٢٥‏/٠٥‏/٢٠٠٦

ما ذنب العراقي
محمد الأحمد

ما ذنب العراقي الذي كان معذبا تحت وطأة نظام شهد له وضاعته وبغضه من العالم اجمع، مدة سقيمة نافت على عقود ثلاثة، وما زال يتواصل عليه الالم ممضاً، متفاقماً عليه الحرمان المرّ. اما من حق له ان يسأل كبقية خلق الله، عما اقرفه ليصبح او يمسي يوماً بعد يوم على بركة من دم الابرياء تقابله في شوارعه، ببضع ايدٍّ او ارجل متناثرة هنا او هناك، امخاخ واحشاء تتطاير، وانصاف عارية عصفها الأنفجار، بقيت معلقة على الاشجار، وحيطان بقيت محفرة بشظايا لعينة، حاقدة. تلك الجثث مازالت حقيقية طازجة ببرائتها، كما لو علقها القصابون من بضاعتهم، ولأدهى ان تطارده الفضائيات بصور اكثر وحشية، وافكار اكثر سادية مما يراه على ارضه. اقدره يبقى مروعاً، يخاف كل لحظة ان تنفجر من تحته الارض، ومن فوقه السماء، ويشتعل به الهواء، وتتناثر النتف متباعدة دون دفن. لا تقبلها ثلاجة الموتى من بعد تكدست الاعضاء التي لا يعرف اصحابها.. اذ جُمعت من على سطوح المنازل التي جاورت مراكز الحوادث، وجعلت نفوس نسائها كسيرات وهنَّ يندبنَّ حظهن بما تبقى من اسيجة وما تهشم من زجاج كان يسترهنَّ. والرجال من لم يُصب ستجده قد بقي يمشي الهوينا قاصدا ابعد الطرق، متجاوزا الدوائر المدنية ومقرات الاحزاب، بقي يهمل شؤونه في اية مؤسسة حكومية، لانهم ارهبوه بآلات محشوة باشد المتفجرات فتكاً، واجساد مغيبة العقل، انتحارية، تضخها مؤسسات وضيعة، مختلة، ادمنت الانتقام هدفها المناصب لتتحكم بثروة البلد (تنتشله كما تفعل الكلاب المتوحشة بعدما تحصل احداهما على فريسة)، وايضا لاجل ان يؤمنون للفضائيات اخبارها، واقوالها، ويزيدون الضحايا ضحايا، ويسترزقون الدم الزكي البريء. غايتهم ان يقال الخبر، ويشاع، ولا هم لهم سوى ان يثبتوا لبعضهم البعض بان لهم امكانية ارسال رسالئهم الدموية الى كل مكان، مادموا يملكون زمام آلاتهم المغيبة الضمير بالكامل، وانهم يستطيعون الوصول بها حيث يرمون، وحيث يبغون، متجاهلين الامكنة ومحتواها، ومفخخين الزمان كله، ومعيثين بالايدلوجيا وخطاباتها المقدسة خراباً سوف لن يستوي على مبدأ، ولن ينهض من هشيمه اي ناهض، من بعد ان تلفوا الممتلكات الشرعية، وقطعوا طرق الآمنين، وبقية حبل المعروف، بالفجيعة وازدياد مبادئهم كراهية من العامة والخاصة، واصبحوا على مقت شديد اكثر مما كان (العهد التكريتي) الذي ولى من بعد ان انجبهم بكل ذلك التشويه المريع..
ماذنب هذا الجليل رازحاً تحت ذلك الكابوس النكرة، الى يومنا هذا ولم يحتفل بخلاصه من السابق البغيض الذي حكمه متوالياً بالازمات والحروب والانتهاكات، فيخاف في كل خطوة ان يفقد فرحته المؤجلة..
ماذنب العراقي بان يتصارع حوله وعليه الوحوش الكاسرة، وكل منهم يريدهُ صيداً سميناً، لخيره الوفير، ولظله الوارف، ولانسانه بن اول واقدس الحضارات.. لاجل ان تموت رجاله ونسائه في اقبية الظلام، تحت أيد لا تفرق بين الظل والصدى.
لقد تكالبت عليه المؤسسات بصراعات دامية، مكلفة، وصار بلده عرضة لكل من هبَّ ودبَّ. كل منهم يضع عصاه ليعيق عجلة التطور، فسواء بعدت المسافة، أوتقلصت.. صار السؤال يكبر كل لحظة، وان لا يبقى مظلوما كل هذا الظلم وكل ذاك.
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: