٢٧‏/٠٩‏/٢٠٠٦

أدونيس
خمسة وعشرون يوماً
علي احمد سعيد


- 1 –
بتباريحه، بأشلائه
يتموَّج في غزةٍ،
وتؤاخيه صورٌ، كما صُوِّرت
في أساطيرها.
وتُؤاخيه بيروت – معجونة بالشّررْ،
يتموَّج، يعلو
ويُبقِّع أرض البشر.
- 2 –
تتساءل عن طفلها. أين؟ ماذا؟
الرمادُ جوابٌ.
أخذت حفنة من تراب المكان، انحنت، قبَّلتها
وبكت فوقها.
بين هذا التراب وأهدابها
عهد حبٍّ، ووعدٌ.
- 3 –
إرفعوا هذه القماشة عنها، أزيحوا
عن تقاسيمها الغطاء:
إنها أسلمت وجهها للسماء.
- 4 –
أتُرانا نعود الى أرضنا الخراب،
والدليل الكتاب؟
- 5 –
يرسمون الغسق
نفقاً موغلاً في نفق:
بُهت الضوء –
للضوء عينان من حيرةٍ.
- 6 –
كيف؟ (لا فرق، مهما هبطت، ومهما صعدت)، -
كيف نمشي معاً، ولماذا نكون صديقين؟
لا الدرب درب،
ولا أنت أنت.
- 7 –
إنها الشمس حيرانةٌ، تجلس القُرفصاء:
ما الذي سيقول الربيع
لأطفالها في الشتاء؟
- 8 –
يكتبون الحديد، وأكتب أنشودة
للطفولة. يا مَيُّ،
لا تُشعلي الضوء في البيت،
هذا المساء.
الحديد يُفتش عنّا،
يُغيرُ علينا،
يُفجِّر بُركانه، ويُغطي الفضاء.
- 9 –
لا سريرٌ، فخذني كما شئت
في هذه الكرة الحائرة.
أين نمضي، إذاً؟ لا طريقٌ، ولكن...
ها هو القصفُ. هذي جهنم –
مجنونةً، دائره.
- 10 –
للسماء، لما كتبته السماء:
الأساطير تنزف،
والربُّ يضربُ قُطعانه
بمهاميزه –
سفناً جاريات على متن هذا الهواء.
- 11 –
أُفقٌ مُغلقٌ، ضيّقٌ
أُفقٌ للرحيل،
لا أريد رفيقاً سوى نخلة.
آه ما أكرم النخيل.
- 12 –
إنه الماء يبكي
والهواء يرقُّ، ويمسح أهدابهُ.
- 13 –
جسدٌ ذائبٌ في اللهيب. لهيبٌ
يتصيَّدُ ربَّ الأبد
في رماد الجسد.
- 14 –
أتريدون أن أقرأ السلام
في مدى هذه الجثث الآدمية،
في هول هذا الحطام؟
- 15 –
لا أفكّر إلا في السلام، ولكن
لا أرى غير حربٍ.
- 16 –
لن أُصلّي لحرب،
لن أقدس قتلاً،
لن أبارك جُنداً يرقصون ابتهاجاً
فوق أشلاء شعبٍ.
- 17 –
لا أُريدُ لبيتي
أن يكون غراباً.
لا أريد له أن يكون صديقاً لدبابــة.
لا أريد له أن يمُدَّ يديه لجنٍّ.
لا أُريدُ له أن يُشرِّع أبوابه لحــرب.
لا أُريد له أن يكون لواءً لفرعون أو يهوه.
- اهدموه، إذاً،
واكتبوا فوق أنقاضه:
من هنا مرَّ جُندُ الإله.
لا أُريد لبيتي إلاّ
أن يكون ضياء وحباً، فيـا ويلتــاه!
- 18 –
أيّها المُتشرِّد، لا وقت في الأرض،
إلا لكي تجعل الأرض حباً.
- 19 –
قال: «رحماكم!
عند موتي خذوني – خذوا
كتبي، وافرشوها
تحت رأسي وساداً،
وادفنونا معاً».
- 20 –
أرض – ممحاةٌ للريح،
فكيف سأكتب؟ ماذا؟
هل أكتب ما يمحوني؟
- 21 –
بعدَ هذا الشتات
سأُفوض جسمي الى جُرحه،
وأُحيّي العُصاة.
- 22 –
سأقول لوقتي
أن يكون فضاء – جراحي قناديله.
سأحاول:
أخلقُ عينين داخل عينيَّ،
حتى أرى.
- 23 –
وطنٌ يُوشك أن ينسى اسمهُ،
ولماذا
علّمتني وردةٌ جوريةٌ كيف أنام
بين أحضان الشآم؟
- 24 –
إنه القاتل يسترسل في قتلك،
يجتث جذور الأغنية،
لا تسل، يا أيها الشاعرُ،
لـن يوقظ هذي الأرض غير المعصية.
- 25 –
بعد هذا الشتات
ما سأفعل؟ أسقي
وردة لم تزل حية؟
غيــر أن رمــاد القنابل يغمر أوراقها.
سأزيح الرماد وأجلو
وجهها، والأصيص الذي انكسرت كتفاه.
سأُعمّــــر من أول بيتنا. أُحبُّ، وأحيا
لا سلامٌ سوى الحب، لا حبَّ إلا الحياة.
(باريس، آب/ أغسطس 2006)
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: