٢٥‏/٠٥‏/٢٠٠٦

سودة ومصخمة

علي السوداني


هذا يوم عجيب عظيم يمرق فوق حياتي في اللحظة التي كنت افرش فيها سجادة الوجع . الليلة حطت في بطن بريدي الالكتروني رسالة مدهشة بعد رشقات متصلة من فايروسات الخبث . المكتوب كان شديد الوضوح سهل الفهم كتب بلغة انكليزية سلسة وكان بمستطاعي فهمه واستيعابه بما تخلف في الذاكرة من درس اللغة الانكليزية للصف السادس باء . بعد تحية مبتسرة وتفصيل مثلها انبأني السيد المرسل بأنني قد فزت بجائزة اللوتري التي جرت سحبتها بطريقة عشوائية على ملايين العناوين البريدية ومن كل الاصقاع والفجاج والامصار . الجائزة كانت قيمتها نحو مليون ونصف المليون دولار وما علي لقبض المبلغ سوى الاتصال بهاتف وعنوان مرفق مع المكتوب واسم شركة عملاقة مقرها امستردام وبس !!
مسحت عيني وقرصت شحمة اذني خشية ان اكون في حلم يقظة او اضغاث نومة ثم اعدت قراءة الرسالة كلمة تسحل كلمة وكانت النتيجة متطابقة تماما مع القراءة الاولى فصار لا مهرب من صيحة كبرى التأمت على اثرها زوجتي الجميلة ومقطورة العائلة . قرأنا المكتوب اليقين معاً وقبل سبعة اسطر من نهايته اتضحت الرؤية وبانت الزبدة وصار المليون ونصفه على عتبة الدار واشتغلت الهلاهل وامطرت القبل ولكي تطمئن القلوب وترتاح الانفس قمت بتطيير المكتوب الى صاحب لي شغلته ترجمان وطلبت منه الترجمة الفورية وموافاتي بها مع وعد حق بأن اشتري له شقة ديلوكس في حال ثبوت الفرحة !!
في الزمن العصيب الذي كنا ننطر فيه رد الصديق تفتق المخيال عن مراداته واشتهاءاته التي اشهرها قصر وسيارة . اقترحت على العائلة ان نصرف من المال نصف مليون دولار ونضع المليون المتبقي في البنك ونعيش بفائدته المجزية وهي فكرة لا تخلو من تنبلة كنت الهث وراءها طول عمري وقد استحسنها الاولاد وامهم التي ثلمت جزءا عزيزا من المال لأن اهلها ينامون على ضائقة ويسكنون حيا شعبيا من حارات بغداد العباسية ومواردهم شحيحة لا تكفي لسداد بانزين المولدة وابر التهاب الكبد الفايروسي وقهر الحكومة . وافقتها بالطبع على ما ارادت ورغبت واشتهت بل زدت على الكلام اجمله ورششتها بقسم غليظ وحلف راسخ بأنني لن اثني عليها بضرّة حتى لو كانت انجليانا جولي او نانسي عجرم !!
الفرح يتصل والحكي يتشعب والامنيات تتهاطل والنعمة التي انطشت علينا ستخيم وتشمل صحبنا وخلاننا وجلاسنا المفلسين وبائعات السكائر العراقيات الامهات المقمطات بسواد الألم وسفر الهزيمة ، ولقد لبثنا على هذا ساعة او ازيد حتى رن جرس الهاتف فكان على الطرف الثاني منه صاحبي الترجمان الشاطر الذي لم افهم من كلامه فحوى او محوى بسبب من فرط نوبة الضحك التي كان عليها . يقول صاحبي الترجمان انني وقعت ضحية خدعة مشهورة اذ تقوم شركات وهمية بأرسال مثل هذا المكتوب الى آلاف مؤلفة من العناوين وتطلب منهم مهاتفتها لتسلم المبلغ وقد تكلف المخابرة الواحدة صاحبها خمسين دولارا بعد ان يدورون به على ازيد من تلفون واطول من انتظار ينصت فيه الى صوت امرأة مثيرة او الى انثيال قطعة موسيقى مهدئة !!
اظن انني ارتكبت خطأ شنيعا اذ استعنت بذلك الصاحب المنكود الذي لم يمهل الحلم البديع الا ساعة كانت هي الاحلى من بين كل ساعات السخام الخالدة وعلى هذا أحس الليلة بحزن شاسع كما لو انني اضعت مليونا ونصف مليون دولار امريكي طبعا !!
وعليه وبه سيكون سؤال اليوم هو :
ما هو عدد اعضاء البرلمان العراقي ممن يحملون جنسيتين وثلاثة جوازات سفر دولية وبطاقة تموينية واحدة ؟

alialsoudani61@hotmail.com
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: