أسرار الإبــداع
محمد الأحمد
المبدع هو أفضل من يجيد التحدث عن نتاجه، وأدرى كأهل مكة بشعابها، و لا غيره يدرك أبعاده. حيث يلتفُّ القلم على الأصابع، ويكون له تلمسها، أو يكون له تحسسها، أناء الكتابة. وعندما يقرأ الكاتب ما كتبه قبل عشر سنوات، تحضرهُ الرائحة تلك، وذاك الضوء بكل ظرفه، بكل الأشياء التي كانت بموضعها يتذكر الدقائق الصغيرة، وارتباطها بتفاصيل أخرى لا يلتقطها قارئ آخر، حتى و أن تكررت القراءة آلاف المرات. المبدع يتذكر المكان كله.. كما يعاد مشهد سينمي على جدار ذاكرته، بكل ما فيه من تداخلات، و ألوان، ومقاصد، وكلما يعيد قراءة إبداعه يكون غير راض عن نفسه- ليس تواضعاً، إنما المكتوب الذي نزل على الورق غير متكافئ مع المتخيل الكامل ساعة قرار بدء الكتابة.. يضطرب في الدقة التي ينحني لها إجلالا كلما يراها بكتابة الذين سبقوه، اوعلموه، وحركوا فيه الأشياء الراكدة الأكثر تماساً بالحقيقة التي لا يكون دونها موجوداً.. يتحسس النقص بكامل ظرفه الزماني، والمكاني ويكون غير مقتنعاً بمنجزه قياساً للذي حدث، فالكاتب الذي تعلم من التجربة والمراس يكون النقص شاخصاً على الدوام أمام عينيه، ويشعر به كجرحٍ غائر، لا يهدأ له بال ما لم يضع علاجه الناجع بكتابة أخرى، ليعمل على التخلص من العيب الذي أرقه، ولكنه قطعاً يجد نفسه قد وقع في عيب آخر يُمني نفسه أن يتجاوزه في نتاجه الثالث،والرابع، وهكذا :- الإبداع هو تواصل القلق المشروع الذي يعرفه القاصي والداني من المبدعين، وغالباً ما لا يشكل عند الآخر الذي لا ينتمي إلى إبداعه. وإبداعه الذي يدعيه من جهد غيره لن ينتمي إليه أبدا، كلاهما ينفر من الاخر، ومنفصلان عن بعض.. بل الكتابة تعلن عن اسم كاتبها وانتمائها الحقيقي الذي لن يغيب طويلا كونها منتمية لكاتبها بكل ما فيها من صياغة وتركيب:- سواء في الكلمة أو موقعها من الجملة، ولا يتشابه أحد مع أحد حتى وان أجاد المنتحل التقليد، فالمكتوب هو تاريخ المبدع بكل تفاصيله مهما حّرف المنتحل به وأن يلبس ثوباً غير ثوبه، ومهما بدل من العناوين فالسرقة أن لم تفضح الان، ومهما تأخرت فإنها لن تدم طويلا، لان المنتحل يجد ضالته أمام المنجز الذي نسبه إلى نفسه، وان هذا الدم الذي يدعيه ليس منه، و تفاخره لن يدوم طويلا وستعود إلى الذي بعطاء متواصل يثبت أقدامه، وبعطاء هزيل يزيل ما يطمح !.
[1] محمد الأحمد كاتب عراقي (يفتخر بأنه لم يكتب لصدام المنحل) اصدر الكتب التالية:
* جمرة قرار ابيض (قصص)* حركة الحيطان المتراصة (رواية)* أربع و أربعون متوالية (قصص)* بعد الجمر ..قبل الرماد (قصص)* ما بين الحب والحب (قصص)* يستحق القراءة (نقد) معد للنشر- مقالات في تحسس الأدب الجديد
المبدع هو أفضل من يجيد التحدث عن نتاجه، وأدرى كأهل مكة بشعابها، و لا غيره يدرك أبعاده. حيث يلتفُّ القلم على الأصابع، ويكون له تلمسها، أو يكون له تحسسها، أناء الكتابة. وعندما يقرأ الكاتب ما كتبه قبل عشر سنوات، تحضرهُ الرائحة تلك، وذاك الضوء بكل ظرفه، بكل الأشياء التي كانت بموضعها يتذكر الدقائق الصغيرة، وارتباطها بتفاصيل أخرى لا يلتقطها قارئ آخر، حتى و أن تكررت القراءة آلاف المرات. المبدع يتذكر المكان كله.. كما يعاد مشهد سينمي على جدار ذاكرته، بكل ما فيه من تداخلات، و ألوان، ومقاصد، وكلما يعيد قراءة إبداعه يكون غير راض عن نفسه- ليس تواضعاً، إنما المكتوب الذي نزل على الورق غير متكافئ مع المتخيل الكامل ساعة قرار بدء الكتابة.. يضطرب في الدقة التي ينحني لها إجلالا كلما يراها بكتابة الذين سبقوه، اوعلموه، وحركوا فيه الأشياء الراكدة الأكثر تماساً بالحقيقة التي لا يكون دونها موجوداً.. يتحسس النقص بكامل ظرفه الزماني، والمكاني ويكون غير مقتنعاً بمنجزه قياساً للذي حدث، فالكاتب الذي تعلم من التجربة والمراس يكون النقص شاخصاً على الدوام أمام عينيه، ويشعر به كجرحٍ غائر، لا يهدأ له بال ما لم يضع علاجه الناجع بكتابة أخرى، ليعمل على التخلص من العيب الذي أرقه، ولكنه قطعاً يجد نفسه قد وقع في عيب آخر يُمني نفسه أن يتجاوزه في نتاجه الثالث،والرابع، وهكذا :- الإبداع هو تواصل القلق المشروع الذي يعرفه القاصي والداني من المبدعين، وغالباً ما لا يشكل عند الآخر الذي لا ينتمي إلى إبداعه. وإبداعه الذي يدعيه من جهد غيره لن ينتمي إليه أبدا، كلاهما ينفر من الاخر، ومنفصلان عن بعض.. بل الكتابة تعلن عن اسم كاتبها وانتمائها الحقيقي الذي لن يغيب طويلا كونها منتمية لكاتبها بكل ما فيها من صياغة وتركيب:- سواء في الكلمة أو موقعها من الجملة، ولا يتشابه أحد مع أحد حتى وان أجاد المنتحل التقليد، فالمكتوب هو تاريخ المبدع بكل تفاصيله مهما حّرف المنتحل به وأن يلبس ثوباً غير ثوبه، ومهما بدل من العناوين فالسرقة أن لم تفضح الان، ومهما تأخرت فإنها لن تدم طويلا، لان المنتحل يجد ضالته أمام المنجز الذي نسبه إلى نفسه، وان هذا الدم الذي يدعيه ليس منه، و تفاخره لن يدوم طويلا وستعود إلى الذي بعطاء متواصل يثبت أقدامه، وبعطاء هزيل يزيل ما يطمح !.
[1] محمد الأحمد كاتب عراقي (يفتخر بأنه لم يكتب لصدام المنحل) اصدر الكتب التالية:
* جمرة قرار ابيض (قصص)* حركة الحيطان المتراصة (رواية)* أربع و أربعون متوالية (قصص)* بعد الجمر ..قبل الرماد (قصص)* ما بين الحب والحب (قصص)* يستحق القراءة (نقد) معد للنشر- مقالات في تحسس الأدب الجديد