوى غبار المشظى
واطلال رمزك الالكتروني
شغلتنا الحرب عن جبهتك
وأرسلنا اليك الهمس مائلا للخشوع
لماذا الرحيل ..
وتتركون نشيج الحقائب مبهما
أنا افكر بأجتياح السماء
اين الشهيق لنحرث الوادي
اين الشهيق لنعدو وراء الكواكب
تقدس سرك . لاتفاوض
انهم بائسون .. كقشور البطاطا
ومن اللياقة ان يولدوا مرة أخرى
سأكتفي بالعناق وسط الرذاذ
فأين المفر .. أهرب من جمالك المختصر
كتائه يتبعه القمر
وحولنا هدوء اعصابنا
وضحكة توفيت
كنت ( صعبا قياديا )
ستندلع الكآبة من طحالب أغنية
والنجوم حفاة
أبقى هنا أرعى انوثة قريتي
فالكحل في اجفانها يتصحر
باق مع الجمرات في الموقد


مصائد للغبار / بعد الاحتلال

مندوب أيوب

مضى
مامضى .. وانتهى ,,
كل شئ.. !
فمن
أي ركن
أقوم معافى
وهذا
زمان الغبار
المبلل
بالفقد والاستلاب
عزيز
علي بكائي ... ولكنني
سأطبخ
ضحكي على ....
موقد من رماد الحرب ، وألهو بأرجوحة المهزلة
أرمم ذاكرتي متعبا
وفي
سلة المهملات
أعيش وحيدا
أسافر
في سفن المستحيل
وآوي ..
الى واحة ...
من سراب
أفتش ...
عن ظل تلك القرون
وما ضمها من كتاب
أشم بخورا .. وطيب مكان
فتخضل ..
سوسنة باكية
وثمة من ...
حزنها طائر .. حائر
يهاجر
نحو أحلامنا ..
المتعبة
حدادا
على مدني ..
العارية!
أأسس
أمكنتي في بوار
السقوط
وأجتر
أحلامي الضائعة
أنادى
خرابي بخلق ..
جديد
( وأحمل قلبي على راحتي )
نذورا
لمستقبل واعد
أأذن في الفجر .. هيا
سأوقد نارا
لمن تاه في ..
المستحيل
وأحيا
على ذاتي الخالدة
وأهمس
في رئتي .. سنعود

هوامش تحت ظل السياب ‏2005‏‏

مندوب أيوب

كانت
ومنذ ذلك الزمن
قيثارة الخليج
ومنتدى اللؤلؤ والمحار
ومن صدى حشرجة غريبة
تئن في النشيج
ماذا جرى
يازينة الشطآن والخلجان
يامدينة النخيل
وموطن النخيل
وهمسة السياب عند غفوة الأصيل
قرأت في عيونها
ارتعاشة الشتاء
ومن جفا ورودها
انكماشة الربيع
وحشرجات الناي فوق شطها الجميل
ولو درى بويب
بنفرة الاحباب والاصحاب
وغربة المكان
بكى على محنتها بوحشة الماء
وأنتفاضة الخريف
يامرفأ النور ويادواعي السرور
يا أول الأمصار
منذ تفتحت براعم السنين
فهل الى حنين
يأخذني لأخر الحدود
لتربة تعفرت من دمنا
من عرق الجنود
هناك
ياقبلة من تسوروا
من أول الضياء
لأخر المساء
وأحتبسوا أنفاسهم
كي يعبرون
وياأبا غيلان
هنا نبوءة
( أن تقذف المدن البعيدة والبحار الى العراق )
فها هنا
( آلاف آلاف الجنود )
تقاطرت ... تجيشت ... وعربدت
ولم يعد هناك
( من يملأ السلال
بالماء والأسماك والزهر )
وليته أنتظر
حتى يرى بغدادنا ... أربيلنا .. بصرتنا ... مدائن العراق
تسربلت ...
أنشودة المطر
......................................

فروض الوجع الممنوع

مندوب أيوب
شهيدا .. ألقيت السمع
وأقمت الحجة
وأوقدت شموع البرهان
شيعت بقايا أحلامي
ودفنت حقوق الانسان
وشربت عزائي
وقرأت الفاتحة الأولى
وردفت الأمر الأعظم
لله
من قبل ومن بعد
وركلت الليل بكلكله
وبصقت مرايا أحزاني
وبرغمي
أرزح تحت القيد
وأغرق
تحت لعاب السجان
أتسلى بالضيم وأنكأجرحي
ايذانا
لفروض الوجع الممنوع
لتابوت
يأبى أن يدفن بعد
أفلت من جدثي
من عمري مكتظا باليتم
غلى ناصية التخمة
وريش البذخ
او
فوق لهيب البركان
وبأعزف
عند الفجر تراتيلي
أودع محرابي
وأقر بأني سأعود
كي
يأخذني الزهو بعيدا
أتبلل شوقا أتلاشى
بحضن الوطن الممتد
بأعماق الروح
أتندى بشذى الريحان
لكني
أعرف ان المشوار طويل جدا
والثمن الغالي مدفوع سلفا
والحرية
قدر الساعين الى الآمال الكبرى
وسيفضح سري اعلاني
ياوطنا
يبتلع الهم زمانا
سأمد الليل جسور الحب
وسيسبق ظلي ايماني
سنمر جموعا أثر جموع
فالموعد قادم لاريب

٢٦‏/٠٨‏/٢٠٠٥

محمد الصيداوي يرثي الجواهري


مرثية الجواهري
محمد الصيداوي

إمامُ الشـعرِ أعنقَ لارتحالِ ومجـدُ المجدِ آلَ الى الزوالِ
نعى الثقـلانِ للدنيا جـلالاً فأثقـلَ سمعَـها نعيُ الجلالِ
لقد أخرستَ ألفَ فمٍ نطـوقٍ غـداةَ حلبتَ أخلافَ المحالِ
فأعيا النعيُ دونكَ كلَّ شـعرٍ وظلَّ حديثُـنا غرضَ السؤالِ
وأنتَ "أبا فراتٍ" فـردُ دنيا حباها مجدُكَ الغُـررَ الغوالي
وإرثُكَ إرثُ عزتـنا جميعا وعـزكَ إرثُ منقطعِ المثالِ
أسلتَ من القريضِ فراتَ نبعٍ فما أبقـيتَ بعدكَ من مقالِ
جواهركَ اللآلي وهي تزري بما خلقَ الإلـه من اللآلي (1)
ستبقى سِـفرَ آيٍ محكـماتٍ ترتـّلها الأواخرُ والأوالي
***
رحـلتَ "أبا فراتٍ" والمنايا ذهلنَ لموكبِ لكَ في الأعالي
شددتَ الرحلَ عـيّافاً مُعيلاً ونحنُ إليك من بعـضِ العيالِ
جياعُـكَ بعدُ رغمَ دمٍ جياعٌ وإن هَدْهَـدْتَ هُلاّكَ الهـزال (2)
وما ناموا وإن حُسـبوا نياماً وإن شبعوا فمِـن تُرعِ السُلال
وحيداً كـنتَ فيها مستَفَـزّاً وكـنتَ بألفِ ألفٍ لا تـبالي
كم استعدوا عليك ذئابَ حقدٍ وكم أشلوا عليكَ من السَّـفالِ (3)
وكم صاءتْ عقـاربُهم بليلٍ فقطَّعَ ظهرها خفقُ النّعالِ
لقد عرّيتَهم تيساً فتيساً ولم تأمنْهُمُ رعيَ السّخالِ
ولمّا جاشَ سيلُكَ لم تدعْهمْ على ضفيتيكَ إلا كالجُفالِ
***
سلاماً يا وريفَ المجدِ إنّا ظللنا بينَ عرّافٍ وفالِ
فإنكَ كنتَ أشرفَنا مقاما وآلاً لـم يمـتَّ لنا بآلِ
وإنكَ كنتَ أقطعَنا سيوفاً وأصبَرَنا على حُرَقِ النضالِ
وكنتَ درئَ سيفِ البغيِ حتى "تكسرتِ النصالُ على النصالِ" (4)
***
لقد شرّقتَ في الدنيا صبياً وقد غرّبتَ مبيضَّ القذالِ
وفي شأنيكَ مُطَّلّبٌ جليلٌ تجاوزَ قدرُهُ حدَّ الجلالِ
لقد غاضَ الفراتُ غداةَ غاضتْ عيونُكَ تحتَ حبّاتِ الرمالِ
وقد أذللْتَنا من بعدِ عزٍّ وقد نخَّرتَ أعظُمَنا البوالي
فيا "أعمى المعرةِ" قُم حريقاً ونادِ "أبا محسّدَ" في الرجالِ
وخفّا نبِّئا الشعراءَ طُرّاً من الغرباءِ والعرَبِ الموالي
قفوا صفَّيْ ملائكةٍ وطيرٍ وشيلوا النعشَ للسبعِ العوالي
وطوفوا حيثُ سِدرةُ منتهاهُ وبيتوا حيثُ منها في الظلالِ
فقد وافاكمُ الملَكُ المُسمّى غريبَ الدارِ مبتوتَ الوصالِ
نقيَّ الثوبِ حمّالَ الرزايا طويَّ الهمَّ وضّاءَ الخصالِ
رفيعَ الشأوِ بذّاخاً قؤولاً حديدَ القلبِ نضّاخَ العَزالي
نسيلَ الفجرِ نسّالَ الضحايا طويلَ الباعِ شدّادَ الحبالِ (5)
غضينَ ملامحَ الجفنينِ سمحاً رحيبَ الصدرِ محمودَ الخلالِ
قضى شطري منازَلَةٍ طريداً يخبُّ من اعتقالٍ لاعتقالِ
فما ألقى عصا التّرحالِ إلاّ ليبدأَ كرّةً شدَّ الرّحالِ
يقاتِلُ بالدمِ الفـوّارِ حـيناً وحيناً بالقِصارِ وبالطوالِ (6)
***
بكاكَ الشعرُ والشعراءُ خرسٌ وكلٌّ باتَ في مرثىً سجالِ
حلبتَ الدهرَ أشطرَهُ غريراً تحلّقُ فوقَ أجنحةِ الخيالِ
عبرتَ برازخَ الدنيا غريباً وصرتَ الى المحطاتِ الخوالي
فمَن للاّهباتِ النارَ فينا إذا عصفتْ بنا عُتَمُ الضلالِ ؟ (7)
ومَن للجرحَ بعدكَ يمتريهِ ليعبقَ منهُ نوّارُ الجمالِ ؟
ومَن للناثراتِ الشَعرَ غنجاً ومَن للفائحاتِ على ارتجالِ ؟
ومَن للخَيفِ بعدكَ يزدهيهِ ومَن للحبلياتِ من الدوالي ؟ (8)
ومَن للظامئاتِ بكلِّ صوبٍ ومَن للراشفاتِ من الطِلالِ ؟
أرى الشعراءَ أخصبَهُم عقيما إذا لم يندبوكَ بكلِ غالِ !
***
لئن غادَرْتنا في الليلِ شمساَ ستبكي فقدَ طلعتكَ الليالي
هي الأجداثُ بعثرَ جانبيها نذيرُكَ قبلَ محتمَل الرحالِ
فقد قامتْ مقابرنا بروقاً لنعشكَ وهو يشمخُ كالجبالِ
وقد ركعتْ وأغضتْ مقلتيها وقد سجدتْ سجودَ جَوٍ مُوالِ
لمثلكَ لا يُضَنُّ بنزفِ دمعٍ ومثلكَ لا يقاسُ بأيّ حالِ
على جفنيكَ ألقى الدهرُ سرّاً خبيئاً لا يُنَهنَهُ بالسؤالِ
وفي عينيكَ حزنُ أبي وأمي وفي جنبيكَ جرحُ أخي وخالي
***

وسبّابينَ من فرَقٍ وحقدٍ نعوكَ لنا بشامتةِ المقالِ
وحسّادٌ عليكَ "بأمِّ عوفٍ" بكوكَ بكلّ منسرب المسالِ (9)
وما يبكون دجلةَ أو أخاها ولكنْ كلَّ دفّاقِ الزلالِ
***
أجدَّكَ كيف تعتنق المنايا غريمَ الموتِ فرّاجَ العِضالِ ؟ (10)
وكيف تصيرُ تلكَ الشمسُ رملاً وكيف تغورُ في عفِنٍ مُهالِ ؟
أُعيذكَ من حفيرٍ في ثراها وبحركَ لا يُوارى بالرمالِ!
ولكنْ تلكَ كوفتُكَ استراحتْ بعينيها عماليقُ الرجالِ
وكانوا حيثُ كنتَ لظىً وماءً وبعدَ اليومِ أطيافَ الخيالِ !
***
أُجِلُكَ لستَ محتطِباً بليلٍ ونبلُكَ لا تطيشُ مع النبالِ
سلاماً كالشَمالِ "أبا فراتٍ" وعذراً باليمين وبالشِمالِ
فإنْ أبكِ الرجالَ فأنتَ أولى وإن أُقلِعْ فلستَ بذي مَلالِ
وحقِكَ تلكَ مهزلةٌ ستبقى نجيءُ سُدىً ونُتلِعُ للزوالِ
تقبِّلنا الحياةُ هوىً ونبعاً ويعصرنا الردى عصر الثفالِ !
***
سلاماً تلكَ دجلتكَ استبتْها يدُ الطاعونِ بالداءِ العُضالِ (11)
لكَمْ حيَّتْكَ عن بعدٍ ظميئاً تمنَّعُ عن وصالكَ بالدلالِ
عجبتُ لسرِّها كيفَ استُبيحت منابعُها ولم تكُ باشتعالِ
لسوفَ تظلُ فيها الطيرُ عطشى لتنهلَ طينَها أيَّ انتهالِ
أُجلكَ أيها الجدثُ المفدّى بما حُمِّلتَ من قيلٍ وقالِ
وما أُلهِمتَ من وجعٍ وحبٍّ وما خلَّيتَ من عَرَضٍ مُذالِ
ستبقى الريحُ تلعنُها الأقاحي وتبقى السيفَ يُحمَدُ في المصالِ
***
علَلْتَ من المروءةِ بعد نهلٍ بكأسَيْ حرّةٍ قبلَ الفِصالِ (12)
بناتُكَ من مقاطعها أدارتْ رحىً لا تستديرُ على الصُهالِ (13)
فقد كنتَ الفحولةَ في ذراها وجاوزتَ الرجولةَ في الكمالِ
***
برَيتَ سهامكَ التسعينَ تترى ورِشتَ السبعَ بالقِدحِ المُجالِ (14)
رميتَ بها الطغاةَ فطاحَ منهم هزيعٌ من سماسرةٍ ضحالِ
ونازلتَ الزمانَ وأنتَ غِرٌّ ومثلكَ لا يُخوَّفُ بالنزالِ
فيا ابن الأكرمينَ وأنتَ بدءٌ ويا ابن الباترات من الصِقالِ
ويا ابن الدوحـةِ العلياء ياابــن البيان الفذ والسحرِ الحلالِ
ويا ابن الكوفةِ الحمراءِ يا ابن الجراح الداميات على انتضالِ
أعِرنا من لظاكَ دماً سخيناً فقد غالت بنيكَ يدُ اعتلالِ
وقد عبّتْ كؤوسَ الذلِّ عبّاً فولّتْ قبلَ محتدَمِ القتالِ
***
أبثُّكَ وجدَ مُرتثٍّ حريبٍ يبلُّ صداهُ من دمه المُسالِ (15)
ويزرعُ جرحَهُ النغّار ناراً بها زادُ المُعالةِ والمُعالِ
يحوكُ قصيدَهُ من خيطِ برقٍ نهيكِ القَدحِ شحّاطِ المنالِ
يؤمّلُ فيه ما أملّتَ منهُ على أنّ الحقيقةَ في الخيالِ
ولا .. هيهاتَ ذا أملٌ قَصيٌّ يقوَّمُ دونه قوسُ الهلالِ
***
أتنشدُ يا فراتُ "أبا فراتٍ" وقد وخدتْ به خيلُ الصيالِ
أتسألنا وأدرى أنتَ منا وفي شطيكَ أجوبةِ السؤالِ
تشاجرتِ المنونُ عليه غرثى توافدُ في سوانحهِ العجالِ
كأنّ لها عليهِ دماً ووِتراً ولمّا يوفِها بأخٍ فَحالِ !! (16)
***
سلاماً يا غريبَ الدارِ حيّاً سلاماً راحلاً لثرىً مُهالِ
سلاماً يا نبيّ الشعرِ جدّتْ بخافقهِ مصاهرةُ الكلالِ
سلاماً من وجيفٍ في الحنايا سلامَ مهاجرٍ لهِبِ الذُبالِ
سلاماً من نزيفِ دمٍ مُلِثٍّ تتابع في دفيقِ هوىً مُسالِ
رمانا العقمُ بعدكَ حيثً عادتْ قصائدُنا كنسوتنا الحِيال
وكلُّ قصيدةٍ لم تبكِ جمراً عليكَ بومضها محضُ افتعالِ
***
كم انثالت عليكَ نبالُ رَذلٍ وكنتَ بها تلوذُ من الرُذالِ (17)
ورُحتَ تسُلّها نبلاً فنبلاً وتسلوها وخصمكَ غيرُ سالِ
فكم نزِقٍ يداهُ برَت يديهِ وكم ذئبٍ تشبَّهَ بالغزالِ
فما مِن قابسٍ مِ الماءِ ناراً وما مِن سالمٍ بين الصلالِ
***
و"زينبُ" ما أنَخْتَ بها ركاباً هوىً إلاّ على مضضٍ الزيالِ (18)
فكم عقدتْ يداكَ على "عليٍّ" رتيمةَ شاعرٍ قلقِ المجالِ
وكم شذّرتَ في النجفِ الحنايا وكم لملمْتها بعد انفصالِ
إذا قال المؤذنُ "حيَّ" فجراً شددتَ وقلتَ حيَّ على النزالِ
لقد كرُمَتْ دمشقُ على عُلاها ونافتْ من نوالكَ في النوالِ
***
سلاماً خاتَمَ الألفينِ جيلاً تظلُّ مثيرَ ملحمتَيْ جِدالِ
سلاماً أوهبَ الشعراءِ عذباً تظلَّ ترودُهُ عُصَبُ السّبالِ
سلاماً ما بدا لكَ من سنيحٍ يبشّرُ بالنعيمِ وما بدا لي
سلاماً ما ادّكرتَ شميمَ روضٍ وما هاداكَ من طيفٍ مُمالِ
سلاماً كلما وافاكَ غيثٌ تلفّعَ في عطاياكَ الجزالِ
على نفحاتِ مضجعكَ التحايا تفاوحُ بالجنوبِ وبالشمالِ
وأيَّ سلامةٍ نرجو لعقبى قصيدك من مُكارهكَ الُمغالي
محمد الصيداوي
ديالى / المقدادية
ليلة 27/28 تموز 1997
???? ????? ????? ???? ?? ????? ????? ????? ?????
?????? ??????
?????????? ??????????????

٢٣‏/٠٨‏/٢٠٠٥


د فاضل عبود التميـــمي

فرسان مدينة بعقوبة

ذكريات الكتب
(الفرسان الثلاثة)

تأليف : الكسندر دوماس
محمد الأحمد

ربما لهذه الرواية وقع خاص كونها رواية مثل عليا وأخلاق قويمة، فيوم وقعت بين أيدينا كنا أطفالا تأخذنا فيها البطولة للفروسية النبيلة التي غالبا ما يتمتع بها فرسان القرون الوسطى، وبقيت كراوية مغامرات نتذكر تفاصيل إحداثها بمثل ما أسلمها لنا المترجم بتلك اللغة التي لم نكن نعرف عنها إلا ما وصلنا منها بواسطة مترجم لم نعد نتذكره كونه اختارها لنا بذوق عال، وقد حفرت خطوطها العريضة في الذاكرة، وطاردتنا إحزانها، فأبكتنا بصدق، وملأتنا أفراحها إلى حد النشوة. فالقصة كانت كبيرة ولم يفت منها أي حرف دون أن نتمثله، ونشربه بكل تفاصيله، وما زالت رائحة ورق الكتاب بحبره، ولون غلافه الذي لا يمكن أن يكون غلاف كتاب ما لم يك على شاكلته. فهو من بين تلك الكتب البكر الغاليات على القارئ كأي مبتدئ يلتهم كل ما يجيئه بنهمّ عظيم. فما زلنا نسمع رغم غبر تلك السنين صليل سيوف فرسانها، أو هسيس ما تهشم من كؤوس تكسرت، وكأنها تحت أقدامنا الحافية، تلك الكتب مازالت فينا تحفر أشواقها الكبيرة فينا من اجل إعادة قراءتها رغم كل ظرف حرج، وقصص غرامها التي لن تنسى سوف نحملها إلى القبر، حيث تدور أحداث رواية (الفرسان الثلاثة) حوالي العام 1660 بين (فرنسا) و(انجلترا) تحكي مغامرات الفرسان (دارتانيان) الشاب الوسيم ذو الوجه الضاحك الذي يعمل قائدا للحرس الخاص من فرسان الملك، و(آراميس) البطل دوق مقاطعة (آلاميدا) الذي لا يفارقه سيفه وان كان نائما، و(بورتوس)، الذي يمتاز بقوة بدنية هائلة. فبات الفرسان الأذكياء يجولون أمامنا بحرية خيالنا الخصب الذي يصور لنا كيف كان لويس الرابع عشر ملك فرنسا الشاب مستبداً شغوفاً بالنساء محباً للمال ولكنه كان أشبه باللعبة بين يد (الكردينال مازاران) ولا يستطيع الملك تحريك أمر في مملكته دون الرجوع إلى الكاردينال المتسلط. كانت الفكرة تتساوى مع صفاء ما نقرأ، وكأننا نشاهد و لا نقرأ (شارل الثاني) ملك انجلترا يحاول العودة إلى العرش بعد مقتل أبيه (شارل الأول)، وجاء متخفياً بملابس بدت ضيقه عليه، وكأنها ليست له إلى فندق على أطراف باريس يطلب مساعدة ملك فرنسا (لويس الرابع عشر) لاستعادة عرشه من يد جنرال اسكتلندي يدعى (مونك)، لكن الملك الفرنسي لم يستطع تلبية طلب ملك انجلترا فهو لا يملك من أمره شيئاً لكن وعده بمدّ يد العون له مادياً حتى يستطيع تدبر بعض أموره. ولما وصلت القصة إلى مسامع قائد الحرس (دارتانيان)، بواسطة احد جنوده المقربين، فقرر ببطولة ونبل مساعدة الملك (شارل الثاني) ليعود إلى عرشه، فعمل مع عشرة من أشجع فرسانه الذين تنكروا بزي صيادين واستقلوا سفينة صيد هولندية وانطلقوا بها إلى معسكر القائد الاسكتلندي (مونك). حيث قام (دارتانيان) بالتحايل من اجل إغراء (مونك) بالمال، ويتمكن من اقتياده بذكاء مفرط إلى قبو قديم، تفوح منه رائحة العثة، حيث كان في انتظاره الفارس (آتوس) فتم احتجاز (مونك) كرهينة ومن ثم وضعه في قفص خشبي والإقلاع به على ظهر السفينة الهولندية باتجاه (انجلترا) وهناك قدم (دارتانيان) القفص للملك (شارل) الذي أكبر فيه هذا الصنيع متسائلاً في الوقت ذاته عن الطريقة التي سمع بها (دارتانيان) حديث الملكين، ولكنه قال مستدركاً إنني قائد الحرس الخاص، وعلي معرفة كل شيء ومن واجبي أن أقدم يد العون لجلالتكم كما فعلت سابقاً مع والدكم. وتمت المقايضة بالتسوية كما أرادها قائد الحرس المخلص لسيده، و تم التفاهم مع الجنرال (مونك) ومن ثم استرضائه ببعض المقاطعات حتى يتاح للملك (شارل) أن يحكم عرشه الشرعي، وهكذا دخل الملك مدينة (دوفر) ثم عاصمته (لندن) دخولاً فخماً يحيطه إخوته ووالدته، واستقبله الشعب استقبالاً رائعا. كان الحوار في القصة أشبه بغيمة سحر ماطرة، تتقدم فوق المكان فتشبعه ليزدهر باخضراره البهيج، فبعد ان عاد الفرسان إلى فرنسا يحملون الهدايا والمال مدركين أن إصلاح أمر فرنسا أصبح ضرورياً خاصة وأن الملك لويس الرابع عشر غير كفؤ للحكم ولديه شقيق توأم داخل الباستيل، فقاموا بطريقة احتيالية بتزوير توقيع الملك وتحرير شقيقه من السجن، ومن ثم الإدعاء أن الشخص الذي تم إطلاق سراحه ليس هو المقصود، فهذا شخص مجنون يدعي أنه ملك (فرنسا). فكانت حجة مقنعة لتمرير ما أرادوه، حيث صار سخرية العالمين، وكم اتسعت ضحكاتنا يومها، وصارت ضحكة تتواصل كلما تهكم احد جنود الملك على الملك الذي ظنوه معتوها يدعي السلطان، وفي تلك الأثناء كان الفرسان قد استدرجوا الملك الألعوبة إلى خارج قصره ووضعوه في عربة قادته إلى السجن وسط صراخ عظيم يطالب بتحريره لأنه الملك الفعلي، لكن الفرسان قالوا لآمر السجن إنه شخص معتوه لا يستحق العيش خارج السجن فهو يدعي أنه الملك، وطلبوا منه الحرص على أن يبقى في زنزانته إلى الأبد. كانت الفرسان الثلاثة مفتاحا مشوقا لمعرفة ماذا يختبئ من مؤامرات تاريخية عاشها ابطالها، فكتاب (الفرسان الثلاثة) بانوراما أعمال نبيلة أرادها المؤلف الفرنسي العملاق (الكسندر دوماس الاب) (1802- 1870)، مدونها شهادةً على عصر مضطرب فيه الكثير من الدسائس والمؤامرات، وبوجود الرجال الشرفاء تحولت بعض ملامح ذلك العصر إلى أعمال كريمة ناصرت الحق وأعادته إلى أهله وأبرز قصتين مساعدة ملك (انجلترا) للصعود إلى العرش واستبدال ملك (فرنسا) الماجن بشقيقه العاقل المتبصر. فمن منا كان لا يعرف الكسندر (دوماس) الروائي والكاتب الفرنسي المشهور، الذي كان والده مركيزاً في دوقية (أورليان) بفرنسا. ويجري التعريف به أنه الكسندر (دوماس الأب) أو الكبير، حيث هناك كاتب فرنسي آخر تحت الاسم نفسه ويعرف بالكسندر (دوماس الابن) وهو مؤلف رواية غادة الكاميليا. و لا يقل إبداعا أو حضورا برواياته، وكان شديد الإعجاب بالأول، فمن الجدير بالذكر بان (دوماس الأب) لاقى أول نجاح أدبي بفضل مسرحياته التاريخية، هنري الثالث (1829) وكريستين (1830) وانتوني (1831) واتبعها بالتحفة الخالدة (الفرسان الثلاثة) (1844) و(الكونت دي مونت كريستو) في السنة نفسها وكذلك الملكة (مارغو)، ثم زهرة (التوليب السوداء) عام (1850) و(الفيكونت دي برجيلون) (1848)، وذلك فضلاً عن مذكراته ودراساته التاريخية وكتبه عن الرحلات والأسفار. بقيت الرواية تحمل لنا نهج قراءة تتواصل بالتشويق والجمال. ولم نستطع نسيانها، كونها حفرت في ذلك العمق السحيق من الذاكرة، وربما نطل على مكانها وهي تقبع على الرف بانتظار أن نعود إلى طفولتنا ونعيد قراءتها بفارغ الصبر. فنبكي بكائنا الحقيقي الذي سوف يغسل لنا ما نريده أن يغسل.


‏الاثنين‏، 22‏ آب‏، 2005

القتيل الزميل مؤيد سامي مهدي

مؤيد سامي 1

١٧‏/٠٨‏/٢٠٠٥



مصعب امير اسماعيل
امتثل للشفاء والف مبروك، مع الامنيات بتواصل الابداع

١١‏/٠٨‏/٢٠٠٥

سطور من سيرة حياة
(لودفيج فان بتهوفن)
مهند احمد علوان

لو استسلم احد ما لرغبتنا الملحة في أن يجعلنا نقرا شيئا جديدا عن (بتهوفن)، فماذا سوف يضيف إلى عشاقه، وحاليا هناك أكثر من عشرة مواقع على صفحات الويب. أما آثاره فقد دُرِسَتْ في أشهر جامعات العالم الفنية والعلمية، لأنه أنموذجا بشريا فيه إعجازا ليس من السهل، وصف شخصه أو تحليل شخصيته من خلال إعماله الموسيقية، واغلبها وصل عصرنا مدونا على ورق النوتة، وما يزال اغلبها يعزف يوميا، في كل مكان تقريبا من جامعات ومعاهد العالم، لأنها الدرس البليغ الذي يجتازه الطالب لأجل أن يعبر مرحلته. وقد حققت أعلى أرقام المبيعات اسطواناته المعزوفة من قبل الفرقة الملكية البريطانية. ومن بعد أن فسره جهابذة، الباحثون المختصون، الكبار خير تفسير، ليس لأنه يعد واحدا من بين أهم الموسيقيين على مدار العصور، كما كان يؤكد الباحث (ماينارد سولمون) المختص بتاريخ الموسيقى بشكل عام وحياة (بتهوفن) بشكل خاص. وبيتهوفن فنان بارع اشتهرت إعماله جميعها، وراحت دقائق حياته المليئة بالإبداع، والعطاء تدفع الناس للإعجاب أكثر، لأنه ولد موسيقيا عام 1770 في مدينة بون بألمانيا، وكانت عائلته من أصل (بلجيكى) وبالتحديد من منطقة (برابان)، والده كان موسيقاراً كبيرا في بلاط (بون)، وهو منصب رفيع، ولكنه كان ميالاً إلى الشرب والسكر أكثر من اللزوم، أما أمه (فيفيان) فكانت طيبة، ناعمة حنونة، ولكن ذات شخصية ضعيفة، تزوجها وهي في سن العشرين، وراح وراء نساء كثيرات، كان يحضرن بشكل متواصل إلى البلاط. وكان (بتهوفن) يقول عن والدته بأنها كانت أفضل صديق له وقد كان للعائلة سبعة أطفال، ولكن ثلاثة أطفال ذكور فقط، هم الذين بقوا على قيد الحياة، ومن بينهم (لودفيج) فقد كان أكبرهم، وقد أبدى (بتهوفن) اهتمامه بالموسيقى منذ البداية، وكان والده يعلمه أسرار فن الموسيقى كل يوم بعد أن اكتشف موهبته الكبيرة لهذا الفن، وقد قرر أن يجعل منه نوعاً من (موزارت) جديد، وهو طموح ضخم بالطبع لأن (موزارت) هو قمة الموسيقى، حيث عام 1778م قدم (بتهوفن) أولى حفلاته الموسيقية المعروفة، وكان عمره ثمان سنوات، وكان ذلك في مدينة (كولونيا) ولكن المعارف الموسيقية لوالده أصبحت محدودة بعد أن كبر الصغير (بتهوفن) قليلاً، وقد اتسعت آفاقه، ولم تعد تكفيه، لذلك استدل على موسيقار معروف هو (غوتليب نيف)، واكتشف بان العازف القادم إليه بحب بأنه يعرف من أسرار الموسيقى بفطرة ليست عند غيرة، فكشف ضخامة المواهب الموسيقية ل(بتهوفن) وبالإضافة إلى الموسيقى، وفنونها راح يعرّفه على أفكار الفلاسفة القدماء والمحدثين، ويقارن له ما بين ما أنتجوه في الموسيقى والفكر.. حيث كان مؤمنا بان الموسيقى اكبر من كل الفلسفات، إن لم تحويها، وتلفها تحت عباءتها. ويذكر كتاب السيرة (لبتهوفن) في عام 1782 عندما كان عمره اثني عشر عاماً نشر (بتهوفن) أولى أعماله الموسيقية المعروفة وفى العام التالي 1783م كتب أستاذه يقول: أنه إذا ما استمر على هذا النحو فسوف يصبح حتماً (موزارت) العصر، ويذكر الباحث (ماينارد سولمون[1]) في كتابه الصادر مؤخرا عن حياة (بتهوفن)، الذي وسمه ب(الساعات الأخيرة لبتهوفن[2]): وفى عام 1784م عين (بتهوفن) بناء على نصيحة أستاذه نيف عضواً في الجوقة الموسيقية التابعة لبلاط أمير (كولونيا) وكان (عمره عندئذ أربعة عشر عاماً، وهذا المنصب سوف يتيح له أن يتردد على أوساط أخرى غير أوساط عائلته وأصدقاء والده). وعندئذ التقى بأصدقاء سوف يحتفظ بصداقتهم طيلة حياته كلها، وفى البيت أخذ (لودفيج) يحل تدريجياً محل والده وذلك لأن هذا الأخير أصبح يسكر أكثر، فأكثر، وينسى واجباته المنزلية وكذلك بهمل وظيفته في البلاط الملكي. وعندما شعر الأمير (ماكسميليان فرانز) بضخامة مواهبه قرر إرساله إلى (فيينا) عام 1787 لإكمال دراساته الموسيقية ولقاء موزارت. ومعلوم ان (فيينا) كانت آنذاك منارة الآداب والفنون الموسيقية. ولكن لم يصلنا شيء يذكر عن لقاء (بتهوفن) و(موزارت)، عملاقي الموسيقى الألمانية والكونية. كل ما نعرفه هو أن (موزارت) قال لأصدقائه: لا تنسوا هذا الاسم (بتهوفن). سوف يكون له شأن. ولكن فجأة تصل رسالة من بون إلى (بتهوفن) تخبره بأن أمه فى حالة احتضار وينبغي ان يعود فوراً لكي يراها لآخر مرة. وكانت الشخص الوحيد الذي أحبه من كل قلبه. وهكذا ماتت عام 1787. وبعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، أي في عام 1792 عاد (بتهوفن) إلى (فيينا) لمتابعة تكوينه الموسيقى وإكمال دراساته العالية.. وبعد الآن لن يرى مدينته الأصلية بون. سوف يظل في (فيينا) حتى النهاية. وشيئاً فشيئاً راح يدهش (فيينا) بعبقريته الموسيقية والمقطوعات التي كان يعزفها على البيانو بشكل ارتجالي. وفى عام 1795 ينظم (بتهوفن) حفلة موسيقية عامة في (فيينا). وفيها اخذ يعزف أعماله الشخصية ومبتكراته، ك(الحركات الأربع)، ففي عام 1800 نظم سيمفونيته الأولى، وبعض مؤلفاته الأولى التي لم يسميها، ودونها قبيل وفاته بقليل ضمن أوبرا كتبها خصيصا ليجمع بها قصاصاته. ثم التفت إلى أهمية توسيع قاعدة شعبيته، فقام بعدئذ بجولة موسيقية على عدد من المدن الألمانية وغير الألمانية ك(براغ)، و(دريسدن)، و(لايبزيغ)، و(برلين)، و(بودابست). وفى تلك المدينة الهائلة راحت تهدر شعبية (بتهوفن) وتتوسع. فكل الناس كانوا معجبين بهذا الموسيقار الشاب الصاعد، حتى الطبقة الارستقراطية كانت تدعمه، و من هناك بدأت قصة غرامه الثانية، (آنا مارى إيرودى) والتي أهدى إليها أوبرا (متحف العدم) الهائلة، والتي احتاجت منه إلى أن يضيف عددا كبيرا من العازفين الرئيسيين، لمقدمتها فوجد في تلك المرأة مجدا هي تستحقه كونها ساهمت كثيرا في دعمه، وحصلت مشاكل بينه وبينها لاحقا. ولكنه في كل مرة كان يعود إليها ويندم على فعلته ويتوب. والواقع إن موهبته الخارقة كانت تجعل الآخرين يصفحون عنه بيسر على الرغم من أن تصرفاته النزقة، والمتطرفة كانت تزعجهم. ولكنه كان فنانا عبقريا يجذبهم بفنه (لكن أليس كل عبقري شخصا غريب الأطوار بشكل من الإشكال[3]). لقد عاد لينظم أكثر من حفلة موسيقية جديدة في (فيينا) وكان يترأس فرقة العازفين كعازف أول قائد له المحور الرئيس فعزف سيمفونيته الأولى، وكان للمتذوقين من جمهوره يومها الإعجاب الشديد. وعلى الرغم من إننا نعتبرها اليوم كلاسيكية، وقريبة من سياق بناء سيمفونيات (موزارت) و(هايدن)، فإن معاصريه وجدوا فيها نغمة جديدة تدل على أسلوبه الشخصي القوى إلى درجة التطرف. وهكذا راحت عبقرية (بتهوفن) تظهر شيئاً فشيئاً على الرغم من إنها لم تكن قد ازدهرت وأينعت بعد. ووصفه مقربيه بأنه رجل جاد جدا، ويأخذ كل كلمة من المحيطين على محمل الجد، وكأنه لا يعرف إلا الموسيقى. وفى عام 1801م أي عندما كان في الواحدة والثلاثين أصابه الطرش. وفى عام 1802م كتب نصا مشهورا يقول فيه (بأنه يفضل الانتحار على العيش كموسيقى بدون سمع). فيا له من قدر أعمى ذلك الذي حكم عليه بأن يفقد سمعه، وهو الموسيقى الذي نذر حياته لفن قائم كله على السماع، ولكن العبقرية الموسيقية كانت تدعوه إليها لكي يكمل أعماله الخالدة. وهى التي حمته الانتحار، ولكنه بعناد وحرص راح ينظم سيمفونياته الرائعة، ويتغلب على عاهته بواسطة الخلق والإبداع. فكان بذاكرة تنسى كل الأشياء فيما عدا الموسيقى، وعندئذ ابتكر السيمفونية (الثانية) و(الثالثة). وقد نظم هذه الأخيرة مهداة إلى (نابليون بونابرت)، ومعلوم أن المثقفين كانوا ينظرون إليه آنذاك بصفته محرّراً للشعوب الأوروبية، وابناً للثورة الفرنسية التي أنعشت الآمال في القلوب. ولكن عندما نصّب نابليون نفسه إمبراطورا غضب (بتهوفن) غضباً شديداً ومحا اسمه من الإهداء. وفى 7 نيسان من عام 1805، عزف (بتهوفن) لأول مرة سيمفونية (البطولة). ومن جهة أخرى فقد أنهى مقطوعة الأوبرا التي كان قد ابتدأ بكتابتها أو نظمها منذ فترة. وتدعى أوبرا (ليونو). وهى الوحيدة التي نظمها كعمل متكامل في حياته. (وقد صححها وكتب لها أربعة مداخل مختلفة). ثم تواصل النشاط الإبداعي ل(بتهوفن) بكثافة في السنوات التالية. وقد ألف عندئذ عدة سيمفونيات نذكر من بينها السيمفونية الرعوية مبنية على نص الفرنسي (اندريه جيد). بعدها أخذ يُدرّس الموسيقى في مدرسة البلاط العالية لبعض الطالبات الجميلات. و(قد وقع في حب أكثر من واحدة[4]). وعندئذ حصل حادث سعيد ومهم بالنسبة له. فقد أصبح (رودولف) أخ الإمبراطور تلميذه، وصديقه، ثم راعيه، وحاميه لاحقاً. وفى عام 1809 فكر (بتهوفن) في مغادرة (فيينا) بناء على دعوة من (جيروم بونابرت) شقيق الإمبراطور. ولكن صديقته المخلصة الارستقراطية (آنا مارى إيرودى) استبقته في (فيينا)، ومنعته من الذهاب إلى (فرنسا التي كانت تريده كثروة فنية). وقد ساعدها على ذلك أصدقاؤه الأغنياء الذين أغدقوا عليه الأموال والهبات. وهكذا لم تخسره (النمسا). وقد اتفق هؤلاء الأغنياء من أمراء وارستقراطيين على دفع مبلغ سنوي كبير له لكي يجعله بمنأى عن الحاجة أو الهموم المادية. وكان الشرط الوحيد الذي أخذوه عليه هو ألا يترك فيينا إلى أي بلد آخر كائناً ما كان. وهذا الراتب السنوي الضخم جعل من (بتهوفن) موسيقاراً مستقلاً بذاته من الناحية المادية. وكان أول موسيقار يعيش من عمله. فقبله كان (باخ) أو (موزارت) أو (هايدن) يخدمون في بلاط أحد الارستقراطيين ويعيشون على هباته. وهكذا فتح عهد جديد في تاريخ الموسيقي. فالموسيقار أصبح حراً في أن يكتب ما يشاء، ومتى يشاء بناء على طلب أم لا. وفى نهاية شهر يوليو من عام 1812 حصل اللقاء الشهير بين (بتهوفن) و(غوته)، وقد رتبت الموعد السيدة (بيتينا برنتانو)، وكان الرجلان العظيمان معجبين يبعضهما البعض كثيرا، ولكنهما لم يتفاهما، أو لم يفهم أحدهما الآخر. فقد وجد (بتهوفن) إن غوته يتملق السلطة كثيرا من أجل الحصول على هباتها. وأما (غوته) فوجد أن (بتهوفن) متغطرس أكثر من اللزوم وغير مجيد لأية لباقة اجتماعية بما فيه الكافية. والواقع أن الموسيقار كان معجبا بالشاعر وقد تحاورا على جملة أمور قد اتفقا عليها أولاهما بان الشعر والموسيقى صنوان لا يفترقان، وقد ترجم قصائده إلى مقطوعات موسيقية رائعة. ثم تأسف بعدئذ لأنهما لم يتفاهما عندما التقيا. وفى أواخر حياته ما كان (بتهوفن) لا يسمع شيئا، ولذلك فقد كان يستخدم الكتابة على الدفاتر للتفاهم مع محاوريه، وأصدقائه في الشوارع، أو في المقاهي. فكان يرد على محاوريه بواسطة الكتابة، وكثيرا ما كان (بتهوفن) يختلي بنفسه في أحضان الطبيعة وبخاصة في ضواحي (فيينا) وأريافها الغناء. فهناك كان يشمّ رائحة الزهور، ويرى الإمطار وهى تتساقط، ويشاهد الفراشات، والطيور، ويستمتع بكل ما يحيط به من جمال خلاب. ولكنه لم يكن يستطيع أن يسمع خرير السواقي. أو تغريد البلابل والواقع أن هذه العاهة، عاهة الطرش، نكدت عليه عيشه، ولكنه لم يستسلم للأمر الواقع ولم تخر عزيمته، وإنما ظل مثابرا على إبداعه حتى النهاية. وهنا تكمن عظمته. على هذا النحو واصل (لودفيج فان بتهوفن) حياته حتى النهاية عام (1814م) واهبا (إياها للفن، وللفن وحده، فهو لم يتزوج، ولم ينجب الأطفال، ولكنه أنجب السيمفونيات الموسيقية التي لا تزال تطربنا وتهزنا حتى الآن[5]). فهو أحد أركان أسماء كبرى في تاريخ الموسيقى العالمية.
Monday, August 01, 2005
[1] LATE BEETHOVEN MUSIC, THOUGHT,IMNAGINATION .MAYNARD SOLOMON
[2] الناشر: مطبوعات جامعة كاليفورنيا 2005

[3] P165
[4] LATE BEETHOVEN MUSIC, THOUGHT,IMNAGINATION .MAYNARD SOLOMON
[5] المصدر نفسه.
الشاعر نصيف الناصري

عن الشعر


ليس دفاعاً عن شاعر
(ما أكثر الكلام ولكن النصوص قليلة
[1])
بقلم: محمد الأحمد
يسقط هذا المقال
[2] الكيدي في فخّ الفضيحة، والخيانة الأدبية، واعتبره خارجا عن أية موضوعية، فتعمّ السخرية مني حول الكاتب الذي أسقط أسمه قصدا من هكذا مقال مغرض (بائس)، فأخفى أسمه لأنه أراد أن يفضح بلا شجاعة، وكان يبغي به تهشيم ما لا يهشم، فأن إخفاء أسم كاتب أي مقال يعني بأن كاتبه غير شجاع، ولا يستطيع المواجهة و ليس صاحب مروءة، فيقع عليه اللوم الشديد..
جاء المقال مضطربا مشوشا، لا ينوي كاتبه الإخلاص للشعر، أو للثقافة العراقية، إذ نمَّ عن جهل متواصل الغشاوة، متواترا بالضغينة، فكشف عن بؤس الاتهام وبؤس المهاجمة. ومن المضحك حقا وردت ضمن المقال تسمية ما لم افهمها (فضاء شعري) ولم يوضح بما كان يريد الإيضاح به كمصطلح نقدي، أم كاتب المقال نفسه متقصدا للخطل، والوهم ليذهب بقراءة بأنه يفهم في الشعر و مصطلحاته وربما (لا يعرف كيف يعبر بعربتيه
[3]) بعيدا المعنى، أو أنها كرصاصة غادرة هرب مطلقها ومتملصا بإخفاء اسمه، إذ لم يقارن أية مقارنة موضوعية (ما السارق والمسروق)، وأنا ادعي المعرفة بما طرح، فوجدت حقدا دفينا في هذا (الكتاب[4]) الذي ادعى كاتب المقال انه في صدد تأليفه، وأكاد اجزم بأنه جريمة لن تغتفر، ومن الجريمة أن نشجع على هكذا ثقافة.
فأسم مثل أسم الشاعر (نصيف الناصري) قد جاهد وكافح من أجل أن يلمع، وما أرتكز عليه المقال لم يكن موضوعاً يستحق مني الرد، فأبريء الشاعر، وإنما مثل هكذا قامة وهمية يريد أن يطول بها أسماء شعراء، وصاحب المقال ليس بشاعر أو ناقد، و السارق هو كاتب المقال. ثمة أصوات تصدر من هنا وهناك غايتها إيقاف القافلة. ولكنها تسير القوافل رغم عن كل شيء، و إنا واحد بين الوسط الأدبي منذ عام 1978م واعرفه صفحاته المشرفة المبدعة كما اعرف الحاسدة المخزية، وصرت أميز النصوص دون الإشاعات ومقاهي العثة والفساد، و(نصيف الناصري) تجربة عراقية تستحق الفخر لأنه لم يدخل المدرسة، وأنه شاعر تعلم بدون مناهج دراسية ولكنه اثبت بأنه شاعر (ثمانيني) بارز بين جيله. ومن بعد أن تبين الغل الغليل حينما ذكر (ويبدو بأن (نصيف الناصري) لا يستطيع أن يحرر جملة عربية، لأنه كتب سيرته في فضاء شعري
[5]).
ولكننا نعيش اليوم في زمن مترهل، حتى نراهم يطلقون كل ما في أنفسهم من ضغائن وأحقاد، ويرمون بها مبدعينا الأفذاذ، فالرمي لأي مبدع في غفلة، والمهاجمة لا تدل على انه لا يطول القامة بالقامة.. فقصائد هذا الشاعر أو ذاك، هي في إبداعها تثير دعاة الشعر والشعر منهم براء. فكم من شاعر لا يصل بمفردة واحدة قصده حتى يرمي الشاعر ذلك بكل قصده، في غيابه ولا يجرأ على مطاولته في حضوره.. فكم من شاعر غاب، وكم من دعي مهمل فاز بالفراغ. وكم منهم يدعي بأنه كان مبدعاً كبيراً، ولا يملك اليوم من الإبداع النزير، ويدعم كل متسلق، متملق، نمّام، كسيح.. أقول كل ذاك ولا أستثني أي من هؤلاء أحد. فهم قلة كانوا كالكلاب البائسة تركع عند حذائي (رئيس تحرير جريدة الثورة سابقا) في مقهى (حسن عجمي) وتلحس بلسانها حد التلميع دون خجل من أحد، واليوم هي نفسها في غيابه تحاول أن تعلن شراستها، تنبح، فكنت أرى التملق ذاك من ذلك، واليوم أنا لا استغرب لأنه أمس كان يرمي كل مبدع حقيقي بالخيانة، والعمالة لمجرد ساعتها جعل صاحب السلطة يرضى. ذاك كان مع (رئيس التحرير) واليوم ضد (الشعر).. فشتان ما بين الاثنين..
أنا اسأل اليوم أولا جريدة (الصباح) حاشاها الله من هكذا خطأ جسيم يتحمله محرر صفحتها الثقافية فهو وحده المسئول عن هكذا إثارة، و من انتهز فرصة الغفلة لأنها الجريدة الغراء المحترمة. وأعذرها يوم تنشر تنويهاً بذلك الشأن، أردت القول بأن ثمة شعراء بلا أبداع يتصيدون الوهم. هم في الأصل تبعات عهد مضى، وإمعات شعر، وليسوا سوى أقرباء المسئول الفلاني (من ناحية الزوجة)، وهم دونه غدا سوف لن يسوون شيئا. و يكرهون (فلان) كونه شاخصاً أنموذجا يذكرهم بفقرهم الإبداعي على عكس ما يدعون من بطولات زائفة، فلست دفاعاً عن شاعر، ولكن دفاعاً عن الحس الحقيقي للشعر الذي يتمتع به (الشاعر)، وأيضاً للأسلوب الفج غير المقنع ولم يرشدنا به، و صدارة الصفحة الثقافية دلّ على أن مسئول الصفحة متعاطفاً مع كاتب المقال، (إن لم يكن هو) فليس باللغة الركيكة يظن الفرد نفسه فاتحا لعلبة سردين مستعصية (حتما سيكون لنا معه شوطا آخر
[6]).. حيث ظهر المقال وكأنه محاولة تصويب عيار إلى صدر بريء، وكان الصفحة خاصته، وينسى بأن لجريدة (الصباح) قراء كثر، وأغلبهم من الكادر العارف بخفايا الإبداع، العارف بسطور الساحة الثقافية..
أستغربُ اليوم متسائلاً عن هذه الأصوات العاوية في غربة الليل العراقي، إلى متى تبقى الكلمات الحاقدة مرتفعة الصوت، ألانها تبوأت منابرنا العراقية المهمة، لتنال من هذه المبدع أو ذاك إلى متى يبقى الصوت العراقي مقصياً، وينال منه البعض، هذا الذي لا يمكن السكوت عليه..

‏‏السبت‏، 23‏ تموز‏، 2005

[1] ميشيل فوكو
[2] المقال منشور في جريدة الصباح، العدد 601، الأربعاء – 13- تموز-2005، شعراء ولكن/ نصيف الناصري:(استبدال المفردة واستعارة أفكار الآخرين) ولم يظهر مع المقال اسم كاتبه.
[3] المقال تضمن الجملة.
[4] كم من كتب كاذبة لن تصدر ابدا.
[5] من المقال المنشور
[6] إن كان حقيقة ويرى النور

٠٦‏/٠٨‏/٢٠٠٥


الدكتور ماجد الحيدر
قصيدتان

(1)ما الفائدة ؟
"وما الفائدة ؟.. "
يسخر محمد سعيد الصحاف
وهو يستجوب عزيز الحاج
الغارق في دخان سجائره
أمام الحرس القومي القديم
والكاميرات المسحوبة الأقسام.
"ما الفائدة ؟.. "
يتساءل أبي وهو يبكي أمام التلفاز …
"ما الفائدة ؟.. "
تسأل أمي وهو تشهق
وتقبل ثياب الغائبين
"آه ما الفائدة ؟.. "
يمسك أخي رأسه الذي يشيب سريعاً
وهو يرتجف في الأقفاص الثلجية
هناك في كوركان البعيدة.
"ما الفائدة ؟.. "
يتساءل صغيري وهو يرفع العلم في ساحة المدرسة
ويرتفع الرصاص فوق الهامات المذعورة
"ما الفائدة ؟.. "
أتثاءب وأنا أسمع وأسمع وأسمع …
"وما الفائدة ؟.. "
تسأل النخلةُ والطيرُ وحبات الزيتون اليابسات
"ما الفائدة ؟.. "
يسأل القاتل والقتيل
"ما الفائدة ؟.. "
تسأل شجيرات العاقول
في بحر النجف الرملي الفسيح
"ما الفائدة ؟.. "
تسأل الورقة العذراء … والورقة الثيب
والورقة الذبيحة
"ما الفائدة ؟.. "
تصعد الأسئلة
تلتز في غيمةٍ نسيَت لون بخارها
فأمطرت زئبقاً ، وعقارب سكرانةً
وأفواها فاغرات بأجنحةٍ من سخام ….
"ما الفائدة ؟.. "
تكبر البرك .. تستحيل أنهاراً .. بحاراً ..
أوقيانوساً دبقاً …
"ما الفائدة ؟.. "
أحرق الأوراق العذراء .. والثيبات
والقتيـ … "ما الفائدة ؟.. "
***
"ما الفائدة ؟.. "
أتذمر وأدمدم "ما الفائدة .. ما الفائدة .. ما الفائدة ؟.. "
لكنني في يوم الطوفان
أصعد السفينة
ويدي في يد أنثاي
هناك سنفلت من الربان العجوز
والخطب الطوال
وندلف الى قبو صغير
لنمارس طقوس حب جنونية …
وحين ينادي المنادي
أن قد بلغنا القفقاس فانزلوا
سنزداد جنوناً
ونضحك ساخرين .. نسأل "ما الفائدة ؟.. "
11/1/2004
إشارات
1-كان محمد سعيد الصحاف "مدير الإذاعة والتلفزيون آنذاك" قد تولى التحقيق أمام شاشات التلفزيون مع عزيز الحاج أحد قادة انتفاضة الأهوار الشهيرة أوائل سنوات الفاشية في نهاية الستينات ولقد شاهدت أبي وأعمامي وأخوالي يبكون وهم يشاهدون القائد الأسير يتلاعب به الشرطي مدير التلفزيون.
2-كوركان : معسكر للأسرى العراقيين في أقصى شمالي إيران.
3- بحر النجف : أعظم مقبرة في الدنيا ملأتها عن آخرها جثث قتلى الحروب والمذابح.


(2)
وماذا تقترح يا رفيق ؟
وماذا تقترح يا رفيق ؟
في ساعة السعد هذي
أنندب حظنا ؟
أم نمط ظهورنا
اليابسة .. المتخشبة ..
التي طالما انحنت ..
من خوفٍ..
من يأسٍ..
أو من طول اعتياد ..
...
وماذا تقترح يا رفيق ؟
أن نبكي سويةً ؟
مثل نايين ذبيحين
على العمر الذي نسيناه
في كيس من النايلون الأسود المعاد
نجرجره في الأماسي
الى أفواه تزقزق كالعصافير
وعلى ظلنا الذي صار خرقة قديمة
نمدها في الأظهار
على سلحفاة الحديقة الرمضاء ؟
...
وماذا تقترح يا رفيق ؟
"الريل وحمد" أم " مثل روجات المشرَّح"
أم "آهات" تتكرر وتتكرر ..
مثل ضربات على اليافوخ
تذكرك كل ساعة .. دقيقة .. ثانية ..
بتاريخ المُدمى .. وحبالك المدلاة
من خطّاف المروحة السقفية ؟
...
وماذا تقترح يا رفيق
أن تشنق نفسك .. أم تعصر برتقالة
وتصبها في رضّاعة من حجر
وتنام في حضن خريطة باكية عجوز ..
تمسح على رأسك الأشيب
وتغنيك ...
"دللول .. دللول ..
آه ..
يا لولد يا بني .. دللول ! "

٠١‏/٠٨‏/٢٠٠٥

حامد الزبيدي


(عرض سريالي)
قصة قصيرة: حامد الزبيدي
السريالية: هي الفوضى المدهشة في عالم فقد اتزانه

بدأت الشمس، تختفي خلف القمم، إنزوت حزناً من يومها الوؤد ، انتشر القطيع السماوي ولاحت عيون (لوثايان1) المتلألئة في الظلام، في تلك اللحظة، توهجت المصابيح، وابتسمت الطرقات، لحبيبات المطر النازل على رؤوس الواقفين أمام أبواب بناية المسرح الكبير، حشوداً أخذت دورها بالدخول، امتلأت المقاعد وغصت الممرات وقوفاً، والعيون ترنوا باندهاش إلى تلك اللغة الملونة والى ذلك الديكور السوريالي الذي يتحدث إليهم بصمت، يفسر لهم رؤى المسرحية الممتزجة بمراحي المخرج، الذي كان يجلس في آخر كرسي في الصالة المكتظة بالنظارة، يدخن سيجارته وكانت تجلس إلى جانبه امرأة عجوز صماء، قد أزعجها الدخان الخارج من منخريه، تحسس ردود فعلها، رمى سيجارته، تحت حذاءه، وهو ينظر إلى الواقفين في الممرات والجالسين على المقاعد يتفحصهم بعيني ذئب جائع، كان قلبه المرتجف، يخفق بشدة، في تلك اللحظة انتابه شعور لا يمكن تفسيره، أضاف إليه غصة قلقٍ وتوترٍ وخوف من اللاشيء، حدج المرأة العجوز الصماء التي نفد صبرها، وهي تتطلع إلى ذلك العالم السحري، دخل الصالة رجل ذو كرش متهدل والذيول تتبعه، جلس على الكرسي المخصص اليه، انتشرت الذيول، أخذت أمكنتها، تخشبت، تجبست في أركان الصالة تتفرس في الوجوه، يقظة، حذرة، خوفاً على راحة ذي الكرش المتهدل، أخرج لفيفة التبغ وقرب رأسه الكبير إلى الذي يجلس بجانبه، أرّث اللفيفة، أخذ نفساً عميقاً ثم همس بأذنه:
-هل المسرحية كوميدية؟
رد عليه بوقار وفي صوته المرتجف، نغمة حزن لعدم فهمه السوريالية:
-لا يا سيدي.. إنها مسرحية سوريالية.
تكور وجهه العبوس واعتلت خديه مسحة كدر وغم مبين، شاعت عيناه، ترنو إلى الجدران، سارت برفقٍ ويافطة بيضاء كبيرة معلقة على جدار الصالة، كتب عليها بخط كبير اسم (الحرية) ثم التفت إلى الجهة الأخرى فقرأ اسم (الديمقراطية) رفع رأسه بشموخ وعلياء وهو يعلم علم اليقين، (بأن ليس هناك شيء أكبر من الحرية ولا أكبر من الديمقراطية على الجدران)، دعك كرشه المتهدل بيده ونقر عليه بسباته بارتياح، اقترب منه المخرج المساعد المتملق وبحركة رشيقة، أحنى قامته بقدسية واجلال وقال بخشوع مبتذلٍ:
-مرحباً بك سيدي الموقر.. ونحن نزهو شوقاً وفخراً لحضورك الميمون.
ثم تراجع إلى الخلف بخطوات بطيئة، مرتجفة، خائفة، خاشعة، رفع قامته وحصر عيناه، ومشى بخيلاء وكبرياء في الممر المكتظ بالنظارة، يدفع هذا بتذمر، ويلكز ذاك بعجرفةٍ، حتى وصل المخرج، ثم افتعل ابتسامة باردة كاذبة، وهمس بفرح غامر.
-لقد حضر السيد………… العرض المسرحي.
اكتفى المخرج بنظرةٍ غامضةٍ ولاذ بالصمت المطبق، وكأنه لم يسمع منه شيئاً، فأردف إليه المخرج المساعد متوسلاً:- أتمنى أن أقدم نفسي للجمهور.. بدلاً عنك في نهاية العرض المسرحي.
اجتاح عيناه شيء من الحزن، ولكنه ابتسم ابتسامة فارغة ودار في خلده (أن أعظم لحظة يعشها المخرج، هي تلك) تودد إليه وألح عليه الحاحاً لا مفر منه:
…..أرجوك أتوسل اليك، أن تمنحني هذه اللحظة.. إن عروسي تحضر العرض المسرحي واريد..
ثم يصمت، وهو ينظر إليه بعين الترجي، رد عليه المخرج بهدوء ملؤه الطيبة والحنان:
-وهو كذلك.. كما تحب.
المخرج المساعد يطير من شدة الفرح، يقبل وجه المخرج ثم ينطلق ماشياً في ذلك السيل البشري متجهاً صوب خشبة المسرح، أخذت الإضاءة بالخفوت شيئاً فشيئاً حتى ساد الظلام وساد الصمت في الصالة، توجهت العيون، كل العيون إلى خشبة المسرح المضيئة، دخل الممثلون، يؤدون أدوارهم، ثم ينشدون الحاناً حزينة، تشبه الصراخ والعويل (نامي جياع الشعب نامي، حرستك آلهة الطعام) طربت الأوتار واصدحت الحناجر بالهتاف، واختلطت أصوات النظارة بأصوات المدعوين حتى فاضت الدموع من المآقي وامتزجت الآهات بالنحيب، فشكلت سمفونية الزمن العصيب، انطلقت المرأة العجوز الصماء في الغناء الذي كان يشبه البكاء، وأجبرت المؤدين والنظارة سواء، بإعادة سمفونية (تنويمة الجياع)2 وبرغم الحزن الجاثم، كانت تتصادم نغمات الفرح المقتول، وتحركت الأجساد برقة إلى الشمال والى اليمين، تماوجت طرباً، بيد أن ذا الكرش المتهدل، كان مندهشاً، كان مستغرباً مما يفعلون، التفت إلى الذي يجلس بجانبه:
-بأي لغة يتحدثون هؤلاء؟ إنني لا أفهم شيئاً مما يقولون… هل أنت تفهم شيئاً؟
-اطلاقاً لا أفهم شيء سيدي.
ارتعدت فرائصه غضباً واشتد حنقه ثم قال باشمئزاز بالغ:
-أهذا هو المسرح السوريالي؟
-نعم سيدي.
فاضت عينا المخرج بالدموع ولسانه ينشد معهم بهدوء، تهيأ إلى الخروج وقال في ذات نفسه (إلى أين أهرب من هذا العالم) وبدأ يفكر (أي طريق امثل للانسحاب؟) لقد قضى نيفاً من عمره المسرحي، كلما ينتهي العرض المسرحي، ينسل هارباً، ولا يدري ما يكون وراءه، انتهى العرض المسرحي، بدأ الممثلون، يتقدمون إلى النظارة، تصفيق حار، وزغاريد عالية، وهتاف كأنه الزمازم، صعدت الذيول الشرسة إلى خشبة المسرح المقدسة، حولتها إلى حلبة ملاكمة بل إلى ساحة مصارعة الثيران الدموية، تمدد المخرج المساعد فوق الخشبة على اثر ضربة قاضية، أفقدت صوابه من أحد الذيول، صراخ وعويل، وكلام جارح في الصالة المظلمة، ركض المخرج في الممر، ارتقى الدرج مسرعاً وهو يصرخ بأعلى صوته:- أطفأ الإنارة … أطفأ…!!
دخل غرفة الإنارة فلم يجد أحد فيها، لقد هرب، منفذ الإنارة، ضغط على المفتاح، أظلام تام، ثم ضغط على مفتاح آخر، أضيئت الصالة، واشتبكت الذيول بالنظارة، ودارت معركة حامية الوطيس، كانت تقودها المرأة العجوز الصماء، قهقهة ذو الكرش المتهدل وقال لصاحبه:
-ان ما أشاهده الآن هو أعظم مما شاهدته قبل قليل!
ثم غرق في ضحكاته القذرة، وأسند ظهره إلى الخلف بنشوة وانشراح، وهو ما زال يضحك على أولئك الممثلين الممرغين في أتربة الخشبة، يلقون أقسى وأمر العذاب، ضرب يداً بيد:
-حقيقة ان المسرح السوريالي تجسيد حي للواقع.
ثم قهقه قهقهةً عاليةً، سال منها اللعاب على ذقنه، نهض من مكانه وهو ينظر إلى الذيول، تولى قيادتهم وأملى عليهم توجيهاته العنيفة، فاشتد الضرب بالممثلين الجاثمين، أغرتهم الهراوات بالدماء، ورفستهم الأحذية القوية، لم تتحمل العروسة ما أصاب عروسها، داست على حيائها، ونبذت خجلها ثم قفزت من مكانها بلا دراية ولا شعور، انطلقت وهي تصرخ بجنون، متجهةً نحو خشبة المسرح، حصرها أحد الذيول في ركن الصالة، ورضع شفتيها الحمراوين عنوةً، كطفلٍ شرهٍ لم يبلغ حد الفطام وكان المخرج المساعد يضرب على خشبة المسرح بيديه، احتجاجاً على إكراه عروسه ، غضبت المرأة العجوز الصماء وجن جنونها، خلعت عصبتها السوداء عن رأسها، قذفتها في الهواء، انطلقت، تدافعت، ترافست، ثم وصلت إلى ذي الكرش المتهدل المنشغل بإصدار أوامره، خلعت نعلها ثم صفعته، صفعة سوريالية على وجهه، جفل منها، ثم فقد صوابه وانهار اتزانه، فسقط صريع الأرض، وهي تهتف بأعلى صوتها:
-يعيش المسرح الحر… يعيش المسرح السوريالي.
توجهت نحوها البنادق، أطلقت النيران، سقطت المرأة العجوز الصماء، اشتد غضب النظارة، تحولوا إلى كتلة من نار، هجموا على الذيول، ضغط المخرج على مفتاح الإنارة، أظلام تام، صراخ، وأصوات اطلاقات نارية في الصالة، خرج من الغرفة، هبط الدرج وهو يقول في ذات نفسه :
-(اني لا احترم العالم الذي لا يستطيع إيقاف النزيف الدموي) استوقفه أحد الذيول.
-من أنت؟
مجنونُ..يحلم بتغير العالم.
تركه بهدوء، مشى في الظلام نحو الباب الخارجي.


1 لوثيان.. التنين
2 ترنيمة الجياع.. قصيدة لشاعر العرب الأكبر (محمد مهدي الجواهري)


حامد الزبيدي
16/12/002