١٠/٠٨/٢٠٠٦
قراءة في عالم محمد أركون
اشواق عباس
07 يوليو 2005
“التخطي الدائم و المستمر للحدود” ربما كانت أفضل عبارة يمكن الاستعانة بها لوصف حياة ونشاطات المفكر الكبير محمد أركون .الذي أصبح رمزاً للتجديد والتثوير في التفكير العربي الإسلامي.نظرته الأساسية لما هو قائم اليوم تقوم على الفصل بين المجال السياسي والديني وضرورة إقامة الحوار بين الشرق والغرب و إقامة نظام الحكم الديمقراطي وحركة الأنْسَنَة “الهيومانزم” العربية الإسلامية.
ولد محمد أركون عام 1928 في الجزائر من أصل بربري أتم دراساته الجامعية في جامعة السوربون في باريس ، وفي عام 1968 عين كأستاذ لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في السوربون، و عمل كذلك في برلين كباحثً زائراً في ألـ Wissenschaftskolleg في العام الأكاديمي 1986/1987 .
ابرز ما يميز نشاطاته و أبحاثه العلمية هو تخطيه المستمر للحدود المفروضة عليه ، و المتابع لما قدمه محمد أركون ابتداء من أول دراسة له عن الفيلسوف مسكويه و حتى دراساته الأخيرة يجده مشغولاً بتطوير منهجه العلمي الذي يمكن لنا القول انه يقوم على أساسان الأول هو نظرية المعرفة العلمية أو Epistemologie و التي يحاول من خلالها ( في نطاق الدراسات الإسلامية) تطبيق كل ما هو متوفر من نظريات العلوم الإنسانية في وقتنا الحاضر.
والأساسي الثاني بجانب نظرية المعرفة العلمية والذي يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً فهو النقد ، حيث ينتقد مثلاً نهج الدراسات الإسلامية التقليدية لدى المستشرقين التي تعتمد على التفريق الجوهري الدائم بين الشرق والغرب كما و ينتقد كذلك الكثير من مشاريع المفكرين العرب المسلمين التي ترى بأن إعادة الصيغ القديمة كافية للتوصل إلى المعرفة العلمية.وكلمة النقد هنا لا تعني المفهوم الدال على الفكر المنصف غير المنحاز لكنها تستعمل بكل ما تحتوي عليه من مدلول النقد الثلاثي لدى Kant ( في نقد العقل الخالص “المحض” أو في نقد العقل العملي أو نقد ملكة الحكم “نقد الحاكمة” ) و التي تعتبر من أشهر نظريات النقد الفلسفية في العصر الحاضر. وفي واحد من أهم مؤلفاته يستعين محمد أركون بـ Kant حيث يعنون كتابه كالآتي : في نقد الفكر الإسلامي.
إن القارئ لما وضعه محمد أركون سيثير انتباه التشابه الموجود بينه و بين ابن رشد فكلاهما جمعهما طريق واحد ألا وهو البحث دون كلل عن الحقيقة والمعرفة العلمية عن طريق استخدام الأساليب العلمية الحديثة كل في عصره.و هنا لا بد من الإشارة إلى أن كل منهما اعتمد منهج مختلف عن الأخر في الوصول إلى ما جمعهما ، فابن رشد اعتمد منهج الأرسطوطاليسية بشكل أساسي لدراسة العلوم الفلسفية و الذي لم يكن يعتبر فيها الخبير الأول في هذا المجال في العالم العربي فقط بل يعتبر فيها الخبير الأول على الصعيد العالمي في القرن الثاني عشر بعد الميلاد
أما محمد أركون فقد اعتمد في كتاباته ودراساته عن الدين الإسلامي والتاريخ والحضارة الإسلامية دون وجل على كتّاب أجانب مثل Pierre Bourdieu , Jaccques Derrida , Hans-Georg Gadamer , Paul Ricoeur ,Karl Marx und Clifford Geertz . وهؤلاء المفكرين هم فلاسفة عصر الحداثة مثلما كان الأرسطوطاليون والأفلاطونيون فلاسفة العصور الوسطى. ومن الطبيعي أن يتعرض هؤلاء المفكرون المعاصرون أيضاً للنقد كذلك، فقد استعان واستعمل وقيّم كثيرا من الوافد في كتاباته مما أدى إلى لومه خاصّة من قِبَلِ زملائه العرب والمسلمين . و من الأفكار الأساسية التي يمكن استنتاجها من كتابات أركون:
أولا : هو انه ليس بالإمكان عزل الثقافة الإسلامية والتاريخ والدين عن الحداثة بواسطة جدار رقابة علمية. وجدار الرقابة هذا لا يمكن أن يكون في مصلحة المسلمين، بل بالعكس فإن ذلك يعني ضمناً أنهم غير قادرين على المضي مع حقائق العصر (Moderne) وأن لا قدرة لديهم في مماشاة حقيقة الواقع الحاضر. و هنا يعكس لنا أركون موقف استشراقي سلبي في الأساس كما حلله إدوارد سعيد في كتابه الإستشراق . و كما اسماه المفكر صادق جلال العظم بـ ” ظاهرة الإستشراق المعكوسة”Spiegelbild-Orientalism أي أنها صورة للموقف الاستشراقي. إنّ النظرية الاستشراقية كانت تنظر إلى المسلمين على أنهم مختلفون عن الأوروبيين اختلافاّ تاماً، لذلك لا يمكن إدراك طبيعتهم بالشكل المنطقي. وهكذا يمكن أن تُعكس الصورة. وليس القليل من المفكرين العرب يعتقد أن الأوروبيين لا يمكنهم إدراك ما يدور في فكرهم، وهذه هي تماماً الصورة المعكوسة للاستشراق.
ثانيا : مصطلح Ungedachten “اللامفكر فيه” و الذي يلعب دورا هاما في مؤلفات أركون. و الذي ينطلق فيه من أنه و بحكم اللغة فإن أي نظام فكري توجد فيه انقطاعات ونواقص. أركون هنا يستعار المصطلح من جاك ديريدا ليبحث من خلاله في محدودية مركزية العقل في البحث العلمي لأسباب لغوية، وذلك يعني أن كل معرفة علمية لا يمكن أن تتوفر إلا بواسطة وسيط أي لغة، لذلك فإنها إلى حدٍ ما معتمدة على تلك اللغة. و من هنا تأتي إمكانية التلاعب السياسي طالما أن هناك أمر لا مفكر فيه وغير مذكور.و هو ما يؤسس للفكرة الأكثر خطورة هنا و هي أن كل فكرة أو عقيدة يمكن أن تتحول إلى ايدولوجيا.و هو ما شرحه أركون بوضوح في كتابه “اللامفكر فيه” .
محمد أركون لا يُقرأ اليوم في الدول العربي فقط ( رغم العقبات التي وجدت عربيا في البداية في قراءة كتبه المترجمة في اغلبها عن الفرنسية ) بل و يقرا أوروبا والولايات المتحدة و هو حاضر في الخطاب الإسلامي الفكري من اندونيسيا مرورا بماليزيا ثم جنوب إفريقيا ومصر حتى المغرب.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق