المراوحة بين السردي والشعري في العراق
ألم المشهد وسحر الكتابة إبراهيم سبتي
اطلق ستاندال على القلة القارئة مصطلح القلة السعيدة . ويرى اخرون ، بان احدى السمات البارزة للادب الحديث ، هي اصراره على ان يظل فن الاقلية .. ولا يعدو هذا الرأي ، سوى تجسيد للصدع القائم بين الكاتب ـ الاديب ـ والآخر المتلقي . ان كل الاحداث الساخنة التي تجري ، ستكون مخزونا ثر لا شك للمدون الاديب ..
فاليومي من الاحداث التي تعصف بالبلاد ، في اولويات أي كاتب . فاما ان يوظفها داخل نص ابداعي من شعر او قصة او في مقالة يدنو فيها من محاذير واسوار السياسة ، او يكتبها كسيرة او مذكرات بعد حين .. ولا يمكن تجاوز هذه المحن ، مالم تصنف تاريخيا ، تصنيفا يجعل الادب المدون فيها ادب محنة .
والادب المعني هذا ، ليس من الممكن المرور به على عجالة او دون اكتراث بعد ان يؤول الوضع الى الانفراج وتصير المحن ولحظات الخراب تاريخا . ففي تلك اللحظة يجب التوقف عنده وتامله ودراسته لانه أرخ لمرحلة هامة من فصول البلاد . وحسب ليفي شتراوس فأن التاريخ يغدو جانبا من الحاضر عندما تستعيده الذاكرة ..
ومما نتج عن حالة البلاد حاضرا، فأن الذائقة تبدو انها تمر بانكماش ملحوظ وهي حالة يمكن ان تتحول فجأة الى اولى اهتمام المتلقي الذي يشعر ان كل شيء عاد طبيعيا .. فالقاص والمتلقي ، كلاهما يبحثان عن فضاء القراءة والابداع المناسب ، ان تيسر الحصول عليه .
وكم من روائع ادبية فاتت على الاغلب من الناس وهم لايستطيعون قراءتها لهذا السبب اوذاك .
ولايمكن ان يتغافلوا مع الوقت او يخادعونه ، لكي يمارس كل منهم فعل القراءة الممتع الذي رافقنا طيلة سنوات شغفنا وولعنا بقراءة المترجمات الروائية والشعرية ..
وفي أي بلاد وبمراجعة سريعة ، نجد ان كتابها قد ارخوا لبعض من احداثها العاصفة كجزء من سيرتها . لان سخونة اللحظات لايمكن ان تذهب باستيحاء دون ان تذكر كما اللحظات السعيدة التي تتفجر كالبالونات لخفتها وبالتالي لا تحتفظ لها الذاكرة بأي شيء .. وحسب محددات التاريخ المدون ، فان كل مرحلة تعد مفصلا هاما لتكوين الارث الحكائي لذلك التاريخ ومن ثم فان الارث سيبقى محفوظا في المدونات كجزء من صيرورة البلاد ومفاصلها عامة . وهكذا تصنع سخونة الاحداث ادبا مختلفا في كل معاييره ومستوياته . وحتى نتاكد من هذا الحكم ، نجد ان الادب الحالي ، قد نأى بنفسه عن المرحلة الحاضرة بكل تفاصيلها من تدمير وتحطيم وخراب وقهر وضغوط اخرى .. الا ما قل من محاولات اكدت الجانب المتعب من تاريخ البلاد والذي كان نتيجة حتمية للتغيير الذي اصاب الدولة واجهزتها برمتها .
وظل كل مايكتب من الادب بتنوع اجناسه ، ادبا لا نشم فيه رائحة المرحلة بحقيقتها وصراحتها وحيث تحولت بعض الاشياء إلى صور مضببة.
ولان الكاتب والاديب لايختلفان عن المؤرخ المختص في صناعة المدونة التاريخية ، فأنهما قد يتفوقان باستخدام الحس التعبيري المعبر عن عمق وفداحة الفاجعة ومايترتب عليها باستخدام لغة توثق ما جرى ويجري او المناورة الكتابية التي نطلق عليها ادبيا ـ التاويل ـ أي ان ( الامر كله امر لغة ) كما يقول لاكان . ومنه تتحدد العلاقات مع العالم السردي او الشعري في مجمله . فكان لابد من وجود قاريء محنة وكاتب ايضا ، كل يعبر عن غاياته ، ضمن مساحة بوح محددة شكلا وجنسا.
الكل يريد التعبير عن مايدور ، ولكن كيف له ان يتحاور مع بوحه لحظة هيجان حقيقية يمر بها ؟
كل الاجوبة ستكون عبارة عن سياق بحثي استقصائي واصرار على التحدي
رغم ان الجميع امام خراب واحد .. خراب الذائقة بفعل ارهاصات الحياة اليومية ، او بفعل التجاذبات أي كان مزاجها .
وفعل القراءة افتراضا هو سلوك يومي يمارسه الفرد ، لايتم الا بتوفر شرطها المهم ـ المتلقي ـ ولأن القراءة حسب اوكتوفيوباث هي اكتشاف السبل المؤكدة التي تقودنا الى نفوسنا ، فان الزمن لايمكن ان يعود قرن او نصفه لكي يجلس القاريء لقراءة مطولات دوستويفسكي او غوغول او تولستوي او محفوظ او مناظرات و مشاكسات سارتر .. هذا لايمكن حدوثه الان مطلقا ، ذلك ان القفزة التقنية في الاتصالات والدهشة التي تصعق الانسان مع كل جديد في عالم ينتج روبوتا كل ثانية !! يتعذر فيها وجود حميمية قرائية مع المدون أي كان توجهه و بعض الدول تعتبر ان احدى ركائز تحضرها هو مدى الاقبال على شراء الصحف وليس الاعمال الادبية ..
فاين نجد قارئا متحفزا للقراءة الموضوعية الصادقة وهو يعكس المزاج السعيد ليجلس بضع ساعات من اجل رواية او دراسة نقدية مطولة مع ان بعض المدارس النقدية تؤكد على مشاركة القاريء مع الكاتب في انتاج النص او كما يعتقد رولان بارت بأن يقوم القاريء بالاسهام في وقائع النص ؟..
والسؤال يجر الى آخر .. من يكتب عن المحنة عملا ادبيا تقليديا او حداثويا فيه كل مقومات النص ؟
اننا على يقين بان القاريء النموذجي قد لانجده اليوم امام مشهد الفواجع والمصائب ، فهو يحاول ان يجد البدائل عن الادب باللجوء الى السياسة ، التي تجيد وضع المصائد والاغواءات وتعرف كيف تسحب البساط من تحت الاهتمامات الاخرى وجعل نسبة المتابعين في ازدياد مضطرد ، وحيث ان الانسان يميل بطبعه الى سماع معسول الكلام والخطب النارية ، فانه كمن يبحث بين ثناياها عن ماء بارد وسط اتون النيران الهائجة .. وسينجلي الغبار عن صوت جريء لبعض الكتاب الذين كان همهم نقل الحقيقة في مدوناتهم وكما يعبر عنهم اوكتافيوباث في كتابه ـ الصوت الآخر : انه صوت الكآبة المنعزلة والقصف ، صوت الصمت والصخب ، الضحك والتنهدات ، الحكمة المجنونة والجنون الحكيم ، والهمسات الحنون في غرف النوم وهدير الحشود في الساحات . وان تسمع الصوت يعني ان تسمع الزمن ذاته .
ناصرية
ألم المشهد وسحر الكتابة إبراهيم سبتي
اطلق ستاندال على القلة القارئة مصطلح القلة السعيدة . ويرى اخرون ، بان احدى السمات البارزة للادب الحديث ، هي اصراره على ان يظل فن الاقلية .. ولا يعدو هذا الرأي ، سوى تجسيد للصدع القائم بين الكاتب ـ الاديب ـ والآخر المتلقي . ان كل الاحداث الساخنة التي تجري ، ستكون مخزونا ثر لا شك للمدون الاديب ..
فاليومي من الاحداث التي تعصف بالبلاد ، في اولويات أي كاتب . فاما ان يوظفها داخل نص ابداعي من شعر او قصة او في مقالة يدنو فيها من محاذير واسوار السياسة ، او يكتبها كسيرة او مذكرات بعد حين .. ولا يمكن تجاوز هذه المحن ، مالم تصنف تاريخيا ، تصنيفا يجعل الادب المدون فيها ادب محنة .
والادب المعني هذا ، ليس من الممكن المرور به على عجالة او دون اكتراث بعد ان يؤول الوضع الى الانفراج وتصير المحن ولحظات الخراب تاريخا . ففي تلك اللحظة يجب التوقف عنده وتامله ودراسته لانه أرخ لمرحلة هامة من فصول البلاد . وحسب ليفي شتراوس فأن التاريخ يغدو جانبا من الحاضر عندما تستعيده الذاكرة ..
ومما نتج عن حالة البلاد حاضرا، فأن الذائقة تبدو انها تمر بانكماش ملحوظ وهي حالة يمكن ان تتحول فجأة الى اولى اهتمام المتلقي الذي يشعر ان كل شيء عاد طبيعيا .. فالقاص والمتلقي ، كلاهما يبحثان عن فضاء القراءة والابداع المناسب ، ان تيسر الحصول عليه .
وكم من روائع ادبية فاتت على الاغلب من الناس وهم لايستطيعون قراءتها لهذا السبب اوذاك .
ولايمكن ان يتغافلوا مع الوقت او يخادعونه ، لكي يمارس كل منهم فعل القراءة الممتع الذي رافقنا طيلة سنوات شغفنا وولعنا بقراءة المترجمات الروائية والشعرية ..
وفي أي بلاد وبمراجعة سريعة ، نجد ان كتابها قد ارخوا لبعض من احداثها العاصفة كجزء من سيرتها . لان سخونة اللحظات لايمكن ان تذهب باستيحاء دون ان تذكر كما اللحظات السعيدة التي تتفجر كالبالونات لخفتها وبالتالي لا تحتفظ لها الذاكرة بأي شيء .. وحسب محددات التاريخ المدون ، فان كل مرحلة تعد مفصلا هاما لتكوين الارث الحكائي لذلك التاريخ ومن ثم فان الارث سيبقى محفوظا في المدونات كجزء من صيرورة البلاد ومفاصلها عامة . وهكذا تصنع سخونة الاحداث ادبا مختلفا في كل معاييره ومستوياته . وحتى نتاكد من هذا الحكم ، نجد ان الادب الحالي ، قد نأى بنفسه عن المرحلة الحاضرة بكل تفاصيلها من تدمير وتحطيم وخراب وقهر وضغوط اخرى .. الا ما قل من محاولات اكدت الجانب المتعب من تاريخ البلاد والذي كان نتيجة حتمية للتغيير الذي اصاب الدولة واجهزتها برمتها .
وظل كل مايكتب من الادب بتنوع اجناسه ، ادبا لا نشم فيه رائحة المرحلة بحقيقتها وصراحتها وحيث تحولت بعض الاشياء إلى صور مضببة.
ولان الكاتب والاديب لايختلفان عن المؤرخ المختص في صناعة المدونة التاريخية ، فأنهما قد يتفوقان باستخدام الحس التعبيري المعبر عن عمق وفداحة الفاجعة ومايترتب عليها باستخدام لغة توثق ما جرى ويجري او المناورة الكتابية التي نطلق عليها ادبيا ـ التاويل ـ أي ان ( الامر كله امر لغة ) كما يقول لاكان . ومنه تتحدد العلاقات مع العالم السردي او الشعري في مجمله . فكان لابد من وجود قاريء محنة وكاتب ايضا ، كل يعبر عن غاياته ، ضمن مساحة بوح محددة شكلا وجنسا.
الكل يريد التعبير عن مايدور ، ولكن كيف له ان يتحاور مع بوحه لحظة هيجان حقيقية يمر بها ؟
كل الاجوبة ستكون عبارة عن سياق بحثي استقصائي واصرار على التحدي
رغم ان الجميع امام خراب واحد .. خراب الذائقة بفعل ارهاصات الحياة اليومية ، او بفعل التجاذبات أي كان مزاجها .
وفعل القراءة افتراضا هو سلوك يومي يمارسه الفرد ، لايتم الا بتوفر شرطها المهم ـ المتلقي ـ ولأن القراءة حسب اوكتوفيوباث هي اكتشاف السبل المؤكدة التي تقودنا الى نفوسنا ، فان الزمن لايمكن ان يعود قرن او نصفه لكي يجلس القاريء لقراءة مطولات دوستويفسكي او غوغول او تولستوي او محفوظ او مناظرات و مشاكسات سارتر .. هذا لايمكن حدوثه الان مطلقا ، ذلك ان القفزة التقنية في الاتصالات والدهشة التي تصعق الانسان مع كل جديد في عالم ينتج روبوتا كل ثانية !! يتعذر فيها وجود حميمية قرائية مع المدون أي كان توجهه و بعض الدول تعتبر ان احدى ركائز تحضرها هو مدى الاقبال على شراء الصحف وليس الاعمال الادبية ..
فاين نجد قارئا متحفزا للقراءة الموضوعية الصادقة وهو يعكس المزاج السعيد ليجلس بضع ساعات من اجل رواية او دراسة نقدية مطولة مع ان بعض المدارس النقدية تؤكد على مشاركة القاريء مع الكاتب في انتاج النص او كما يعتقد رولان بارت بأن يقوم القاريء بالاسهام في وقائع النص ؟..
والسؤال يجر الى آخر .. من يكتب عن المحنة عملا ادبيا تقليديا او حداثويا فيه كل مقومات النص ؟
اننا على يقين بان القاريء النموذجي قد لانجده اليوم امام مشهد الفواجع والمصائب ، فهو يحاول ان يجد البدائل عن الادب باللجوء الى السياسة ، التي تجيد وضع المصائد والاغواءات وتعرف كيف تسحب البساط من تحت الاهتمامات الاخرى وجعل نسبة المتابعين في ازدياد مضطرد ، وحيث ان الانسان يميل بطبعه الى سماع معسول الكلام والخطب النارية ، فانه كمن يبحث بين ثناياها عن ماء بارد وسط اتون النيران الهائجة .. وسينجلي الغبار عن صوت جريء لبعض الكتاب الذين كان همهم نقل الحقيقة في مدوناتهم وكما يعبر عنهم اوكتافيوباث في كتابه ـ الصوت الآخر : انه صوت الكآبة المنعزلة والقصف ، صوت الصمت والصخب ، الضحك والتنهدات ، الحكمة المجنونة والجنون الحكيم ، والهمسات الحنون في غرف النوم وهدير الحشود في الساحات . وان تسمع الصوت يعني ان تسمع الزمن ذاته .
ناصرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق