٠٧‏/٠٩‏/٢٠٠٦


أولاد حارتنا..
هل صارت لعنة
نجيب محفوظ ؟

سعد القرش


بعد قيام ثورة يوليو تموز 1952 ظل نجيب محفوظ عازفا عن الكتابة بحجة أن العالم الذى كان يسعى بالكتابة إلى تغييره غيرته الثورة بالفعل ولم تعد للكتابة جدوى بعد أن أنهى الثوار مرحلة تاريخية كان يريد لها أن تنتهي.وحين انحرفت التجربة الثورية، كما قال محفوظ فى أكثر من مناسبة، عن الشعارات التى أعلنتها وظهرت فجوة عميقة بين النظرية وتطبيقاتها كتب محفوظ رواية "أولاد حارتنا" التى عاد بها إلى الكتابة عام 1959.وبعد بدء نشر الرواية مسلسلة فى صحيفة الأهرام الحكومية ابتداء من 21 سبتمبر أيلول حتى 25 ديسمبر كانون الأول 1959 حث بعض رموز التيار الدينى المحافظ على وقف النشر استنادا إلى تأويل الرواية تأويلا دينيا يتماس مع قصص بعض الأنبياء.إلا أن ذلك لم يتسبب فى وقف النشر ولكنه تسبب فى عدم طبعها فى كتاب داخل مصر إلى اليوم.وقال الكاتب المصرى سليمان فياض إنه كان يعمل انذاك بوزارة الأوقاف سكرتيرا للجنة كانت تحمل عنوان "الدفاع عن الاسلام" مع الشيخين سيد سابق ومحمد الغزالى وكانا مسؤولين معا عن إدارة المساجد والدعوة والدعاة.وأضاف فياض أنه فى إحدى جلسات تلك اللجنة "قدم الشيخ الغزالى ورقتين معدتين من قبل يستعرض فيهما "أولاد حارتنا" من زاوية الاتهام وحدها. وفى الورقتين كانت الإدانة " لأولاد حارتنا " فى غيبة من الدفاع والمتهم. ومنذ ذلك الحين وقصة " التكفير والاتهام بالالحاد لا تتوقف."وصدرت الرواية فى بيروت عن دار الآداب ومن هناك تصل إلى القارئ المصرى الذى لا يجد صعوبة فى الحصول عليها.ولاتزال مكتبة مصر الناشر الدائم لأعمال محفوظ تسقط "أولاد حارتنا" من قائمة أعمال الكاتب إلى اليوم ولم يعترض محفوظ لأنه لم يكن يريد خوض معركة لإصدار الرواية فى مصر.وظلت الرواية متاحة فى مصر لمن يريدها بدون أن إثارة أزمات إلى أن أعلنت لجنة جائزة نوبل فى تقريرها أن الكاتب استحق الجائزة عام 1988 عن أربعة أعمال منها "أولاد حارتنا"، وكانت تلك الإشارة أشبه بباب جهنم على محفوظ حتى أن الشاب الذى حاول قتله بسكين فى أكتوبر تشرين الأول عام 1994 قال "إنهم" قالوا له ان هذا الرجل "محفوظ" مرتد عن الاسلام.ومن بين الكتب التى صدرت عن الرواية "كلمتنا فى الرد على أولاد حارتنا" لمحمد جلال كشك و"كلمتى فى الرد على نجيب محفوظ" للشيخ عبد الحميد كشك.وفى حماسة الاحتفال بجائزة نوبل أعلنت صحيفة المساء الحكومية القاهرية إعادة نشر الرواية مسلسلة وبعد نشرت الحلقة الأولى اعترض محفوظ وبعض الخائفين عليه فتم ايقاف النشر.وعقب المحاولة الفاشلة لاغتيال محفوظ تحمست صحيفة الأهالى المصرية التى تصدر كل أربعاء عن حزب التجمع اليسارى المعارض لنشر الرواية فى عدد خاص منها. وصدرت "أولاد حارتنا" كاملة بعد أيام من الحادث فى عدد خاص من الاهالى يوم الأحد 30 أكتوبر تشرين الأول 1994 وأعلن أنه نفد بالكامل.وحملت عناوين الصفحة الأولى.."لأول مرة فى مصرالنص الكامل لرائعة نجيب محفوظ أولاد حارتنابعد 35 عاما من غيابها عن الشعب المصري."ومهدت الصحيفة لنص الرواية بمقالات لنقاد وصحفيين بارزين هم محمود أمين العالم وشكرى محمد عياد وفريدة النقاش وجابر عصفور ومحمد رضا العدل وسلامة أحمد سلامة والممثل عادل إمام. وزيادة فى الحفاوة تمت الاستعانة برسوم مصاحبة للنص للفنانين عبد الغنى أبو العينين وجودة خليفة فضلا عن غلاف الطبعة البيروتية .وعقب نشر الرواية فى الاهالى أصدر كتاب وفنانون بيانا طالبوا فيه بعدم نشر الرواية فى مصر بدعوى حماية حقوق المؤلف الذى نجا قبل أيام من الذبح. فى حين وصف كتاب أخرون ذلك البيان بأنه "محزن".وبعد محاولة الاغتيال قام الشيخ الغزالى بزيارة محفوظ فى مستشفى هيئة الشرطة على شاطيء نهر النيل حيث كان يتلقى العلاج حيث التقيا لأول مرة.والشيخ الغزالى بشهادة فياض هو صاحب المذكرة التى صودرت بموجبها "أولاد حارتنا".وروى الكاتب المصرى يوسف القعيد الذى حضر اللقاء أن الغزالى علق على اتاحة الرواية فى مصر قائلا إن "السموم أيضا تنشر خلسة والناس تقبل عليها" وشدد على أنه ضد الرواية ولكنه أدان محاولة الاغتيال التى "لا يقرها شرع ولا دين".وردا على التمهيد للمحاولة ببعض الكتب التحريضية ومنها كتاب الشيخ كشك قال الغزالى انه "رجل جاهل"، فى إشارة إلى كشك.وتعرض محفوظ لمشكلة أخرى ليس بسبب "أولاد حارتنا" مباشرة ولا بسبب قصة قصيرة كتبها فى الستينيات وتحمل عنوان "الجبلاوي" وإنما بسبب دعابة.فبعد محاولة اغتياله سألته ممرضة عن حالته الصحية فداعبها قائلا "يظهر أن الجبلاوى راض علي". فالتقط محام من مدينة المنصورة هذه الدعابة بعد نشرها فى صحيفة الأخبار الحكومية فى السابع من ديسمبر كانون الاول عام 1994 ورفع يوم 12 من الشهر نفسه دعوى قضائية ضد محفوظ متهما اياه "بالافتئات على حقوق الله عز وجل وتسميته بالجبلاوي."وطلب المحامى تعويضا مؤقتا قدره 501 جنيه لما أصابه من ضرر نتيجة الحوار المنسوب إلى محفوظ إلا أن محكمة جنايات المنصورة أصدرت حكمها النهائى يوم 26 ديسمبر كانون الاول عام 1995 برفض الدعوى.ثم تجدد الجدل حول "أولاد حارتنا" نهاية عام 2005 حيث أعلنت مؤسسة دار الهلال عن نشر الرواية فى سلسلة "رويات الهلال" الشهرية ونشرت الصحف غلافا للرواية التى قالت دار الهلال إنها قيد الطبع حتى لو لم يوافق محفوظ بحجة أن الابداع بمرور الوقت يصبح ملكا للشعب لا لصاحبه. وحالت قضية حقوق الملكية الفكرية التى حصلت عليها دار الرشوق دون ذلك.وأعلنت دار الشروق مطلع عام 2006 أنها ستنشر الرواية بمقدمة للكاتب الاسلامى أحمد كمال أبو المجد. ونشرت مقدمة أبو المجد التى أطلق عليها "شهادة" فى بعض الصحف لكن الرواية لم نفسها لم تصدر إلى الان.

سعد القرش
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: