١٥‏/١٢‏/٢٠٠٥

مرثية عبد اللطيف الراشد

مرثية عبد اللطيف الراشد
محمد الأحمد
عرفت ُمتأخرا رحيل الشاعر (عبد اللطيف الراشد) عن عمر ناهز الفجيعة بألف قصيدة، من بعد شهادة عصره العراقي، له، وعليه. وقد عاصر الرياح العاتية التي عصفت بالعراق عصفاً جبارا، وخلفته كالنخالة، من بعد أن عاصرته الحروب بالذلّ والهوان. كان الراشد مرثاة جيل بصوت مزادنٍّ بالأفكار، والأعمار.. ربما مسافةٌ بألف عَمَار، و كان حلمه النازف بأشواق جسام، وعصافير القبور كانت تذود عن دسائس الشعراء، وما كان المعلم حين ينطق إلا لجيل من المعلمين التائهين في مدرسة القومية التي استنفدت مسار العمر، والفكر، والتراث. كم من زهرة تلقى عن تنهدة قبر الشاعر الراشد، وكانت الصروح عن سرها تنأى لتصوغ معانيها في جمل ابتدعها العراقيون من آهٍ حرى بالأشواق.. كم اشتاقت الجملة إلى خبرها في بلاد انتهكت بأنفاس تبتدع فراق ابنها الذي تصير إبداعه عطرا يرش الغيم بالطيب.. كم هو ساحر هذا البكاء الذي يأخذ الأعياد إلى حتفها، والأيام إلى حزنها الميت بالموت، والهجرة، والانكسار.. مات، وما مات... لكنه عاش حيا كميت.. مقهورا، بائسا. إلا إن حزننا العراقي بمعية البعض بالبعض، والسرّ ما عاد سرا فالفأل السيئ يحيق بالعراق، ومبدعيه. إن كانوا فيه باقون حضرهم النسيان، اوغادروه مزقهم الحنين.. مات الشاعر وما مات الشعر الذي بين يديه يرش العطر على العصافير الدورية لتوزعه زخات بكاء مرير يفيض بمآقي الدجلتين والفراتين..
أواه ما أجمل العراق، وما أجمل العراقيين به.
مات مستنزفاً (عبد اللطيف الراشد) وما عرفت إلا من مرثية كتبها صديقنا المبدع (وجيه عباس) الذي تعود أن يرثي بنبل كل من يعرف، فطوبي لمن عرف ولم يعرف بان الراشد كان أكثر من إنسان في ثوب تجلله الحرور والبرود وتكتبه المسارات.. كم عراقيا مبدعا كان العراق بهم كسيرا مريضا لا يأبه لأحد سوى اسمه الجليل. كان عبد اللطيف الراشد حزينا في مقهى (الشابندر) يقضم جوع الأيام ويشتري بالتحقيقات الصحافية قصائد الدخان، وكان يأمل المكافأة عن النشر ليأكل، وكان يأمل الصديق لينام، وما كان الفندق الرخيص يتعود عليه كونه يتحدى كل يوم بألف حلم ليكتب فيه لأجل النشر... كما كان طيبا عبد اللطيف الراشد في ابتسامته تحتاج إلى غدوة متواضعة ليس إلا. كان شاعرا عراقيا كريما أخذهُ الموت من القصيدة، وزرعه في مسودات شعر ابلغ معان من كتابه الجميل الوحيد، ديوان شعر اسمه (نزق).. وفيه قصائد مهداة إلى جيل الخيبة العراقية.
‏الأربعاء‏، 14‏ كانون الأول‏، 2005