٠٩‏/٠٣‏/٢٠٠٦

مبدع وحوار
االكاتب والقاص : ضمد كاظم وسمي
حاوره : د. عصام عبد العزيز المعموري

dr_esamalmamuri@yahoo.com
ليس يسيراً أن تجري لقاءً مع كاتب وقاص مثابر مثل ( ضمد كاظم وسمي ) ، فهذا يتطلب منك خزيناً معرفياً لتواكب جهده الإبداعي لأنه كتب في مختلف الجوانب الأبداعية ، وبين اقتضابٍ غير مخل وإطنابٍ غير ممل يمكن ايجاز محاور كتاباته كالآتي :
. 1.الحداثة : وتناول ذلك في مقالاتٍ عديدة منها : ( الحداثة والثنائيات الضدية ، الحداثة وجدل العصر التكنولوجي ، ثنائية العلم والأدب .. أطوار الحداثة وأشكالية التجربة الجمالية ، الحداثة واشكاليــــــة الملهم التاريخي ، نقد أدب الحداثة / إلتباس المفهوم وجدل المعاصرة ، نحن والحداثة ، ثنائيـــــــــــة الفلسفة والأدب .. أطوار الحداثة واشكالية المعرفة الأدبية ، الحداثة واشكالية الخصوصية ، اشكالية الخصوصية العربية في الحداثة ، نقد الفكر الحداثي .. اشكالية النهايات ومأتمية الثقافة الجنائزية .. ) .
2.العولمة : وتناول ذلك في كتاب لم يطبع لحد الآن هو ( في الحداثة والعولمة ) .
. 3.عصر النهضة الأوربية .
. 4.مجموعة قصصية .
تشير سيرته الذاتية الى أنه من مواليد ( مندلي ) في محافظة ديالى عام 1954 ، خريج كلية الأدارة والأقتصـــــــاد جامعة الموصل عام 1980 وعمل مدرساً لمادتي الاقتصاد والمحاسبة في اعداديات التجارة في طوزخورماتو وبلد وجلولاء وبعقوبة . عمل مديراً لإعدادية بعقوبة التجارية للبنين لمدة 9 أعوام ومديراً لقسم الحسابات في تربية ديالى ويعمل حالياً كمحاسب لديوان تربية ديالى . نشر عشرات القصص والمقالات والدراسات في الصحف العراقية .
وعن تجربته الإبداعية كان لنا معه هذا الحوار :
v كثيرةٌ هي مبررات الكتابة .. فالبعض يقول : نحن نكتب لنحيا بالكتابة والبعض الآخر يقول : نحن نكتب لنحيا مع الكتابة في حين يقول آخرون : نحن نكتب لنحيا من الكتابة .. لماذا يكتب ( ضمد كاظم وسمي ) ؟
- تعج صحافتنا بأنواع الكتابات منها ماهو فج غير نضيج غاية كاتبها تسجيل حضور في الساحة الثقافية .. ومنها ما هو متعصب لا يقبل بالكتابات الأخرى بل وينسب اليها الهرطقة ، ويسمها بكل وصف منفر .. ولا يرضى من الآخرين الا أن يغزلوا على منواله .. أسباب كثيرة تدفع المرء للكتابة منها المكافأة النقدية والشهرة والبيئة ، لكن هل رأيت الناس يتهافتون على الكتابة تهافت الفراش على النار ؟ .. والجواب : كلا لأن الكتابة عندنا لاتدر مالاً ولاتصنع جاهاً فضلاً عن أن البيئة الاجتماعية والسياسية لاتساعد على ذلك ، هذا على الأقل في بلادنا .
يمكن القول في البدء خلق العقل وكانت الكلمة .. وفي البدء الختامي قال الخالق سبحانه لنبيّه (ص) : (( إقرأ )) .. لأنه في البدء الأولي كانت الكتابة : (( كتب على نفسه )) .. وفي البدء كان اللوح المحفوظ .. الذي كتب فيه كل شيء .. وعصور التاريخ لم تبدأ الا مع الكتابة والتدوين .. والكتابة لا تكون الا بالمضامين ، والمضامين في متناول الجميع ، يقول الجاحظ : لاعبرة في المضامين ، لأنها مرمية في الطرقات .. إذن العبرة في كيفية التعامل مع هذه المضامين بأعتبارها مواد خام واعادة الحياة لها من خلال تمثلها من قبل الكاتب في معمله الخاص ، ويعيد أنتاجها بعد أن يحررها من سبة الأجترار والتقليد .. مستدعياً تأجيج الأبداع بديباجة غير مسبوقة . أننا نكتب من أجل تحقيق المقاربة بين اللاوعي والوعي . من أجل تحرير الوعي من مطمرات اللاوعي وأحياء مقابره وأنعاشها ثانية .. من أجل التحرر من مأزق العودة الى الذات .. فأشتراطات العقل الباطن حاكمة على اتجاهات العقل الواعي .. من أجل تحرير العقل نلجأ الى الكتابة .. فالمبدع يمارس سلطته على الذات والآخر والمجتمع من خلال الكتابة ، وغيره يمارس السلطة من خلال الآله – أداة العنف – فالكتابة هي الحاضنة المتفردة للعبقرية .. التي ديدنها تحرير العقل الزاخر بالتجريد ، وأعادة تشكيل الواقع الموبوء بالأبتذال .
يقول دافنشي : الفن هجوم على الخوف ، ربما بالكتابة يتحرر المرء من خوفه المقيم في ذاته . فالكتابة أشبه ماتكون بيوم القيامة .. حين يتحرر الأنسان حتى من ورقة التوت ، الكتابة الحقة تجلي الحقيقة بعد أن تنزع عنها أوراق التوت واحدة بعد أخرى . أسئلة الواقع والصيرورة تخز ضمائرنا .. ذلك أن الأسئلة الجادة ميسورة ومطروحة .. وهي قد تكون غنية عن الكتابة .. لكن الأجوبة الجادة لاتكون الا في الكتابة وهي ليست مقدورة لكل أحد ، لذلك نكتب من أجل البحث والتقصي بغية الولوج الى عوالم الأجوبة التي قد تخترق الواقع وتعيد تشكيله على وفق المنظور المقترح . فالكتابة تخترق القيم والمفاهيم من أجل أعادة صياغة الحياة والواقع بمفاهيم وقيم جديدة تنشد الحرية والعدل والعلم والتقدم .
· أن المتتبع لكتاباتك عن الحداثة يستنتج منها وجود ألتباس في هذا المفهوم .. أين يكمن هذا الألتباس برأيك ؟
- ينتاب مفهوم الحداثة شيء من الغموض .. وبعض الضبابية ، برغم أنه كمصطلح واضح الدلالة ، اذ من الناحية التاريخية تشير الحداثة الى عصر النهضة ومانجم عنها من احداث مفصلية كبرى كاكتشاف العالم الجديد ، والأصلاح الديني ، والثورة الفرنسية ، وفكر الأنوار ، وأنهيار النظام الأقطاعي ، وبروز وهيمنة الرأسمالية التجارية والصناعية والمالية والمعلوماتية أما من زاوية بنيتها الفلسفية والفكرية فقد تمثلت في ظهور الحركة الأنسانية التي نادت بأمامة العقل وتمجيد كرامة الفرد من خلال البناء الديمقراطي ، واعطاء الانسان قيمة عليا واساسية في الكون .. وتسيير الحياة وفق نزعة عقلانية علمية اداتية صارمة في مجال المعرفة والعمل معاً ، لكن ضبابية محددات ومكونات فكرة الحداثة وغموض مضامينها بله مفهومها ، تعد من أهم سمات الفكر العالمثالثي الذي يطرح اليوم بشدة قضية الحداثة دون وعي جلي بعناصر مشروع العصرنة في مكونيه الرئيسين : الحداثة والديمقراطية . ثمة التباس ينجم عن التفاوت العميق بين ثقافتنا مقابل ثقافة الحداثة .. ففي الوقت الذي يرى فيه الآخر أن جوهر الحداثة هو (( استشراء روح التقنية كأستعمال وتحكم )) وأن موقفه الجديد من العلم ، يرى أن العلم تابع للتقنية ووليد لها ، تقتصر ثقافتنا عن الحداثة على مجرد اللحاق بالتطور التقني وامتلاك التكنولوجيا الحربية والأقتصادية .. دون الأكتراث بروح الحداثة وعقلانيتها وثقافتها .
لعل التباساً أشد وطأة يثار في أذهاننا بشأن ماهية الحداثة واستعمال قوى الحداثة .. سيما وأن الحداثة قد دهمتنا بعنف وأخترقت دواخلنا بقسوة وكشف عوراتنا بذلّة من خلال المد الأستعماري الذي أستباح أوطاننا ونهب ثرواتنا وعمل على تدمير ثقافتنا ومجتمعنا ، لكن ثقافتنا ومجتمعنا مدعوان الى التمييز بين حقيقة الحداثة في العلم والحرية والتقدم وبين استعمال الحداثة كاداة اخضاعية للسيطرة على الشعوب .. لا أن تكون ردة الفعل رفض الحداثة شكلاً ومضموناً ، أو في أحسن الأحوال المواءمة بين الحداثة كمفهوم عملي تقني والثقافة التقليدية الموروثة بشكل مشوش والتباسي .
حتى عند نقل مفهوم الحداثة الى اللغة العربية .. فهنا تظهر أشكالية الفهم من حيث ان دلالة الحداثة لغوياً تشير الى الطفولة والآنية ، الأمر الذي يتطلب إعادة تشكيل الوعي اللغوي لأستيعاب هذه النكهة اللغوية عند أستعمال الحداثة لغوياً على نحو يحيط بأطارها وبنياتها . كذلك في مسألة البعد التاريخي .. فان الحداثة تشير الى كل ما هو عصر ي ينتمي الى الزمن الحديث .. ولكن لتحديد الزمن الحديث اشكالية التحقيب والتصنيف .
ان الحداثة التي تجاوزت ذاتها لتدخل مرحلة ما بعد الحداثة ، أنتجت سوء الفهم لدى أوساط المثقفين في العالم الثالث حين عدوا ما بعد الحداثة وكأنه تخل كامل عن الحداثة وأنفصال تام عنها ، لكن الأمر ليس كذلك ، اذ أن تيارات مابعد الحداثة لاتعدو ان تكون تكملة واستمراراً للحداثة وتعميقاً لمنظورها وغلواً اكبر بشحنة العدمية ، ونقداً لأقانيم الحداثة وبنيتها الفكرية . فضلاً عن التباسات أخرى لسنا بصدد أستقصاءها .
· في حديثك عن الحداثة .. ترى وجوداً لإشكالية الخصوصية العربية في الحداثة .. هل ترى غياباً لهذه الخصوصية ؟ وماهي ملامح هذا الغياب ؟
- من المؤكد أن الأمة العربية تتوفر على خصوصية في جانبها الأيجابي تحمل مضامين غاية في الأهمية .. اذ كانت الدعوة الأسلامية التي جاء بها النبي محمد (ص) في جوهرها دعوة لتأسس العقل في ميدان الفكر ، وأقامة العدل في مجال السلوك البشري .. وأعطاء الحرية في مجال البناء الأجتماعي .. كجوهر مناقض للجهل والأستبداد والظلم المستشري في العالم آنئذٍ . وقد لازمت فعالية العقل التمظهرات الفكرية في الثقافة العربية طالما ظلت قائمة على (( التعددية )) و (( حرية الفكر )) .. بيد أن ذلك لم يدم طويلاً بفعل عوامل اجتماعية وسياسية .. حتى انتهى الفكر العربي الى التشرب بنظرية (( الجبر )) الأموية التي هيمنت على التاريخ العربي حتى يوم الناس هذا . وبذلك حلت الخصوصية العربية بوجهها السلبي .. حتى استعصى علينا التعامل مع العلم وصرنا لانكترث بالتجربة .. بل لانؤمن بارجاع الأحداث الى مسبباتها الواقعية ، ولانقر بالفكر النسبي بسبب أننا أُستعمرنا ولما نزل من قبل قوة الماضي وفكره القار حتى أستعبدتنا تقاليده .. وصرنا نصوغ تفكيرنا في (( لغة محنطة )) لاترتدي سوى اكفان الماضي ، ولانصرخ الا بصوت (( المنتصر التاريخي ، بطل كل الأزمان )) .. ومع ان واقع حالنا يقول إننا أمة مهزومة تحارب طواحين الهواء وهي تنغمس حتى ناصيتها في ذهول حضاري رهيب .. لأننا لانعترف بأخطائنا البتة حيث نقرأ تاريخنا قراءة تبجيلية تقديسية .
درج العرب على اللهاث خلف الحداثة التقنية الأستهلاكية .. بيد أنهم يرفضون المنظومة الفكرية والثقافية للحداثة الغربية .. ومنهم من يرى ان هذا الرهان القائم على الأنتقائية والتمييز بين روح الحداثة ومظاهرها .. سيمكن العرب امتلاك ناصية الحداثة من خلال أقبالهم على التكنولوجية الحداثية .. مع إحتفاظهم بموروثهم الفكري التقليدي .. وهذا منطق واحدي آيديولوجي .. لايصلح في فهم آليات الحداثة .. وقد أثبتت احداث القرنين الماضيين ذلك ، فضلاً عن عجزهم في أستنبات حداثة جوانية .. كون وعيهم الجمعي مبشوماً بمسكنات (( خير أمة أخرجت للناس )) .. في الوقت الذي يقعّد هذا الوعي على واقع مترد والأكثر تخلفاً في العالم .. ناهيك عما تنطلق منه الحداثة الغربية من روح وثابة .. تهاجم الجميع وترغمهم على التعاطي معها شاءوا ذلك أم أبوا .. (( فأشكال الحداثة المنتشرة عبر العالم هي أصداء ومرايا للحداثة )) على حد تعبير د. محمد سبيلا . فالمطلوب من ثقافتنا (( الخصوصية )) أن تتحدث وتتعصرن بحكم تطورها الذاتي واحتكاكها مع الفكر الغربي وأنجازاته العظيمة ذلك (( ان الحداثة ليست نفياً للتراث ، بقدر ماهي قراءته قراءة حية وعصرية ، وكما ان العالمية ليست نفياً للخصوصيات ، بل ممارسة المرء لخصوصيته بصورة خلاقة وخارقة لحدود اللغات والثقافات )) .
· هل ترى ان الأدب يسير باتجاه النص الجامع وليس النص المنغلق على جنسه كما يقول الكاتب ( رزاق ابراهيم حسن ) في حديثه لملحق ادب في جريدة الصباح ؟ وهل ترى ان هذا مبرر للتنوع في كتاباتك بين المقالة والقصة والشعر؟
- ليس من الميسور بعد التطورات التي عرفت بطوفان النهايات التي تشكل مرحلة مفصلية –لافاصلة بين الحداثة وما بعد الحداثة وتيارات العولمة التحدث عن النص المنغلق .. والمعنى الواحد .. اذ ان اشتراطات الطوفان الجديد تقوم على اساس التجاوز والتخطي وتحطيم الحدود وبذلك راحت تتصدع الحدود الفاصلة بين العلم والفلسفة والأدب والفكر .. الخ . لقد اهتم البنيويون بالنص المنغلق المبني على علمنة المعنى وواحديته فيما اكد التفكيكيون على النص المفتوح ولانهائية المعنى وتباهوا بالبينصية التي يعرفها أليوت بقوله : (( أن كل الأدب .. له وجود متزامن ويكون نظاماً متزامناً )) .
يناقش النقد الأدبي النصوص ويقومها حيث يعمد الناقد الى مقاربة النص واضاءته .. بأسلوب فكري كتابي يتيح للقراء المتخصصين وجمهور القراء الآخر .. أن يشاركوا في التجربة الأدبية وهو إذ ينطلق بفهمه النقدي للنصوص من ثلاثة أقانيم : هي الكلام المنطوق (( قول الأديب )) والنص المراوغ (( المسكوت عنه .. الممنوع .. الممتنع ، المقموع ، الرمز ، ما بين السطور )) والقراءة الفاضحة (( الكشف والتفسير والتأويل والتقويل )) . وهو أذ يفعل ذلك قد يقع في مطب التعميم .. لكن لابد من الحذر من الإيغال في الإعمام الذي قد ينتهي الى التقنين للأبداع والذي بدوره قد يبلد ويقولب التجربة الابداعية وهذا ما أنتهت اليه تجربة علمنة الأدب . على الضفة الأخرى يقف (( رولاند بارث )) ليرينا النص بصفته نقطة تقاطع لأكبر عدد من الخبرات الثقافية والتي يريدنا أن نستدل عليها ببراعتنا ونعيد تعريفها على ضوء أستدلالنا وبالطريقة التي نختارها .. ولنا أن نفسرها على وفق ذائقتنا الثقافية . يمتاز النص الأدبي باعتباره حديثاً مجازياً ذا معنى مفتوح بما يأخذه من ميثولوجيا ومايعتوره من تشفير وتلغيز وترميز ، وهتك فاضح للتراتبية الكلامية .. وغوص في الذاتية وتبادل للأدوار بين الأشياء والواقع والتاريخ والأسطورة تلبيساً للمعنى وكسراً لقوالب دلالة المبنى . وقد يكون النقد اشكالياً عندما يقدم المعنى المقنن .. لأنه يدعي لنفسه حق اغلاق المعنى عندما ينفرد في تفسير نص ما رافضاً القبول بامكانيه تفسيرات أخرى .. ناسياً أنه قد يكون عرضة للتعرية والكشف ثانية وهكذا دواليك . وبذلك يكون النص – الأبداعي والنقدي – هو إنزلاق المعنى تحت سلسلة مجازية لعملية التفسير . ان النص الابداعي قد يكون غنياً عن المعنى القار فيه .. بيد انه يدفع الحياة الى حافة المعنى .. بل الى فتح المعنى الى أقصاه .. المعنى الموجود في العالم بما يتضمن من رؤى ذاتية وتعقيد معرفي واجتماعي وسياسي وتمظهر طبيعي .
اذا كانت الحدود بين الفلسفة والعلم والأدب والفن .. باتت تتصدع فما بالك بالحدود بين الأجناس الأدبية .. فمن باب أولى سيرها في طريق الزوال !! . العالم كله يسير نحو التوحد من خلال موجة العولمة الكاسحة .. والعلوم والآداب ليست بمنجى من هذا المآل .. والكاتب الفطن من يدرك ذلك كله ويخوض تجربته التوحيدية في الكتابة بتنوعها الثر .. ولاينتظر شيخوخة التجربة العالمية .
· اين تضع نفسك ككاتب اولاً وكقاص ثانياً في المشهد الثقافي لمحافظة ديالى
- لابد من وجود مسرح .. وحضور جمهور .. حتى نؤسس لمشهد ثقافي اذ مع إنتفائهما وهو الحاصل لايمكن الحديث عن مشهد ثقافي في محافظة ديالى نعم هناك كتاب ومبدعون هذا صحيح لكن نحن نتحدث عن ظاهرة لاعن أفراد .. وهذه الظاهرة حتى تكون حقيقية هي بحاجة الى تعضيد من أطراف عديدة منها الدولة والمجتمع والكتاب أنفسهم من خلال مؤسسات ترعى القدرات الثقافية والكتابية وتشجعها كالمراكز الثقافية ودور النشر ومؤسسات المجتمع المدني وأصدار صحف ومجلات تنبض بقدرات كتّاب المحافظة لاالصحافة الحالية التي يرثى لها .
· ان المتبع لكتاباتك في مختلف الصحف يجد انها تنحصر في ثلاثة محاور هي الحداثة والفلسفة والعولمة .. ما الذي يدفعك لهذا الأتجاه ؟ وهل ترى وجود جامعٍ بين هذه المحاور الثلاثة ؟
- ثمة جذب قوي يشدني الى ميدان الكتابة ذات الطابع الفكري أكثر من ميادين الكتابة باجناس وتلاوين أخرى .. اجدني اكثر انفتاحاً على كتابات للمقاربة بين الفلسفة والعلم والحداثة والعولمة . ذلك ان الفلسفة هي ام العلوم جميعاً .. وان العلم طفق بالظهور كوليد نما من الفلسفة .. كما عند فرانسيس بيكون ( 1561 – 1626)
لقد وضع المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني الفلسفة على قدم المساواة مع النبوة أعلاءً لشأن العقل كما فعل الفلاسفة المسلمون الكبار ، اذ قال : (( ان الجسم الأجتماعي لايحيا بدون روح ، وان روح هذا الجسم هي الملكة النبوية أو الملكة الفلسفية .. أما الأولى فهبة الله .. بينما الثانية تنال بالتفكير والدرس )) .. وحيث أن النبوة خُتمت فان ملكة الفلسفة لاتختم مابقي الانسان وبني العمران .
استطاع الفكر العلمي الحداثي المبني على اساس النظرة الوضعية العقلانية أن يُحيّد الفلسفة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لتزدهر الحداثة بأقانيمها في العلم والحرية والتقدم والأنسنة لكن مع أطلالة القرن العشرين وإشرئباب الفكر الأحتمالي .. وتراجع الفكر الحتمي بشبكاته وسيروراته .. الأمر الذي أثار المزيد من المشكلات ذات البعد الأحتمالي .. التي ترتبت عليها فاعلية النشاط في الفكر الفلسفي ولاسيما في حقل فلسفة العلوم .. بعد التطور الكبير في مضمار العلوم . مايواجه العلم وهو يغوص في الحقائق الجامدة غير المحدودة بل والعصية ، يعد اشكالية في كيفية الربط بين هذه الحقائق الخرس .. مالم يجنح الى أبستيمات ربما لم تكن مادية المبتنيات . انها العودة الى المباديء المجردة / الفلسفة .. هذا المشكل الأبستمولوجي الذي يحقق تفكيكه للانسان توازنه العقلي (( لانه الملح الذي يحافظ على حلاوة الطعام )) . أما الحداثة التي هي خدين العلم فهي (( النمط الكوني الوحيد المعروف الى حد الأن ، لأستدراك التأخر التاريخي فاما الحداثة واما الموت التاريخي )) . ان ما ينبغي التحرر منه هو عملية الأشتغال على التراث بغية أستعادته وفق منزع تاريخي أثني كما يفعل الأصوليون ، كما ينبغي التحرر من النظرة الى الحداثة بصفتها حقائق متعالية تسبقنا بقرون كما يرى أصحاب الأغتراب . هذا التحرر يتطلب رؤى جديدة للتعامل مع ( الحداثة الفكرية ) بالاشتغال عليها من خلال النظر الى الزمكان بوصفه أبنية تاريخية وأطراً ثقافية ، قابلة للزحزحة والتفكيك وأعادة التشكيل واعادة الأنتاج والابداع بفهم أنطولوجي .. ان الحداثة هي ما نبتكره من افكار وما نصنعه من حقائق .. تطور أفكارنا وأذهاننا وتنعكس على واقعنا وتدفعه باتجاه المستقبل .. وليست الحداثة الفكرية مجرد حقائق .. نعمل جهدنا وعقلنا بغية البحث عنها لأدراك كنهها .
ان طوفان العولمة العاتي يعكس أزمة الحداثة من جهة ويظهر التحول الدوري المستمر في بنيات الحداثة من جهة أخرى .. ويرمي الى نقد فكري يطال المفاهيم والثوابت بالأخص أقانيم الحداثة .. وبذلك لم يعد نقد الحداثة نكوصاً عن العقل وأطفاء لاشعاعات التنوير (( بقدرما هو انفتاح على المستبعد واللامعقول أو على المتغير والمجهول ، أي على كل ما نفته الحداثة من فضائها ، وجعلها تستنفد نفسها أو تبلغ مأزقها أو تشهد أنفجاراتها )) كما يقول علي حرب .
لكل ما ذكر تعد الكتابة في هذه المضامير مسألة مصيرية لمجتمعاتنا سيما وأن العالم مسير بقوة هذه الأقانيم : الفلسفة ، الحداثة ، العولمة المبنية على العلم .. من أمتلك ناصيتها تسيّد الكون ، ومن أفتقر لها كما هو حال العالم الثالث عاش تابعاً ذليلاً .



شهـــــــــــــــــــادات
1
تعرفت على الأستاذ ضمد كاظم وسمي في اوائل التسعينيات ، حين عيّن مديراً للاعدادية التي أدرّس فيها .
ومنذ البدء توطدت علاقتنا نتيجة الهواجس المشتركة بيننا ولاسيما في مجال الثقافة . وكان الرجل قارئاً ممتازاً لأمهات كتب التراث العربي ، وأحسب أنني شجعته على التوسع في قراءة الكتب المعاصرة ذات المضامين الفكرية الحديثة والتي تنظر الى تاريخ الأمة وتراثها على وفق منهجيات جديدة . وفي فترة قصيرة استطاع أن يستوعب الاتجاهات الفكرية الكبيرة كالبنيوية والتفكيكية وغيرها . وان يكتب مقالات حولهما . سواء في حقل الأدب ، أو الحقل السياسي والثقافي بشكل عام وتجلت قدراته ومواهبه عبر عشرات المقالات والدراسات التي نشرتها له الصحف والدوريات العراقية المهمة خلال السنين الأخيرة .
ما أنتظره من الأستاذ ضمد هو الدخول في حقل النقد التطبيقي للأعمال الأدبية المعاصرة بعدما أمتلك عدّته المنهجية وآليات التحليل التي ستعينه لاشك في عمله ، ولاسيما أن له رؤيته وحساسيته النقدية الثاقبة .
سعد محمد رحيم
2
الكتابة في الفكر مسألة صعبة ، والكتابة في الفكر الحداثي مسألة أصعب .. لأنها لاتحتاج لمجرد موهبة الكتابة ، انها تحتاج لخزين من المعرفة .. وليست أية معرفة وثقافة بحد ذاتها .. انها تحتاج لبحر من القراءة والوعي والاستيعاب المعرفي لفلسفة العصور كلها .. وهذا لايأتي من الفراغ .. بل عن تجربة .. تجربة عمر قرائي متابع ومتعمق لحركة الحداثة .
وبعيداً عن الزَمالة .. وجدتُ الأستاذ ضمد كاظم وسمي صاحب قلم متميز يُجيد كتابة الفكر . وحقيقة .. ذكاء منه أن أتخذ هذا النهج الصعب في الكتابة .
كُليزار أنور
3
محكٌ عصيب فكرنا العربي ، والجدل فيه غالباً مايصل الى هدر في الجهد ، وهدر في الوقت ، فإما إضافة تعطي موقع كاتبها لقارئه ، وإما هذيان تكررت قضاياه يؤدي الى النفور ، وغالباً ماتكون الكتابة في الفكر غير المدجن كأنها خارج المتون غير معترف بها ، فتتطلب على الدوام من كاتبها ان يحقق اجتهاده فيما يكتب ، من بعد ان تلاقت الحضارات وصار تبادل العلم عبر أقل من الثانية ، وصارت العلوم تتخصص في أدق المفردات الحياتية ، فلابد للكاتب ان يكون حاضراً عصره ، وعارفاً بماضيه ..كان مني ان أشيد بما قرأته للكاتب ( ضمد كاظم وسمي) فقد قرأت معظم ما نشره في جريدة الزمان الغراء ، بحق كان مثمراً وعهدته قلماً مثابرا يستحق التحية ، لأنه يهم المثقف المعاصر .
محمد الأحمد
4
يعد الأستاذ ( ضمد ) واحد من أهم الكتاب في هذه المرحلة التي تؤرخ للعديد من الأحداث . هذا الأستاذ الكاتب يجعلك مهتم لما يواضب عليه من كتابة واستمرار في الكتابة والألتزام الواضح بكل جوانب العملية الفنية لهذه المهنة المتعبة . في الحقيقة لم يكن لي أدنى معرفة بهذا الشخص من قبل ولكن من خلال متابعتي لمجموعة من كتاباته جعلتني أصر على التعرف اليه ومحاولة التقرب الى هذه الشخصية المتواضعة الجميلة وجدته أكثر مما ينبغي التزاماً بعملية النشر وفي أغلب الصحف اليومية أو الأسبوعية . ولهذا تأثير على عملية الأنتشار ورسوخ الأسم عند المتلقي .
مثنى البهرزي


 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: