ليس دفاعاً عن شاعر
(ما أكثر الكلام ولكن النصوص قليلة[1])
بقلم: محمد الأحمد
يسقط هذا المقال[2] الكيدي في فخّ الفضيحة، والخيانة الأدبية، واعتبره خارجا عن أية موضوعية، فتعمّ السخرية مني حول الكاتب الذي أسقط أسمه قصدا من هكذا مقال مغرض (بائس)، فأخفى أسمه لأنه أراد أن يفضح بلا شجاعة، وكان يبغي به تهشيم ما لا يهشم، فأن إخفاء أسم كاتب أي مقال يعني بأن كاتبه غير شجاع، ولا يستطيع المواجهة و ليس صاحب مروءة، فيقع عليه اللوم الشديد..
جاء المقال مضطربا مشوشا، لا ينوي كاتبه الإخلاص للشعر، أو للثقافة العراقية، إذ نمَّ عن جهل متواصل الغشاوة، متواترا بالضغينة، فكشف عن بؤس الاتهام وبؤس المهاجمة. ومن المضحك حقا وردت ضمن المقال تسمية ما لم افهمها (فضاء شعري) ولم يوضح بما كان يريد الإيضاح به كمصطلح نقدي، أم كاتب المقال نفسه متقصدا للخطل، والوهم ليذهب بقراءة بأنه يفهم في الشعر و مصطلحاته وربما (لا يعرف كيف يعبر بعربتيه[3]) بعيدا المعنى، أو أنها كرصاصة غادرة هرب مطلقها ومتملصا بإخفاء اسمه، إذ لم يقارن أية مقارنة موضوعية (ما السارق والمسروق)، وأنا ادعي المعرفة بما طرح، فوجدت حقدا دفينا في هذا (الكتاب[4]) الذي ادعى كاتب المقال انه في صدد تأليفه، وأكاد اجزم بأنه جريمة لن تغتفر، ومن الجريمة أن نشجع على هكذا ثقافة.
فأسم مثل أسم الشاعر (نصيف الناصري) قد جاهد وكافح من أجل أن يلمع، وما أرتكز عليه المقال لم يكن موضوعاً يستحق مني الرد، فأبريء الشاعر، وإنما مثل هكذا قامة وهمية يريد أن يطول بها أسماء شعراء، وصاحب المقال ليس بشاعر أو ناقد، و السارق هو كاتب المقال. ثمة أصوات تصدر من هنا وهناك غايتها إيقاف القافلة. ولكنها تسير القوافل رغم عن كل شيء، و إنا واحد بين الوسط الأدبي منذ عام 1978م واعرفه صفحاته المشرفة المبدعة كما اعرف الحاسدة المخزية، وصرت أميز النصوص دون الإشاعات ومقاهي العثة والفساد، و(نصيف الناصري) تجربة عراقية تستحق الفخر لأنه لم يدخل المدرسة، وأنه شاعر تعلم بدون مناهج دراسية ولكنه اثبت بأنه شاعر (ثمانيني) بارز بين جيله. ومن بعد أن تبين الغل الغليل حينما ذكر (ويبدو بأن (نصيف الناصري) لا يستطيع أن يحرر جملة عربية، لأنه كتب سيرته في فضاء شعري[5]).
ولكننا نعيش اليوم في زمن مترهل، حتى نراهم يطلقون كل ما في أنفسهم من ضغائن وأحقاد، ويرمون بها مبدعينا الأفذاذ، فالرمي لأي مبدع في غفلة، والمهاجمة لا تدل على انه لا يطول القامة بالقامة.. فقصائد هذا الشاعر أو ذاك، هي في إبداعها تثير دعاة الشعر والشعر منهم براء. فكم من شاعر لا يصل بمفردة واحدة قصده حتى يرمي الشاعر ذلك بكل قصده، في غيابه ولا يجرأ على مطاولته في حضوره.. فكم من شاعر غاب، وكم من دعي مهمل فاز بالفراغ. وكم منهم يدعي بأنه كان مبدعاً كبيراً، ولا يملك اليوم من الإبداع النزير، ويدعم كل متسلق، متملق، نمّام، كسيح.. أقول كل ذاك ولا أستثني أي من هؤلاء أحد. فهم قلة كانوا كالكلاب البائسة تركع عند حذائي (رئيس تحرير جريدة الثورة سابقا) في مقهى (حسن عجمي) وتلحس بلسانها حد التلميع دون خجل من أحد، واليوم هي نفسها في غيابه تحاول أن تعلن شراستها، تنبح، فكنت أرى التملق ذاك من ذلك، واليوم أنا لا استغرب لأنه أمس كان يرمي كل مبدع حقيقي بالخيانة، والعمالة لمجرد ساعتها جعل صاحب السلطة يرضى. ذاك كان مع (رئيس التحرير) واليوم ضد (الشعر).. فشتان ما بين الاثنين..
أنا اسأل اليوم أولا جريدة (الصباح) حاشاها الله من هكذا خطأ جسيم يتحمله محرر صفحتها الثقافية فهو وحده المسئول عن هكذا إثارة، و من انتهز فرصة الغفلة لأنها الجريدة الغراء المحترمة. وأعذرها يوم تنشر تنويهاً بذلك الشأن، أردت القول بأن ثمة شعراء بلا أبداع يتصيدون الوهم. هم في الأصل تبعات عهد مضى، وإمعات شعر، وليسوا سوى أقرباء المسئول الفلاني (من ناحية الزوجة)، وهم دونه غدا سوف لن يسوون شيئا. و يكرهون (فلان) كونه شاخصاً أنموذجا يذكرهم بفقرهم الإبداعي على عكس ما يدعون من بطولات زائفة، فلست دفاعاً عن شاعر، ولكن دفاعاً عن الحس الحقيقي للشعر الذي يتمتع به (الشاعر)، وأيضاً للأسلوب الفج غير المقنع ولم يرشدنا به، و صدارة الصفحة الثقافية دلّ على أن مسئول الصفحة متعاطفاً مع كاتب المقال، (إن لم يكن هو) فليس باللغة الركيكة يظن الفرد نفسه فاتحا لعلبة سردين مستعصية (حتما سيكون لنا معه شوطا آخر[6]).. حيث ظهر المقال وكأنه محاولة تصويب عيار إلى صدر بريء، وكان الصفحة خاصته، وينسى بأن لجريدة (الصباح) قراء كثر، وأغلبهم من الكادر العارف بخفايا الإبداع، العارف بسطور الساحة الثقافية..
أستغربُ اليوم متسائلاً عن هذه الأصوات العاوية في غربة الليل العراقي، إلى متى تبقى الكلمات الحاقدة مرتفعة الصوت، ألانها تبوأت منابرنا العراقية المهمة، لتنال من هذه المبدع أو ذاك إلى متى يبقى الصوت العراقي مقصياً، وينال منه البعض، هذا الذي لا يمكن السكوت عليه..
السبت، 23 تموز، 2005
[1] ميشيل فوكو
[2] المقال منشور في جريدة الصباح، العدد 601، الأربعاء – 13- تموز-2005، شعراء ولكن/ نصيف الناصري:(استبدال المفردة واستعارة أفكار الآخرين) ولم يظهر مع المقال اسم كاتبه.
[3] المقال تضمن الجملة.
[4] كم من كتب كاذبة لن تصدر ابدا.
[5] من المقال المنشور
[6] إن كان حقيقة ويرى النور