٢٢‏/٠٣‏/٢٠٠٦


أي حزنٍ يكتمهُ صدرك ؟

وأي سرٍ يأسر قلبك ؟

إنكَ تحاول أن تكظم كل هذا ..

ويفضحك ،

انهمار الألم من كلماتك .. !

كُليزار أنور

www.postpoems.com/members/gulizaranwar


النواح على اللغة والواقع العالـمي
بقلم : عماد مجيد محمد
كثيراً ما يتحدثون عن تبني لغة رسمية جديدة في الدستور وكأن كارثة ستقع ! وهذا (الحرص) المبالغ فيه لا تبرره مجريات الأمور . فورود نص في أيّ دستور لن يكون له علاقة لا في تطور القوانين الداخلية للغة ( أية لغة كانت) ولا في ازدهار اللغة نفسها أدبيا أو علمياً... فلكي يقر الدستور لغة ما يحتاج المشرعون عادة أن يكون لها ألف باء وأن تكون قد استوعبت اللغة الأدبية والعلمية ويمكن صياغة النصوص بها (بما فيها التجارية والدبلوماسية). وهذا لا علاقة له باللغات الرسمية الأخرى. فقط سيسهل حياة الناس ولن يجبروا على تعلم لغة أخرى غير لغتهم الأم أو التي يتقنونها إلاّ إذا رغبوا بذلك أو احتاجوا إليه .
لقد شغلني هذا الموضوع فترة لا بأس بها من الوقت . ومنها تبني اللغة الكردية في الدستور العراقي . وبصراحة لا يوجد اعتراض إلاّ من المغالين : ( وكيف سنفهم وكيف سنتعامل وما هي لغـة المحاكم الخ الخ ) من الأسئلة الصارخة في ( منطقيتها ) ! وأردت فعلاً أن أعرف كيف هو الوضع في بقية دساتير العالم وكيف تتعامل شعوب أخرى مع الموضوع وهل هو مهم إلى هذا الحد ؟ وكنت أريد أن أعرف ما هي الأسس ، وهل لهذا علاقة بالصراع القومي أو الحضاري ، وهل يعيق تبني لغة إضافية كلغة رسمية في الدستور التطور كما يدعي البعض وهل يخلق إرباكات ، وما هي علاقة الموضوع باللغات القومية والوطنية والمحلية ، وهل بالضرورة أن تكون اللغة الدستورية لغة قوميةٍ تسكن ذلك البلد ؟ وغيرها من التساؤلات .
ولكي نصل سوية إلى الاستنتاجات الموضوعية دعونا نرى إلى دساتير العالم المختلفة وما هي اللغات التي تعترف بها كلغات رسمية لمعاملاتها الحكومية ولجامعاتها الخ . وسأبدأ من الدول التي تبنت لنفسها لغات رسمية ، غير لغتها أو لغاتها المتداولة أو غير لغاتها القومية أو الوطنية . ولهذا الأمر ارتباط بالماضي الاستعماري وبلغة مثقفي البلد والجامعات التي درسوا فيها أثناء
المرحلة الاستعمارية وبعدها، وربما بلغة الإداريين ، والمزارعين والعمال الفنيين في مزارع وورش المالكين الأجانب الخ ..
في أفريقيا الدول التي لغتها الرسمية هي الفرنسية : غينيا ، بوركينا فاسو، ساحل العاج ، السينيغال ، بنين ، الغابون ، توغو، أما في الكونغو فتضاف لغتين عاملتين هما ( اللنغالية والمونوكوتونا ). أما الدول التي لغتها الرسمية الانجليزية فهي : ناميبيا ، زيمبابوي ، ليبيريا ، غانا ، سيراليون ، وبوتسوانا حيث اللغة التسوانية تعتبر لغة وطنية . والدول التي لغتها الرسمية البرتغالية فهي : موزامبيق ، أنغولا ، وغينيا بيساو .
وفي أمريكا الجنوبية هناك ست دول لغتها الرسمية الاسبانية وهي : فنزويلا ، كولومبيا ، الاكوادور ، الأرجنتين ، تشيلي ، الأورغواي ، وهناك دولة واحدة باللغة الفرنسية هي غويانا الفرنسية ، وسورينام اللغة الهولندية ، وغويانا التعاونية اللغة الانجليزية ، والبرازيل هي الوحيدة في أميركا الجنوبية اللغة البرتغالية . وفي أوربا اللغة الرسمية للنمسا وليشتنشتاين هي الألمانية. ولم يشمل الإحصاء أمريكا الوسطى .
أما الدول التي تبنت في دستورها لغتين رسميتين فعددها كثير، وليس في بعضها علاقة بين لغتها في الدستور ولغاتها المحلية (ولا أتحدث عن دول الاتحاد السوفياتي السابق لأنها جميعاً (14) كانت بلغتين ). في أفريقيا : الكاميرون والكونغو الديمقراطي ـ الانجليزية والفرنسية ، وهناك خمس دول أفريقية لديها لغة ثانية إضافة للغة الفرنسية هي: غينيا بيساو ـ الاسبانية، بوروندي ـ الرواندية، أفريقيا الوسطى ـ السانغو، جيبوتي وتشاد ـ العربية . أمّا الصومال فلغتاها الرسميتان : العربية والصومالية . وهناك أربع دول أفريقية لديها لغتان أحدهما الانجليزية هي : تنزانيا وكينيا ـ السواحيلية ، ليسوتو ـ السوثوية ، سوازيلاند ـ السوازية. وفي أمريكا الجنوبية للبارغواي لغتان رسميتان هما : الاسبانية والجورانية . وفي أمريكا الشمالية : كندا لغتاها : الانجليزية والفرنسية . وفي أوربا الدول التي لها لغتان رسميتان هي : إيرلندا ـ الايرلندية والانجليزية ، قبرص ـ التركية واليونانية . أمّا في آسيا ، الدول التي لديها لغتان رسميتان : أفغانستان ( البشتونية والدارية ) ، الهند ( الهندية والانجليزية )،
الفلبـين ( الفلبينية والانجليزية) . أمّا في العراق فالدستور يعتمد ليس لغتين وإنما لغة ونصف ! ذلك أنّ اللغة الكردية رسمية في كردستان . هذا وبغداد يسكنها مواطنون أكراد أكثر من أي مدينة أخرى في العالم ...
وهناك دول لا تتبنى لغة رسمية في دستورها ( تكلم باللغة التي تعرفها وهناك مترجمون، أو الكل يفهمونك ، أو الكل لا يفهمونك ـ لا أدري) أو شيء من هذا القبيل . وهذه الدول هي ، وحسب القارات ، فنلندا ولوكسمبورج ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ملاوي ، وإرتيريا .
وتوجد دول لديها ثلاث لغات رسمية . منها في أوربا : بلجيكا ( الهولندية والفرنسية والايطالية ) وسويسرا ( الفرنسية والألمانية والإيطالية). وفي أفريقيا :رواندا( الانجليزية والفرنسية والرواندية )، جزر القُـمر ( القُمرية والعربية والفرنسية ). وفي أمريكا الجنوبية: بوليفيا والبيرو (الاسبانية والأيمارية والكيشوا).
وهناك دولة لديها أحدى عشرة لغة رسمية هي جنوب أفريقيا .
الاستنتاجات :
1. إنّ وجود لغات وطنية وقبائلية شيء واللغة الرسمية للبلد التي يتبناها الدستور شيء آخر . فأمام القارئ دول ليس هناك علاقة بين لغاتها المحلية واللغة الرسمية في دستورها . وهي منتشرة في طول الأرض وعرضها .
2. يمكن أن تتبنى أية دولة في العالم أي عدد من اللغات بما يتماشى مع مصالحها وتسيير شؤونها ...
3. تعدد اللغات الرسمية لا يعيق استقرار البلد ولا تطوره .
4. ليس هناك من معنى وليس هناك مبرر للخوف من اندثار لغات أو مزاحمة لغات . أكتب معاملتك باللغة المعترف بها كلغة رسمية . وليت الأمر يكون : باللغة التي تعرفها . وهناك مترجمون .
5. وحتى عدم الاعتراف بأية لغة للبلد بأكمله لغة رسمية ( وإنْ كان دولة عظمى أو دولة صغرى ! ) لن يعيق تطور أو استقرار ذاك البلد( أمريكا، فنلندا الخ ) .
6. وجود لغة واسعة الانتشار يساعد على تبنيها كلغة رسمية خاصة إذا كان لها ألف باء ونحو وصرف إضافة للأدب والعلوم الخ .
7. عدم وجود ألف باء للغة معينة يعيق بالتأكيد تبنيها كلغة رسمية في الدستور . عـلى الرغم من أن الـتاريخ يريـنا
شواهداً على أن بعض اللغات الحية قد تم تبنيها كلغات رسمية ثمّ كتبت لها ألفا بيت لاحقاً ( كما جرى بعد ثورة أكتوبر ) ..
8. ولماذا لا تكون اللغة الانجليزية لغة رسمية أخرى في العراق طالما هي اللغة العاملة لكل جامعاتنا، وفي بعض مدارسنا هي لغتها الدراسية من الصف الأول الابتدائي .
والآن وبعد أن يرجع الملايين من الذين هاجروا أو هُجّروا أو هربوا، مع أولادهم،الذين ولد الكثير منهم في الغربة وتعلموا تلك اللغات(والبعض يكادون لا يعرفون غيرها وقوميتهم عربية أو كردية الخ) أليس المفروض أن يهتم واضعو دستورنا الجديد بهم ويأخذون مصالحهم كمواطنين أيضاً ( أليس الوطن للجميع ) والدستور يأخذ مصالح الكل ! وكم ستكون أعدادهم في مختلف المدن ، كم سيرجع ـ دعونا نقول من ألمانيا مثلاً ـ إلى بعقوبة أو العمارة أو البصرة وكم سيكون عدد أبنائهم.. وجميعهم سيكونون من المثقفين أو من المتعلمين على الأكثر( إذا لم تجننهم الغربة) .. وهل من المتوقع أنّ لغة السماوة الثانية ستكون من الناحية التطبيقية هي اللغة الألمانية مثلاً وترى يافطات المحلات مكتوبة بأكثر من لغة غير محلية ، والمدارس تتعلم باللغة .. ربما ، لم لا . ويتجادل موزع الشاي في المقهى مع روادها باللغة السويدية ، وعازف الربابة بالروسية.. ( لم يتكامل عندي الخيال الحضاري للمجتمع المدني فالمفروض أن لا أقول مقهى بل نادي ومكان الربابة أن أتحدث عن عازف السكسفون... فمفاهيم المجتمع المدني هي التي نحتاجها وليس مفاهيم المجتمع الأهلي ) .
ألن يساعدنا هذا في الترجمة ونقل ثقافات الشعوب والتواصل الحضاري الخ. وهل سيعيق تطورنا الحضاري كما يدعي البعض أم العكس هو الصحيح . أليس لجنوب أفريقيا السبق بتبنيها أحـدى عشرة لغة في دستورها . أم نحن مقبلون على تسجيل رقم قياسي عالمي جديد بتبني خمس عشرة لغة مثلاً. أم أن الحل الأمثل لنا هو أن نكون بلا لغة رسمية أصلاً. نحن نترقب جواب برلمانيينا ومشرّعاتنا الـ (33%). وننتظر بفارغ الصبر المناقشات الشعبية لمسودة دستورنا العتيد ويوم 15 /10 /2005 نتائج الاستفتاء العام عليه والتي ستقرر مصيرنا لسنوات طويلة قادمة .

١٦‏/٠٣‏/٢٠٠٦


قراءة
(( خطوط متقاطعة ))
رُقي في الأداء والتعبير القصصي
بقلم : كُليزار أنور
كاتبة عراقية
بلغةٍ حسية غير مطروقة تدعونا القاصّة ذكرى محمد نادر للدخول إلى معرض القصص الذي أقامتهُ على شرف الحرب . الحرب التي أصبحت مأساة جيلنا .. والوشم الذي لا يُمحى فوق لحم أيامنا !
كل قصة هي لوحة فنية لواقع نعيشهُ رُسمت بدمع القلب لتعيد صياغة معادلة ما لها من قانونٍ ثابت إزاء ما مر ويمر وسيمر بنا !
اثنتا عشر لوحة معلقة على جدارِ زمنٍ عراقي .. جسدت حالات متنوعة لحضورٍ واحد اسمهُ ( الحرب ) !

(( حياة قيد الإعارة )) .
كم نحنُ بحاجة لإنسان صديق يسمعنا .. وعندما لا نجدهُ ، نلجأ إلى النفس ! مونولوج صاخب لامرأة وحيدة .. جعلت من نفسها صديقة لها _ تثرثر بكل شيء وأي شيء _ لتحرر نفسها من طوق الوحدة الذي يحاصرها . (( بعد أن غابت أُمي قالت جدتي لأبي : انها ذهبت لِشأنها مع عابر سبيل ! فشقيت بعدها ، لسوء حظي اني أشبه أمي كثيراً )) ص 7 .
الوحدة بدأت بفقدان الأم ، ثم الأخ الصغير الذي غادر اثر حمى عصفت بجسدهِ الوردي (( قيل انها حمى الاشتياق لثدي الأم )) ص 8 .
استعارت نفسها أولاً ، ومن ثم المذيع _ الذي استعارته _ من جهاز التلفاز ، إلى درجة أن تتخيله يقرأ لها وحدها نشرة الأخبار !
الثرثرة تقودها إلى الوهم .. والوهم لا يخلق سوى الخسارات !

(( الباب الفضي )) .
بحرارة ولهفة وثقة أخذ يلثم قضبان شباك ( الإمام ) الفضية كي يكون شفيعاً لهُ بتحريرهِ من همومه الكثيرة التي يحملها فوق كتفيه المتعبتين . يدور .. يصلي .. يردد كل ما حفظه من آيات وأدعية مستنجداً بصاحب الشباك الفضي راجياً شفاعته في أهل بيته وقريته ، فالمحصول قد
ضاع .. وابنه الصغير لم يشفَ بعد .. وابنه رجب ذهب جندياً (( الله الحافظ ، إنهم يعودون أحياناً .. نعم الجنود مَن غيرهم ، بلا أقدام يمشون عليها ، أو عيون يرون بها ، وربما بلا رؤوس.)) ص 16 .
ويعلق على القضبان الفضية خرقة خضراء صغيرة وصية من ابنتهِ .. أن ترزق بصبي كي لا يتزوج زوجها عليها . ويُقبّل القضبان مستغيثاً ومعتذراً ، فقد كثرت طلباته . وقبلَ أن يغادر يهمس بوجل وحياء وكأنه سر غير قابل للإعلان (( دخيلك يا صاحب الغوث ، تتشفع _ للسمرة _ أظنني لم أُحدثك عنها _ جاموستنا _ المبرقشة . انها حامل بتوأم ، أخبرنا مفتش الصحة ، هي كل ما نملك وبعدها سيكون الجوع . )) ص 17

(( عتيق )) .
قدرنا أن نكون في زمنٍ يباع فيه كل شيء ! حتى الذاكرة ما عادت تُطيقها . استغربَ صاحب العربة ، لكنهُ اضطر صاغراً أمام إغراء المبلغ . وتُرافقه من شارع إلى شارع وهو ينادي : ذاكرة للبيع !
وتُقلب من يدٍ إلى يد ، ولا أحد يرضى بشرائها ، فالكل عندهم منها . وتعود عندما لم تجد مشترياً واحداً . ذاكرة هي أشبه بالعصا القديمة لأفكار بالية لا تتناسب مع متطلبات عصرٍ يضطرنا أن نركع إذا استوجب الأمر . (( لا . انتفضت ذاكرتي تصرخ بي : - أي هراء .. نركع. نمزق محاضر أحلامنا السرية .. نغتال تظاهرات الدم . أيمكن أن ننسى عصافير الأيام الهاربة من أقفاص الأسر . أنسيَ كل شيء . أنسيَ دمك الساخن المنفعل المأسور بين الأقفاص البعيدة )) ص 26 .
هل يحق لنا أن نلغي ميراث الذاكرة ؟!

(( كرسي الشرفة )) .
قدرة سردية ممتازة .. تسترسل بصدق لتحكي عن هواجس امرأة أخذت الحرب منها ما كانت تخاف عليه ( زوجها وأطفالها ) . في الحرب تتشابه الأحزان ! وهذا الكرسي استخدمتهُ كرمز لمأساة امرأة أُخرى جلست عليه قبلها سبقتها في اللوعة !

(( رجال بلا أسماء )) .
تلاعب ذكي بالمفردات . لدى القاصّة إمكانية فذة بحياكة الأفكار الذكية . تحكي الكثير
_ حتى ما لا يقال _ من ثم تستره بقناع خفي يسمى ( القصة ) !

(( عصيان متأخر )) .
ميت يعلن العصيان ويجلس خارج قبره ! مشكلته انهُ دفن في قبر غيره . فاجأتهُ الحرب ذات أحد .. لم يفر من قدره . وهل تعني الحرب سوى الموت ؟ وماذا في ذلك ، فالكل سيموت !
(( لم يسبق لي الاعتراض . أنا رجل مؤمن بالقدر ، لكني مؤمن بالقانون أيضاَ ، انهُ ينص على أن أمتلك بيت آخرتي . القانون يمنع الالتباس نحن الآن معاً اسمهُ وجسدي )) ص 74 .
لم يعد يحتمل . كتب لافتة طبعها على أشرعة الريح مستغيثاً .. انهُ يطالب _ فقط _ بمن يبكيه .. أُمهُ وعصافيره الثلاثة . يؤلمهُ كل هذا الدمع الذي ليسَ من حقهِ ، بل لصاحب الاسم المرسوم على شاهدة القبر !
" عصيان متأخر " . فكرة رائعة لقصةٍ رائعة !

(( حتى )) .
أجمل قصص المجموعة _ بنظري _ هل هو تحيّز للقطط ؟ ربما ، فكلانا يحبها ! سرد ممتع وجميل وشيّق يأخذنا بدون قيود لغوية إلى حيث ما أرادت الكاتبة أن تصل ونصل إليه !
" حتى " . برقية سريعة مفادها : لا أحد يسلم من الحرب .. حتى القطط .. هذهِ الحيوانات الأليفة والجميلة جداً .

(( خطوط متقاطعة لسمفونية الموت والحياة )) .
انها يوميات حرب سُجلت بحياد وموضوعية ، فلا مجال للخيال هنا ، لأن الكل عاش تفاصيلها . بدأت في بغداد ليلة 16 – 17 / كانون الثاني إلى 1 / آذار . طغى عليها الأسلوب الصحفي أكثر من القصصي . وقد عرفتها _ القاصّة _ في المقدمة كمادة صحفية .

(( ليلة تمام الأشواق )) .
حكاية أرملة وابنتها في طقوس الغياب الذي فرضته الحرب عليهما . تتربصهما عيون امرأة أُخرى من نافذتها المطلة على بيتها ، جعلت من نوم الأرملة وانطفاء مصباح غرفتها توقيتاً لإسقاطها من الذهن .
وبعد الليلة الأخيرة .. حدث شيء مربك في الشارع الذي تسكن . قالوا بأنها : اختفت
أو هربت أو انتحرت ، لكن ابنتها تقول : أضاءت !
(( لم تظئ الأرملة نور نافذتها بعد تلك الليلة ، ليبقى متقداً في ذاكرتي ينبئني انني أنا الأُخرى أنتظر ليلة تمام أشواقي حين يحولنا الحب إلى ملائكة ساطعة حزينة . )) ص 114 .
* * *
وبعد قراءتي لآخر لوحة .. وقبلَ أن أُغادر المعرض .. أرغب بتسجيل إعجابي بعمق وبلاغة ما قرأت . أُثمن انحياز القاصّة للمرأة ، انحيازها لأنوثتها وصدق مشاعرها تجاه هذا السر الغامض في عينيّ الرجل الذي سيبقى يغريه التوقف عند شاطئها محاولاً _ منذ الأزل _ باكتشاف المجهول !
· " خطوط متقاطعة " . مجموعة قصصية للقاصّة ذكرى محمد نادر .. صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد / 2000 .

www.postpoems.com/members/gulizaranwar

١٥‏/٠٣‏/٢٠٠٦



صدور المجموعة الشعرية الثانية بالانجليزية
للشاعر
باسم فرات


الشاعر العراقي باسم فرات المقيم في هيروشيما – اليابان ، صدرت له في العاصمة النيوزلندية ولنغتن مجموعة شعرية جديدة ، هي الثانية له بالانجليزية ، حيث أصدرت له دار هيد ووركسHEADWORX في ذات العاصمة مجموعته الاولى في عام 2004 ، وها هي دار نشرEarl of Seacliff Art Workshop تختاره ليفتتح سلسلتها الادبية الجديدة. وقد اتخذت المجموعة " القمر الذي لا يجيد سوى الانتظار The Moon That Excels in Nothing But Waiting" عنواناً لها ، وهو عنوان إحدى قصائد المجموعة ، ضمّت المجموعة ثمان قصائد ، هنّ حسب التسلسل : آية النقاء ، وعانقتُ برجاً خلته مئذنة ، قام بترجمتهما الشاعر والمترجم العراقي المقيم في المغرب جواد وادي ، اما قصائد ، أبي ، أنا ( 1 ) ، صراخ ، القمر الذي لا يجيد سوى الانتظار ، فقد ترجمها المترجم السوداني المقيم في نيوزلندا عباس الشيخ ، والقصيدة السابعة ، أيّام ناحلة ، ترجمة المترجم الفلسطيني محي الدين عسّاف ، والثامنة والاخيرة ، أقول أنثى ولا أعني كربلاء ، ترجمها المترجم العراقي نجاح الجبيلي ، اما تحرير ومراجعة القصائد ، فقد أنجزها الشاعر والمحرر النيوزلندي مارك بيريMark Pirie ، الذي سبق وان حرّر وراجع الديوان الاول بالانجليزية " هنا وهناك HERE and THERE" للشاعر فرات ، الذي لاقى صدى طيباً في الاوساط الادبية النيوزلندية وغيرها ، وكتبت عنه أكثر من عشرة دراسات وعروض في نيزلندا واستراليا والولايات المتحدة وانجلترا
والشاعر باسم فرات الذي ولد في مدينة كربلاء عام 1967 ، قد عاش في نيوزلندا التي وصلها لاجئاً سياسياً،بحثاً عن طفولة الشمس ، ما بين عامي 1997 – 2005 ،بعد ان غادر عراقه الى الأردن عام 1993 احتجاجاً على اعتقال رفات أسلافه ، شارك خلالها في الكثير الكثير من الفعاليات الثقافية عموماً والشعرية خصوصاً التي كانت تقام في نيوزلندا ، وبالذات العاصمة ولنغتن علماً ان العاصمة النيوزلندية وضواحيها تعجّ بالامسيات الشعرية ، حيث ان النيوزلنديين شعب محبّ للشعر كما ان المجلات الادبية النيوزلندية كافة ما عدا واحدة قد نشرت قصائد للشاعر فرات ، بينما الاذاعة النيوزلندية قامت باستضافته عدة مرات ، أما الصحف فقد قابلته او نشرت له مراراً .
أما في الانطولوجيات الشعرية فله حضوره الواضح ان كان في نيوزلندا او خارجها ، واخرها الانطولوجيا التي صدرت في الايام الاخيرة من العام الماضي ، تحت عنوان A HEADY BREW واخرى تصدر هذه الايام تحت عنوان كلمات عالمية WORLD WORDS ، وكلاهما صدرتا في نيوزلندا المنفى السابق للشاعر فرات .
والشاعر باسم فرات الذي أصدر بالعربية ديوانه الاول " أشدّ الهديل " عام 1999 عن دار نشر ألواح في مدريد والثاني " خريف المآذن " عن دار نشر أزمنة في عمّان ، يستعدّ لنشر ديوانه الثالث " أنا ثانية " والذي من المؤمل ان يصدر منتصف هذا العام .

٠٩‏/٠٣‏/٢٠٠٦

مبدع وحوار
االكاتب والقاص : ضمد كاظم وسمي
حاوره : د. عصام عبد العزيز المعموري

dr_esamalmamuri@yahoo.com
ليس يسيراً أن تجري لقاءً مع كاتب وقاص مثابر مثل ( ضمد كاظم وسمي ) ، فهذا يتطلب منك خزيناً معرفياً لتواكب جهده الإبداعي لأنه كتب في مختلف الجوانب الأبداعية ، وبين اقتضابٍ غير مخل وإطنابٍ غير ممل يمكن ايجاز محاور كتاباته كالآتي :
. 1.الحداثة : وتناول ذلك في مقالاتٍ عديدة منها : ( الحداثة والثنائيات الضدية ، الحداثة وجدل العصر التكنولوجي ، ثنائية العلم والأدب .. أطوار الحداثة وأشكالية التجربة الجمالية ، الحداثة واشكاليــــــة الملهم التاريخي ، نقد أدب الحداثة / إلتباس المفهوم وجدل المعاصرة ، نحن والحداثة ، ثنائيـــــــــــة الفلسفة والأدب .. أطوار الحداثة واشكالية المعرفة الأدبية ، الحداثة واشكالية الخصوصية ، اشكالية الخصوصية العربية في الحداثة ، نقد الفكر الحداثي .. اشكالية النهايات ومأتمية الثقافة الجنائزية .. ) .
2.العولمة : وتناول ذلك في كتاب لم يطبع لحد الآن هو ( في الحداثة والعولمة ) .
. 3.عصر النهضة الأوربية .
. 4.مجموعة قصصية .
تشير سيرته الذاتية الى أنه من مواليد ( مندلي ) في محافظة ديالى عام 1954 ، خريج كلية الأدارة والأقتصـــــــاد جامعة الموصل عام 1980 وعمل مدرساً لمادتي الاقتصاد والمحاسبة في اعداديات التجارة في طوزخورماتو وبلد وجلولاء وبعقوبة . عمل مديراً لإعدادية بعقوبة التجارية للبنين لمدة 9 أعوام ومديراً لقسم الحسابات في تربية ديالى ويعمل حالياً كمحاسب لديوان تربية ديالى . نشر عشرات القصص والمقالات والدراسات في الصحف العراقية .
وعن تجربته الإبداعية كان لنا معه هذا الحوار :
v كثيرةٌ هي مبررات الكتابة .. فالبعض يقول : نحن نكتب لنحيا بالكتابة والبعض الآخر يقول : نحن نكتب لنحيا مع الكتابة في حين يقول آخرون : نحن نكتب لنحيا من الكتابة .. لماذا يكتب ( ضمد كاظم وسمي ) ؟
- تعج صحافتنا بأنواع الكتابات منها ماهو فج غير نضيج غاية كاتبها تسجيل حضور في الساحة الثقافية .. ومنها ما هو متعصب لا يقبل بالكتابات الأخرى بل وينسب اليها الهرطقة ، ويسمها بكل وصف منفر .. ولا يرضى من الآخرين الا أن يغزلوا على منواله .. أسباب كثيرة تدفع المرء للكتابة منها المكافأة النقدية والشهرة والبيئة ، لكن هل رأيت الناس يتهافتون على الكتابة تهافت الفراش على النار ؟ .. والجواب : كلا لأن الكتابة عندنا لاتدر مالاً ولاتصنع جاهاً فضلاً عن أن البيئة الاجتماعية والسياسية لاتساعد على ذلك ، هذا على الأقل في بلادنا .
يمكن القول في البدء خلق العقل وكانت الكلمة .. وفي البدء الختامي قال الخالق سبحانه لنبيّه (ص) : (( إقرأ )) .. لأنه في البدء الأولي كانت الكتابة : (( كتب على نفسه )) .. وفي البدء كان اللوح المحفوظ .. الذي كتب فيه كل شيء .. وعصور التاريخ لم تبدأ الا مع الكتابة والتدوين .. والكتابة لا تكون الا بالمضامين ، والمضامين في متناول الجميع ، يقول الجاحظ : لاعبرة في المضامين ، لأنها مرمية في الطرقات .. إذن العبرة في كيفية التعامل مع هذه المضامين بأعتبارها مواد خام واعادة الحياة لها من خلال تمثلها من قبل الكاتب في معمله الخاص ، ويعيد أنتاجها بعد أن يحررها من سبة الأجترار والتقليد .. مستدعياً تأجيج الأبداع بديباجة غير مسبوقة . أننا نكتب من أجل تحقيق المقاربة بين اللاوعي والوعي . من أجل تحرير الوعي من مطمرات اللاوعي وأحياء مقابره وأنعاشها ثانية .. من أجل التحرر من مأزق العودة الى الذات .. فأشتراطات العقل الباطن حاكمة على اتجاهات العقل الواعي .. من أجل تحرير العقل نلجأ الى الكتابة .. فالمبدع يمارس سلطته على الذات والآخر والمجتمع من خلال الكتابة ، وغيره يمارس السلطة من خلال الآله – أداة العنف – فالكتابة هي الحاضنة المتفردة للعبقرية .. التي ديدنها تحرير العقل الزاخر بالتجريد ، وأعادة تشكيل الواقع الموبوء بالأبتذال .
يقول دافنشي : الفن هجوم على الخوف ، ربما بالكتابة يتحرر المرء من خوفه المقيم في ذاته . فالكتابة أشبه ماتكون بيوم القيامة .. حين يتحرر الأنسان حتى من ورقة التوت ، الكتابة الحقة تجلي الحقيقة بعد أن تنزع عنها أوراق التوت واحدة بعد أخرى . أسئلة الواقع والصيرورة تخز ضمائرنا .. ذلك أن الأسئلة الجادة ميسورة ومطروحة .. وهي قد تكون غنية عن الكتابة .. لكن الأجوبة الجادة لاتكون الا في الكتابة وهي ليست مقدورة لكل أحد ، لذلك نكتب من أجل البحث والتقصي بغية الولوج الى عوالم الأجوبة التي قد تخترق الواقع وتعيد تشكيله على وفق المنظور المقترح . فالكتابة تخترق القيم والمفاهيم من أجل أعادة صياغة الحياة والواقع بمفاهيم وقيم جديدة تنشد الحرية والعدل والعلم والتقدم .
· أن المتتبع لكتاباتك عن الحداثة يستنتج منها وجود ألتباس في هذا المفهوم .. أين يكمن هذا الألتباس برأيك ؟
- ينتاب مفهوم الحداثة شيء من الغموض .. وبعض الضبابية ، برغم أنه كمصطلح واضح الدلالة ، اذ من الناحية التاريخية تشير الحداثة الى عصر النهضة ومانجم عنها من احداث مفصلية كبرى كاكتشاف العالم الجديد ، والأصلاح الديني ، والثورة الفرنسية ، وفكر الأنوار ، وأنهيار النظام الأقطاعي ، وبروز وهيمنة الرأسمالية التجارية والصناعية والمالية والمعلوماتية أما من زاوية بنيتها الفلسفية والفكرية فقد تمثلت في ظهور الحركة الأنسانية التي نادت بأمامة العقل وتمجيد كرامة الفرد من خلال البناء الديمقراطي ، واعطاء الانسان قيمة عليا واساسية في الكون .. وتسيير الحياة وفق نزعة عقلانية علمية اداتية صارمة في مجال المعرفة والعمل معاً ، لكن ضبابية محددات ومكونات فكرة الحداثة وغموض مضامينها بله مفهومها ، تعد من أهم سمات الفكر العالمثالثي الذي يطرح اليوم بشدة قضية الحداثة دون وعي جلي بعناصر مشروع العصرنة في مكونيه الرئيسين : الحداثة والديمقراطية . ثمة التباس ينجم عن التفاوت العميق بين ثقافتنا مقابل ثقافة الحداثة .. ففي الوقت الذي يرى فيه الآخر أن جوهر الحداثة هو (( استشراء روح التقنية كأستعمال وتحكم )) وأن موقفه الجديد من العلم ، يرى أن العلم تابع للتقنية ووليد لها ، تقتصر ثقافتنا عن الحداثة على مجرد اللحاق بالتطور التقني وامتلاك التكنولوجيا الحربية والأقتصادية .. دون الأكتراث بروح الحداثة وعقلانيتها وثقافتها .
لعل التباساً أشد وطأة يثار في أذهاننا بشأن ماهية الحداثة واستعمال قوى الحداثة .. سيما وأن الحداثة قد دهمتنا بعنف وأخترقت دواخلنا بقسوة وكشف عوراتنا بذلّة من خلال المد الأستعماري الذي أستباح أوطاننا ونهب ثرواتنا وعمل على تدمير ثقافتنا ومجتمعنا ، لكن ثقافتنا ومجتمعنا مدعوان الى التمييز بين حقيقة الحداثة في العلم والحرية والتقدم وبين استعمال الحداثة كاداة اخضاعية للسيطرة على الشعوب .. لا أن تكون ردة الفعل رفض الحداثة شكلاً ومضموناً ، أو في أحسن الأحوال المواءمة بين الحداثة كمفهوم عملي تقني والثقافة التقليدية الموروثة بشكل مشوش والتباسي .
حتى عند نقل مفهوم الحداثة الى اللغة العربية .. فهنا تظهر أشكالية الفهم من حيث ان دلالة الحداثة لغوياً تشير الى الطفولة والآنية ، الأمر الذي يتطلب إعادة تشكيل الوعي اللغوي لأستيعاب هذه النكهة اللغوية عند أستعمال الحداثة لغوياً على نحو يحيط بأطارها وبنياتها . كذلك في مسألة البعد التاريخي .. فان الحداثة تشير الى كل ما هو عصر ي ينتمي الى الزمن الحديث .. ولكن لتحديد الزمن الحديث اشكالية التحقيب والتصنيف .
ان الحداثة التي تجاوزت ذاتها لتدخل مرحلة ما بعد الحداثة ، أنتجت سوء الفهم لدى أوساط المثقفين في العالم الثالث حين عدوا ما بعد الحداثة وكأنه تخل كامل عن الحداثة وأنفصال تام عنها ، لكن الأمر ليس كذلك ، اذ أن تيارات مابعد الحداثة لاتعدو ان تكون تكملة واستمراراً للحداثة وتعميقاً لمنظورها وغلواً اكبر بشحنة العدمية ، ونقداً لأقانيم الحداثة وبنيتها الفكرية . فضلاً عن التباسات أخرى لسنا بصدد أستقصاءها .
· في حديثك عن الحداثة .. ترى وجوداً لإشكالية الخصوصية العربية في الحداثة .. هل ترى غياباً لهذه الخصوصية ؟ وماهي ملامح هذا الغياب ؟
- من المؤكد أن الأمة العربية تتوفر على خصوصية في جانبها الأيجابي تحمل مضامين غاية في الأهمية .. اذ كانت الدعوة الأسلامية التي جاء بها النبي محمد (ص) في جوهرها دعوة لتأسس العقل في ميدان الفكر ، وأقامة العدل في مجال السلوك البشري .. وأعطاء الحرية في مجال البناء الأجتماعي .. كجوهر مناقض للجهل والأستبداد والظلم المستشري في العالم آنئذٍ . وقد لازمت فعالية العقل التمظهرات الفكرية في الثقافة العربية طالما ظلت قائمة على (( التعددية )) و (( حرية الفكر )) .. بيد أن ذلك لم يدم طويلاً بفعل عوامل اجتماعية وسياسية .. حتى انتهى الفكر العربي الى التشرب بنظرية (( الجبر )) الأموية التي هيمنت على التاريخ العربي حتى يوم الناس هذا . وبذلك حلت الخصوصية العربية بوجهها السلبي .. حتى استعصى علينا التعامل مع العلم وصرنا لانكترث بالتجربة .. بل لانؤمن بارجاع الأحداث الى مسبباتها الواقعية ، ولانقر بالفكر النسبي بسبب أننا أُستعمرنا ولما نزل من قبل قوة الماضي وفكره القار حتى أستعبدتنا تقاليده .. وصرنا نصوغ تفكيرنا في (( لغة محنطة )) لاترتدي سوى اكفان الماضي ، ولانصرخ الا بصوت (( المنتصر التاريخي ، بطل كل الأزمان )) .. ومع ان واقع حالنا يقول إننا أمة مهزومة تحارب طواحين الهواء وهي تنغمس حتى ناصيتها في ذهول حضاري رهيب .. لأننا لانعترف بأخطائنا البتة حيث نقرأ تاريخنا قراءة تبجيلية تقديسية .
درج العرب على اللهاث خلف الحداثة التقنية الأستهلاكية .. بيد أنهم يرفضون المنظومة الفكرية والثقافية للحداثة الغربية .. ومنهم من يرى ان هذا الرهان القائم على الأنتقائية والتمييز بين روح الحداثة ومظاهرها .. سيمكن العرب امتلاك ناصية الحداثة من خلال أقبالهم على التكنولوجية الحداثية .. مع إحتفاظهم بموروثهم الفكري التقليدي .. وهذا منطق واحدي آيديولوجي .. لايصلح في فهم آليات الحداثة .. وقد أثبتت احداث القرنين الماضيين ذلك ، فضلاً عن عجزهم في أستنبات حداثة جوانية .. كون وعيهم الجمعي مبشوماً بمسكنات (( خير أمة أخرجت للناس )) .. في الوقت الذي يقعّد هذا الوعي على واقع مترد والأكثر تخلفاً في العالم .. ناهيك عما تنطلق منه الحداثة الغربية من روح وثابة .. تهاجم الجميع وترغمهم على التعاطي معها شاءوا ذلك أم أبوا .. (( فأشكال الحداثة المنتشرة عبر العالم هي أصداء ومرايا للحداثة )) على حد تعبير د. محمد سبيلا . فالمطلوب من ثقافتنا (( الخصوصية )) أن تتحدث وتتعصرن بحكم تطورها الذاتي واحتكاكها مع الفكر الغربي وأنجازاته العظيمة ذلك (( ان الحداثة ليست نفياً للتراث ، بقدر ماهي قراءته قراءة حية وعصرية ، وكما ان العالمية ليست نفياً للخصوصيات ، بل ممارسة المرء لخصوصيته بصورة خلاقة وخارقة لحدود اللغات والثقافات )) .
· هل ترى ان الأدب يسير باتجاه النص الجامع وليس النص المنغلق على جنسه كما يقول الكاتب ( رزاق ابراهيم حسن ) في حديثه لملحق ادب في جريدة الصباح ؟ وهل ترى ان هذا مبرر للتنوع في كتاباتك بين المقالة والقصة والشعر؟
- ليس من الميسور بعد التطورات التي عرفت بطوفان النهايات التي تشكل مرحلة مفصلية –لافاصلة بين الحداثة وما بعد الحداثة وتيارات العولمة التحدث عن النص المنغلق .. والمعنى الواحد .. اذ ان اشتراطات الطوفان الجديد تقوم على اساس التجاوز والتخطي وتحطيم الحدود وبذلك راحت تتصدع الحدود الفاصلة بين العلم والفلسفة والأدب والفكر .. الخ . لقد اهتم البنيويون بالنص المنغلق المبني على علمنة المعنى وواحديته فيما اكد التفكيكيون على النص المفتوح ولانهائية المعنى وتباهوا بالبينصية التي يعرفها أليوت بقوله : (( أن كل الأدب .. له وجود متزامن ويكون نظاماً متزامناً )) .
يناقش النقد الأدبي النصوص ويقومها حيث يعمد الناقد الى مقاربة النص واضاءته .. بأسلوب فكري كتابي يتيح للقراء المتخصصين وجمهور القراء الآخر .. أن يشاركوا في التجربة الأدبية وهو إذ ينطلق بفهمه النقدي للنصوص من ثلاثة أقانيم : هي الكلام المنطوق (( قول الأديب )) والنص المراوغ (( المسكوت عنه .. الممنوع .. الممتنع ، المقموع ، الرمز ، ما بين السطور )) والقراءة الفاضحة (( الكشف والتفسير والتأويل والتقويل )) . وهو أذ يفعل ذلك قد يقع في مطب التعميم .. لكن لابد من الحذر من الإيغال في الإعمام الذي قد ينتهي الى التقنين للأبداع والذي بدوره قد يبلد ويقولب التجربة الابداعية وهذا ما أنتهت اليه تجربة علمنة الأدب . على الضفة الأخرى يقف (( رولاند بارث )) ليرينا النص بصفته نقطة تقاطع لأكبر عدد من الخبرات الثقافية والتي يريدنا أن نستدل عليها ببراعتنا ونعيد تعريفها على ضوء أستدلالنا وبالطريقة التي نختارها .. ولنا أن نفسرها على وفق ذائقتنا الثقافية . يمتاز النص الأدبي باعتباره حديثاً مجازياً ذا معنى مفتوح بما يأخذه من ميثولوجيا ومايعتوره من تشفير وتلغيز وترميز ، وهتك فاضح للتراتبية الكلامية .. وغوص في الذاتية وتبادل للأدوار بين الأشياء والواقع والتاريخ والأسطورة تلبيساً للمعنى وكسراً لقوالب دلالة المبنى . وقد يكون النقد اشكالياً عندما يقدم المعنى المقنن .. لأنه يدعي لنفسه حق اغلاق المعنى عندما ينفرد في تفسير نص ما رافضاً القبول بامكانيه تفسيرات أخرى .. ناسياً أنه قد يكون عرضة للتعرية والكشف ثانية وهكذا دواليك . وبذلك يكون النص – الأبداعي والنقدي – هو إنزلاق المعنى تحت سلسلة مجازية لعملية التفسير . ان النص الابداعي قد يكون غنياً عن المعنى القار فيه .. بيد انه يدفع الحياة الى حافة المعنى .. بل الى فتح المعنى الى أقصاه .. المعنى الموجود في العالم بما يتضمن من رؤى ذاتية وتعقيد معرفي واجتماعي وسياسي وتمظهر طبيعي .
اذا كانت الحدود بين الفلسفة والعلم والأدب والفن .. باتت تتصدع فما بالك بالحدود بين الأجناس الأدبية .. فمن باب أولى سيرها في طريق الزوال !! . العالم كله يسير نحو التوحد من خلال موجة العولمة الكاسحة .. والعلوم والآداب ليست بمنجى من هذا المآل .. والكاتب الفطن من يدرك ذلك كله ويخوض تجربته التوحيدية في الكتابة بتنوعها الثر .. ولاينتظر شيخوخة التجربة العالمية .
· اين تضع نفسك ككاتب اولاً وكقاص ثانياً في المشهد الثقافي لمحافظة ديالى
- لابد من وجود مسرح .. وحضور جمهور .. حتى نؤسس لمشهد ثقافي اذ مع إنتفائهما وهو الحاصل لايمكن الحديث عن مشهد ثقافي في محافظة ديالى نعم هناك كتاب ومبدعون هذا صحيح لكن نحن نتحدث عن ظاهرة لاعن أفراد .. وهذه الظاهرة حتى تكون حقيقية هي بحاجة الى تعضيد من أطراف عديدة منها الدولة والمجتمع والكتاب أنفسهم من خلال مؤسسات ترعى القدرات الثقافية والكتابية وتشجعها كالمراكز الثقافية ودور النشر ومؤسسات المجتمع المدني وأصدار صحف ومجلات تنبض بقدرات كتّاب المحافظة لاالصحافة الحالية التي يرثى لها .
· ان المتبع لكتاباتك في مختلف الصحف يجد انها تنحصر في ثلاثة محاور هي الحداثة والفلسفة والعولمة .. ما الذي يدفعك لهذا الأتجاه ؟ وهل ترى وجود جامعٍ بين هذه المحاور الثلاثة ؟
- ثمة جذب قوي يشدني الى ميدان الكتابة ذات الطابع الفكري أكثر من ميادين الكتابة باجناس وتلاوين أخرى .. اجدني اكثر انفتاحاً على كتابات للمقاربة بين الفلسفة والعلم والحداثة والعولمة . ذلك ان الفلسفة هي ام العلوم جميعاً .. وان العلم طفق بالظهور كوليد نما من الفلسفة .. كما عند فرانسيس بيكون ( 1561 – 1626)
لقد وضع المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني الفلسفة على قدم المساواة مع النبوة أعلاءً لشأن العقل كما فعل الفلاسفة المسلمون الكبار ، اذ قال : (( ان الجسم الأجتماعي لايحيا بدون روح ، وان روح هذا الجسم هي الملكة النبوية أو الملكة الفلسفية .. أما الأولى فهبة الله .. بينما الثانية تنال بالتفكير والدرس )) .. وحيث أن النبوة خُتمت فان ملكة الفلسفة لاتختم مابقي الانسان وبني العمران .
استطاع الفكر العلمي الحداثي المبني على اساس النظرة الوضعية العقلانية أن يُحيّد الفلسفة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لتزدهر الحداثة بأقانيمها في العلم والحرية والتقدم والأنسنة لكن مع أطلالة القرن العشرين وإشرئباب الفكر الأحتمالي .. وتراجع الفكر الحتمي بشبكاته وسيروراته .. الأمر الذي أثار المزيد من المشكلات ذات البعد الأحتمالي .. التي ترتبت عليها فاعلية النشاط في الفكر الفلسفي ولاسيما في حقل فلسفة العلوم .. بعد التطور الكبير في مضمار العلوم . مايواجه العلم وهو يغوص في الحقائق الجامدة غير المحدودة بل والعصية ، يعد اشكالية في كيفية الربط بين هذه الحقائق الخرس .. مالم يجنح الى أبستيمات ربما لم تكن مادية المبتنيات . انها العودة الى المباديء المجردة / الفلسفة .. هذا المشكل الأبستمولوجي الذي يحقق تفكيكه للانسان توازنه العقلي (( لانه الملح الذي يحافظ على حلاوة الطعام )) . أما الحداثة التي هي خدين العلم فهي (( النمط الكوني الوحيد المعروف الى حد الأن ، لأستدراك التأخر التاريخي فاما الحداثة واما الموت التاريخي )) . ان ما ينبغي التحرر منه هو عملية الأشتغال على التراث بغية أستعادته وفق منزع تاريخي أثني كما يفعل الأصوليون ، كما ينبغي التحرر من النظرة الى الحداثة بصفتها حقائق متعالية تسبقنا بقرون كما يرى أصحاب الأغتراب . هذا التحرر يتطلب رؤى جديدة للتعامل مع ( الحداثة الفكرية ) بالاشتغال عليها من خلال النظر الى الزمكان بوصفه أبنية تاريخية وأطراً ثقافية ، قابلة للزحزحة والتفكيك وأعادة التشكيل واعادة الأنتاج والابداع بفهم أنطولوجي .. ان الحداثة هي ما نبتكره من افكار وما نصنعه من حقائق .. تطور أفكارنا وأذهاننا وتنعكس على واقعنا وتدفعه باتجاه المستقبل .. وليست الحداثة الفكرية مجرد حقائق .. نعمل جهدنا وعقلنا بغية البحث عنها لأدراك كنهها .
ان طوفان العولمة العاتي يعكس أزمة الحداثة من جهة ويظهر التحول الدوري المستمر في بنيات الحداثة من جهة أخرى .. ويرمي الى نقد فكري يطال المفاهيم والثوابت بالأخص أقانيم الحداثة .. وبذلك لم يعد نقد الحداثة نكوصاً عن العقل وأطفاء لاشعاعات التنوير (( بقدرما هو انفتاح على المستبعد واللامعقول أو على المتغير والمجهول ، أي على كل ما نفته الحداثة من فضائها ، وجعلها تستنفد نفسها أو تبلغ مأزقها أو تشهد أنفجاراتها )) كما يقول علي حرب .
لكل ما ذكر تعد الكتابة في هذه المضامير مسألة مصيرية لمجتمعاتنا سيما وأن العالم مسير بقوة هذه الأقانيم : الفلسفة ، الحداثة ، العولمة المبنية على العلم .. من أمتلك ناصيتها تسيّد الكون ، ومن أفتقر لها كما هو حال العالم الثالث عاش تابعاً ذليلاً .



شهـــــــــــــــــــادات
1
تعرفت على الأستاذ ضمد كاظم وسمي في اوائل التسعينيات ، حين عيّن مديراً للاعدادية التي أدرّس فيها .
ومنذ البدء توطدت علاقتنا نتيجة الهواجس المشتركة بيننا ولاسيما في مجال الثقافة . وكان الرجل قارئاً ممتازاً لأمهات كتب التراث العربي ، وأحسب أنني شجعته على التوسع في قراءة الكتب المعاصرة ذات المضامين الفكرية الحديثة والتي تنظر الى تاريخ الأمة وتراثها على وفق منهجيات جديدة . وفي فترة قصيرة استطاع أن يستوعب الاتجاهات الفكرية الكبيرة كالبنيوية والتفكيكية وغيرها . وان يكتب مقالات حولهما . سواء في حقل الأدب ، أو الحقل السياسي والثقافي بشكل عام وتجلت قدراته ومواهبه عبر عشرات المقالات والدراسات التي نشرتها له الصحف والدوريات العراقية المهمة خلال السنين الأخيرة .
ما أنتظره من الأستاذ ضمد هو الدخول في حقل النقد التطبيقي للأعمال الأدبية المعاصرة بعدما أمتلك عدّته المنهجية وآليات التحليل التي ستعينه لاشك في عمله ، ولاسيما أن له رؤيته وحساسيته النقدية الثاقبة .
سعد محمد رحيم
2
الكتابة في الفكر مسألة صعبة ، والكتابة في الفكر الحداثي مسألة أصعب .. لأنها لاتحتاج لمجرد موهبة الكتابة ، انها تحتاج لخزين من المعرفة .. وليست أية معرفة وثقافة بحد ذاتها .. انها تحتاج لبحر من القراءة والوعي والاستيعاب المعرفي لفلسفة العصور كلها .. وهذا لايأتي من الفراغ .. بل عن تجربة .. تجربة عمر قرائي متابع ومتعمق لحركة الحداثة .
وبعيداً عن الزَمالة .. وجدتُ الأستاذ ضمد كاظم وسمي صاحب قلم متميز يُجيد كتابة الفكر . وحقيقة .. ذكاء منه أن أتخذ هذا النهج الصعب في الكتابة .
كُليزار أنور
3
محكٌ عصيب فكرنا العربي ، والجدل فيه غالباً مايصل الى هدر في الجهد ، وهدر في الوقت ، فإما إضافة تعطي موقع كاتبها لقارئه ، وإما هذيان تكررت قضاياه يؤدي الى النفور ، وغالباً ماتكون الكتابة في الفكر غير المدجن كأنها خارج المتون غير معترف بها ، فتتطلب على الدوام من كاتبها ان يحقق اجتهاده فيما يكتب ، من بعد ان تلاقت الحضارات وصار تبادل العلم عبر أقل من الثانية ، وصارت العلوم تتخصص في أدق المفردات الحياتية ، فلابد للكاتب ان يكون حاضراً عصره ، وعارفاً بماضيه ..كان مني ان أشيد بما قرأته للكاتب ( ضمد كاظم وسمي) فقد قرأت معظم ما نشره في جريدة الزمان الغراء ، بحق كان مثمراً وعهدته قلماً مثابرا يستحق التحية ، لأنه يهم المثقف المعاصر .
محمد الأحمد
4
يعد الأستاذ ( ضمد ) واحد من أهم الكتاب في هذه المرحلة التي تؤرخ للعديد من الأحداث . هذا الأستاذ الكاتب يجعلك مهتم لما يواضب عليه من كتابة واستمرار في الكتابة والألتزام الواضح بكل جوانب العملية الفنية لهذه المهنة المتعبة . في الحقيقة لم يكن لي أدنى معرفة بهذا الشخص من قبل ولكن من خلال متابعتي لمجموعة من كتاباته جعلتني أصر على التعرف اليه ومحاولة التقرب الى هذه الشخصية المتواضعة الجميلة وجدته أكثر مما ينبغي التزاماً بعملية النشر وفي أغلب الصحف اليومية أو الأسبوعية . ولهذا تأثير على عملية الأنتشار ورسوخ الأسم عند المتلقي .
مثنى البهرزي


 Posted by Picasa

٠٣‏/٠٣‏/٢٠٠٦




نص وقراءة

زمن بحجم الأفق
أقصوصة بقلم: محمد الأحمد

ذات صباح ما، وفي مكان ما. نهض من فراشه الوثير، إذ خنقهُ العرق المتصبب من جبهته بعد أن سالت قطراته وصارت في أنفه، حدق في الأفق من خلال زجاج النافذة التي تكثف ما تقاطر من أنفاسه الليلية على زجاجها، ولم ير شيئاً، فمسح بإصبعيه خطاً لسعه بهما برد سطحها النظيف، وودّ لو يضع خدّه عليه لتسري إلى جسده تلك اللذة ، ولكنه قبل أن يقرب خده نظر إلى خط الإصبع المتوازي مع خط الأفق، وراح يقهقه بجنون كمتعجب غير مقتنع هازا رأسه كحمار يشم رائحة أنثاه ، فنظر إلى إصبعه الغليظ وقال:
- إصبعي بحجم الأفق فكيف لو نظروا إلى كلي؟
قرّب إصبعه من إحدى عينيه مغمضا الأخرى، وهو يعيد ما قاله لنفسه متعجباً، وراح يقرب كفه إلى عينيه بين لحظة وأخرى مدندناً أغنيته بحزن:-
- كل شيء بحجم الأفق حتى إبريق الشاي.. كلما المسه يكون حجمه الأفق!.
تناول مفكاً وقرر إصلاح علبة السردين النائمة في رفّ منسي من المطبخ، بعد أن هرب منها السمك إلى جهة القمامة، وراح يتأمل وزغاً على الجدار، ودنا منه وقال بصوت عال لأجل أن يفزعه.
- حتى أنت أيها الديناصور أصبحت بحجم الأفق.


قراءة: بلاسم الضاحي

سأحاول قراءة هذا النص قراءة تأويلية منطلقة من رؤية ذاتية ناتجة كرد فعل لفعل النص فأقول :
العنوان ( زمن بحجم الأفق ) ، زمن + حجم ( شكل ) + أفق ( مكان ) .
وسانطلق من هذه الأسئلة :
هل للزمن شكل يقاس بوحدة الحجوم ؟ هل الزمن بعد فيزيائي ام بعد جغرافي ؟ هل يمكن ان نقيس المسافة بين نقطتين بوحدات الزمن فنقول مثلا البعد بين ( س ) و ( ص ) = كذا سنة ضوئية ؟ هل هناك تداخل بين المسافات ( الأبعاد ) الجغرافية وبين الأزمان الفيزيائية؟
من هذا نخرج الى ان التمازج او التداخل الذي أحدثه الناص مابين فيزيائية الزمن وجغرافية الشكل كان موفقا ولم يحدث خللا في انتاج معنى المعنى من خلال التركيب اللغوي لجملة العنوان بتحديد زمن اللحظة المقتنصة التي انتجت الحكاية، البعد بين النقطتين ( س ) الناص الواقف في مكان ما، و( ص ) نهاية الأفق ، اذن هذه المسافة هي بقدر زمن القص.
صياغة وتركيب جملة العنوان والتي تبدو غريبة للوهلة الأولى سرعان ما تفصح عن قدرة خالقها بعد ان تفكك رموزها ووحداتها اللغوية وإعادة تركيبها بما يوازي تأويلها الشعري المخلق الذي نجح القاص بتوظيف غرائبيته على ( الواقع ) وابداعه على ( المتخيّل ) من هنا من هذا الصرح المرتفع ننزلق نحوقراءة منخفض المتن اذ نفاجأ بجملة بحاجة الى اعادة تأليف لتنسجم مع قوة ( العتبة ) او( ثريا النص ) يقول الناص في جملة الأفتتاح ( ذات صباح ما ) لم اجد فيها استساغة ذوقية الأفضل لو قال ( ذات صباح ) أو ( في صباح ما ) لأستقامت انسيابية الجريان من قمة العنوان الى منخفض المتن لا العكس كما استدركها في جملته التالية ( في مكان ما ) .
ولو استخدم مفردة ( عبر ) بدلا من مفردة ( خلال ) التي وردت في ( حدق في الأفق من خلال زجاج النافذة ) لأستقام المعنى وانتشت الذائقة .
يطالعنا النص بوصف غريب آخر ( أنفاسه الليلية ) الذي لم يوفق بلصق الصفة الليلية الى الأنفاس لعدم انسجامها مع النسق العام لوحدات هذا النص اذلم نجد ان هناك انفاس ليلية تختلف في تخلقها مع انفاس نهارية مثلا ولا ادري ماذا قصد بها الناص فكان عليه ان يبحث عن صفة اخرى للأنفاس ليقارب بينها وبين القصد في النسق القصصي العام كأن يقول ( انفاسه الرطبة ) أو ما شاكل ذلك لحاجة القص الى انفاس تطلق زفيرا بخاريا يترك أثرا على زجاج النافذة ليستثمره في رسم الشكل الذي انهى به قصته .
وفي مقاربة جميلة بين تكوينات واشكال شخوص القص في دائرية الأفق ودائرية شكل ابريق الشاي ودائرية الفم الذي ينفث بخارا يؤدي الى عتمة الزجاج والى اسطوانية الأصبع الذي يشكل ما يشبه ( ) اثناء خطه على الزجاج المبخّر راسما شكلا يشبه ( ) الذي ينهي عنده الحكاية كذلك دائرية علبة السردين التي تحتوي على كائنات زلقه ( السمك ) والتي شكلت مع مكونات المشهد القصصي زمنية القص ولحظويته وحكائيته اثناء تامل الناص لذلك الأفق .
الموضوع لطيف ، التقاطه من زاوية ذكية مفتوحة الجهات تتيح لقانصها مساحات واسعة من التحرك داخل المشهد لتقول اشياء مكثفة لو استثمرها القاص بروية وتأني وبتفصيلية دقيقة في رسم المشهد تخيليا لأمتعنا بحكاية جميلة في زمن مضغوط .
اخفق القاص بايجاد نهاية توازي اهمية الحدث المقصوص لخلوها من الدهشة والغرائبية الموازية لما يقص اتمنى على الأحمد ان يعيد كتابة هذه القصة بتأني وروية واعترف اني قرأت نصا جميلا وممتعا لكنه بحاجة الى صياغة حرفية جديدة .

mu29@hotmail.com