BAQUBA
in bygone era!!
٢٩/٠٦/٢٠٠٦
لزوميّات خمسميل
قصائد وحكايات
ذاكرةُ عمر في حكاية شعر
تقيم شعرية الشاعر البصري
علي الإمارة
كتابة بقلم: محمد الأحمد
(تعال نذهبُ حيثُ النارُ والماءُ، وحيثُ تسقط في الأعماق أسماءُ[1]).. مفتتح دعوة الشاعر (على الأمارة)، إلى الإبحار في متون شعر بليغ قد أجاد الحكي بدفق مشوّق، عن أصالة مكان عراقي، وزمان بصري. لعلها تكون اكثر من حكاية في عمر تلك المدونة الشعرية المتدفقة بحب المكان، والتي أعطت قارئها فرصة الكشف الجغرافي عن موقع عريق في البصرة اسمه تاريخ مدينة، وتاريخ شاعر مزج بين التاريخ الواقعي لسحر مدينته المتدفقة بالذكريات، والمال، والطموحات.. وثيقة جمال مبدعة، محبوكة نظما متلألئا بالوقائع المشوقة.. يكشفها الشاعر بشعره، ويدونها التاريخ الحقيقي للذاكرة الجمعية للمدينة بكل أبطالها التاريخيين المؤسسين تشعباتها في جغرافية المعرفة.. ناس سمحون يتحركون في الذكرى الشعرية، جعلهم حرف (الروي) اللازم مرتبطون ببعض بأكثر من وشيجة، وراسخون في الحقيقة قريبون جدا من المخيل الشفهي، وعميقين في بعده الهلامي. أكتو بالبطولة العراقية المجيدة، وتحددت بهم خريطة المكان.. ناس لهم طعم عميق تثبت في الهجرة، وتثبت في الرؤية.. لها اكثر من قناة اتصال مع متلقيها، أحيانا تندرج النصوص في عمق النظرية النقدية تذكرنا بتبني الناقد العالمي (فوفانغ آيزر) لنموذج الاتصال حيث يكون عدم تطابق القارئ مع الوضع النصي هو أصل التفاعل التبادلي ومنبعه . (فالاتصال ينتج عن فجوات في النص تمنع التناسق الكامل بين النص والقارئ، وعملية ملء هذه الفجوات أثناء عملية القراءة هي التي تبرز وتوجد الاتصال إذ إن الفجوات وضرورة ملئها كحوافز ودوافع لفعل التكوين الفعلي[2]).. يتصل الشاعر بزمنه الأول إلى البعيد معيدا تدوين الذاكرة الجماعية للجد، والأب، والعم..تدوينا مستندنا لما رأى أثارا منه، وما سمع عنه.. فهو بذاكرة الراوي، وما جاء من الرواية التي سمعها من الذين تناوبوا على مكان (الخمسميل)، قبل أن يعيد تنظيم مفكرته الشعرية المتسعة لتاريخ غير يسير كي نفهم أجزاء أية وحدة لغوية لا بد أن نتعامل مع هذه الأجزاء، وعندنا حس مسبق بالمعنى الكلي، غير الذي أعطياه في الهامش، و لا نستطيع معرفة الكلي إلا من خلال معرفة مكونات أجزائه. وتلك الأجزاء، هي جذور المكان الذي تنتشر عنه الحكاية، وأبطالها. فلزِم الشيء يلزَم لُزوما، ولِزاما ثبت ودام. و لزمه المال وجب عليه و لازمه لزمه ومثله ألتزمه. واستلزم الشيء اقتضاه و اللِزَام الحساب والملازم جدا والفصل في القضية. اصل الخطاب مراجع الشاعر المكونة لثقافته، كما يقولها (كولمان غولسيان)، فكل كتابة هي سيرة ما، سواء بالشِعْرَ: غَنَّى به، أو تَرَنَّمَ، وأنْشَدَ بَيْتاً أو بَيْتَيْن بالغِناءِ، وأخَذَ طَرَفاً من الأدَبِ. وشَدَا شَدْوَهُ: نَحا نحوَه، فهو شادٍ، وـ فلاناً فلاناً: شَبَّهَهُ إيَّاهُ. وأشْدَى: صارَ نَاخِماً مُجيداً. والشَّدْوُ: القليلُ من كلِّ كثيرٍ. وشَدْوانُ…
فالنص يكتمل من هنا إلى هناك، ويقطع كل المسافات المقاسية بالأميال، تلك المسافات المقدرة نسبيا.. (دقها الإنكليز في أيامهم وكتبوا عليها حفراً5 Miles - أي خمسة أميال، وهو بعد هذا المكان الذي سمي فيما بعد (خمسميل) عن مركز قيادة الإنكليز في الشعبية- ص 23).. لنقل بأنها قصيدةُ الحكاية التي لها دور الكتب في العالم في عرف الإنسان منذ تعلم فن الكتابة بتدوين معلوماته وحفظها فنشأت الحكايات المغناة كالكتب بمعناها العام. لنقل أنها رحلة اكتشاف الزمن الذي أفل، من بعد نضوج وتأمل. و (بان الكرة التي يلعبون بها هي جمجمة أبيه منصور- ص 74). ولنقل إنها رحلة زمن مكتشف في عمق الذكر من بعد نضوج، وتأمل، لقوله الشاعر، وبدوره يقوله من خلال الموروث من بعد نضج وتأمل، الذي تركم بيتا صف بيت، وصار حياً متكاملاً تواصل بالعطاء وصار بحاراً في ذاكرة المدينة التي تمترست فيها الأحداث، وصار (الشاعر) هو الراوي مثل (هوميروس) وصارت الحكاية تحكي قصة شعرية عن (زمن مدفون- ص 6) مكتشف بتجربة الشعر، ومضارع بقصيدة عمودية من البحر الملآن بالتذكر، ملحقا بنثر من الصور البعيدة، غائرة العمق.. (لولا السراب لمات العشق من ظمأ- ص 95).. تشويق متواصل، متواز بالأحداث المكونة للمكان بالأشخاص (أحزانهم سدرة أوراقها مدن – ص 10) كـالإلياذة قصيدة الشاعر اليوناني القديم (هوميروس) الذي كان عائشا زمن جاهلية اليونان أي قبل أكثر من ألفين وخمسمائة سنة… حكى في تلك القصيدة ما حدث بين اليونانيين و الطرواديين من الحروب، وما ظهر من رجال اليونان من السياسة، والشجاعة، والحفيظة. وهي على ما يقال أحسن ما يمكن أن يأتي به خيال شاعر في وصف عواطف النفس وتصوير خطرات الأفئدة. فنقول انه الكتاب الذي فيه جهدا يستحق التحية اعترافا لإبداعه، و التحية من المؤرخ لعمق صدقه.
الاثنين، 04 تشرين الثاني، 2002
[1] ص 5
[2] دليل الناقد ـ ص195.
٢٧/٠٦/٢٠٠٦
قصة قصيرة
عنقود الكهرمان
بقلم : كُليزار أنور
رنّ الجرس في ساعةٍ متأخرة .. رنينه يشرخ هدوء الليل .. أصمت بإصغاء .. يرن مرةً أخرى .. قلتُ لنفسي : مَن سيأتينا في هذهِ الساعة المتأخرة .. تحركتُ بتمهل ، فقد يكون ما أنا فيه مجرد تخيل .. ويرن للمرة الثالثة .. أُوقظ زوجي الراقد بجانبي :
_ خالد .. خالد .. أحدهم يدق جرس الدار .
_ ليسَ هناك أحد .. نامي !
غطى رأسهُ وعاد إلى نومهِ . ويرن من جديد .. خرجتُ من الغرفة .. أنرتُ ضوء الصالة .. فمنطقتنا أمينة ، ولا داعي لأي خوف .. وفتحتُ الباب .. امرأة ورجلان .. المرأة سلمت عليَّ أولاً وبعدها الرجلان .. وبادرت السيدة :
_ هل تسمحين أن ندخل ؟
خجلتُ أن أقول لها : " مَن أنتم " وبشكل لا إرادي مددتُ يدي إلى الجهة اليمنى لأسمحَ لهم بالدخول ، فقد يكونون أقارب زوجي !
ودخلت هي قبلهم .. وبعدها الرجل الأول .. انحنى نحوي بطريقةٍ وديةٍ ، فحركتُ له رأسي بتودد رداً بسيطاً على تحيتهِ الجميلة .. أما الثاني .. مد كفه لمصافحتي .. وترددتُ بعض الشيء قبلَ أن أمدّ له كفي .
جلسَ الرجلان في صدر الصالة والمرأة وقفت إلى جانبي لتجلس حيث أجلس .. فقلتُ بكرم : أهلاً وسهلاً.
وبعد تردد لم أستطع إخفاؤه أو تبريره :
_ لأوقظ لكم خالداً .
فردت السيدة بطيبة :
_ لا تقلقيه ، فنحن زواركِ .
بنظرة تحمل الشك والتساؤل معاً تطلعتُ إليها .. وشعرتُ بنوع من الخوف .. إذن ، هم ليسوا أقاربه كما ظننت .. ياربي .. ماذا يريدون مني في هذا الليل ؟ .. ومَن يكونون ؟ .. فأنا لم أفعل شيئاً !
نهضت لأقوم بواجب الضيافة على الأقل .. فدعتني السيدة للجلوس ! بدأت أنفاسي تضيق وأحسستُ بانقباضٍ مرعب .. اضطربت عندما حدقتُ في عينيها .. وربما توقف القلب عن النبض في تلك اللحظة .. وقفتُ مدهوشة وكأني نسيتُ كل شيء ! عيناها تلمع ببريقٍ أحمر .. شعرتْ بخوفي فقالت بهدوء :
_ نعلم انهُ وقتٌ متأخر ، لكننا لا نستطيع أن نزوركِ في النهار .
الخوف تشعبَ إلى كل جسمي بقشعريرة برد .. وبومضةٍ رأيتُ قافلة من صور الجان تعبر مخيلتي ، لكن تبادر إلى ذهني في الحال – كما قرأنا عنهم – ان الجن ليسوا كالبشر .. نظرتُ إلى الرجلين .. عيناهما تلمع بنفس البريق .. تمالكتُ نفسي بعض الشيء ورديت بصوت خافت يكاد يسمع :
_ بماذا أستطيع أن أخدمكم ؟
رفعَ إليّ – الرجل الذي حياني – وجهه .. وقال :
_ بالحقيقة نحنُ قصدناكِ في خدمة .. ولأننا نعرف طبيعة مجتمعكم ، فقد جلبنا معنا امرأة لكي تطمئني .. ولكي تسمحي لنا بالدخول .
لم أستوعب ما كان يقوله من الرعب الذي سيطر عليّ .. فقاطعته:
_ اسمح لي .. مَن أنتم ؟ .. وماذا تريدون مني ؟
نهضَ الرجل وتقدم باتجاهي وجلس بجانبي :
_ اطمئني ، فقد قصدناكِ بخير .
لم أجب مؤثرةً الصمت .. وأكمل بعدما شعرَ بأنهُ استطاع أن يُهدئني :
_ سيدتي .. أنتِ كاتبة راقية جداً بنظرنا .. وكنا نقرأ ونتابع لكِ في مجلة " اليوم " روايتكِ " عنقود الكهرمان " وكما تعلمين نشرتِ الجزء الأول فقط .. والثاني لم يُكمل .. لماذا ؟
_ أجئتم في هذا الليل لتسألوني هذا السؤال ؟
_ نحنُ لسنا من الأرض .
حينَ قالها أردتُ أن أصرخ . دقات قلبي تزداد وترتفع .. تقرع في رأسي كناقوسِ كنيسةٍ قديمة .. ترتجف يداي .. ويجف فمي .
انصرفت عيناه عني بعدَ أن كان يُحدق فيّ ملياً .. اقتربت السيدة أكثر مني .. وأحسستُ بملامسة فخذها لفخذي .. ووضعت يدها على كتفي :
_ أرجوكِ .. اهدئي .. واطمئني .. لسنا هنا لنضركِ .. بل بالعكس .
فجاوبتُ بحدة :
_ بكل بساطة .. المجلة أُغلقت !
فردَ الرجل الثاني من مكانهِ :
_ والجزء الثاني موجود لديكِ ؟
_ بالتأكيد .
_ زيارتنا من أجلِ هذا .
وتقدم هو أيضاً .. ووقفَ أمامي ، فقلت :
_ وضحوا لي أكثر ؟
_ ما نشرتهِ هنا كان يُنقل إلى مجلةٍ أخرى لدينا .. وأنا رئيس تحريرها .
قاطعتهُ بابتسامة :
_ وهل تنشرونها بالعربية ؟
فابتسم لابتسامتي :
_ لا .. بلغتنا !
وجدتُ نفسي عاجزة عن التعبير بصدق عما أشعر بهِ وأُريد قولهُ .. شعرتُ أن عينيّ اغرورقت من شدة التأثر لهذا الفرح المفاجئ ! .. وذلك الخوف المرعب تبدد إلى فخر وزهو لا يوصفان .. فأكمل :
_ لدينا مندوبون في الأرض ، وهم يقومون بترجمة الأعمال الجيدة .. وروايتكِ لاقت الاستحسان لدينا .. وبعدَ أن انقطعت توقفنا نحن أيضاً عن تكملتها .. والغريب .. وصلتنا رسائل كثيرة – بالآلاف – تطلب تكملة الجزء الثاني .. ولم ندرِ ماذا نفعل ؟!
_ أتعرفون .. مر على انقطاعها أكثر من سنة .. ولم يسأل عنها أحد هنا .
_ انها رواية من طرازٍ خاص !
أحسستُ بالإشراق ينبع من أعماقي .. فنهضت .. ودخلتُ غرفة المكتب .. وأخرجتُ من الدرج الجزء الثاني والثالث من روايتي " عنقود الكهرمان " .. وضعتها في ظرفٍ أبيضٍ كبير .. وكتبتُ عليهِ بخطٍ واضح : " إلى قرائي أينَ ما كانوا " !
قدمتُها للسيد فابتسم حين قرأ تلك العبارة على الظرف .. وصافحني بقوة هذهِ المرة .. وسألني :
_ كم تطلبين ؟ قولي ما شئتِ وسيكون لديكِ ؟
_ لا شيء .. إنها هديتي لقرء غرباء يسألون عني .
فتقدمت السيدة نحوي .. وأخرجت علبة حمراء من جيبها .. علبة ما رأيت بجمـالـها
وتصميمها البارع :
_ هدية متواضعة جداً لك .
وضعتها على الطاولة القريبة منها ..صافحوني .. وخرجوا وبقيتُ أنتظر لأعرف كيفَ سيغادرون ! .. ابتسمت .. وابتسامتها لم تظهر سوى في عينيها .. لم تُغير تعابير وجهها .. فقط أضاءتها .. وكأن نوراً نبع من داخلها فأضاء وجهها .. وقالت :
_ أرجوكِ .. اغلقي الباب .
قبلتُ رجاءها وعدتُ إلى الصالة .. فتحتُ العلبة ، فتلألأ ما بداخلها وسطعَ أمام عينيّ .. سحبتُ السلسلة فتدلى منها " عنقود من الكهرمان " !
www.postpoems.com/members/gulizaranwar
عنقود الكهرمان
بقلم : كُليزار أنور
رنّ الجرس في ساعةٍ متأخرة .. رنينه يشرخ هدوء الليل .. أصمت بإصغاء .. يرن مرةً أخرى .. قلتُ لنفسي : مَن سيأتينا في هذهِ الساعة المتأخرة .. تحركتُ بتمهل ، فقد يكون ما أنا فيه مجرد تخيل .. ويرن للمرة الثالثة .. أُوقظ زوجي الراقد بجانبي :
_ خالد .. خالد .. أحدهم يدق جرس الدار .
_ ليسَ هناك أحد .. نامي !
غطى رأسهُ وعاد إلى نومهِ . ويرن من جديد .. خرجتُ من الغرفة .. أنرتُ ضوء الصالة .. فمنطقتنا أمينة ، ولا داعي لأي خوف .. وفتحتُ الباب .. امرأة ورجلان .. المرأة سلمت عليَّ أولاً وبعدها الرجلان .. وبادرت السيدة :
_ هل تسمحين أن ندخل ؟
خجلتُ أن أقول لها : " مَن أنتم " وبشكل لا إرادي مددتُ يدي إلى الجهة اليمنى لأسمحَ لهم بالدخول ، فقد يكونون أقارب زوجي !
ودخلت هي قبلهم .. وبعدها الرجل الأول .. انحنى نحوي بطريقةٍ وديةٍ ، فحركتُ له رأسي بتودد رداً بسيطاً على تحيتهِ الجميلة .. أما الثاني .. مد كفه لمصافحتي .. وترددتُ بعض الشيء قبلَ أن أمدّ له كفي .
جلسَ الرجلان في صدر الصالة والمرأة وقفت إلى جانبي لتجلس حيث أجلس .. فقلتُ بكرم : أهلاً وسهلاً.
وبعد تردد لم أستطع إخفاؤه أو تبريره :
_ لأوقظ لكم خالداً .
فردت السيدة بطيبة :
_ لا تقلقيه ، فنحن زواركِ .
بنظرة تحمل الشك والتساؤل معاً تطلعتُ إليها .. وشعرتُ بنوع من الخوف .. إذن ، هم ليسوا أقاربه كما ظننت .. ياربي .. ماذا يريدون مني في هذا الليل ؟ .. ومَن يكونون ؟ .. فأنا لم أفعل شيئاً !
نهضت لأقوم بواجب الضيافة على الأقل .. فدعتني السيدة للجلوس ! بدأت أنفاسي تضيق وأحسستُ بانقباضٍ مرعب .. اضطربت عندما حدقتُ في عينيها .. وربما توقف القلب عن النبض في تلك اللحظة .. وقفتُ مدهوشة وكأني نسيتُ كل شيء ! عيناها تلمع ببريقٍ أحمر .. شعرتْ بخوفي فقالت بهدوء :
_ نعلم انهُ وقتٌ متأخر ، لكننا لا نستطيع أن نزوركِ في النهار .
الخوف تشعبَ إلى كل جسمي بقشعريرة برد .. وبومضةٍ رأيتُ قافلة من صور الجان تعبر مخيلتي ، لكن تبادر إلى ذهني في الحال – كما قرأنا عنهم – ان الجن ليسوا كالبشر .. نظرتُ إلى الرجلين .. عيناهما تلمع بنفس البريق .. تمالكتُ نفسي بعض الشيء ورديت بصوت خافت يكاد يسمع :
_ بماذا أستطيع أن أخدمكم ؟
رفعَ إليّ – الرجل الذي حياني – وجهه .. وقال :
_ بالحقيقة نحنُ قصدناكِ في خدمة .. ولأننا نعرف طبيعة مجتمعكم ، فقد جلبنا معنا امرأة لكي تطمئني .. ولكي تسمحي لنا بالدخول .
لم أستوعب ما كان يقوله من الرعب الذي سيطر عليّ .. فقاطعته:
_ اسمح لي .. مَن أنتم ؟ .. وماذا تريدون مني ؟
نهضَ الرجل وتقدم باتجاهي وجلس بجانبي :
_ اطمئني ، فقد قصدناكِ بخير .
لم أجب مؤثرةً الصمت .. وأكمل بعدما شعرَ بأنهُ استطاع أن يُهدئني :
_ سيدتي .. أنتِ كاتبة راقية جداً بنظرنا .. وكنا نقرأ ونتابع لكِ في مجلة " اليوم " روايتكِ " عنقود الكهرمان " وكما تعلمين نشرتِ الجزء الأول فقط .. والثاني لم يُكمل .. لماذا ؟
_ أجئتم في هذا الليل لتسألوني هذا السؤال ؟
_ نحنُ لسنا من الأرض .
حينَ قالها أردتُ أن أصرخ . دقات قلبي تزداد وترتفع .. تقرع في رأسي كناقوسِ كنيسةٍ قديمة .. ترتجف يداي .. ويجف فمي .
انصرفت عيناه عني بعدَ أن كان يُحدق فيّ ملياً .. اقتربت السيدة أكثر مني .. وأحسستُ بملامسة فخذها لفخذي .. ووضعت يدها على كتفي :
_ أرجوكِ .. اهدئي .. واطمئني .. لسنا هنا لنضركِ .. بل بالعكس .
فجاوبتُ بحدة :
_ بكل بساطة .. المجلة أُغلقت !
فردَ الرجل الثاني من مكانهِ :
_ والجزء الثاني موجود لديكِ ؟
_ بالتأكيد .
_ زيارتنا من أجلِ هذا .
وتقدم هو أيضاً .. ووقفَ أمامي ، فقلت :
_ وضحوا لي أكثر ؟
_ ما نشرتهِ هنا كان يُنقل إلى مجلةٍ أخرى لدينا .. وأنا رئيس تحريرها .
قاطعتهُ بابتسامة :
_ وهل تنشرونها بالعربية ؟
فابتسم لابتسامتي :
_ لا .. بلغتنا !
وجدتُ نفسي عاجزة عن التعبير بصدق عما أشعر بهِ وأُريد قولهُ .. شعرتُ أن عينيّ اغرورقت من شدة التأثر لهذا الفرح المفاجئ ! .. وذلك الخوف المرعب تبدد إلى فخر وزهو لا يوصفان .. فأكمل :
_ لدينا مندوبون في الأرض ، وهم يقومون بترجمة الأعمال الجيدة .. وروايتكِ لاقت الاستحسان لدينا .. وبعدَ أن انقطعت توقفنا نحن أيضاً عن تكملتها .. والغريب .. وصلتنا رسائل كثيرة – بالآلاف – تطلب تكملة الجزء الثاني .. ولم ندرِ ماذا نفعل ؟!
_ أتعرفون .. مر على انقطاعها أكثر من سنة .. ولم يسأل عنها أحد هنا .
_ انها رواية من طرازٍ خاص !
أحسستُ بالإشراق ينبع من أعماقي .. فنهضت .. ودخلتُ غرفة المكتب .. وأخرجتُ من الدرج الجزء الثاني والثالث من روايتي " عنقود الكهرمان " .. وضعتها في ظرفٍ أبيضٍ كبير .. وكتبتُ عليهِ بخطٍ واضح : " إلى قرائي أينَ ما كانوا " !
قدمتُها للسيد فابتسم حين قرأ تلك العبارة على الظرف .. وصافحني بقوة هذهِ المرة .. وسألني :
_ كم تطلبين ؟ قولي ما شئتِ وسيكون لديكِ ؟
_ لا شيء .. إنها هديتي لقرء غرباء يسألون عني .
فتقدمت السيدة نحوي .. وأخرجت علبة حمراء من جيبها .. علبة ما رأيت بجمـالـها
وتصميمها البارع :
_ هدية متواضعة جداً لك .
وضعتها على الطاولة القريبة منها ..صافحوني .. وخرجوا وبقيتُ أنتظر لأعرف كيفَ سيغادرون ! .. ابتسمت .. وابتسامتها لم تظهر سوى في عينيها .. لم تُغير تعابير وجهها .. فقط أضاءتها .. وكأن نوراً نبع من داخلها فأضاء وجهها .. وقالت :
_ أرجوكِ .. اغلقي الباب .
قبلتُ رجاءها وعدتُ إلى الصالة .. فتحتُ العلبة ، فتلألأ ما بداخلها وسطعَ أمام عينيّ .. سحبتُ السلسلة فتدلى منها " عنقود من الكهرمان " !
www.postpoems.com/members/gulizaranwar
خبر عن صدور كتاب جديد
صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة مجموعة قصصية بعنوان (عنقود الكهرمان) للكاتبة (كليزار أنور). كما صدرت للكاتبة مجموعة قصصية (بئر البنفسج1999م)، و رواية (عجلة النار 2003) وتسرد الكاتبة ضمن مجموعتها الجديدة (عنقود الكهرمان 2006م) عدد من القصص القصيرة التي تعبر عن الوجدان الإنساني وتحاكي المشاكل الاجتماعية والثقافية بإطار أدبي ولغة شاعرية رصينة.. يقع الكتاب بـ88 صفحة ومن القطع المتوسط.
المراوحة بين السردي والشعري في العراق
ألم المشهد وسحر الكتابة إبراهيم سبتي
اطلق ستاندال على القلة القارئة مصطلح القلة السعيدة . ويرى اخرون ، بان احدى السمات البارزة للادب الحديث ، هي اصراره على ان يظل فن الاقلية .. ولا يعدو هذا الرأي ، سوى تجسيد للصدع القائم بين الكاتب ـ الاديب ـ والآخر المتلقي . ان كل الاحداث الساخنة التي تجري ، ستكون مخزونا ثر لا شك للمدون الاديب ..
فاليومي من الاحداث التي تعصف بالبلاد ، في اولويات أي كاتب . فاما ان يوظفها داخل نص ابداعي من شعر او قصة او في مقالة يدنو فيها من محاذير واسوار السياسة ، او يكتبها كسيرة او مذكرات بعد حين .. ولا يمكن تجاوز هذه المحن ، مالم تصنف تاريخيا ، تصنيفا يجعل الادب المدون فيها ادب محنة .
والادب المعني هذا ، ليس من الممكن المرور به على عجالة او دون اكتراث بعد ان يؤول الوضع الى الانفراج وتصير المحن ولحظات الخراب تاريخا . ففي تلك اللحظة يجب التوقف عنده وتامله ودراسته لانه أرخ لمرحلة هامة من فصول البلاد . وحسب ليفي شتراوس فأن التاريخ يغدو جانبا من الحاضر عندما تستعيده الذاكرة ..
ومما نتج عن حالة البلاد حاضرا، فأن الذائقة تبدو انها تمر بانكماش ملحوظ وهي حالة يمكن ان تتحول فجأة الى اولى اهتمام المتلقي الذي يشعر ان كل شيء عاد طبيعيا .. فالقاص والمتلقي ، كلاهما يبحثان عن فضاء القراءة والابداع المناسب ، ان تيسر الحصول عليه .
وكم من روائع ادبية فاتت على الاغلب من الناس وهم لايستطيعون قراءتها لهذا السبب اوذاك .
ولايمكن ان يتغافلوا مع الوقت او يخادعونه ، لكي يمارس كل منهم فعل القراءة الممتع الذي رافقنا طيلة سنوات شغفنا وولعنا بقراءة المترجمات الروائية والشعرية ..
وفي أي بلاد وبمراجعة سريعة ، نجد ان كتابها قد ارخوا لبعض من احداثها العاصفة كجزء من سيرتها . لان سخونة اللحظات لايمكن ان تذهب باستيحاء دون ان تذكر كما اللحظات السعيدة التي تتفجر كالبالونات لخفتها وبالتالي لا تحتفظ لها الذاكرة بأي شيء .. وحسب محددات التاريخ المدون ، فان كل مرحلة تعد مفصلا هاما لتكوين الارث الحكائي لذلك التاريخ ومن ثم فان الارث سيبقى محفوظا في المدونات كجزء من صيرورة البلاد ومفاصلها عامة . وهكذا تصنع سخونة الاحداث ادبا مختلفا في كل معاييره ومستوياته . وحتى نتاكد من هذا الحكم ، نجد ان الادب الحالي ، قد نأى بنفسه عن المرحلة الحاضرة بكل تفاصيلها من تدمير وتحطيم وخراب وقهر وضغوط اخرى .. الا ما قل من محاولات اكدت الجانب المتعب من تاريخ البلاد والذي كان نتيجة حتمية للتغيير الذي اصاب الدولة واجهزتها برمتها .
وظل كل مايكتب من الادب بتنوع اجناسه ، ادبا لا نشم فيه رائحة المرحلة بحقيقتها وصراحتها وحيث تحولت بعض الاشياء إلى صور مضببة.
ولان الكاتب والاديب لايختلفان عن المؤرخ المختص في صناعة المدونة التاريخية ، فأنهما قد يتفوقان باستخدام الحس التعبيري المعبر عن عمق وفداحة الفاجعة ومايترتب عليها باستخدام لغة توثق ما جرى ويجري او المناورة الكتابية التي نطلق عليها ادبيا ـ التاويل ـ أي ان ( الامر كله امر لغة ) كما يقول لاكان . ومنه تتحدد العلاقات مع العالم السردي او الشعري في مجمله . فكان لابد من وجود قاريء محنة وكاتب ايضا ، كل يعبر عن غاياته ، ضمن مساحة بوح محددة شكلا وجنسا.
الكل يريد التعبير عن مايدور ، ولكن كيف له ان يتحاور مع بوحه لحظة هيجان حقيقية يمر بها ؟
كل الاجوبة ستكون عبارة عن سياق بحثي استقصائي واصرار على التحدي
رغم ان الجميع امام خراب واحد .. خراب الذائقة بفعل ارهاصات الحياة اليومية ، او بفعل التجاذبات أي كان مزاجها .
وفعل القراءة افتراضا هو سلوك يومي يمارسه الفرد ، لايتم الا بتوفر شرطها المهم ـ المتلقي ـ ولأن القراءة حسب اوكتوفيوباث هي اكتشاف السبل المؤكدة التي تقودنا الى نفوسنا ، فان الزمن لايمكن ان يعود قرن او نصفه لكي يجلس القاريء لقراءة مطولات دوستويفسكي او غوغول او تولستوي او محفوظ او مناظرات و مشاكسات سارتر .. هذا لايمكن حدوثه الان مطلقا ، ذلك ان القفزة التقنية في الاتصالات والدهشة التي تصعق الانسان مع كل جديد في عالم ينتج روبوتا كل ثانية !! يتعذر فيها وجود حميمية قرائية مع المدون أي كان توجهه و بعض الدول تعتبر ان احدى ركائز تحضرها هو مدى الاقبال على شراء الصحف وليس الاعمال الادبية ..
فاين نجد قارئا متحفزا للقراءة الموضوعية الصادقة وهو يعكس المزاج السعيد ليجلس بضع ساعات من اجل رواية او دراسة نقدية مطولة مع ان بعض المدارس النقدية تؤكد على مشاركة القاريء مع الكاتب في انتاج النص او كما يعتقد رولان بارت بأن يقوم القاريء بالاسهام في وقائع النص ؟..
والسؤال يجر الى آخر .. من يكتب عن المحنة عملا ادبيا تقليديا او حداثويا فيه كل مقومات النص ؟
اننا على يقين بان القاريء النموذجي قد لانجده اليوم امام مشهد الفواجع والمصائب ، فهو يحاول ان يجد البدائل عن الادب باللجوء الى السياسة ، التي تجيد وضع المصائد والاغواءات وتعرف كيف تسحب البساط من تحت الاهتمامات الاخرى وجعل نسبة المتابعين في ازدياد مضطرد ، وحيث ان الانسان يميل بطبعه الى سماع معسول الكلام والخطب النارية ، فانه كمن يبحث بين ثناياها عن ماء بارد وسط اتون النيران الهائجة .. وسينجلي الغبار عن صوت جريء لبعض الكتاب الذين كان همهم نقل الحقيقة في مدوناتهم وكما يعبر عنهم اوكتافيوباث في كتابه ـ الصوت الآخر : انه صوت الكآبة المنعزلة والقصف ، صوت الصمت والصخب ، الضحك والتنهدات ، الحكمة المجنونة والجنون الحكيم ، والهمسات الحنون في غرف النوم وهدير الحشود في الساحات . وان تسمع الصوت يعني ان تسمع الزمن ذاته .
ناصرية
ألم المشهد وسحر الكتابة إبراهيم سبتي
اطلق ستاندال على القلة القارئة مصطلح القلة السعيدة . ويرى اخرون ، بان احدى السمات البارزة للادب الحديث ، هي اصراره على ان يظل فن الاقلية .. ولا يعدو هذا الرأي ، سوى تجسيد للصدع القائم بين الكاتب ـ الاديب ـ والآخر المتلقي . ان كل الاحداث الساخنة التي تجري ، ستكون مخزونا ثر لا شك للمدون الاديب ..
فاليومي من الاحداث التي تعصف بالبلاد ، في اولويات أي كاتب . فاما ان يوظفها داخل نص ابداعي من شعر او قصة او في مقالة يدنو فيها من محاذير واسوار السياسة ، او يكتبها كسيرة او مذكرات بعد حين .. ولا يمكن تجاوز هذه المحن ، مالم تصنف تاريخيا ، تصنيفا يجعل الادب المدون فيها ادب محنة .
والادب المعني هذا ، ليس من الممكن المرور به على عجالة او دون اكتراث بعد ان يؤول الوضع الى الانفراج وتصير المحن ولحظات الخراب تاريخا . ففي تلك اللحظة يجب التوقف عنده وتامله ودراسته لانه أرخ لمرحلة هامة من فصول البلاد . وحسب ليفي شتراوس فأن التاريخ يغدو جانبا من الحاضر عندما تستعيده الذاكرة ..
ومما نتج عن حالة البلاد حاضرا، فأن الذائقة تبدو انها تمر بانكماش ملحوظ وهي حالة يمكن ان تتحول فجأة الى اولى اهتمام المتلقي الذي يشعر ان كل شيء عاد طبيعيا .. فالقاص والمتلقي ، كلاهما يبحثان عن فضاء القراءة والابداع المناسب ، ان تيسر الحصول عليه .
وكم من روائع ادبية فاتت على الاغلب من الناس وهم لايستطيعون قراءتها لهذا السبب اوذاك .
ولايمكن ان يتغافلوا مع الوقت او يخادعونه ، لكي يمارس كل منهم فعل القراءة الممتع الذي رافقنا طيلة سنوات شغفنا وولعنا بقراءة المترجمات الروائية والشعرية ..
وفي أي بلاد وبمراجعة سريعة ، نجد ان كتابها قد ارخوا لبعض من احداثها العاصفة كجزء من سيرتها . لان سخونة اللحظات لايمكن ان تذهب باستيحاء دون ان تذكر كما اللحظات السعيدة التي تتفجر كالبالونات لخفتها وبالتالي لا تحتفظ لها الذاكرة بأي شيء .. وحسب محددات التاريخ المدون ، فان كل مرحلة تعد مفصلا هاما لتكوين الارث الحكائي لذلك التاريخ ومن ثم فان الارث سيبقى محفوظا في المدونات كجزء من صيرورة البلاد ومفاصلها عامة . وهكذا تصنع سخونة الاحداث ادبا مختلفا في كل معاييره ومستوياته . وحتى نتاكد من هذا الحكم ، نجد ان الادب الحالي ، قد نأى بنفسه عن المرحلة الحاضرة بكل تفاصيلها من تدمير وتحطيم وخراب وقهر وضغوط اخرى .. الا ما قل من محاولات اكدت الجانب المتعب من تاريخ البلاد والذي كان نتيجة حتمية للتغيير الذي اصاب الدولة واجهزتها برمتها .
وظل كل مايكتب من الادب بتنوع اجناسه ، ادبا لا نشم فيه رائحة المرحلة بحقيقتها وصراحتها وحيث تحولت بعض الاشياء إلى صور مضببة.
ولان الكاتب والاديب لايختلفان عن المؤرخ المختص في صناعة المدونة التاريخية ، فأنهما قد يتفوقان باستخدام الحس التعبيري المعبر عن عمق وفداحة الفاجعة ومايترتب عليها باستخدام لغة توثق ما جرى ويجري او المناورة الكتابية التي نطلق عليها ادبيا ـ التاويل ـ أي ان ( الامر كله امر لغة ) كما يقول لاكان . ومنه تتحدد العلاقات مع العالم السردي او الشعري في مجمله . فكان لابد من وجود قاريء محنة وكاتب ايضا ، كل يعبر عن غاياته ، ضمن مساحة بوح محددة شكلا وجنسا.
الكل يريد التعبير عن مايدور ، ولكن كيف له ان يتحاور مع بوحه لحظة هيجان حقيقية يمر بها ؟
كل الاجوبة ستكون عبارة عن سياق بحثي استقصائي واصرار على التحدي
رغم ان الجميع امام خراب واحد .. خراب الذائقة بفعل ارهاصات الحياة اليومية ، او بفعل التجاذبات أي كان مزاجها .
وفعل القراءة افتراضا هو سلوك يومي يمارسه الفرد ، لايتم الا بتوفر شرطها المهم ـ المتلقي ـ ولأن القراءة حسب اوكتوفيوباث هي اكتشاف السبل المؤكدة التي تقودنا الى نفوسنا ، فان الزمن لايمكن ان يعود قرن او نصفه لكي يجلس القاريء لقراءة مطولات دوستويفسكي او غوغول او تولستوي او محفوظ او مناظرات و مشاكسات سارتر .. هذا لايمكن حدوثه الان مطلقا ، ذلك ان القفزة التقنية في الاتصالات والدهشة التي تصعق الانسان مع كل جديد في عالم ينتج روبوتا كل ثانية !! يتعذر فيها وجود حميمية قرائية مع المدون أي كان توجهه و بعض الدول تعتبر ان احدى ركائز تحضرها هو مدى الاقبال على شراء الصحف وليس الاعمال الادبية ..
فاين نجد قارئا متحفزا للقراءة الموضوعية الصادقة وهو يعكس المزاج السعيد ليجلس بضع ساعات من اجل رواية او دراسة نقدية مطولة مع ان بعض المدارس النقدية تؤكد على مشاركة القاريء مع الكاتب في انتاج النص او كما يعتقد رولان بارت بأن يقوم القاريء بالاسهام في وقائع النص ؟..
والسؤال يجر الى آخر .. من يكتب عن المحنة عملا ادبيا تقليديا او حداثويا فيه كل مقومات النص ؟
اننا على يقين بان القاريء النموذجي قد لانجده اليوم امام مشهد الفواجع والمصائب ، فهو يحاول ان يجد البدائل عن الادب باللجوء الى السياسة ، التي تجيد وضع المصائد والاغواءات وتعرف كيف تسحب البساط من تحت الاهتمامات الاخرى وجعل نسبة المتابعين في ازدياد مضطرد ، وحيث ان الانسان يميل بطبعه الى سماع معسول الكلام والخطب النارية ، فانه كمن يبحث بين ثناياها عن ماء بارد وسط اتون النيران الهائجة .. وسينجلي الغبار عن صوت جريء لبعض الكتاب الذين كان همهم نقل الحقيقة في مدوناتهم وكما يعبر عنهم اوكتافيوباث في كتابه ـ الصوت الآخر : انه صوت الكآبة المنعزلة والقصف ، صوت الصمت والصخب ، الضحك والتنهدات ، الحكمة المجنونة والجنون الحكيم ، والهمسات الحنون في غرف النوم وهدير الحشود في الساحات . وان تسمع الصوت يعني ان تسمع الزمن ذاته .
ناصرية
٢٥/٠٦/٢٠٠٦
مطر (كاظم حسوني) وظمأهُ القديم
قراءة: محمد الأحمد
مجدُ العمل الأدبي انه ينطوي على متنٍّ لغوي صقيل، وعمق بطين، وشهادةٌ على عصره، فيكون ذا حضورٍ بيّن، ونهج واضح لأجل أن يبقى سمة ببصمة متميزة بين سمات القصة العراقية الراقية بين أقرانها في أدب أهل الأرض قاطبة، ويدخل الأديب قائمة كتابها الغرِّ الميامين. فالأدب وجه الجيل وهويته الراسخة، كإرث حضاري متميز، حيث حقيقة التاريخ، الحق، وما لم يستطع احد أن يغيره لأن يجمل قالبه، وخاصة (العراقي) الذي قد عصفت به مخيبات أمل متلاحقة من حروب متوالية، وأزمات متتابعة جرفته عنوة عن مسيرة حياته الطبيعية، فبقي في وطنه محصورا بين الجدران المتراصة، يعاني الحرمان تلو الحرمان، وبقي حالما بالخلاص، حالما في رؤية تلو أخرى لأجل اختراق القوالب المقيتة، القاسية، التي بقيت تتعمد إبقاءه ضمن المقرر، لأنه إنسان يمتلك حق طبيعي في العيش والتنعم بثرواته، فبقي يكتب عن المطر الواعد لأنه بظمأ قديم راسخ. فمن سبع قصص كون منها (كاظم حسوني) مجموعته القصصية (ظمأ قديم)، الصادرة حديثا عن دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 2006م. القصص توالت بحسّ مرهف تميز بعطر انتشر جذابا كرائحة الأرض عندما يلامسها مطر أول موسم بعد جدب قاس (أول الغيث)، حيث جاءت القصص متتابعة زاخرة بتنوع سردي، متناغم القص؛ (في انتظار المطر)، (الثلج الكبير)، (نداء أخير)، (حلم المساء)، (طقوس قيامة ليلى المغنية)، (رجل في أعلى السلم)، (ظمأ قديم)، كقصص قصيرة جنسها الأدبي، أثبت القاص على أمكانية التداخل بين مستويات مختلفة من الخطابات الأدبية والفنية، فالقصة لديه قصيدة أفادت من إمكانات الشعر، والقصة لوحة فنية احتوت مشاهداً أفادت من إمكانات السينما، (هذه الكيانات الناشئة عن الأدب وفيه موجودة بيننا، وهي لم تكن موجودة، وماثلة منذ الأزل كما هي (ربما) حال الجذور التربيعية ونظرية (فيثاغورس) على أنها من الآن فصاعداً، بعد أن تولدت عن طريق الأدب وتغذت من توظيفاتنا العاطفية الجياشة، باتت ماثلة وموجودة وينبغي علينا أن نأخذها في الحسبان، ولكي نتفادى النقاشات الأنطولوجية؛ أي ذات المواصفات الوجودية الثابتة، والميتافيزيقية، فلنقل بأنها موجودة كعادات ثقافية، وحالات اجتماعية، غير أنّ صفة المحرم العالمي التي يحملها سفاح القربى هي أيضا عادة ثقافية، وفكرة، واستعداد، ومع ذلك فإنها امتلكت القوة التي تجعلها تحرك المصائر- امبرتوايكو)، باتت القصة القصيرة العراقية تخرج إلى النشر وهي تحمل وعيا مضادا لكل آليات الركود ويمتلك حقيقة كلية ناتجة عن وعي القاص الشخصي للزمان والمكان، فينهض من ثبات المثقف المهزوم، (نفسيا وجسديا ومعرفيا وثقافيا) إلى متحرك ناقد متسائلا عن مفاهيم الجديدة للعدل والخير والحقيقة والهوية. مهشماً لقوالب مثلثات التحريم، وموجداً سطوتها، ومنتجاً لبلاغة جملة معاني تقوم علي المدركات الحسية، متواصلة لأجل تشكيل البصري عبر قصة (الخاطرة) أو قصة (المقالية)، (كل هذا يتفاعل ويعتمل في داخلي. ويحدث أن مجرد ظهور سحابة صغيرة عابرة في السماء، يصل إليها خيالي. تجعلني أبتكر لها مطراً يهمي ناعماً خفيفاً، أو عنيفاً مدراراً تارة أخرى، يغرق الطرقات والشوارع، يتسرب إلى البيوت والمحلات، يحتل الشقوق والزوايا المظلمة- ص 7) مثل (في انتظار المطر)، مبنية على تواتر يتصاعد الحدث فيها إلى ذروته دون أن يخلف حكاية سوى صورة حصار المثقف المستقل وعزله ونفيه. ويمكن أن نعتبر القصة الثانية (الثلج الكبير) من قصص الحرب البديعة (ما خلفته معارك الليل بالأشلاء المبعثرة والثلج المدمي- ص13) المؤلمة مداخلا فيها قصة النبي (يوسف) وأخوته، وأعطاها الترابط قيمة جمالية لتكون أكثر من قصة حرب، وتحمل رسالتها التي أراد كاتبها أن تصل (هؤلاء يا أبتي حملتهم معي- ص21) لان كتّاب قصة المكان هم ورثة كتّاب القضايا المصيرية (يجب أن لا تحوي أحاديثنا أو كتبنا على كثير من الخيال، لأنه لا ينتج غالبا إلا أفكارا باطلة صبيانية، ولا تصلح من شأننا، ولا جدوى منها في صواب الرأي أو قوة التمييز، أو في السمو بحالنا، فيجب أن تصدر أفكارنا عن الذوق السليم، والعقل الراجح، وان تكون أثرا لنفوذ بصيرتنا- لابرويير)، والقصة القصيرة تتوالى بحضورها الشاخص كشاهدة تاريخ يدونها الأديب كجزء من حياة عاشها ودونها وثيقة على عصره محملة وجهة نظره، وموروثاته، كقصة جديدة عكست ذاكرة ثقافية جديدة فرضتها، الوعي بالعالم إلى البحث عن مراكز متعددة، ربما تكون ذاتية، أو شخصية.. كأنه يقول: (أعلن اختلافي المتمثل في ضرب المركز وتفتيت الشخـــــصية المركزية وتفكيك البناء إلى بناءات قد تكـــــون مشتتة). والكاتب يُمايز بحسية عالية بين الموت كفعل، والموت ككائن حي كما في قصة (نداء أخير)، ويطرح مفهوما جميلا جليا بان الموت لن يأتي للإنسان الفاعل فالفعل فعله الدائم، و به يبقى حيا حيث يموت الإنسان ويبقى الفعل حيا يجري على الأرض بدلالة مدونته الشخصية التي تبقى أبدا تتحدى الموت، أما في قصة (حلم المساء) تستعرض المتغيرات الثقافية، وما واكبها من روافد جديدة للمعرفة الشخصية (متظاهرا بأنه لا يعبا بأحد سوى الكتاب الذي بين يديه- ص36) أبرزها الصورة، فهي قصة سردت بالكلمة صورا، وذكريات عاطفية قد حدث أيام كانت الذاكرة فتية لا يشغلها سوى عالم مثالي، قد مر بالكاتب وخلف كلمات من بعد أن حدد ملامح امرأة ما قد شغلته مذ ذلك الزمان، وأيضا كما في قصة (طقوس قيامة ليلى المغنية)، التي بقي العاشق ينشد قصيدته الشاهدة على من عشق ومن قتله عشق، ذلك (ولفرط ارتباكه، تعثرت قدماه بتلّة التراب فانزلق داخل القبر، واستلقى بسكون فيما خلعت المرأة كفنها ومزقت موتها ثم نهضت واقفة مبهورة تتطلع باندهاش بكل اتجاه متفرسة في السماء الزرقاء وصمت القبور الشاخصة حولها، وما فتئت أن شدت قامتها واندفعت راكضة برشاقة مخترقة ممرات القبور الضيقة وجسدها العاري يهتز ويلمع تحت فضة القمر، يشدها صفير قطار الفجر حيث هبط منه الشبح كعادته في المحطة الخالية- ص 50). قصص تواصل فيها الكاتب (كاظم حسوني) كمدونٍّ حاد الرؤية يعرف كيف يشوق كاتبه بقصصه المقتدرة، الحاضرة كشهادة صريحة صادقة عن عصرها، وعرف كيفية إجهار عشقه لجنس القصة القصيرة، ومن بعد أن تعمد بربط كاتبه القصصي الأول (رقصتها مطر[1])، بـ(ظمأ قديم)، إذ جعلته امتدادا له، حيث حضر (المطر) في متون قصصه كلها، كرابط دقيق ما فتئ (يستدرجنا مجدداً إلى ما ألفناه ونروح ننصت إليه من جديد فعذوبة كلماته كافية لأن تستحوذ علينا وتكبلنا إليه. كنا نحلم، نثب من وحل الظلام، نطير، ونتوارى خارج المكان وصوته وحده يسبح في سماء العنبر الثقيل يهطل فوق رؤوس مغيبة يتساقط عنها غبن متكلس وعفونات أيام غادرة- ص 52).
بعقوبة
25/06/2006 07:44:19 ص
[1] مجموعة قصصية صادرة عن الاتحاد الأدباء العرب – دمشق 200م
قراءة: محمد الأحمد
مجدُ العمل الأدبي انه ينطوي على متنٍّ لغوي صقيل، وعمق بطين، وشهادةٌ على عصره، فيكون ذا حضورٍ بيّن، ونهج واضح لأجل أن يبقى سمة ببصمة متميزة بين سمات القصة العراقية الراقية بين أقرانها في أدب أهل الأرض قاطبة، ويدخل الأديب قائمة كتابها الغرِّ الميامين. فالأدب وجه الجيل وهويته الراسخة، كإرث حضاري متميز، حيث حقيقة التاريخ، الحق، وما لم يستطع احد أن يغيره لأن يجمل قالبه، وخاصة (العراقي) الذي قد عصفت به مخيبات أمل متلاحقة من حروب متوالية، وأزمات متتابعة جرفته عنوة عن مسيرة حياته الطبيعية، فبقي في وطنه محصورا بين الجدران المتراصة، يعاني الحرمان تلو الحرمان، وبقي حالما بالخلاص، حالما في رؤية تلو أخرى لأجل اختراق القوالب المقيتة، القاسية، التي بقيت تتعمد إبقاءه ضمن المقرر، لأنه إنسان يمتلك حق طبيعي في العيش والتنعم بثرواته، فبقي يكتب عن المطر الواعد لأنه بظمأ قديم راسخ. فمن سبع قصص كون منها (كاظم حسوني) مجموعته القصصية (ظمأ قديم)، الصادرة حديثا عن دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 2006م. القصص توالت بحسّ مرهف تميز بعطر انتشر جذابا كرائحة الأرض عندما يلامسها مطر أول موسم بعد جدب قاس (أول الغيث)، حيث جاءت القصص متتابعة زاخرة بتنوع سردي، متناغم القص؛ (في انتظار المطر)، (الثلج الكبير)، (نداء أخير)، (حلم المساء)، (طقوس قيامة ليلى المغنية)، (رجل في أعلى السلم)، (ظمأ قديم)، كقصص قصيرة جنسها الأدبي، أثبت القاص على أمكانية التداخل بين مستويات مختلفة من الخطابات الأدبية والفنية، فالقصة لديه قصيدة أفادت من إمكانات الشعر، والقصة لوحة فنية احتوت مشاهداً أفادت من إمكانات السينما، (هذه الكيانات الناشئة عن الأدب وفيه موجودة بيننا، وهي لم تكن موجودة، وماثلة منذ الأزل كما هي (ربما) حال الجذور التربيعية ونظرية (فيثاغورس) على أنها من الآن فصاعداً، بعد أن تولدت عن طريق الأدب وتغذت من توظيفاتنا العاطفية الجياشة، باتت ماثلة وموجودة وينبغي علينا أن نأخذها في الحسبان، ولكي نتفادى النقاشات الأنطولوجية؛ أي ذات المواصفات الوجودية الثابتة، والميتافيزيقية، فلنقل بأنها موجودة كعادات ثقافية، وحالات اجتماعية، غير أنّ صفة المحرم العالمي التي يحملها سفاح القربى هي أيضا عادة ثقافية، وفكرة، واستعداد، ومع ذلك فإنها امتلكت القوة التي تجعلها تحرك المصائر- امبرتوايكو)، باتت القصة القصيرة العراقية تخرج إلى النشر وهي تحمل وعيا مضادا لكل آليات الركود ويمتلك حقيقة كلية ناتجة عن وعي القاص الشخصي للزمان والمكان، فينهض من ثبات المثقف المهزوم، (نفسيا وجسديا ومعرفيا وثقافيا) إلى متحرك ناقد متسائلا عن مفاهيم الجديدة للعدل والخير والحقيقة والهوية. مهشماً لقوالب مثلثات التحريم، وموجداً سطوتها، ومنتجاً لبلاغة جملة معاني تقوم علي المدركات الحسية، متواصلة لأجل تشكيل البصري عبر قصة (الخاطرة) أو قصة (المقالية)، (كل هذا يتفاعل ويعتمل في داخلي. ويحدث أن مجرد ظهور سحابة صغيرة عابرة في السماء، يصل إليها خيالي. تجعلني أبتكر لها مطراً يهمي ناعماً خفيفاً، أو عنيفاً مدراراً تارة أخرى، يغرق الطرقات والشوارع، يتسرب إلى البيوت والمحلات، يحتل الشقوق والزوايا المظلمة- ص 7) مثل (في انتظار المطر)، مبنية على تواتر يتصاعد الحدث فيها إلى ذروته دون أن يخلف حكاية سوى صورة حصار المثقف المستقل وعزله ونفيه. ويمكن أن نعتبر القصة الثانية (الثلج الكبير) من قصص الحرب البديعة (ما خلفته معارك الليل بالأشلاء المبعثرة والثلج المدمي- ص13) المؤلمة مداخلا فيها قصة النبي (يوسف) وأخوته، وأعطاها الترابط قيمة جمالية لتكون أكثر من قصة حرب، وتحمل رسالتها التي أراد كاتبها أن تصل (هؤلاء يا أبتي حملتهم معي- ص21) لان كتّاب قصة المكان هم ورثة كتّاب القضايا المصيرية (يجب أن لا تحوي أحاديثنا أو كتبنا على كثير من الخيال، لأنه لا ينتج غالبا إلا أفكارا باطلة صبيانية، ولا تصلح من شأننا، ولا جدوى منها في صواب الرأي أو قوة التمييز، أو في السمو بحالنا، فيجب أن تصدر أفكارنا عن الذوق السليم، والعقل الراجح، وان تكون أثرا لنفوذ بصيرتنا- لابرويير)، والقصة القصيرة تتوالى بحضورها الشاخص كشاهدة تاريخ يدونها الأديب كجزء من حياة عاشها ودونها وثيقة على عصره محملة وجهة نظره، وموروثاته، كقصة جديدة عكست ذاكرة ثقافية جديدة فرضتها، الوعي بالعالم إلى البحث عن مراكز متعددة، ربما تكون ذاتية، أو شخصية.. كأنه يقول: (أعلن اختلافي المتمثل في ضرب المركز وتفتيت الشخـــــصية المركزية وتفكيك البناء إلى بناءات قد تكـــــون مشتتة). والكاتب يُمايز بحسية عالية بين الموت كفعل، والموت ككائن حي كما في قصة (نداء أخير)، ويطرح مفهوما جميلا جليا بان الموت لن يأتي للإنسان الفاعل فالفعل فعله الدائم، و به يبقى حيا حيث يموت الإنسان ويبقى الفعل حيا يجري على الأرض بدلالة مدونته الشخصية التي تبقى أبدا تتحدى الموت، أما في قصة (حلم المساء) تستعرض المتغيرات الثقافية، وما واكبها من روافد جديدة للمعرفة الشخصية (متظاهرا بأنه لا يعبا بأحد سوى الكتاب الذي بين يديه- ص36) أبرزها الصورة، فهي قصة سردت بالكلمة صورا، وذكريات عاطفية قد حدث أيام كانت الذاكرة فتية لا يشغلها سوى عالم مثالي، قد مر بالكاتب وخلف كلمات من بعد أن حدد ملامح امرأة ما قد شغلته مذ ذلك الزمان، وأيضا كما في قصة (طقوس قيامة ليلى المغنية)، التي بقي العاشق ينشد قصيدته الشاهدة على من عشق ومن قتله عشق، ذلك (ولفرط ارتباكه، تعثرت قدماه بتلّة التراب فانزلق داخل القبر، واستلقى بسكون فيما خلعت المرأة كفنها ومزقت موتها ثم نهضت واقفة مبهورة تتطلع باندهاش بكل اتجاه متفرسة في السماء الزرقاء وصمت القبور الشاخصة حولها، وما فتئت أن شدت قامتها واندفعت راكضة برشاقة مخترقة ممرات القبور الضيقة وجسدها العاري يهتز ويلمع تحت فضة القمر، يشدها صفير قطار الفجر حيث هبط منه الشبح كعادته في المحطة الخالية- ص 50). قصص تواصل فيها الكاتب (كاظم حسوني) كمدونٍّ حاد الرؤية يعرف كيف يشوق كاتبه بقصصه المقتدرة، الحاضرة كشهادة صريحة صادقة عن عصرها، وعرف كيفية إجهار عشقه لجنس القصة القصيرة، ومن بعد أن تعمد بربط كاتبه القصصي الأول (رقصتها مطر[1])، بـ(ظمأ قديم)، إذ جعلته امتدادا له، حيث حضر (المطر) في متون قصصه كلها، كرابط دقيق ما فتئ (يستدرجنا مجدداً إلى ما ألفناه ونروح ننصت إليه من جديد فعذوبة كلماته كافية لأن تستحوذ علينا وتكبلنا إليه. كنا نحلم، نثب من وحل الظلام، نطير، ونتوارى خارج المكان وصوته وحده يسبح في سماء العنبر الثقيل يهطل فوق رؤوس مغيبة يتساقط عنها غبن متكلس وعفونات أيام غادرة- ص 52).
بعقوبة
25/06/2006 07:44:19 ص
[1] مجموعة قصصية صادرة عن الاتحاد الأدباء العرب – دمشق 200م
١٣/٠٦/٢٠٠٦
شفافيةُ السرد في قصص ضوء العشب
قصص : أنور عبد العزيز
قراءة : محمد الأحمد
يُحيلنا القاص (أنور عبد العزيز) بمجموعته القصصية الجديدة الصادرة (2006م) عن دار الشؤون الثقافية العامة، الموسومة بـ(ضوء العشب) إلى ما كان يقوله الأديب العالمي (ادغار ألن بو) حول القصة القصيرة (عمل بنفس واحد، ويستدعي لقراءة متأنية ساعة أو ساعتين، و يجب أن تقرأ في جلسة واحدة)، وغالبا ما تحوي كلماتها المحدودة على عالم متكامل، ترسم حدوداَ للزمان الذي حدث خلاله الحدث، وأيضا المكان الذي دار عليه الحدث، وكلما غاب أو شحب الحدث يفقد جنس القصة القصيرة خصاصة مهمة من مقوماته البنائية، فالقصة كعمل فني يتحصل على محور ثابت يكتسي لحماً وموقفا يسرد علينا غايته، ويخبرنا كيف يكون كاتب القصة المقتدر، على الأغلب، الوحيد الأدرى بشعابها، ويكون عليما بتفاصيل سردها الدقيق، لأنه يقصها علينا من الحياة، وما يقبض عليه من حدث، مؤكدا، بأنه يخفى حدثا آخرا، خفيا، غير الحدث الظاهر، وكم تكون تلك القصة ساذجة إن لم تفتح الطريق إلى قصد آخر، والقراءة للقصة في ظرف واحد تؤدي بالقارئ إلى الاستدلال على الرسالة السارية ضمن القصة، وبتلك يكون للقصة التي بين أيدينا بعدا جماليا آخراً، وربما قصر الأداة، تبدد الظاهر والباطن، وتعطي ضياعا، أو ترهلا للعمل، ويكون القاص القدير هو الأكثر علما بما وراء تلك الغاية، ومن سردها بكل ما يتقن. ففي الغالب تترك القصص البديعة، الصقيلة، ذاتها مفروشة على غمار الذاكرة لتعطي للحكاية سحرها وضوءها، فتشع المعاني الجميلة كلما ركز في مسيرتنا على الألوان وتفاصيل تدريجاتها، وعلى الخطوط وتعرجاتها، أو التقاءآتها لتخلف في ذهن متلقيها حكاية أخرى، بمعنى آخر، وغالبا ما تتشكل باخضرار بهيج لن تنساه الذاكرة، فالألوان والخطوط هي سمة القص الذي ينحته الأزميل المبدع للقاص، وهذا ما كان ذاهبا إليه (ابن رشد) عندما شرح ولخص كتاب أرسطو طاليس في فن الشعر؛ إذ ذكر (وقد علمنا إن الصناعة الفنية تحكي الطبيعة، وتروم اللحاق بها والقرب منها على سقوطها دونها، وهذا رأي صحيح وقول مشروح، وإنما حكمتها، وتبعت رسمها، وقصت أمرها، لانحطاط رتبتها عنها[1])، ولان القص في اللغة العربية يعني تتبع الأثر، من النبع والى البحر، فإن القصة القصيرة تعني أيمًا اعتناء بتتبع أثر لحظات إنسانية حياتية شديدة الأهمية منتقاة من صميم الذات، وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها. والقاص الحاذق لأجل أن يمضي قارئه معه بنهم حتى وصول الرسالة إليه كاملة أن يكون الكاتب معه مراوغا، ولأجل أن يوقع القارئ في فخ التشويق، وغالبا ما تكون القصة التي يتوقع نهايتها، باهتة. فالقص في جوهره وجهة نظر حادة وتؤشر موقفها من الحياة. فالقصة التي حملت اسم المجموعة (ضوء العشب)، تكشف عن بطولة ضائعة، لكلب أخذه التحدي إلى حتفه، أحالته أوساخ المزابل إلى لون لا بياض فيه، فالقصة لم تكن قصة (كلب بيوت، ولا كلب حراسة، ولا كلب رعاة، ولا كلب صيد، لم يكن كلبا أنيقا نظيفا مغسولا مترفا بطرا بنزواته، كان كلبا عاديا تائها ضالا متسكعا مما نرى مثله الكثير في أزقة المدن ودروبها وشوارعها وساحتها. لم يكن كبيرا و لا صغيرا، سمينا أو نحيلا مهزولا- ص13)، وقد حوت مجموعة القصص القصيرة على تسع عشر قصة قصيرة، أخرى، تنوعت فيها أدوات السرد باختلاف مضمناتها بالزمان والمكان.. حيث افترشت المجموعة بأبطالها المختلفين الطيبين والشريرين، واختلطت الحقائق والأكاذيب، بالفاضلين والماجنين، بكل ألوانهم التي كشفت عنها القصص، التي اعتمدت الإيقاع البطيء لسمفونية الزمن حيث جرت عليهم السنون وخلفتهم في عربات الحياة تعبون من مشوار ترحالهم، ومن بعد بدت عليهم علامات الزمن الثقيل الذي تكدس في المآقي، وبدت على وجوه إبطال القصص عراقيتها وعراقتها حيث توضحت قسماتها، وابيض من الشعر ما كان اسودا.. قصص حوت جمالا وصفه الكاتب بتمكن العارف لأنها حكايات زمن ثقيل بانت من بعد أن مات من كان حيا تاركاً وراءه دورة أخرى مكللة بضوء العشب. فـأصبحت (العين إنسانية حين أصبح موضوعها موضوعا اجتماعيا مصدره ومصيره الإنسان- هيكل). كما قصة (الوليمة) تعوّل على فضاء المكان وتمضي كحكاية للتذكر البعيد، (صدى السنين الحاكي) وللأمكنة التي لم تنسها الذاكرة، ويبقى هدفها أن تتعقب الذكريات خطوات الحوادث، وتمشي الهوينى على مساحات الحلم في مدينة (الموصل)، وبالذات حي (القليعات)، في محلة (الشهوان) ومحلة (الكوّازين) حيث الأزقة الملتوية الشاحبة بظل العتمة والرطوبة- ص27)، وقصة (القناص - ص58) بدلالة اسمها عن رجل يقنص بكاميراته، فنان يحترف التصوير، يتصيد ما سوف يفلته الزمن، والصورة تبقى محتجزة ضمن لحظتها، ولكن إنسانها تبلغ به السنين عتيدا، فيتهدم ما كان وتبقى الصور قابضة على سرّ القوة التي تحولت اليوم إلى وهنًّ، وبفطنة يعطي القاص اسما لمكان موجود مرسخا (يقع في بداية شارع الدواسة)، ومؤكدا واقعيتها لتصبح حكاية ممتعة تجذب انتباه القارئ، وتترك أثرا عميقا تكشف عن الطبيعة البشرية، (إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده- موباسان)، فالقص لدى (أنور عبد العزيز) ظاهرة إنسانية، مكثفة، تخلص مسيرة تتشابك جمل سردها لتكشف عن شفافية عالية كونها قصص مقتدرة تعطي القارئ تشويقاً جميلا، كصور جلية (القصة: نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثًا وقع أو يمكن أن يقع)، كما في (ارض الفستق-ص181)، (وادي الليل – ص97)، (القطط ص83)، و(الضبع- ص 20)، قصص تروي سير الحارات الشهيرة، والأزقة الضيقة، والدروب الفضفاضة، مجملها حكايات استطاع بها القاص باقتدار؛ التدوين في مدونة الزمن العظيمة، فهو المبدع المقتنص بهذه القيم الإبداعية الهامة، من المواقف العابرة، ويعيد بلورة واكتشاف مناطق حساسة من ذكرياتنا البشرية، ربما تكون مهملة في ذاتنا وفي حياتنا الآنية، لتبرز من بعد نحتت بأزميل فنان مقتدر، وقاص عراقي معطاء.
الاثنين، 12 حزيران، 2006
[1] بن رشد: تلخيص كتاب ارسطوطاليس فن الشعر.
وقت ما للمجلات الثقافية
د. طاهر عبد مسلم علوان
ليس المنتوج الثقافي الا انعكاسا للحياة الثقافية وما يحققه المبدعون ، والمجلة ليست مجموعة اوراق تفصح ادعاء عن نشاط اوفعل ثقافي...بل انها تقليد ابداعي وحضاري ورسالة موضوعية وهادفة ربما تحولت الى نشاط مؤسسي رصين ينطلق من تلك المجلة فضلا على خطابها المختلف القائم على التجديد وتأطير ابداع المبدعين ... وتفخر الأمم الحية والمنتجة للثقافة بمجلاتها الرصينة والمعمرة ، وتعد استمرار مشروع المجلة علامة قوة وصحة ثقافية ، وعلى هذا سارت على هذا المسار العديد من البلدان وحتى العربية منها وهي تحاول اللحاق بالركب ، وصارت للكويت مثلا مجلة اسمها العربي يمتد عمرها الى مايقارب النصف قرن وهي في تطور مضطرد ، وكذلك هي مجلة الهلال المصرية التي ولدت قبل العربي بعقود ، ومجلة فصول من حيث هي اكبر من مجرد مجلة ان لم نقل موسوعة رصينة وهنالك مجلة عالم الفكر في الكويت ايضا برصانتها ومتانة ماينشر فيها وفي تونس كانت مجلة الفكر ومجلة قصص ومجلة شعر ثم الحياة الثقافية وفي المغرب مجلة فكر ونقد التي اسسها المفكر المعروف محمد عابد الجابري وفي لبنان هنالك الآداب التي اطلقت عشرات الأصوات المبدعة في العالم العربي . واذا كان ظهور الصحافة في العراق يعود الى اكثر من قرن من الآن ، وان هذا البلد ليس جمهورية من جمهوريات الموز ولا بلدا منسيا في اعماق القارة السمراء الأكثر فقرا ، ثقافيا واجتماعيا ، بل هو الذي انجب عمالقة في الفكر والأبداع في الميادين كافة ،ولديه من الموارد المالية ما هو وفير جدا في يومنا هذا فما موقعه في خريطة المجلات الثقافية ؟
لست اريد ان امضي في تتبع تاريخ المجلات الثقافية عامة لكنني معني بواقع المجلات الثقافية العراقية اليوم ... فقد انتج المبدعون في هذا البلد مجلات رصينة حمل مسؤوليتها بالتتابع ثلة من رموز الثقافة ، ولااظن اثنان يختلفان في دور وموقع مجلة الأقلام في مسار الثقافة العراقية ، هذه المجلة الرائدة التي احتضنت الأبداع العراقي بألوانه وكانت منبرا اساسيا من منابر التجديد والحداثة بالرغم مماطرأ على دورها في مرحلة من المراحل من تسييس قسري ومواكبة اجبارية للتحولات السياسية والحروب وماالى ذلك ، مع ذلك تستطيع ان تستخرج من بين اعدادها الصادرة عشرات الأعداد الرصينة والمتميزة ، حتى غدت قناة تواصل مع الثقافة العربية حيث اعتمدت مراسلين شرقا وغربا ، ولست انسى الأعداد الأولى التي وقعت في يدي يوم اشتركت فيها اشتراكا سنويا بمبلغ سبعمائة وخمسون فلسا فقط وصارت تصلني بانتظام الى مدرستي الثانوية بأمضاء الراحل عبد الجبار داوود البصري والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي ، ثم يوم استقرمكتبها في منطقة الشورجة وتعرفت هناك على الناقد القدير الصديق حاتم الصكر والشاعر والكاتب الفلسطيني المرموق خيري منصور والدكتور العلاق ثم يوم رأس تحريرها الناقدين المبدعين طراد الكبيسي و باسم عبد الحميد حمودي علىالتوالي ...ومضت مجلة الأقلام بوظيفتها المخلصة حتى اليوم وحتى آخر لقاء لي مع الناقد والمفكر محمد مبارك الذي يرأس تحريرها الآن، وحيث صار للأقلام ومعها شجون وشجون ، والخلاصة ان جهودا مخلصة فردية ماانفكت تسهر على استمرار صدورها وتماسك مادتها فيما اغلقت وزارة الثقافة مجلة الطليعة الأدبية شقيقة الأقلام التي تعنى بأدب الشباب ، ولاينفصل الحديث هنا عن مجلة عراقية محترمة اخرى نفخر بها وهي مجلة الثقافة الأجنبية التي يحرسها بصمت وبلا كثير ادعاء منذ ربع قرن وحتى اليوم الشاعر ياسين طه حافظ ، حتى غدت مشروعه الشخصي الذي يذود عنه بمااوتي من صبر وكفاءة ، وحيث قدمت هذه المجلة زادا غنيا لقرائها من ثقافات الشعوب في شتى بلدان العالم ، وكذلك مضت مجلة التراث الشعبي والمورد فيما توقفت آفاق عربية والموقف الثقافي .
وسط هذه المراجعة ، نجد ان هذه المجلات قد تراجعت كثيرا عن المستوىالمأمول بعد زوال (الحصار ) والتقشف ، تراجعت فنيا وطباعيا وتراجعت في الحجم ومازال كادرها يبذل كل جهد كي تستمر وهو يرحل الى اقاصي بغداد حيث بلقع السبع ابكار وحي تونس ، وكان هنالك من افتى في وزارة الثقافة بدمج هذه المجلات مجتمعة في مجلة واحدة وياللألمعية الثقافية ،اذ يبدو ان قصة هذه المجلات ورسالتها صارت تصدع الرؤوس ، فلنتخلص منها دفعة واحدة وفي مجلد واحد ونعيش حياة سعيدة ....وحيث لم يطرأ على هذه المجلات مايخرجها من معضلاتها ، ويواصل دورها في الحياة الثقافية ، لم تفكر المؤسسة الثقافية في تصدير المجلة الثقافية الى الوطن العربي ، وبقيت اسيرة سوء التوزيع ، ناهيك عن الأجور المتواضعة التي يتقاضاها محرروها وكتابها وكأنهم قوم متطوعون اكثر من كونهم محترفي صناعة مجلة ثقافية .
في ظل هذا التراجع وايقاف مجلات في وزارة الثقافة واهمال اخرى ، ظهرت مجلات ثقافية في المشهد الثقافي العراقي ربما ستنافس مجلات الوزارة ان مضت هذه المجلات الوليدة في مشاريعها وانتظام صدورها وستتركها في الخلف بفاصلة ، ومنها مجلات جدل ومسارات وهلا .... ووجدت في العدد الأخير من جدل مثلا مشروع مجلة رصينة تسير في الأتجاه الصحيح من جهة التبويب واسلوب الأستكتاب و المستوى النوعي للمادة الثقافية . ونعلم نحن العاملون في الصحافة الثقافية ماذا يعني اصدار مجلة ثقافية يفترض ان تكون جزءا من لغة العصر ، طباعة وتبويبا ومادة واخراجا ، بمعنى انها ليست جهدا عابرا بل هي هم ثقيل يؤرق القائمين عليها ويلاحقهم في كل آن وحين .
مايثير في الأمر هنا ، ان هنالك ابداعا عراقيا يتجدد يوميا بصرف النظر عن رصانة مستواه الا انه في حده الأدنى يصلح للنشر ، هذا الأبداع مازال يضغط على العاملين في الصحافة الثقافية كي يرى النور ، فنحن نستقبل في بريد الف ياء الزمان مثلا عشرات النصوص اسبوعيا ونحرج اشد الأحراج في سعينا لمنح الجميع الفرصة بالنشر ، بسبب كثرة البريد الثقافي الذي نراجعه ونبوبه ونقومه في ليل وفي نها ر، والسؤال هنا هو : اليس في انتظام صدور المجلات التي تدعمها وزارة الثقافة متنفسا آخر للأبداع العراقي ؟ الا يستحق المبدع ان يجد نتاجه محتفى به من خلال صدور مجلة مثل الأقلام والطليعة الأدبية بصفحات اكثر واخراج طباعي مميز وبأصدار شهري منتظم ؟ فأين يذهب الشاعر بنصوصه والقاص بقصصه وهو بالكاد ينشر نصا واحدا كل شهر او شهرين في مقابل مكافأة مالية متواضعة ؟ اليس من مسؤولية وزارة الثقافة ان تعيد النظر جديا في واقع مجلاتها الثقافية فتعيد للأقلام واخواتها من المجلات الثقافية مكانتها وتدعمها بأسباب النجاح وتوجد لها مقرات يسهل الوصول اليها والتواصل معها بدل ذاك البلقع النائي ؟الاتستحق هذه المجلات ومن تتابع على ادارتها منذ تأسيسها وحتى اليوم كل تكريم واشادة وتقدير وقد بلغ جلهم من العمر عتيا ومازالت المجلة همه ومشروعه واهتمامه الأول ؟
نتمنى ان يأتي اليوم الذي تقترن فيه الثقافة العراقية بمجلة او اكثر تحتل موقعها الصحيح في مسار الثقافة في الداخل والخارج ، مجلة او مجلات هي اقرب الى المشروع الثقافي الحضاري التنويري المتقدم منها الى المجلة العادية التي صارت تتفوق عليها بجدارة مجلات مثل الرافد ودبي الثقافية ونزوى وغيرها من المجلات العربية في المادة والأخراج الصحفي والطباعي والأنتشار ، مجلات وليدة قياسا بالأقلام لكنها تتوفر على كل اسباب النجاح والأنتشار في المحيط العربي .
ماهو مأمول من وزارة الثقافة اليوم وهي تبدأ عهدا جديدا ان لاتمر مرور الكرام على موضوع المجلات الثقافية وان لاتترك الزمن يأكل من مكانة وتاريخ هذه المجلات ويحولها الى مطبوعات هواة منها الى المشروع الثقافي الذي يفترض ان ترعاه الدولة ويحمل اسم الثقافة والأبداع في بلادنا والمقترح هو عقد مؤتمر موسع يختص بشأن انتشال المجلات الثقافية مما هي عليه واعادة ماالغي منها الى الحياة ودعمها بكل وسائل النجاح وان يجري تجاوز الأصغاء لأي مدير مغمور لايملك في نفسه غير نفي الآخر ورفض كل ماهو حداثي وتنويري وخلاق ويحسب واهما ان في يديه وحده الحل والعقد للثقافة العراقية وبما في ذلك امر مجلاتنا الثقافية وهو وهم مابعده وهم .
د. طاهر عبد مسلم علوان
ليس المنتوج الثقافي الا انعكاسا للحياة الثقافية وما يحققه المبدعون ، والمجلة ليست مجموعة اوراق تفصح ادعاء عن نشاط اوفعل ثقافي...بل انها تقليد ابداعي وحضاري ورسالة موضوعية وهادفة ربما تحولت الى نشاط مؤسسي رصين ينطلق من تلك المجلة فضلا على خطابها المختلف القائم على التجديد وتأطير ابداع المبدعين ... وتفخر الأمم الحية والمنتجة للثقافة بمجلاتها الرصينة والمعمرة ، وتعد استمرار مشروع المجلة علامة قوة وصحة ثقافية ، وعلى هذا سارت على هذا المسار العديد من البلدان وحتى العربية منها وهي تحاول اللحاق بالركب ، وصارت للكويت مثلا مجلة اسمها العربي يمتد عمرها الى مايقارب النصف قرن وهي في تطور مضطرد ، وكذلك هي مجلة الهلال المصرية التي ولدت قبل العربي بعقود ، ومجلة فصول من حيث هي اكبر من مجرد مجلة ان لم نقل موسوعة رصينة وهنالك مجلة عالم الفكر في الكويت ايضا برصانتها ومتانة ماينشر فيها وفي تونس كانت مجلة الفكر ومجلة قصص ومجلة شعر ثم الحياة الثقافية وفي المغرب مجلة فكر ونقد التي اسسها المفكر المعروف محمد عابد الجابري وفي لبنان هنالك الآداب التي اطلقت عشرات الأصوات المبدعة في العالم العربي . واذا كان ظهور الصحافة في العراق يعود الى اكثر من قرن من الآن ، وان هذا البلد ليس جمهورية من جمهوريات الموز ولا بلدا منسيا في اعماق القارة السمراء الأكثر فقرا ، ثقافيا واجتماعيا ، بل هو الذي انجب عمالقة في الفكر والأبداع في الميادين كافة ،ولديه من الموارد المالية ما هو وفير جدا في يومنا هذا فما موقعه في خريطة المجلات الثقافية ؟
لست اريد ان امضي في تتبع تاريخ المجلات الثقافية عامة لكنني معني بواقع المجلات الثقافية العراقية اليوم ... فقد انتج المبدعون في هذا البلد مجلات رصينة حمل مسؤوليتها بالتتابع ثلة من رموز الثقافة ، ولااظن اثنان يختلفان في دور وموقع مجلة الأقلام في مسار الثقافة العراقية ، هذه المجلة الرائدة التي احتضنت الأبداع العراقي بألوانه وكانت منبرا اساسيا من منابر التجديد والحداثة بالرغم مماطرأ على دورها في مرحلة من المراحل من تسييس قسري ومواكبة اجبارية للتحولات السياسية والحروب وماالى ذلك ، مع ذلك تستطيع ان تستخرج من بين اعدادها الصادرة عشرات الأعداد الرصينة والمتميزة ، حتى غدت قناة تواصل مع الثقافة العربية حيث اعتمدت مراسلين شرقا وغربا ، ولست انسى الأعداد الأولى التي وقعت في يدي يوم اشتركت فيها اشتراكا سنويا بمبلغ سبعمائة وخمسون فلسا فقط وصارت تصلني بانتظام الى مدرستي الثانوية بأمضاء الراحل عبد الجبار داوود البصري والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي ، ثم يوم استقرمكتبها في منطقة الشورجة وتعرفت هناك على الناقد القدير الصديق حاتم الصكر والشاعر والكاتب الفلسطيني المرموق خيري منصور والدكتور العلاق ثم يوم رأس تحريرها الناقدين المبدعين طراد الكبيسي و باسم عبد الحميد حمودي علىالتوالي ...ومضت مجلة الأقلام بوظيفتها المخلصة حتى اليوم وحتى آخر لقاء لي مع الناقد والمفكر محمد مبارك الذي يرأس تحريرها الآن، وحيث صار للأقلام ومعها شجون وشجون ، والخلاصة ان جهودا مخلصة فردية ماانفكت تسهر على استمرار صدورها وتماسك مادتها فيما اغلقت وزارة الثقافة مجلة الطليعة الأدبية شقيقة الأقلام التي تعنى بأدب الشباب ، ولاينفصل الحديث هنا عن مجلة عراقية محترمة اخرى نفخر بها وهي مجلة الثقافة الأجنبية التي يحرسها بصمت وبلا كثير ادعاء منذ ربع قرن وحتى اليوم الشاعر ياسين طه حافظ ، حتى غدت مشروعه الشخصي الذي يذود عنه بمااوتي من صبر وكفاءة ، وحيث قدمت هذه المجلة زادا غنيا لقرائها من ثقافات الشعوب في شتى بلدان العالم ، وكذلك مضت مجلة التراث الشعبي والمورد فيما توقفت آفاق عربية والموقف الثقافي .
وسط هذه المراجعة ، نجد ان هذه المجلات قد تراجعت كثيرا عن المستوىالمأمول بعد زوال (الحصار ) والتقشف ، تراجعت فنيا وطباعيا وتراجعت في الحجم ومازال كادرها يبذل كل جهد كي تستمر وهو يرحل الى اقاصي بغداد حيث بلقع السبع ابكار وحي تونس ، وكان هنالك من افتى في وزارة الثقافة بدمج هذه المجلات مجتمعة في مجلة واحدة وياللألمعية الثقافية ،اذ يبدو ان قصة هذه المجلات ورسالتها صارت تصدع الرؤوس ، فلنتخلص منها دفعة واحدة وفي مجلد واحد ونعيش حياة سعيدة ....وحيث لم يطرأ على هذه المجلات مايخرجها من معضلاتها ، ويواصل دورها في الحياة الثقافية ، لم تفكر المؤسسة الثقافية في تصدير المجلة الثقافية الى الوطن العربي ، وبقيت اسيرة سوء التوزيع ، ناهيك عن الأجور المتواضعة التي يتقاضاها محرروها وكتابها وكأنهم قوم متطوعون اكثر من كونهم محترفي صناعة مجلة ثقافية .
في ظل هذا التراجع وايقاف مجلات في وزارة الثقافة واهمال اخرى ، ظهرت مجلات ثقافية في المشهد الثقافي العراقي ربما ستنافس مجلات الوزارة ان مضت هذه المجلات الوليدة في مشاريعها وانتظام صدورها وستتركها في الخلف بفاصلة ، ومنها مجلات جدل ومسارات وهلا .... ووجدت في العدد الأخير من جدل مثلا مشروع مجلة رصينة تسير في الأتجاه الصحيح من جهة التبويب واسلوب الأستكتاب و المستوى النوعي للمادة الثقافية . ونعلم نحن العاملون في الصحافة الثقافية ماذا يعني اصدار مجلة ثقافية يفترض ان تكون جزءا من لغة العصر ، طباعة وتبويبا ومادة واخراجا ، بمعنى انها ليست جهدا عابرا بل هي هم ثقيل يؤرق القائمين عليها ويلاحقهم في كل آن وحين .
مايثير في الأمر هنا ، ان هنالك ابداعا عراقيا يتجدد يوميا بصرف النظر عن رصانة مستواه الا انه في حده الأدنى يصلح للنشر ، هذا الأبداع مازال يضغط على العاملين في الصحافة الثقافية كي يرى النور ، فنحن نستقبل في بريد الف ياء الزمان مثلا عشرات النصوص اسبوعيا ونحرج اشد الأحراج في سعينا لمنح الجميع الفرصة بالنشر ، بسبب كثرة البريد الثقافي الذي نراجعه ونبوبه ونقومه في ليل وفي نها ر، والسؤال هنا هو : اليس في انتظام صدور المجلات التي تدعمها وزارة الثقافة متنفسا آخر للأبداع العراقي ؟ الا يستحق المبدع ان يجد نتاجه محتفى به من خلال صدور مجلة مثل الأقلام والطليعة الأدبية بصفحات اكثر واخراج طباعي مميز وبأصدار شهري منتظم ؟ فأين يذهب الشاعر بنصوصه والقاص بقصصه وهو بالكاد ينشر نصا واحدا كل شهر او شهرين في مقابل مكافأة مالية متواضعة ؟ اليس من مسؤولية وزارة الثقافة ان تعيد النظر جديا في واقع مجلاتها الثقافية فتعيد للأقلام واخواتها من المجلات الثقافية مكانتها وتدعمها بأسباب النجاح وتوجد لها مقرات يسهل الوصول اليها والتواصل معها بدل ذاك البلقع النائي ؟الاتستحق هذه المجلات ومن تتابع على ادارتها منذ تأسيسها وحتى اليوم كل تكريم واشادة وتقدير وقد بلغ جلهم من العمر عتيا ومازالت المجلة همه ومشروعه واهتمامه الأول ؟
نتمنى ان يأتي اليوم الذي تقترن فيه الثقافة العراقية بمجلة او اكثر تحتل موقعها الصحيح في مسار الثقافة في الداخل والخارج ، مجلة او مجلات هي اقرب الى المشروع الثقافي الحضاري التنويري المتقدم منها الى المجلة العادية التي صارت تتفوق عليها بجدارة مجلات مثل الرافد ودبي الثقافية ونزوى وغيرها من المجلات العربية في المادة والأخراج الصحفي والطباعي والأنتشار ، مجلات وليدة قياسا بالأقلام لكنها تتوفر على كل اسباب النجاح والأنتشار في المحيط العربي .
ماهو مأمول من وزارة الثقافة اليوم وهي تبدأ عهدا جديدا ان لاتمر مرور الكرام على موضوع المجلات الثقافية وان لاتترك الزمن يأكل من مكانة وتاريخ هذه المجلات ويحولها الى مطبوعات هواة منها الى المشروع الثقافي الذي يفترض ان ترعاه الدولة ويحمل اسم الثقافة والأبداع في بلادنا والمقترح هو عقد مؤتمر موسع يختص بشأن انتشال المجلات الثقافية مما هي عليه واعادة ماالغي منها الى الحياة ودعمها بكل وسائل النجاح وان يجري تجاوز الأصغاء لأي مدير مغمور لايملك في نفسه غير نفي الآخر ورفض كل ماهو حداثي وتنويري وخلاق ويحسب واهما ان في يديه وحده الحل والعقد للثقافة العراقية وبما في ذلك امر مجلاتنا الثقافية وهو وهم مابعده وهم .
١٠/٠٦/٢٠٠٦
القمــر وبحيـرة السلام
غزاي درع الطائي
( 1 )
دخان السكائر
يقلِّل من دخان الحروب ،
هذا ما أراه ،
ولذلك
فإنني لست ممن ينصحون
بالامتناع عن التدخين
بحجة الحفاظ على الصحة .
( 2 )
عندما رمى الطغاة
حجر الحرب
في بحيرة السلام ،
تكسَّر وجه القمر ،
يومئذ ..
أخرجت وجه القمر المتكسر
ورممته بقصائد الشعراء العظام
وأعدته إلى بحيرته
بكل احترام .
( 3 )
ما أحبُّه سأذهب إليه ،
ما أريده سأفعله ،
وسأبذل جهدي كله
من أجل ذلك ،
ابتداء من الآن ،
وابتداء من الآن ..
سأقول فقط
ما أقدر على تنفيذه ،
ولن ألزم نفسي بالإدعاءات ،
سأسعى لأن أكون
صاحب فضل
وراعي فضيلة ،
وليس حامل فضول ،
وسأعِدُ بما أستطيع أن أبرَّ به
وسأعترف بخطأي إن حصل
ولن أبرِّره ،
و ..
يا إلهي
لقد قلت كلاما كثيرا ،
أتُراني قادرا على الإيفاء
به كُلِّه ،
وأنا قلت :
لن ألزم نفسي
بالإدعاءات ؟ّ
( 4 )
حين ألقاني أخوتي
في الجب ،
لم يلتقطني بعض السيارة ،
حين ألقاني أخوتي
في الجب ،
التقطني الذئب .
( 5 )
انتظرتُ النسيم
فجاءت العاصفة ! ،
انتظرتُ الربيع
فجاء الخريف ! ،
انتظرتُ الأمل
فجاء اليأس ! ،
سأنتظرُ الموت
لعل الحياة تجيء !! .
( 6 )
الشراع بيد الريح
والمجداف ليس بيدي ،
فيا زورقي
إذهب أنى شئت ،
لتباركك السلامة ،
وليباركني الهلاك .
( 7 )
مثلما تجنح الشمس إلى الغروب ،
ومثلما يجنح قوم
إلى السلم
تحاشيا للحروب ،
أجنح إلى ورقتي وقلمي
لا أجنح إلى الهروب .
( 8 )
طفولتي أكلها الفقر
وشبابي أكلته الحروب
وما تبقى من أيامي ..
ستأكله آثار الفقر
وآثار الحروب ،
ولكن تاج الحرية
سيضع نفسه على رأسي
وسيقول لي :
شكرا
لله درُّ ظهرك أيها الفقير
لقد كان حملك ثقيلا .
غزاي درع الطائي
( 1 )
دخان السكائر
يقلِّل من دخان الحروب ،
هذا ما أراه ،
ولذلك
فإنني لست ممن ينصحون
بالامتناع عن التدخين
بحجة الحفاظ على الصحة .
( 2 )
عندما رمى الطغاة
حجر الحرب
في بحيرة السلام ،
تكسَّر وجه القمر ،
يومئذ ..
أخرجت وجه القمر المتكسر
ورممته بقصائد الشعراء العظام
وأعدته إلى بحيرته
بكل احترام .
( 3 )
ما أحبُّه سأذهب إليه ،
ما أريده سأفعله ،
وسأبذل جهدي كله
من أجل ذلك ،
ابتداء من الآن ،
وابتداء من الآن ..
سأقول فقط
ما أقدر على تنفيذه ،
ولن ألزم نفسي بالإدعاءات ،
سأسعى لأن أكون
صاحب فضل
وراعي فضيلة ،
وليس حامل فضول ،
وسأعِدُ بما أستطيع أن أبرَّ به
وسأعترف بخطأي إن حصل
ولن أبرِّره ،
و ..
يا إلهي
لقد قلت كلاما كثيرا ،
أتُراني قادرا على الإيفاء
به كُلِّه ،
وأنا قلت :
لن ألزم نفسي
بالإدعاءات ؟ّ
( 4 )
حين ألقاني أخوتي
في الجب ،
لم يلتقطني بعض السيارة ،
حين ألقاني أخوتي
في الجب ،
التقطني الذئب .
( 5 )
انتظرتُ النسيم
فجاءت العاصفة ! ،
انتظرتُ الربيع
فجاء الخريف ! ،
انتظرتُ الأمل
فجاء اليأس ! ،
سأنتظرُ الموت
لعل الحياة تجيء !! .
( 6 )
الشراع بيد الريح
والمجداف ليس بيدي ،
فيا زورقي
إذهب أنى شئت ،
لتباركك السلامة ،
وليباركني الهلاك .
( 7 )
مثلما تجنح الشمس إلى الغروب ،
ومثلما يجنح قوم
إلى السلم
تحاشيا للحروب ،
أجنح إلى ورقتي وقلمي
لا أجنح إلى الهروب .
( 8 )
طفولتي أكلها الفقر
وشبابي أكلته الحروب
وما تبقى من أيامي ..
ستأكله آثار الفقر
وآثار الحروب ،
ولكن تاج الحرية
سيضع نفسه على رأسي
وسيقول لي :
شكرا
لله درُّ ظهرك أيها الفقير
لقد كان حملك ثقيلا .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)