٠٣‏/٠٣‏/٢٠٠٦




نص وقراءة

زمن بحجم الأفق
أقصوصة بقلم: محمد الأحمد

ذات صباح ما، وفي مكان ما. نهض من فراشه الوثير، إذ خنقهُ العرق المتصبب من جبهته بعد أن سالت قطراته وصارت في أنفه، حدق في الأفق من خلال زجاج النافذة التي تكثف ما تقاطر من أنفاسه الليلية على زجاجها، ولم ير شيئاً، فمسح بإصبعيه خطاً لسعه بهما برد سطحها النظيف، وودّ لو يضع خدّه عليه لتسري إلى جسده تلك اللذة ، ولكنه قبل أن يقرب خده نظر إلى خط الإصبع المتوازي مع خط الأفق، وراح يقهقه بجنون كمتعجب غير مقتنع هازا رأسه كحمار يشم رائحة أنثاه ، فنظر إلى إصبعه الغليظ وقال:
- إصبعي بحجم الأفق فكيف لو نظروا إلى كلي؟
قرّب إصبعه من إحدى عينيه مغمضا الأخرى، وهو يعيد ما قاله لنفسه متعجباً، وراح يقرب كفه إلى عينيه بين لحظة وأخرى مدندناً أغنيته بحزن:-
- كل شيء بحجم الأفق حتى إبريق الشاي.. كلما المسه يكون حجمه الأفق!.
تناول مفكاً وقرر إصلاح علبة السردين النائمة في رفّ منسي من المطبخ، بعد أن هرب منها السمك إلى جهة القمامة، وراح يتأمل وزغاً على الجدار، ودنا منه وقال بصوت عال لأجل أن يفزعه.
- حتى أنت أيها الديناصور أصبحت بحجم الأفق.


قراءة: بلاسم الضاحي

سأحاول قراءة هذا النص قراءة تأويلية منطلقة من رؤية ذاتية ناتجة كرد فعل لفعل النص فأقول :
العنوان ( زمن بحجم الأفق ) ، زمن + حجم ( شكل ) + أفق ( مكان ) .
وسانطلق من هذه الأسئلة :
هل للزمن شكل يقاس بوحدة الحجوم ؟ هل الزمن بعد فيزيائي ام بعد جغرافي ؟ هل يمكن ان نقيس المسافة بين نقطتين بوحدات الزمن فنقول مثلا البعد بين ( س ) و ( ص ) = كذا سنة ضوئية ؟ هل هناك تداخل بين المسافات ( الأبعاد ) الجغرافية وبين الأزمان الفيزيائية؟
من هذا نخرج الى ان التمازج او التداخل الذي أحدثه الناص مابين فيزيائية الزمن وجغرافية الشكل كان موفقا ولم يحدث خللا في انتاج معنى المعنى من خلال التركيب اللغوي لجملة العنوان بتحديد زمن اللحظة المقتنصة التي انتجت الحكاية، البعد بين النقطتين ( س ) الناص الواقف في مكان ما، و( ص ) نهاية الأفق ، اذن هذه المسافة هي بقدر زمن القص.
صياغة وتركيب جملة العنوان والتي تبدو غريبة للوهلة الأولى سرعان ما تفصح عن قدرة خالقها بعد ان تفكك رموزها ووحداتها اللغوية وإعادة تركيبها بما يوازي تأويلها الشعري المخلق الذي نجح القاص بتوظيف غرائبيته على ( الواقع ) وابداعه على ( المتخيّل ) من هنا من هذا الصرح المرتفع ننزلق نحوقراءة منخفض المتن اذ نفاجأ بجملة بحاجة الى اعادة تأليف لتنسجم مع قوة ( العتبة ) او( ثريا النص ) يقول الناص في جملة الأفتتاح ( ذات صباح ما ) لم اجد فيها استساغة ذوقية الأفضل لو قال ( ذات صباح ) أو ( في صباح ما ) لأستقامت انسيابية الجريان من قمة العنوان الى منخفض المتن لا العكس كما استدركها في جملته التالية ( في مكان ما ) .
ولو استخدم مفردة ( عبر ) بدلا من مفردة ( خلال ) التي وردت في ( حدق في الأفق من خلال زجاج النافذة ) لأستقام المعنى وانتشت الذائقة .
يطالعنا النص بوصف غريب آخر ( أنفاسه الليلية ) الذي لم يوفق بلصق الصفة الليلية الى الأنفاس لعدم انسجامها مع النسق العام لوحدات هذا النص اذلم نجد ان هناك انفاس ليلية تختلف في تخلقها مع انفاس نهارية مثلا ولا ادري ماذا قصد بها الناص فكان عليه ان يبحث عن صفة اخرى للأنفاس ليقارب بينها وبين القصد في النسق القصصي العام كأن يقول ( انفاسه الرطبة ) أو ما شاكل ذلك لحاجة القص الى انفاس تطلق زفيرا بخاريا يترك أثرا على زجاج النافذة ليستثمره في رسم الشكل الذي انهى به قصته .
وفي مقاربة جميلة بين تكوينات واشكال شخوص القص في دائرية الأفق ودائرية شكل ابريق الشاي ودائرية الفم الذي ينفث بخارا يؤدي الى عتمة الزجاج والى اسطوانية الأصبع الذي يشكل ما يشبه ( ) اثناء خطه على الزجاج المبخّر راسما شكلا يشبه ( ) الذي ينهي عنده الحكاية كذلك دائرية علبة السردين التي تحتوي على كائنات زلقه ( السمك ) والتي شكلت مع مكونات المشهد القصصي زمنية القص ولحظويته وحكائيته اثناء تامل الناص لذلك الأفق .
الموضوع لطيف ، التقاطه من زاوية ذكية مفتوحة الجهات تتيح لقانصها مساحات واسعة من التحرك داخل المشهد لتقول اشياء مكثفة لو استثمرها القاص بروية وتأني وبتفصيلية دقيقة في رسم المشهد تخيليا لأمتعنا بحكاية جميلة في زمن مضغوط .
اخفق القاص بايجاد نهاية توازي اهمية الحدث المقصوص لخلوها من الدهشة والغرائبية الموازية لما يقص اتمنى على الأحمد ان يعيد كتابة هذه القصة بتأني وروية واعترف اني قرأت نصا جميلا وممتعا لكنه بحاجة الى صياغة حرفية جديدة .

mu29@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: