١٧‏/١٠‏/٢٠٠٦

اورهان باموك ونوبل 2006
محمد الأحمد

يُعد الروائي التركي (اورهان باموك) المولود في اسطنبول عام 1952 الفائز بجائزة نوبل للآداب لعام 2006. من أكثر الروائيين الذين اثأروا جدلا في بلدانهم، كونه خرج عن سلطة رقيبها، وبقي متعرضاً إلى ضغوطات ومحاكم قضائية في بلده، بسبب مناصرته لما يراه حقائق وقعت، ولا يمكن التغاضي عنها؛ وهو من كافح كثيرا حتى أعطى نموذجاً حقيقيا واعيا في كشف حركة التاريخ، ولم ينزل عند رغبة المنتصر الذي لا يرى بداً إلا أن يُكتب التاريخ وفق هواه، فالكتابة الإبداعية تكسر الأكاذيب المغلفة بالزهو، ولا تعترف بالحدود والخطوط المرسومة سلفاً، ودائما تقف لوحدها مواجهة للسلطة، بثبات، ترفض الطمس. وقد لخص تقرير الأكاديمية السويدية أسباب فوزه: (قد اكتشف رموز جديدة لتصادم وترابط الحضارات خلال بحثه عن روح بلدته (اسطنبول)، ومضى التقرير إلى القول (إنه انتقل بمرور الزمن من الجو العائلي العثماني التقليدي إلى نمط حياة متأثراً بالغرب)، كانت نـشأته في مدينة اسطنبول، من عائلة برجوازية اغلب رموزها تتلمذت في فرنسا، وتابع دراساته في الهندسة قبل أن ينتقل من الرسم المعماري إلى الصحافة، ومنها إلى التخصص في كتابة الرواية، وقد حاز على جوائز أدبية عديدة في تركيا وخارجها. وقد ترجمت أعماله إلى ما يزيد عن 30 لغة، من بينها العربية: في العام 1979 كتب روايته (العتمة والنور)، ونال بها على جائزة صحيفة (ميللييت) للرواية. في العام 1982 كتب روايته الشهيرة (جودت بك وأبناؤه) التي تروي قصة ثلاثة أجيال من عائلة اسطنبولية غنية وتعيش في نشان طاش. بعدها رواية (المنزل الصامت) ونال عليها بعد أن ترجمتها إلى الفرنسية جائزة (الاكتشاف الأوروبي) الفرنسية عام 1991، ومن أعماله رواية (أسمي أحمر)، ورواية (الكتاب الأسود)، ورواية (القلعة البيضاء)، واعتبرت رواية (ثلج) كأفضل مطبوع غير أمريكي في عام 2004. وسبق له أن حصل على جائزة السلام الألمانية بسب (موقف (اورهان باموك) الشجاع من الماضي التركي وصفحاته المظلمة)، كحال الفيلسوف (يورغن هابرماس) والروائي (مارتين فالزر) والكاتبة الجزائرية (آسيا جبار) والأمريكية (سوزان سونتاج) والروائي البيروني (ماريو بارغاس يوسا). كما انه حاصل أيضا على جائزة (ميديكس) للأدب الأجنبي في فرنسا، الجائزة الرفيعة التي تعطى لمن يتناولون في أدبهم قضايا التلاقح الثقافي. في العام 1994 نشر واحدا من أكثر الكتب قراءة في الأدب التركي الحديث: (الحياة الجديدة) عن حياة الشبان الجامعيين. وجائزة (grinzane Cavour) الإيطالية عام 2002 وأخرى ايرلندية عام 2003. لقد كتب (اورهان باموك) العديد من المقالات التي ناصرت حقوق الإنسان، وشغفت بالحضارة والعقل الغربي، وبناء وأسلوب الرواية الغربية يوازي شغفه بالتراث الشرقي، وهو بمثابة الابن البار لانصهار واندماج وتمام الحضارات والثقافات حيث سطوع القيم الرفيعة، لتتربع على قمة المبادئ الحضارية، التسامح، والرقي بالإنسانية، والاستنارة بالرأي الآخر. وقد ناصر (اورهان باموك) عدم إباحة دم الكاتب الهندي الأصل (سلمان رشدي) بعد صدور روايته الذائعة الشهرة (آيات شيطانية)، والى جانب مواطنه الكاتب الأشهر (يشار كمال) عندما رفعت ضده دعوى قضائية عام 1995م (كشف الوجه غير المقبول لرمز تركيا كمال أتاتورك)، وبقي يقول بأن الأدب وحده هو الذي يستطيع أن يقدم صورة صادقة عن المجتمع، ودائما تمتلك الأمم خزين فني بقدر تحضرها، وتواصل حضاراتها؛ كما الفرق بين الشرق والغرب عبر مسيرة الفن التشكيلي، ففي (رواية اسمي احمر) نجد فناني المنمنمات العثمانية التقليديين يرفضون رسم وجوه الرموز الدينية، كما كان هناك رسامو مدرسة البندقية الإيطالية الذين وقفوا إلى الجانب الآخر من هذه الفكرة. وقد حظي بشهرة عالمية كبيرة، وباتت أعماله الروائية تحصد نسبة مبيعات هائلة في تركيا، وتتجاوز ربع مليون نسخة، وعلى الرغم من انه لم يكن بشهرة مواطنيه العظام (ناظم حكمت) أو شيخ الرواية التركية (يشار كمال) ولا (عزيز نسين)، ولا (فاضل داغلرجه)، عميد الشعر التركي المعاصر، ولكن تطرفه بالرأي رفعه إلى واجهة الصدارة؛ حدّ انه أعلن ذات يوم من منبر شهير: -(بان العلاقات التركية الأرمينية ترجع في جذورها إلى مطلع القرن السادس عشر، عندما نجح الأتراك العثمانيون في ضم بلاد ما بين النهرين، و أرمينيا ومعظم المناطق العربية في آسيا، وأفريقيا إلى إمبراطوريتهم. ورغم طول الفترة التي عاشها الأرمن تحت سيادة الدولة العثمانية، إلا أن الحديث عن أزمة الأرمن مع النظام الحاكم بدأت مع أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهى الفترة التي شهدت تنامي الحركات القومية في أوروبا و تسابق الدول الاستعمارية على تركه، رجل أوروبا المريض - تركيا- وعندما تفجرت شرارة الحرب العالمية الأولى في العام 1914م اختارت تركيا الانضمام للمعسكر الألماني، فيما انضمت روسيا للمعسكر الأنجلو فرنسي، الأمر الذي جعل تركيا وجهاً لوجه مع روسيا. ونظراً لأن منطقة الأناضول التي تسكنها أعداد كبيرة من الأرمن، كانت إحدى الجبهات التي كانت مسرحاً للحرب بين الدولتين، فأمنت تركيا بتهجير أعداد كبيرة من الأرمن إلى سوريا، ولبنان، والموصل، خشية انضمام الأرمن إلى الروس في الحرب. إلا أن عمليات التهجير هذه صاحبها مقتل أعداد كبيرة من الأرمن، بعضهم على يد الأهالي والآخر على يد الجيوش العثمانية، وبعضهم الآخر بسبب الجوع والعطش. ولا يتركز خلاف الأتراك مع الأرمن حول حدوث عمليات القتل، ولكنه يتعدى ذلك إلى تحديد عدد الأرمن الذين لقوا حتفهم، هل هم مليون ونصف كما يقول الأرمن، أو أقل من ذلك بكثير كما يقول الأتراك، وهل هو عملية تطهير عرقي، أو ضحايا صراع طائفي، ونفت تركيا هذه المزاعم وحدوث مذبحة، لذا فإن تركيا ترى أن الاعتراف بحدوث مذبحة للأرمن- كما يطالب الإتحاد الأوروبي كشرط من شروط انضمام تركيا للإتحاد - من شأنه أن تترتب عليه تبعات مادية كبيرة، حيث يعزر مطالب أرمينيا لصرف تعويضات مالية، وإرجاع أقاليم منحت لأرمينيا العام 1919م، وأعيد الاستيلاء عليها عندما وقعت أرمينيا في أيدي القوات السوفيتية). وانه أضاف في مقابلة مع صحيفة (تاغيس أنتسايغر) السويسرية قال (أنه تم قتل 30 ألف كردي في تركيا، ومليون من الأرمن. ولكن ليس لدى أحد الجرأة على ذكر ذلك)، وقد كلفته شجاعة القول بسبب هذه التصريحات حيث أقامت الدنيا، ولم تقعدها في تركيا، وأثارت حفيظة (القومويين) الذين مارسوا ضغطاً كبيراً على الرأي العام، فاستجابت له النيابة العامة ورفعت قضية ضد الكاتب بتهمة (تحقير الأمة التركية) و(الإساءة إلى هويتها)، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى السجن مدة ثلاثة أعوام. ولم يثن الضغط عزمه، بل بقي يحاجج بـ(أن مفهوم صراع الحضارات ترسيخ لصدام الجهالات)، وان المثقف غير الصاغر لقوالب الرقابة يمثل نموذجا حيا لما تعانيه الثقافة في العالم من اضطهاد، وعدم إيمان من قبل حكوماتهم بحرية الرأي والكلمة، وأدتْ تصريحاته إلى حالة من الغضب العارم اجتاحت الأصوليين الأتراك والعسكريين والعلمانيين بسبب ما ورد في أحدث رواياته (ثلج)، و(اورهان باموك) مولع بإعادة كتابة التاريخ، ونبش الماضي مهما كانت درجة كثافته، فمن مذابح الأرمن المروعة إلى كشف عورات المسكوت عنه في بلاده، فبقي يوغل في تعرية المجتمع الذي نهشه الفقر، والبؤس والازدواجية:-(وطن يعيش مأساة التناقض السافر بين الرغبة في اللحاق بالحضارة الأوروبية والانضمام إليها وبين الخوف من فقدان الهوية الشرقية). لقد كتب بواقعية كل ما طالتهُ يديه، وقد قالوا عنه كبار النقاد بان (اورهان باموك)، الكاتب الجديد الذي جاء ليعلمنا فن كتابة الرواية الحقيقية.



‏12‏ تشرين الأول‏، 2006
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: