٢١‏/٠٤‏/٢٠٠٦


الآيديولوجيا .. وتحدي الحداثة
ضمد كاظم وسمي
نحن العرب و المسلمين .. أو بدقة أكبر نحن سكان البلاد العربية و الإسلامية .. نحن شعوب مبشومة حد التخمة بفخار (( خير أمة أخرجت للناس )) .. في الوقت الذي يقعد هذا الهوس الطاووسي على واقع مترد وبائس والأكثر تخلفاً وهواناً في العالم .. نزهو وتنتفخ أوداجنا عجباً بما نتوفر عليه من أعراف وعادات وتقاليد سحيقة البدائية .. والإنسانية الحقه تمجها .. ولا تنظر إليها إلا بمنظار الفلكلور والتاريخ والآركيولوجيا .
نحن نتباهى و نمتلئ كالمناطيد التي تظن أنها على شيء .. بل ونبتهـج بأنظمتنا العشائرية والقبلية والطائفية والعرقية والأحادية الفكرية .. وكلها تنتمي إلى التراث .. ونحن وحدنا من ينام معه في قبوره ونعبد أمواته .. نغذ السير نحو تفخيذ شعوبنا وتجزئة أوطاننا إلى أعراق وطوائف متنابذة متنافرة .. وفي ذلك كله نسير خلف قيادات تتغذى من سلة مهملات التاريخ .. تبلد عقولنا بفكر بائس .. وتلاعب قلوبنا من خلال إعادة إنتاج الماضي بوصفه تاريخ التزمت والانغلاق .. وتاريخ التكــرار والاجترار ، وترمي بنا في هوة بلا قرار تشكل منظومة التخلف الكبرى لبلادنا .
يستعصي علينا التعامل مع العلم .. ولا نكترث بالتجربة ولا نعي الاستقراء أو الاستنتاج .. بل لا نؤمن بإرجاع الأحداث إلى مسبباتها الواقعية .. ولا نقر بالفكر النسبي .. لسبب بسيط هو إننا قد استعمرنا ولما نزل من قبل قوة الماضي .. وفكره القار .. حتى استعبدتنا تقاليده .. وصارت مسلماته بديهيات لا تناقش وهكذا فإننا نملك كل الحلول مرة واحدة وبأعجوبة قل نظيرها في التاريخ .. نحن لا نفكر .. نعم نحب ونكره .. نعظم ونلعن .. ونعمل وبإصرار وثقة مطلقة لتجميل تاريخ يستحيل تجميله .. أما إذا فكـرنا – وهـذا استثناء – فإنما نصوغ تفكيرنا في (( لغة محنطة )) لا ترتدي سوى أكفان الماضـي .. ولا نصرخ إلا بصوت (( المنتصر التاريخي ، بطل كل الأزمان )) .. مع إن واقع حالنا يقول إننا أمة مهزومة تحارب طواحين الهواء وهي تنغمس حتى ناصيتها في ذهول حضاري رهيب .. لأننا لا نعترف بأخطائنا البتة حيث نقرأ تاريخنا قراءة تبجيلية تقديسية .. وارت عنا حقائقه .. وأعطتنا تاريخا كاذبا خاليا من أي عيب وزورته لصالح الأيديولوجيا ، أما إذا ظهر نتوء سيئ في هذه المسيرة العظيمة فمرجعه إلى مؤامرات الآخر والتخوين الرخيص والبدع والكفر والشعوبية .. وهكذا تمادينا في الغباء إلى درجة أن جعلنا من ماضينا وحاضرنا سلسلة من المؤامرات والدسائس .. لكننا لم نستفد ولو لمرة واحدة لتجنب المؤامرات اللاحقة ، بل استمرأنا رفس الآخرين على ظهورنا دون أن نضرب أحدا على قفاه ولو بمؤامرة نحن صنعناها .. فإلى أين يريـد أن ينتهي بنا المتلاعبون بعقولنا .. ونحن نحيى في قاع تراتب الأمم قاطبة ؟ ..
في الوقت الذي يعيش فيه العالم مرحلة النهايات .. نعيش نحن بداية البدايات .. في هذه اللحظة الفارقة .. نحن وبخلاف العالم نتمسك بالأيديولوجيات حد الانتحار .. ونذوب في الغيب .. وننتمي إلى التاريخ وننكر المستقبل .. من دون أن نؤسس ولو للحظة واحدة لآليات حقوق الإنسان أو الدخول في المشروع الديمقراطي .. ولا ننضج أفكارنا إلا بلغة الحداد .. لأنه مرتبط بالانكسارات وحياتنا كلها انكساريات .. ننظر إلى قيم التسامح والمساواة بين البشر بغض النظر عن اللون والمعتقد والعرق على إنها قيم ضعف وبلاهة .. ونستبدلها بقيم أخرى تبنى على أساس الثار والتطهير العرقي والطائفي والسياسي .. ونتعامل مع الآخر على أساس مبدأ الولاء والبراء الذي يواجه تيار العولمة الجارف .. بتيار مضاد نحو القبيلة – الطائفة – العرق – الحزب – الوطن الوهم ، في الوقت الذي يضيع من بين أيدينا الوطن الحقيقي .. وتغيب فيه المواطنة الحقة حتى صرنا أضحوكة للآخرين – يا أمة ضحكت من جهلها الأمم – لأننا تخلينا ومنذ قرون مضت عن منجز الإنسان وعقله .. ولا نلامس الروح النقدية الوثابة إلا لماماً ، حيث نمتلك مرجعية ومنظومة فكرية متكاملة نقدسها ويستحيـل علينـا نقدها لأنها مبنية على نظريات مطلقة نؤمن بها حد الفناء ، الأمر الذي يشكل تقاطعا صارما بيننا وبين الحداثة القائمة على أساس الفكر النسبي وجهد الإنسان وعقله لا علــى أساس البعد الماورائي .. كما إنها تؤمن بنقد الأفكار المطلقة ولا تستلم لها .. كل ذلك زرع الكراهية والبغضاء في نفوسنا تجاه الحداثة الآتية من الغرب فضلا عن الكراهية التاريخية المستمدة مما عرف بالحروب الصليبية .. رغم إننا لانجد بأسا من استخدام تكنولوجيا الحداثة في حياتنا اليومية لكننا نمقتها كفكر وأساليب ومناهج أوصلت الغرب إلى ما وصل أليه اليوم من تقدم ورقي في مضامير الحضارة والثقافة .
أن الحداثة في العالم المتقدم حققت طفرة افتراقية هائلة عن فترة العصور الوسطى .. وانجلت عن تطور نوعي كبير تمخضت عنه (( حياة اجتماعية مترفة تصوغها أنظمة قانونية ونظريات معرفية تتقاطع بالكامل عمه نعيشه نحن العرب والمسلمون )) .. لأننا لانتساوق مع أبعاد الحداثة التاريخية والفلسفية والفكرية ولا نتعاطى معها .. فدلالتها التاريخية تشير إلى عصر النهضة وما صاحبها ونتج عنها من أحداث مفصلية انعطافية كبرى كاكتشاف العالم الجديد ، والإصلاح الديني ، والثورة الفرنسية ، وعصر وفكر الأنوار ، وانهيار النظام الإقطاعي وبروز الرأسمالية التجارية والصناعية والمالية والمعلوماتية .. أما مدلولها الآخر فيشير إلى بنية فلسفية وفكرية تمثلت في ظهر الحركة الإنسانية التي نادت بإمامة العقل وتمجيد الفرد .. وتعطي للإنسان قيمة عليا وأساسية في الكون .. وتسير الحياة وفق نزعة عقلانية اداتية صارمة في مجال المعرفة والعمل معاً .
وهكذا خلصت الحداثة نحو (( عالم تحكمه العولمة . أي السيطرة المطلقة للرأسمال العالمي المهاجر كونيا والمحطم للحدود والحواجز بين الدول والذي يشيع الدولة / الأمة إلى مثواها الأخير .. كما انه يتسم بالسيطرة المطلقة للصورة كلغة وكأداة تواصل وتكييف وبالثقافة الإلكترونية المصاحبة لها )) .. فأين نحن من الحداثة التي تضع ثقافتنا وكل الثقافات الأخرى بين فكي التكيف والموت التاريخي ، والموت التاريخي جدير بمن يحيون في الماضي وينامون في قبوره .. أما التكيف الإيجابي فيليق بمن يؤمنون ويعملون ضمن دينامية تاريخية .. واستجابة إيجابية للتحدي التاريخي الكبير الذي تطرحه الحداثة في هذا العصر .

ليست هناك تعليقات: