٢٨‏/٠٨‏/٢٠٠٦

هيمنة
إنتاج المعنى وستراتيجية الحفر في التراث
عامر عبد زيد



تعد القراءة سلطة تمارس هيمنتها على المقروء ، وتبحث عما تصبو اليه فهي تكتشف جوانب غير منكرة بها ، وبذلك فهي تحقق اضافة وتشف بشيء جديد ، وقد تخالف ما اعتادت الاذهان عليه ، وهذا يعود الى المواجهات التي تخضع لها القراءة من منهج ورؤية ينضويان تحت اشكالية تبحث عن حلول ، وبذلك فهي الثاوي وراء القارئ الذي ينطلق منها صوب المقروء .
فهي يجب ان تسعى الى تجاوز عوائق القراءات الأخرى القائمة على التوحيد بين الفكر والدين عبر الغاء المسافات بين الذات والموضوع حتى يصبح ما تقدمه من تفسير يقوم على رد كل الظواهر الى مبدأ اولي يستوى في ذلك الظواهر الاجتماعية او الطبيعية او تعمل بالاعتماد على سطلة التراث وتحويل النصوص التراثية الثانوية الى نصوص اولية تتمتع بقدر هائل من القداسة لا يقل عن النصوص الاصلية ، مضافاً إلى هذا ذلك النمط من التفكير الجامد المتمركز حول الانا ولا يرتضي أي خلاف فكري الا اذا كان في الفروع دون الاصول هادرا البعد التاريخي عبر تجاهله ويتجلى ذلك عبر مقولة (الاصل) .
ومن هنــا فـان القراءة لابد ان تكون خاضعة للثوابت تبتعد عن استنطاق المقروء لانها مرتبطة بحدود المقروء وعاملة على كشف الظروف والملابسات الاجتماعية والتاريخية التي اثرت في تكوين المقروء عبر الزمن داخل بنية معرفية معينة فاذا كانت الاشكالية تكمن وراء القراءة فان القارئ خاضع لمؤثرات عصره بوصفه مثقفا (يفكر بصورة او باخرى مباشرة او لا مباشرة انطلاقا من تفكير مثقف سابق يستوعبه ، يسير على منواله ، يكرره ، يعارضه ، يتجاوزه ... الخ والتفكير في موضوع ، والموضوع اما افكار واما معطيات الواقع الطبيعي او الاقتصادي او الاجتماعي ... الخ فالتفكير يتم بتوسط مفاهيم ونظريات آليات في التفكير ترتبط ، ولابد ، بمرجيعة معرفية معينة.
لكن ما هي تلك المفاهيم والنظريات والآليات التي اعتمدها الجابري ، انها تنطلق من رؤية الحداثه وما بعدها التي تؤسس الى نمط جديد من القراءة للتراث انها قراءة يبدو فيها (كل نص حاضر يتضمن نصا (غائبا) بالضرورة والوصول الى بنية المدلولات الغائبة لا يكون الا انطلاقا من بنية الدوال الحاضرة ، لتبني على انقاضها فلسفتها الجديدة فلسفة الغياب) فلسفة الحضور تقوم على تطابق الدال والمدلول في حين فلسفة الغياب هي حضور الدال وغياب المدلول . أي أنها فلسفة لا تريد ان تكون شارحة بقدر ما هي تسعى الى كشف المسكوت عنه الذي يحدث اضافة ويستجيب لموجهات القراءة المعاصرة . فالفرق بين فلسفة الحضور وفلسفة الغياب هو قيام الاولى على مبدا (التمركز) وقيام الثانية على مبدا (الاختلاف) ان نمطا جديدا من القراءة تنشد الى اشكاليات الماضي بقدر ما تحاول ان تكون في تعاملها مع التراث العربي او الغربي وخصوصا التجارب الفذة التي لا يمكن تكرارها او تعميمها (وانما الممكن استلهامها والتفاعل معها ، قراءتها وفهمهــــا ، لا بقصد احيائها والتماهي معها ، بل من اجل توظيفها بشكل يتيح لمن يقرؤها ان يمارس التفكير بصورة مثمرة عبر اكتشاف ابعادها المجهولة ، او لكشف ابنيتها المتشابكة ، وبذلك تعرف ما لم يكن يعرفه اهلها ، وتتحرر من سلطتها حتى لا تقع اسراها ، ونمارس فاعليتنا التنويرية ازاءها حتى لا تهمشنا وتحجب وجودنا). فان القراءة بهذا قد تحدد جدتها في انها تنشد الاختلاف الا انها ايضا تمثل عملية انتاج للمعنى وهي بهذا محكومة باربعة شروط حضور القارئ ، ووجود النفس واستحضار الموروث وتوفر التجربة ، وهي الاطراف المؤثرة في ستراتيجة الحفر في بنية التراث.
التأهيل الثقافي للحداثة
ضمن هذه الحدود ظهرت قراءة محمد عابد الجابري - للتراث العربي الاسلامي وتراث ابن رشد خاصة بوصفه جزءا من هذا التراث على انها تنطلق من اشكالية الخصخصة العربية ايضا ، أي بدافع معاصر تلمسه في نقد الجابري النهضة بقوله : نحن العرب عندما نتحدث عن (النهضة) فاننا نتحدث عن مشروع نامل تحقيقه اما في اوروبا فكلمة (نهضة) تشير الى واقع تحقق ثم ان مشروع النهضة لم يكن وحيدا على الساحة العربية ولا الدولية بل كان هناك مشروع اخر مضاد هو المشروع الامبريالي وبالتالي فمشروع النهضة لا نطرحه بوصفه بديلا لقديم إنما نطرحه بوصفه بديلا عن الأخر الغرب الذي ايقظنا بغزوه .. واصبح مشروع نهضتنا يتجه الى القديم لا لنقلبه ونصفي الحساب معه ، بل الى الاخر الغرب ، الغرب لنقاومه مستنجدين بقديمنا ، أي بتراثنا وبالتالي نجد انفسنا تقاوم الاخر الغرب بالاخر الماضي أي نقاوم سلطة مرجعية فحصية بسلطة مرجعية اخرى تشدنا اليها . هذا النص مركزي في اطروحة عابد الجابري اذ اصبحت النهضة الغربية واقعا ملموسا في حين ان النهضة العربية ، بقيت في مستوى المشروع والطوباوية . الاولى انجزت وتعمل من داخلها - ومن فائض امتدادها الخارجي - على تجاوز ذاتها ، اما الثانية فهي فكرة غير مكتملة ومشروع يتحقق . وهكذا وجدت النخب العربية نفسها تتارجح بين نموذجين ، النموذج الاوربي الذي يفرض نفسه في الحاضر ، والنموذج العربي الاسلامي الذي تحقق في الماضي وبحر معه تاريخية ثقيلة.
وهناك اخر اشار بوضوح اكثر حدّد به خطوط مشروعه الرئيسة وهي (محور النقد الابستمولوجي) لتراثنا ، ومحور التأهيل الثقافي للحداثة في فكرنا ووعينا ، ومحور نقد الحداثة الاوربية نفسها ، والكشف عن مزالقها ونسبية شعاراتها.
وضحت المحور الاول (أي النقد المعرفي) تقع هذه القراءة حيث كشف لنا النص الاول ان ما يطالب به الجابري هو نقد التراث وتصفية الحساب معه وقد اتخذ لهذه الغاية خطوات منهجية تعمل كشف السلطات الفاعلة التي تحولت الى عوائق ابستمولوجية رافقت تطور تراثنا اذ يرى التراث انتاج مدة زمنية تقع في الماضي وتفصلها عن الحضارة المعاصرة.
وقد اعتمد النقد الابستمولوجي على الخطوات الاتية :
اولا : المنهج هو المسألة الاساس ، وهي نقد العقل لا استخدام الفعل بهذه الطريقة او تلك وقد اعتمد فيه :
1- المعالجة البنيوية : وتتلخص في معالجة فكر صاحب النص ككل تتحكم فيه ثوابت ويغتنى بالتحولات وقد اعتمد على النصوص التي تعود الى ابن رشد في كشف تلك العناصر .
2- التحليل التاريخي : وهو يقوم على ربط فكر صاحب النص بمجاله التاريخي .
وقد عمل الجابري على النظر الى ابن رشد ضمن حدود التاريخ المغاربي وما شهده من تحولات فكرية وسياسية واجتماعية .
3- الصراع الايديولوجي : أي الكشف عن الوظيفة الايديلوجية وهذا واضح في ربط مشروع ابن رشد بثورة ابن تومرت التي اثمرت قيام دولة الموحدين . ثم عمل على وصل القارئ بالمقروء من خلال حدس استشرافي في قراءة سياق التفكير ويتستر وراء مناورات التعبير وقد عمل من اجل كشف تلك المساحات التي وظفها في مشروعه النقدي للتراث .
ثانيا : على القراءة (الرؤية) اذ يؤكد ان الرؤية تؤطر المنهج وتحدد له افقه وابعاده والمنهج يغني الرؤية ويصححها وتحتوي :
1- الاشكالية بوصفها (منظومة من العلاقات التي تنسجها داخل فكر معين ، مشاكل عديدة مترابطة لا توفر امكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل - من الناحية النظرية - الا في اطار حل عام يشملها جميعا ، وبعبارة اخرى ان الاشكالية هي النظرية التي لم تتوفر امكانية صياغتها فهي توتر ونزوع نحو النظرية ، أي نحو الاستقرار الفكري . وان اشكالية فكر ما لا تحدد بما انتجه هذا الفكر بل ان مجالها يتسع لجميع انواع التفكير التي يقوم بها هذا الفكر . وان اشكالية لا تتحدد فقط بما تم التصريح به بل ايضا بما تتضمنه وتحتمله) . أي إن الإشكالية تمثل دالا منفتحا على الإضافة والتأويل بشكل يجعل القراءة تاخذ بعدا صوب اكتشاف المسكوت عنه والغياب داخل النص عبر ممكناته .
2-تاريخية الفكر وهذا يتعلق بالحقل المعرفي أي الفضاء الايستمولوجي والمضمون الايديولوجي .انه يعنى بمفهوم (تاريخية الفكر) أي ارتباطه بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي انتجه او على الاقل تحرك فيه هو يقول : تقصد هنا بالمجال التاريخي ما يمكن التعبير عنه بـ (عمر الاشكالية) او زمنها انه الفترة التي تغطيها نفس الاشكالية في تاريخ فكر معين وهو يجعــــل المجال التاريخي يتحدد بشيئين اثنين :
أ) الحقل المعرفي : الذي يتحرك فيه هذا الفكر والذي يتكون من نوع واحد ومنسجم من (المادة المعرفية) وبالتالي من الجهاز التفكيري : مفاهيم ، تصورات ، منطلقات ، منهج ، رؤية .
ب) المضمون الايديولوجي الذي يحمله ذلك الفكر ، أي الوظيفة الايديولوجية (السياسية الاجتماعية) التي يعطيها صاحب او اصحاب ذلك الفكر لتلك المادة المعرفية.
هذه الرؤية تعمقه في مشروعه النقدي (نقد العقل العربي الذي يتضمن : تكوين العقل وبنية العقل والعقل السياسي والعقل الاخلاقي تضمن بعدين الاول العقل النظري متناولا إياه عبر بعدين بعد تكويني - تاريخي يدرس فيه تكون - هذا العقل والثاني بنسبة العقل العربي كما تكون في العصر العباسي الثاني وقد جاء في هذا على مستوى المنهج منهج بنيوي يسعى الى كشف آليات التفكير وظيفة العقل او الخطاب الذي تشكل داخله مركزا على المادة المعرفية وفضائها عبر ثلاثية البيان ، العرفان البرهان وهو يكمل ذلك الحوار الذي يبحث في اصول الثقافة العربية واليات التفكير بها وقد كان قد تناول هذا (علي اومليل) في دراسته للفكر العربي الاسلامي في كتابه (الفلسفة الثقافية والسلطة السياسية) والذي تناول باختصار اشكاليات الخطابات عبر شخصيات المثقفين وقد كان لهذا الكتاب تناصات كثر في متون كتب الجابري المتنوعة وهذا ضمن اشكالية الحداثة القائمة على دراسة التراث والحفر في تراثيات السلطة التي كان لميشيل فوكو كبير الاثر فيها وامتدادها في المغرب العربي والبعد الثاني العقل العملي الذي تناول فيه الجابري نقد العقل السياسي عبر مهيمنات العقيدة القبلية الغنيمة وهو هنا يحاول دراسة تراثيات السلطة في الاسلام يمثل تناصات كثيرة مع المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه وكتابه (نقد الفعل السياسي) ودراسة المفكر التونسي هشام جعيط في" الكوفة" ، حيث تلمس بوضوح تلك المحددات في هيمنة العلاقات العقائدية في ظل الحكم الراشدي ثم تغلب القبيلة بعد الفتنة وعلاقة كل هذا بالغنيمة شاملا الفعل الاخلاقي فانه يحاول فيه دراسة الاخلاق بين القضاء العربي الاسلامي والاخلاق الوافدة من فارس القائمة على الطاعة (الاحكام السلطانية) كما تسمى في الاسلام والاخلاق ذات الجذر اليوناني . في كل هذا نلمس فيه باحثا يحاول إن ينشد الاختلاف في خلق فضاءات جديدة للحوار بين الانا والاخر سواء كان هذا الاخر التراث ام كان الاخر الغرب .فكل نص حاضر يتضمن نصا (غائبا) بالضرورة وصولا الى بنية المدلولات الغائبة التي لا يمكن ادراكها الا انطلاقا من بنية الدوال الحاضرة . أي إشكالية المثقف لا يمكن ان ينطلق دون حاجة تدفعه الى التامل في الماضي نظر لما يتركه من ظل ثقيل يترك عوائق جمه تعوق الحاضر وانفتاحه على المستقبل (لا تملك للتراث الا بمجاوزته الا ان المجاوزة لا تعني التخلي والاهمال انها على العكس من ذلك تقويض مستمر للمفاهيم وليست معارضة موقف بآخر . فتفكيك المفاهيم استراتيجية وليس نقدا بالمعنى المعروف . ثم انه ليس تحليلا صوريا . وهذا ما يسعى الجابري آليه لكن هذا لا يعني انه لا يسقط بالتحيزات الايديولوجيه ولا يعني اننا يجب ان نتماهى معه انه القراءة هي نزوع الاختلاف والقراءة التنويرية تدفعنا الى الحوار معها عبر الصورة اليها لغرض اكتشافها وادراك بينه المتشابكة (بذلك تعرف ما لم يكن يعرف اهلها ، ونتحرر من سلطتها حتى لا نقع اسراها وتتقدم بها لئلا تتقدم علينا ، ونمارس فاعليتنا التنويرية ازاءها حتى لا تهمشنا وتحجب وجودنا). وهذه القراءة تاخد بعدين الاول معرفي (ابستمولوجي) فيما الثاني وجودي (انطولوجي) (اذا كان التاويل هو الذي يمكننا من بناء صلة مزدوجة بالتراث والمعاصرة بقدر ما يتيح قراءة عصرية للتراث او توظيفا للماضي الذي لا ينفك يحضر باتجاه المستقبل او ممارسة للخصوصية بصورة عامة).
وهذا بالضبط ما يجب ان نفعله مع قراءة الجابري للتراث العربي الاسلامي ،
القراءة الابستمولوجية عند محمد عابد الجابري
إن الحديث عن منطلقات هذه القراءة التي قدمناها وحاولنا إن نعرض إلى إشكالية القارئ بوصفه يشكل مركزا يحاول إن يبحث عن حاجاته في النص المقروء بحثا عن بنية الغياب.
لكن هذه القراءة ليست فريدة بل أنها موجودة في منطلقات مفكرين عرب سبقوا الجابري وان اختلفوا معه في المنطلق والمنهج إلا أنهم يشتركون ويتداخلون بل إن قراءة الجابري تمثل اتصالا بتلك القراءات السابقة ، التي اتخذت من المعرفة (الابستملوجيا) نأخذ لقراءة ابن رشد ، أنها قراءة تنطلق من حاجة معاصرة إلى عقلنة وعلمنة المشروع المعاصر الذي جاء فعل التثاقف مع الأخر الذي قدم تصورا علمانيا أعاد بناء التراتبية بين الإنسان والله من جهة والإنسان والعالم من جهة اخرى وقد أعطى دورا كبيرا للإنسان بوصفه مركز الكون ومقياسا لما يحيط به ، وهذا معاكس للتصور الإسلامي القائم على اتخاذ الله الفاعل الأول والمصدر الأول للوجود والمعرفة فهناك مثلا اختلاف بين الإعلاء المسيحي والإعلاء الإسلامي اليهودي (إن تجريد مفهوم الإله وإعلائه عملية ثقافية تالية وليست أولية فاعلة . فالإعلاء العلماني هو مفهوم ترانستدنتالي في الأساس ، إما الإعلاء التاريخي في اليهودية والإسلام ، فلم يكن أبدا أبعادا للإله عن العالم ، وإنما تنزيه من مدنس العالم . إعلاء يعطيه صفة كونية بلا تناقض .. إن الإعلاء الإلهي الإسلامي هو إعطاء بعد للقوة الربانية ولسيطرته المطلقة على العالم ... ومع هذا ينشغل هذا الإله بمشاكل البشر اليومية ، ويضع الحدود ويقيم الشريعة ، وله ملائكة وقديسون وأولياء أي انه جمع بين كونه مجرد ترانستدنتالي وفي نفس الوقت موجود في الواقع . وهذا أعطاه دورا فاعلا في الكون والمجتمع معا . بالمقابل أصبح الإله في التصور العلماني خارج الواقع متعاليا وبالتالي أصبح للإنسان الدور الأول في حياته لا مسافة بينه وبين الوجود ، هذه العلمانية التي تمثل مرجعية يحاول الفكر العربي المعاصر إن يستعين بها في بناء تصور علماني إلا انه يحاول إن يتخذ من ابن رشد بوصفه شخصية داخل التراث الإسلامي أي انه يمنح تلك الأفكار العلمانية شرعية المرور إلى الواقع الإسلامي لأنها تملك جذورا في نصوصه التي كانت تمثل نوعا ناضجا من العقلانية استثمرها الغربيون في الرشدية الـــــلاتينية فـــــي بناء فصل بين الدين والدولة . ويحاول أصحاب القراء الابستمولوجية إن يوظفوا هذا في استثمار الموروث الليبرالي الغربي في بناء عقلانية عربية معاصرة عبر التجذير لها في التراث وهذا هو جوهر القراءة التي تبحث عن الشرعية لهذه الأفــكار.
وهكذا حاولت تلك القراءة إعطاء ابن تأصيل عقلي ارسطي وجعله مختلفا عن الاتجاه الذي تمثله الافلاطونية المحدثة ونقدا للفكر الفلسفي الإسلامي . وهذا أمر مشترك بين ممثلي هذه القراءة ماجد فخري ومحمد عاطف العراقي ومحمد عابد الجابري في سعي هؤلاء إلى تقديم ابن رشد على انه اقرب إلى الروح الارسطية من باقي الفلاسفة المسلمين . ونحن هنا إزاء قراءته لابن رشد .
محمد عابد الجابري " لحظة ابن رشد":يقدم لنا عابد الجابري تحليلا لفلسفة ابن رشد في كتابه الأول نحن والتراث ، ضمن أفق الإشكالية المغربية وتعارضها مع إشكالية المشارقة لقد جرت العادة على التمييز في العالم الإسلامي بين المشرق والمغرب وهذا التمييز بنظر" عابد الجابري" يعود إلى الفتوحات الإسلامية الأولى ويعكس واقعا تاريخيا وسياسيا وثقافيا أكثر مما يعكس واقعا جغرافيا محصا. وهكذا فان المدرستين المغربية والمشرقية هما مظهران أساسيان ومتمايزان من مظاهر العقلانية في الإسلام بل يمكن عدها اتجاهين عقلانيين ، وليس فقط متمايزين ، بل متناقضي الاتجاه :العقلانية الرشدية واقعية والعقلانية الفارابية السينوية عقلانية صوفية . ومن المعطيات في هذا الأمر :
الفصل بين الدين ،والفلسفة على إن لكل منهما مجاله الخاص، وطريقته الخاصة ،والنظرة الاكسيومية. إلى كل من البناء الديني ،والبناء الفلسفي ، النظرة التي تحرص دوما على ربط القضايا، بمنظومتها الفكرية الأصلية .
تأكيد العلاقة السببية في عالم الطبيعة، وعالم ما بعد الطبيعة سواء بسواء وفهم حرية الإرادة البشرية ضمن الضرورة السببية، وربط هذه الحرية بالعلم بالأسباب. الميل إلى نوع عقلاني خاص من، وحدة الوجود ، يعد الإله قوة رابطة بين أجزاء الكون ، وظواهر قوة روحية هي في إن واحد مندمجة في الكون ومتعالية عليه. وهكذا يعرض عابد الجابري إلى مفهوم القطيعة ويرصدها في تغيير الإشكالية التي تقوم على الفصل بين الدين والفلسفة لدى المغاربة عكس إشكالية المشرق القائمة على التوفيق بين الشريعة والفلسفة ، فالقطيعة كانت لدى مشيل فوكو الانفصال لا يعني شيئا أخر سوى انه قد يحدث أحيانا في خلال عدة سنوات إن تكن ثقافة ما عن التفكير على النحو الذي درجت عليه حتى تلك الآونة لكي نشرع في التفكير في شيء أخر وعلى نحو أخر . وعلى هذا يرى عابد الجابري انه إذا كان لابد من إعطاء معنى للمفاهيم التي نوظفها هنا فيجب استخلاصها من السياق أي من الفضاء الفكري الذي نستعلمها فيه . إما المعنى الذي يعطيه لها إطارها المرجعي الأصلي فيجب إن يؤخذ بوصفه دليلا فقط وليس مدلولا المفهوم هو الذي يفرض نفسه على الباحث حيث الممارسة وليس قبلها وإما المعنى الذي يحمله هذا المفهوم في ذهن عابد الجابري فقد لا يتضح لديه تمام الوضوح إلا عندما يكون قد انتهى من توظيفه ولو ضمن رؤية حدسية خاطئة. وعلى هذا الأساس فعندما يطبق مفهوم القطيعة مع مشروع ابن حزم الظاهري (384 - 456 هـ. الذي يضعه على انه المشروع الإيديولوجي والفلسفي ،فظاهرية ابن حزم منظورا إليها في ضوء الملابسات السياسية التي أطرت تفكيره وحددت له اتجاهه هي مشروع إيديولوجي حضاري وبديل لايدولوجيا الدولة الفاطمية وإيديولوجية الدولة العباسية ، اللتين كانتا تتنافسان وتحاربان الخلافة الأموية . " إما إذا نظرنا إلى (ظاهرية) ابن حزم من الزاوية الابستمولوجية المحض وجدناها مشروعا فكريا فلسفي الأبعاد يطمح إلى إعادة تأسيس (البيان) وإعادة تركيب العلاقات بينه وبين (البرهان) مع إقصاء تام فالقطيعة تنعكس دلالتها من خلال الطابع النقدي بهذا المشروع الفكري من جهة وخلوه من هاجس التوفيق بين الدين والفلسفة من جهة أخرى. وبالتالي فابن حزم كان يجسد إعلانـا نضاليا للمشروع الإيديــولوجي الذي اختمر في الأندلس والــذي يلمـس فيـه اتجاهــين:
الأول " ظهور ابن حزم ومذهبه الظاهري العقلاني " والثاني النشاط اليهودي " في الأندلس ثقافيا وفلسفيا ودينيا ". فمشروع ابن حزم " سيغدو أساسه الابستمولوجي أساسا لثقافة الأندلس بخصوصية متميزة). وقد طبقها المنهج الظاهري الذي يرجع اصل المذهب الظاهري في الفقه إلى داود الاصفهاني (202 - 270 هـ.) الذي كان أول مرة شافعيا ، ومذهبه يقوم على نقطتين اثنتين :
الأولى - " هي القول بان الشريعة نصوص فقط وان الأحكام يجب إن تؤخذ من ظاهرها دونما تأويل أو قياس فالقرآن عندهم مبين بنفسه يدل ظاهر لفظه على المعنى المقصود وبالتالي لا مجاز فيه ولا مجال للقياس " . الثانية - " فتتعلق بما لم يرد فيه نص خاص مباشرة وهنا تعود الظاهرية إلى ما يسمونه (الدليل) وهو استدلال يعتمد على صريح النصوص أيضا " . وعلى هذا الأساس فالمنهج الظاهري يرفض القول بالباطن ورفض القياس كما لدى الفقهاء والمتكلمين معتزلة واشاعرة فالأمر لا يتعلق بمجرد الانفصال عن الشافعي بل يتعلق الأمر بإعادة تأسيس البيان كليا. وهذا ما يريد ابن حزم تأسيسه البيان على أساس منطقي قواعد العقل الكوني وليس على القياس كما فعل الشافعي " مثل الانتقال من مقدمتين إلى نتيجة تلزم عنهما لزوما ضروريا أو الانتقال من لازم إلى ملزوم أو من كلي إلى جزئي إلى غير ذلك من القواعد المنطقية التي اجتهد في تطبيقها بل في تبيئتها " والشيء الذي يستبعد " هو التعليل الذي ينهي عليه القياس الفقهي ". ويحدد ابن حزم بيان القرآن بثلاثة أقسام :
1- " قسم بين بنفسه لا يحتاج إلى مـــــزيد بيان ".
2- " قسم يحتاج إلى بيان وبيانه في القرآن نفسه ".
3- " قسم يحتاج إلى بيان وبيانه في السنة".
يقدم عابد الجابري اعتراضا على من يرى (ابن حزم) مجرد تابع ل ـ (داود الاصفهاني) ويرى إن هذا القول " لا ينطوي .... على ظلم شخصية علمية فقط بل على تشويه المسيرة الثقافية العربية الإسلامية وتقيم بداية لحظة جديدة " منها أيضا " مما انعكس إثره على اللحظة بأكملها ". إذ اعتمد ابن حزم " النقد ألتجاوزي " ، النقد الذي يمارس ضد الإشكالية كلا ومن خارجها ويتجه بالتالي إلى الأسس والمناهج لفحصها والكشف عن الثوابت ومن ثم تعرية الإشكالية برمتها وفتح الطريق إمام تجاوزها ، إمام عملية تأسيس جديدة ". وقد امتد نقد ابن حزم ألتجاوزي إلى جميع فروع الثقافة العربية الإسلامية من فقه وأصول وكلام ومنطق وفلسفة لكنه ركز في ميدان أصول الفقه وأصول الدين (علم الكلام) فالأصول عند ابن حزم هي القرآن والسنة والإجماع ودليل من هذه الثلاثة. إما في مجال علم الكلام " يرفض ابن حزم (الفيزياء الكلامية) ويتبنى طبيعيات أرسطو ومفاهيمها ونظرياتها ": البرهانية " في أفق تأسيس البيان على البرهان على صعيد المنهج كما على صعيد المفاهيم والرؤية ". فان مشروع ابن حزم مشروع مزدوج "أيديولوجيا وفلسفيا معا ". تبنى المهدي ابن تومرت (المتوفى سنة 245 هـ.) الأولى بينها تولى ابن باجة المهمة الثانية وكما كان ابن تومرت يمارس السياسة في الدين بهدف تغيير الواقع السياسي القائم كان ابن باجة يمارس السياسة في الفلسفة بهدف إنشاء واقع فكري جديد حالم لهذا لم يمارس السياسة بالفلسفة بخطاب إيديولوجي إنما بخطاب فلسفي. متحرر من قيود السياسة وقيود المعرفة " او العوائق الابستمولوجية التي أورثها عن علم الكلام من جهة " ومن جهة أخرى. تحرر (ابن باجة) من إشكالية المشارقة . حقل " خطابه الفلسفي خطابا فلسفيا خالصا يتحرك في دائرة والبرهان دائرة الفلسفة والعلم إما دائرة الدين والبيان فهو يتعامل معها بوصفها دائرة مستقلة مبنية على الوحي وهو من المذاهب الإلهية لا تكون باختيار الإنسان. إما ابن تومرت فان ظاهرية ابن حزم تصبح معه بعد خمسين عاما أساسا لحركة سياسية في المغرب ابتداء من (عام 511 هـ.) ضد دولة المرابطين المغربية .اتخذ شعار ترك التقليد والرجوع إلى الأصل سلاحا أيديولوجيا فراح يوجه الضربات لكيان دولة المرابطين الذين كانوا بنظر ابن تومرت منحرفين عن الدين الصحيح لان فقهاءهم اعتمدوا القياس فأوقعوا الناس في التشبيه والتجسيم على مستوى العقيدة لقياسهم الله على الإنسان . من هذا المنطق الذي يستعيد بكيفية مباشرة المضمون الديني والأساس الابستمولوجي لـ (ظاهرية) ابن حزم سار (ابن تومرت) بحركته إلى نهايتها وهذا ما يظهر في المنهجية في كتابه (اعز ما يطلب) .وهكذا تظهر تلك الثورة الثقافية التي تدعو إلى قراءة جديدة للنصوص الدينية قراءة تقطع مع المذاهب القائمة التي ابتعدت بفروعها المتسلسلة عن الأصول الأولى وتفتح المجال لقيام حركة عقلانية نقدية جديدة. ثم يعرض عابد الجابري لابن رشد بوصفه قمة المشروع ألمغاربي الذي بدأ بابن حزم يعرض عابد الجابري لمشروع ابن رشد على المستوى العمودي في التكوين يعمل ابن رشد على الترتيب " العلاقة بين البيان والبرهان. على أساس نظرة واقعية عقلانية إلى الأمور نظرة تعالج الدين والواقع الفلسفي بروح نقدية تحترم معطيات الواقع . لهذا جاءت فلسفته واقعية تقدم "على النظر إلى الدين والفلسفة " بوصفها " بناءين مستقلين يجب إن يبحث عن الصدى فيهما داخل كل منهما وليس " خارجهم.ولذلك كان من غير المشروع بنظره تداخل أجزاء من هذا البناء في البناء الأخر . أو قراءة أجزاء من هذا البناء بواسطة اجزاء من ذاك . لهذا وضع شروطا للتأويل هي المبدأ الأول إن الخطاب الديني هو دوما على وفاق مع ما يقرره العقل إما بدلالته الظاهرة وإما بتأويل والتأويل له حدود وشروط .
إما المبدأ الثاني فهو يفصل في تأويل ومالا يؤول وفي هذا الصدد يقرر ابن رشد انه يقوم على أصول ثلاثة لا يجوز التأويل فيها فقط وهي: الإقرار بوجود الله وبالنبوة وباليوم الأخر إما ماعدا ذلك فقابل للتأويل ولكن بشروط ثلاثة هي :
الشرط الأول - احترام خصائص الأسلوب العربي في التعبير إذ التأويل ليس شيئا أخر سوى إخراج اللفظ من دلالته الحقيقية (الظاهر) إلى الدلالة المجازية(الباطن) من غير إن يخل بعادة لسان العرب في التجويز مثل تسمية الشيء بشبيه أو سببه أو لاحقه أو مفارقه.
الشرط الثاني - احترام الوحدة الداخلية للقول الديني ، فلا يجوز تضمينه أشياء غريبة عن مجاله التداولي الأصلي كما كان زمن النبي" .
الشرط الثالث - مراعاة المستوى المعرفي لمن يوجه إليه التأويل فلابد من مراعاة المستوى الثقافي".
التكوين التاريخي
وهكذا يستعيد مشروع ابن حزم ويتجاوزه في آن واحد ، يستعيده منطلقا واتجاها ، ويتجاوزه محتوى ومضمونا ويعمل " ابن تومرت على صنع الأداة - السلطة ، الشرط الموضوعي الضروري لحياتها وبقائها ، بينما عمل ابن باجة على تعميق مضمونها العقلاني ، الشرط الذاتي الضروري لنموها ". وهكذا ربط التكوين التاريخي للعقلانية المغاربية من ابن حزم ومن ثم ابن تومرت بثورته السياسية ضد المرابطين ومع ابن باجة الذي عمق الوعي الفلسفي وبالتالي يأتي مشروع ابن رشد الذي يقيم لنا عصرا معرفيا جديدا يمثل نظاما معرفيا جسد مشروع تأسيس وبالتالي يجسد قطيعة مع التداخل التلفيقي مع لحظة الغزالي ففكر " ابن رشد قد تحرك في الاطارالعام نفس الاتجاه النقدي نفسه اللذين تحرك فيهما ابن حزم ". معتمدا " الطريقة التي تكشف عن الظاهر من العقائد التي قصد الشرع حمل الجمهور عليها فهي الطريق التي تعتمد استقراء القرآن والوقوف عند ظاهر ألفاظه وعدم التجاوز بالتأويل - فيما لابد فيه من تأويل " (إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقة إلى الدلالة المجازية ، من غير إن يخل قي ذلك بعادة لسان العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو سببه أو لاحقه أو مقارنه أو غير ذلك من الأشياء التي عودت في تعريف أصناف الكلام المجازي). ويؤكد الباحث إن الله ظاهر ألفاظ الشرع ومقاصد الشرع مفهومات مركزيات في المشروع الثقافي الاندلسي " ككل المفهوم الأول يحيلنا إلى ما قبل ابن رشد إلى ابن حزم ". إذ هذه الطريقة البرهانية التي تعتمد الاستقراء وعدم الاقتصاد في طلب معنى لفظ أو أية في القرآن من اللفظ أو الآية وحدها بل لابد من الاستعانة بالسياق الذي ورد فيه اللفظ بل لابد من استحضار مختلف السياقات التي ورد فيها في القرآن كله إذا لزم الأمر أي تعتمد استقراء القرآن والوقوف عند ظاهر ألفاظه وعدم التجاوز بالتأويل.
والمفهوم الثاني إلى ما بعد ابن رشد إلى ألشاطبي صاحب كتاب مقاصد الشريعة الشريفة . لكن هذه المقاصد قد أخذها (الشاطبي) عن (ابن رشد) الذي وضعها في مجال العقيدة . فابن رشد يقدم لنا مشروع تأسيس البيان في العقيدة خاصة . بعد إن استعاد المحور الرئيس والأساس في مشروع ابن حزم ، إعادة تأسيس البيان وفي ميدان العقيدة وقد ارتفع ابن رشد بهذا الاتجاه وبذلك الإطار الى مستوى أعلى كثيرا مما كان عليه عند ابن حزم . مستوى الفكر الفلسفي الناضج المتمكن من النفس الواعي للتضحية ومن هنا سيصبح التأثير ألحزمي فيمن جاء بعد ابن رشد يحمل معه بصمات رشدية واضحة. وهنا يأتي مشروع الشاطبي أبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي (المتوفي 790 هـ.) يمثل قمة ما وصل إليه العقل العربي في ميدان الأصول. ويشترط عابد الجابري بمن يقرا هذا المشروع شرطين اثنين اولهما سعة الإطلاع، ليس على ميدان الفقه وأصوله وحسب بل على مختلف اوجه الثقافة العربية من تفسير وحديث وفقه وأصول وكلام ومنطق وفلسفة وتصوف . وثانيها ، الإدراك العميق لأبعاد النقلة الابستمولوجية التي عرفها الفكر العربي مع ابن حزم وابن رشد والمتمثل في نزعتهما العقلانية النقدية الرامية الى تأسيس البيان على البرهان وهكذا يلتمس التجديد في مشروع الشاطبي في ثلاث خطوات منهجية هي :
1- الاستنتاج (القياس الجامع)
2- الاستقراء
3- التركيــــز على ضرورة اعتبار مقاصد الشرع .
إذ يدشن مقالا جديدا تماما في الأصول قوامه يثبت بضرورة الحس أو بضرورة العقل أو بالنظر والاستدلال إما الثانية تثبت بالنقل عن الشارع نقلا صحيحا هذا بنسبة للخطوة المنهجية الأولى . اماالثانية فهو الاستقراء التي كان ابن حزم قد دعا الى ضرورة اعتماد منهج في التعامل مع النص القرآني غير ما يتعلق الأمر بلفظ يبدو لأول وهلة إن معناه الظاهر يختلف عن ما تقرره بديهية الحس والعقل وكان ابن رشد قد سلك المسلك نفسه في القصيدة إذ كان قد جعل معنى (التأويل) هو استخلاص معنى اللفظ من النص القرآني باعتماد نوع من الاستقراء يأتي الشاطبي ليوظف هذا التطبيق ألرشدي للاستقراء ألحزمي توظيفا جديدا قوامه استخلاص من (كليات الشريعة)التي هي كليات استقرائية.
والخطوة الثالثة مقاصد الشريعة إذ يؤكد عابد الجابري هنا إن الشاطبي اخذ هذه الفكرة من ابن رشد ليوظفها في مجال الأصول التي دعا الى ضرورة بنائها على مقاصد الشرع بدل بنائها على استثمار لفظ النصوص كما لدى الشافعي . وهكذا عد هذه النقاط الثلاثة وهي (مفهوم المقاصد و(المفهوم الكلي) و(الطريقة التركيبية) وهي عناصر لم يكن لها حضور تأسيس في حقل المعرفة البيانية وبالتالي يكون الشاطبي قد دشن نقلة ابستمولوجية هائلة في الفكر الأصولي البياني العربي نقلة جديدة بان تحقق المشروع ألحزمي ألرشدي ، تأسيس البيان على البرهان وذلك انطلاقا من مركز الدائرة البيانية نفسها (علم الشريعة) ولكن النقلة التي بشر بها الشافعي. في ميدان علم الشريعة بقيت مثلها مثل التي بشر بها ابن رشد في ميدان الحكمة وهنا يؤكد عابد الجابري إن تجديد العقل ليس فقط على مدى استيعابنا للمكتسبات العلمية والمنهجية المعاصرة بل أيضا ولربما بالدرجة الأولى يتوقف على مدى قدرتنا على استيعاب نقدية ابن حزم وعقلانية ابن رشد وأصولية الشاطبي وتاريخية ابن خلدون بوصفه لحظة أخرى من المشروع ألمغاربي وشانه شان الشاطبي . إن الدلائل بنظر عابد الجابري تؤكد إن أيا منها لم يتأثر بصاحبه وإنما قد عمل كل منهما بمفرده على تحقيق المشروع ألحزمي ألرشدي لهذا كان مشروع ابن خلدون يقدم على تأسيس التاريخ على البرهان كان يتطلب خطوتين اثنتين ، إما الخطوة الأولى فقد استطاع ابن خلدون إنجازها ، وإما الخطوة الثانية فقد اخفق فيها ، لقد نجح ابن خلدون في اكتشاف علم جديد يصلح ان يكون على الأقل من وجهة نظره (معيارا صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق والصواب فيما ينقلونه) ولكنه فشل في تطبيق هذا (المعيـــار- المنطق) في مؤلفه التاريخي الضخم كتاب (العبر).


 Posted by Picasa

٢٥‏/٠٨‏/٢٠٠٦


بعض مثالب النشر في الصحف العراقية
محمد الأحمد

أصبح حال النشر في بعض صحفنا المحلية يمرّ اليوم في أزمة نشر متوالية، خاصة الصحف المقتدرة مالياً، وسوف أوضح ما معنى متوالية، وقد شهدناها من خلال المتابعة، بأنها تكررا في الأفكار والأسماء، فاغلبها تدور في رحى فكرة سابقة كما ثور الساقية فالمحرر فيها غالبا ما يجبر نفسه بمشقة على كتابة عمود مفسرا فيه من بعد جهد الماء بالماء، وغالبا ما يعرج على حوداث قد حدثت ليذكر بها بانه قد حفظ درس الاعلام في العهد السابق، لاجل ان (يبوق) بان ذلك يوم الايام وان تلك حادثة الحوادث. وخاصة في الصحف التي تعطي مكافأة مالية رمزية عن النشر عبر صفحاتها، وتلك الصورة الواضحة الرؤية، الجلية المظهر، قد لمسناها في أمور عدة؛ أولها التبادلية المنفعية بين الجريدة الفلانية والجريدة العلانية، فنلاحظ أن اسم (فلان) يتكرر نشر مواده على صفحات الجريدة (الفلانية) دون سواها، وهو مسؤول صفحة جريدة اخرى تعطي أيضا مكافأة مالية تقديرية، و(كون النشر تبادلا نفعيا) هنا مواد صاحبي الذي ينشر لي نتاجي في جريدته- وهناك نتاجي، كما يقول المثل المصري الشهير (شيلّني واشيلّك)، وهكذا دواليك حتى تتكدس مواد الأدباء غير المفيدين، (يسمونهم كتاب القطعة الخارجيين، الكتاب غير المنسبين كموظفين للجريدة)، وربما تتعفن اوراقهم ولا تصل إليها يد فاحص. ويتناسون بان من الممكن في لمحةِ بصر قد ترسل عبر البريد الإلكتروني إلى ابعد مكان من العالم، وتنشر تقديراً لذوق المبدع العراقي، المعروف بإبداعه الجليل. المعروف بسبقه وعرض مساحة ثقافته، كون الاديب العراقي حريص على النشر في صحفه المحلية، فيذهب (دون ملل أو كلل) بغاية معرفة مصير مادته، فيتلقى الجواب التالي، وهو حجة لا بأس عليها وليس بها: -(أوشكنا نشر مادتكم ولكننا تفاجئنا بأنها نشرت في مكان آخر). ويقول الكاتب (بأنني انتظرت أكثر من أربعين يوما ولم تنشر مادتي)، فيبرر المحرر: (كان عليك الانتظار والصبر لكثرة ما يصلنا من مواد).. فيقول مع نفسه: (عادت حليمة لعادتها القديمة)، وأقول قديمة لأنها كانت تحدث معي شخصيا عندما كنت أقدم مادة ارغب في نشرها في الصفحات الثقافية لإحدى جرائد العهد البائتف كم كان ذلك مؤلما حينما يمر الأسبوع تلو الآخر حتى يكمل الشهر تلو الآخر، والمادة المقدمة إليهم غير منشورة.. ونبدأ بعد ذلك نحملها البريد ونطلقها إلى الصحف العربية في الخارج فسرعان ما تجد لموضوعها وحرارة صدقه مكانا بارزا، اذ تتلاقفها الصحف العربية ولانها كذلك في تبحث عمن تعطيه القليل من المكافاة، ولكن قليلها يساوي اكثر باربع اضعاف مما تعطيه الصحف المحلية. وما ان تتضح الرؤية يعاتب المحرر الكاتب (يا أخي لم تدفع لنا مادة منشورة؟)، وكأنه قد كان حقا في قرار نشرها (والحق انه لم يكلف نفسه عناء قراءتها)، او كاد لولا انه رآها مصادفة فأثارت حفيظته، ولا يكتفي بذلك بل ربما يجعلها سندا ومثالا حياً لزملائه، ويكون حديث الندرة، والإثارة، ويكون المقصر في كل الأحوال هو الكاتب. وأريد أن أشير بان الكاتب عندما يكون كاتبا في جنس معين يكون المحرر المسؤول من رافضته أو مناؤيه خاصة من الكتاب التي تكتب في الجنس الذي اختص به. فالقاص يلعن القاص والشاعر يلعن الشاعر، والناقد كذلك.. اي حال كنا يوم ذالك وللأسف مازال محيطنا الثقافي لهذه اللحظة، لم يبرأ من تلك (أمراض النخبة)، تلك الأمراض التحاسدية كانت وما تزال تلهي عن الإبداع الجاد، وعن التواصل.. فكم كلفتنا تلك المكالبات من جهود مضنية وأكلت من الوقت الحيوي، والنتاج والخلايا. ونحن اليوم لم نبرأ من تلك العلل على الرغم اننا اصبحنا في مكان آخر وزمن آخر، والمعيب بحق باننا صرنا نعاني اكثر من أشخاص آخرين تحكموا في قرار النشر، وللأسف اقول مؤكدا بأنهم من كانوا يشاطروننا عذاب تلك الأيام وسوء نشره، واليوم يتحكمون بالقرار الثقافي، ففعلوا بنا ما لم يفعله من رجالات العهد السابق، وربما أكثر، لأنهم حملوا تلك الأمراض، فأول ما فعلوا بان ابعدوا وأقصوا، كل الكتاب اللذين كانوا معهم تحت وطأة ثقل تلك الأيام، وراحوا أيضا يمارسون مع غيرهم ما كان يمارس معهم، وبقي القاص كاتب القصة يستثني من النشر كاتب القصة، لانه منتجا لقصة جميلة والشاعر يستثني من الشاعر، لانه منتجا لقصيدة جميلة، والناقد يستثني كل نقد جاد كذلك. وذلك العناء كله لا يساوي شروى نقير جزاء ما تعطيه الجريدة من مكافاة عن النشر على صفحاتها، حيث المكافآت كلها هزيلة، كانها تسخر وتهزأ من الكاتب لانه اهتم بالكتابة ولم يهتم بشيء آخر، وكان الكاتب العراقي الجليل موضع سخريتها، وتندرها، فهي لا تعطيه سوى مبلغ بسيط يستطيع به ان يشتري حفنة طماطم تغنيه عن الجوع وبقية المفردات.. والاغرب بل الاعجب بان الكاتب يأخذ المادة التي يريدها مرقونة مصححة، ومطبوعة على ورق نظيف، جيد، ويصل بها حتى عتبة باب المحرر، عابرا مسافاته، ومتنازلا عن مساراته، وغالبا ما يكون محملا باكثر من موضوع باغيا نشره، يكون في انتظاره جحودا كبيرا بحقه، وخاصة عندما يتسلم تلك المكافأة البخسة التي تجعله نادما متحسرا على جهده وكانه قد كفر بحقه كفرانا لا تتحمله السموات والارض، ولان جريدته بقوة مالية تستطيع أن تدفع مكافأة جراء النشر، ولان بالمال يحيا ويتنفس المثقف كما بالكتب، وكأنها مسيرةُ حاسدٍ اذا حسدْ... تلك الحالة لابد من أن نكشفها من اجل أن تزول، ولابد من أن نتقي الله في نخبة الكتابات الجدية التي تصلنا إن كنا محررين شرفاء، او كنا رؤساء تحرير نجباء، وان نكافح العلة، من بعد أن تعددت المنابر وقنوات الإعلام، ولا ننشر إمراضا ورثنا فايروساتها من عهد لن يعود، وعلينا أن نتحلى بالإبداع لأن الإبداع هو الذي يدفع بنا إلى أن نعمل بجد ومثابرة قبل ان نفكر باستلام مكافأة مجزية من جراء تعبنا المصني و إبداعنا، وليس كل الكلام صحيحا أن قلنا بان الإبداع أولا، و أولا المال الذي يجعلنا نأكل ونأكل لنواصل العطاء والإبداع.
 Posted by Picasa

١٩‏/٠٨‏/٢٠٠٦

مجلة بعقوبة الثقافية Posted by Picasa
القسطل الذي نحن فيه
غزاي درع الطائي




( 1 )

انتهت معركتنا مع الليل
وانتهت معركتنا مع النهار
ولكن معركتنا مع الحياة
مستمرة .

( 2 )

عندما أصبحت أيدينا قاصرة
أصبحت تنورات نسائنا قصيرة .

( 3 )

نستطيع أن نجد ألف عذر
لمن تعثر في طريقه
ولكننا
لا نستطيع أن نجد عذرا واحدا
لمن تعثر بظله .

( 4 )

أمنياتنا الكثيرة
غرقت في بحر التأجيلات المتكررة .

( 5 )

ليس كل دخان
يشير إلى عمل في معمل فبعضه يشير إلى وقوع حريق
ويوجب علينا أن نفعل شيئا .

( 6 )

منذ اكثر من نصف قرن
ونحن نكتب القصائد الحرة
ولكن امتنا ما زالت غير حرة

( 7 )

إذا كنا ننظر إلى الماضي بخوف
والى الحاضر بحذر
والى المستقبل بقلق
فكيف سنرفع أشرعتنا
بوجه الرياح الهوج .

( 8 )

عندما سلمنا موضع الماء
إلى حراس نائمين
كان علينا أن نتوقع
موتنا من العطش .

( 9 )

عندنا عصي لا تكاد تفارق اكفنا
وليس بيننا من هو ضعيف العصا
فلماذا لا نضرب
غرائب الإبل

( 10 )

دروس
دروس
دروس
كم تلقينا من الدروس في حياتنا
دروس في التاريخ والجغرافية
دروس في الفيزياء والكيمياء
دروس في الجبر والحساب والمثلثات
والمجسمات والتفاضل والتكامل
دروس في النحو والإنشاء والإملاء
دروس في التربية الدينية والتربية الوطنية
دروس

دروس
دروس
كلها رميناها في البحر
وركبنا رؤوسنا .

( 11 )

كل الأشياء لها أسماء
والله تعالى علم آدم الأسماء كلها
فلماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها ؟ .

( 12 )

كلنا كتبنا ذكرياتنا
علي شيء ..
كتبناها على جذوع الشجر
أو على الجدران
أو على الرمال
أو على جريد النخل
أو على الورق
وكلنا سنجد من يقرأ ذكرياتنا
الوحيد الذي
لن يجد من يقرأ ذكرياته
هو من كتب ذكرياته على الماء وما اكثر الذين يكتبون ذكرياتهم
اليوم على الماء .

( 13 )

لا عجب أن يكون
في باطن أرضنا من النفط
ما يكفي لألف سنة قابلة
فقد دفنا تحتها
ثلاثة آلاف عام من الشعر .

( 14 )

اليوم .. ننام نحن على الأرض
والأرض ،

وهي تشعر بوطأة أثقالنا فوقها
تقول لنا ، مع نفسها :
غدا سأنام فوقكم .

( 15 )

نحن العراقيين
لم نعرف في حياتنا مما هو حر
سوى شيئين :
الشعر الحر
والدهن الحر .

( 16 )

الجداول لا تنفك تلاحقنا
فحين أعطينا ظهورنا
لجداول الضرب
وجداول الدروس الأسبوعية
أعطينا وجوهنا
لجداول الترقية
وجداول الإحالة على التقاعد ،
من أشهر جدولين
إلى الجدولين الشهيرين ،
ولا ننسى جداول الضبط
تلك التي تعج بالعقوبات
التي تعرضنا إليها ،
ولكن
بالرغم من كل
تلك الجداول
فإننا لم نغرق
فكم نحن محظوظون ؟ .

 Posted by Picasa

١٧‏/٠٨‏/٢٠٠٦



القص العراقي الجميل:
قصة (علبة حليب فارغة)... إنموذجاً
انور عبد العزيز
[1]

بدءا كانت (الواقعية الاشتراكية)، بعدها جاءت تسمية (الواقعية الاجتماعية)، ثم (الواقعية النقدية).. كل هذه المسميات والمصطلحات اختصرها القاص (محمد الاحمد) بالواقعية الانسانية في قصة: (علبة حليب فارغة) المنشورة في ثقافة جريدة (الزمان) بتاريخ 19/7/2006م، هذه القصة نجحت مضموناً واسلوباً وتقنية في شد قارئها عقلا وروحاً وضميرا بدفقها الانساني المنساب حتى اخر جملة فيها، والكاتب- وببراعة ومهارة القص العراقي- استطاع ان يكسب قارئها لينقل اليه- وبتأثير مؤلم- وجع بطلها وحيرته واحباطه ومشقة مواجهته لحياته اليومية، لم يشغل القاص القاريء بتفاصيل زائدة تضعف الحدث الذي ركزت عليه القصة، وهو رغم رغبته في ان يضيء محنة بطله بحدث واقعي مألوف قد يتعرض له اخرون، فان تلك الاضاءة لم تجيء مباشرة وواضحة، بل تقطرت بشكل جرعات متقطعة تكفل بتلوينها الراوي الذي زاحم بطل الحدث- فنيا وحياتيا- لينقل لنا مشاعر ذلك السائق بسيارته العتيقة في مواجهة محنته، ومعها نقل لنا الراوي- وهو اكثر من عليم في هذه القصة- اجواء بغداد، وزحمتها واختناقها بالادخنة السوداء والسخام من عوادم السيارات المستهلكة العاجزة، ذاكرا موديلات 1978- وربما لهذا الرقم دلالته عند القاص- فبغداد، وكما يعرف البغداديون والجميع- ماتزال مخنوقة بمئات السيارات الزاحفة في شورارع بغداد واطرافها والتي اطلق عليها السواق وبعض الناس- تندرا- اسم (العنجة).. حركة السائق ومشاعره المضطربة مع ضجيج البشر ولهب النار وصخب العالم الخارجي متواطئا مع صخب روح السائق وانفعاله وتذمره من قسوة الحياة.. في بؤرة الحدث الشخصي الحزين للسائق ينقلنا الراوي- وهو اشد تأثيرا وتأثرا من البطل نفسه- لوقائع الحرب الضاربة الشرسة المتواصلة كلعنة ملتهبة دائمة والى النكبات والمواجع والهموم للفرد والمجتمع عموما بقوله واحدة او بعبارة قصيرة اختزلت كل الالام والاوجاع في وصف القاص للسائق: (مذ كان جنديا يصاحب الموت) هل يوجد رعب وترقب اكثر من مصاحبة الموت ساعة ساعة بساعة ودقيقة بعد دقيقة، هكذا هي حالة الموت في ازمنة الحروب، هذه العبارة المختزلة المختصرة الدالة اغنت القراء عن شرح تفاصيل وجع الحروب والمعارك وويلاتها ومصائبها وفواجعها، وربما اكتفى القاص بهذه الجملة القصيرة المتنكرة ملمحا لتلك الحروب، اذا قد تعيد (يوميات) تلك الحروب اسذكارات كئيبة حزينة، رغم ان القاص وثق كل تلك الاسذكارات بكلمة (الموت): مذ كان جنديا يصاحب الموت).. الراوي متابع حساس للمشهد الروحي والنفسي لبطله الذي كان عاجزاً- امام غضب غضب زوجته ورعونتها وشراستها- عن تهدئتها وتحقيق رغبتها الملحة السريعة في اصلاح جهاز التلفزيون العاطل المخرب وهي تقذفه (بأشد الالفاظ مرارة) هذه الحالة منحت القاص القدرة على مراقبة الرجل في موقفه الاليم، وهو الذي فتح المدى لان تستمر القصة في افقها لتحكي لنا ماحدث، فالراوي المتابع- بأنسانية اليفة- كأنه قد تكفل بايجاد حل لمأزق السائق اذا وضع له كيسا فيه نقود قد تعينه على تصليح التلفزيون واخماد غضب زوجته، الراوي لم يغفل عن متابعة وسرد ماجرى ويجري للرجل البائس ساعة بعد ساعة وكأن المشكلة كانت او صارت مشكلته هو حتى ان القاريء المنتبه ليحاور في تعاطفه ايحزن للسائق ام الراوي ام كليهما معاً؟!.. ويشاء قدر السائق المخذول ان يصعد لسيارته راكب يحمل (علبة حليب فارغة) موهما السائق ان هدفه هو سوق (الشورجة) لشراء علب مثل ما يحمل، اذا هو جرب حليب هذه العلبة فوجده مستساغا لذيذا طيب الطعم والرائحة، والسائق- وكما يفعل مع كل راكب وكما يروي لكل راكب- كشف عن عثوره على كيس النقود في سيارته، وانه لايستطيع التصرف به وهو يتمنى- بقلق وانتظار ملح- ان يظهر صاحبه، وقد انتظر اربعة ايام وفي اليوم الخامس وعند عدم ظهور صاحبه سيكون له- شرعا- مالا حلالا، وقد اخبر كثيرين بحكاية الكيس وتردده في التصرف بوجوداته.. بشارة تلميحية بسيطة نفهم ونتعرف على نوعية المخلوق الاخير الذي صعد ليصل لتاجر معين في الشورجة، وبايماءات بسيطة واضحة- مع تردد وتذبذب القاريء في تكهناته- ان هذا المخلوق الاخير فاسد ومحتال ومراوغ، واستطاع لبراءة السائق وغفلته وسذاجته واضطرابه وحبه لمساعدة الاخريين، ولان نقود الكيس ليست له رغم حاجته اليها، سلم الكيس بما فيه للمخادع الذي ادعى ان التاجر يريد المبلغ كاملا، وظل السائق- ببراءة المغفلين منتظرا ملهوفا لعودة صاحب العلبة ليوصله لمكانه.. ومرت وانطفأت الدقائق الخمسة تبعتها خمسة اخرى وعشرة وساعات وهو قلق مرهق دون ان يشعر بعد كل تعب ذلك النهار وقد حل المساء ولم يكن معه في السيارة غير (علبة حليب فارغة) وهي الضمانة، وعندما ضجر من رؤيتها الجامدة امامه رماها للشارع عائدا لبيته وزوجته الغاضبة دائما بهموم وخيبات مضاعفة ودون ان تحمل يداه خبزا او خضارا او اية حاجة بيتية وهو يعرف ما الذي سيصيبه في مواجهة امراة البيت..القاص لم يجد غير هذه النهاية- وهي طبيعة لمثل ذلك السائق الوديع- ولكن النهاية الاجمل- وكما ذكرها الراوي الشاهد المشارك والنغمر بالحدث: (اما انا فقد تركته على تلك الحال وحيداً ومضيت دون ان اهبه مبلغاً جديدا يفك ازمته الجديدة التي ستبدأمع زوجته، ولكنه ولاول مرة تجرأ بصوت واضح شبه باك مصوبا، الي عينين مليئتين بعتاب مر، قائلا: حتى انت يا..!) بهذه العبارة حاول الراوي وبالمقولة الموجعة الاليمة للامبراطور (يوليوس قيصر) وهو يتلقى طعنات الخناجر، والسكاكين من النبلاء الذين تأمروا عليه، لم يكن حزينا لمقتله الفاجع، ولكن لغدر صاحبه وصديقه الحميم الذي رأه معهم: (حتى انت يا بروتس!) والقاص في هذه النهاية والحالة النفسية للسائق على (الراوي العليم) متحررا من كل ما يكشفه امام القراء، ومع كل ذلك لم يسلم من ادانته السائق الذي انتبه اليه بعد فوات الاوان فكان (وشبيه بما حصل للقيصر) ضحية الغدر والخديعة والعزلة المميتة التي وضع فيها نفسه.. اقتبس القاص مقولة شكسبير دون ان يدخل في الفوارق بين عظمة وجبروت القيصر وبين بساطة ذلك السائق المنكود، وربما اراد ان يقول: ان الاثننين ضحايا مع الاختلاف.. هنيئا لنا جميعا بالقص العراقي الذي يتطور بجمالاته وتقنياته الجديدة يوميا بعد يوم وبهذه القصة المؤنسة الممتعة وهنيئا للقاص (محمد الاحمد) في منجزه الابداعي..

الموصل

النص: قصة قصيرة
علبةُ حليبِ فارغة
بقلم: محمد الأحمد


لم أكن أتخيله، فحسب. بل أراه، ولا يراني. كنتُ منشغلاً به، حدَّ إني أسمعهُ بوضوح جليّ، كحقيقة دامغة، واصطحبه في سيارته القديمة التي يكسب بواسطتها قوته اليومي، فأدور معه طوال النهار، في شوارع (بغداد) التي اكتظت بأنواع السيارات، ولم تسقط منها هيئة المرور أي موديلاً قديما منذ عام 1978م، فبقيت رائحة الدخان الملوث مزيجا خانقا يملأ فضاءها، ولم تكن فتحات الهواء الموزعة بغير انتظام في السيارة تتمكن من طردها، ولم تنفعني أبدا، قطعة القماش الصغيرة التي أحاول بها تنقية الهواء الذي أتنفس.. اغلب ظني أني استطعت رسم ملامحه بصورة شبه كاملة، و جعلت من القارئ أن يتملى معي وجهه الحاد التضاريس، أراهُ طيباً، يستحق مني كل تقدير.. ثمة حزن عتيق مترسب في أعماقه، خلفته تلك الأيام مذ كان جنديا يصاحب الموت، تعرفت على الكثيرين أمثاله، ولم انسهم مذ أيام حرب الثماني العجاف.. ذلك البطء الذي لم يفارقه مذ مطلع شبابه.. خلف حزنا مقيتاً جعله لا ينظر جيدا لما حوله.. وجهٌ شاحب من كثرة دخان لا يفارق أنفاسه.. كل ظنه بأنه يتنفس عبر سيجارته ما فاته من هواء منعش.. كنت الحظهُ حائرا منذ ثلاثة أيام، لا يعرف سبيلا لتدبير مبلغ قليل يبغي به تصليح جهاز التلفزيون، من بعد أن قرعته زوجته بأشد الألفاظ مرارة، ولم يمتلك أعصابه يومها، فخرج حائرا يلف الشوارع، ويشتكي لكل من يركب معه.. الأمر الذي أزمّه.. ولكني قررت أن أمدّ له يد العون، فوجدت فكرة، ذات مرة، افترضتها له أنا (مبدعه)، ليجد في مرة لم تخطر على باله... كيساً فيه ثلاثة أرباع المبلغ الذي يحتاجه لتصليح جهازه العاطل… بدا لي ذهنه منشغلا في كيس النقود.. فحاول أن يجد أحداً ما يسأله في أمر تلك الهبة السماوية. (لو لم يجد لها صاحبا، خوفا أن تكون لإنسان نسيها في سيارته، و هو حتما سيعود إليه)، كنت أنظره يتحسس الكيس، ويعيد حساب المبلغ.. في اقرب غفلة، فمرة يحمد الله ألف مرة على ما وجد من مال لم يكن في حسبانه، وتارة يريد أن يبرئ ذمته من إثم ما يمكن أن يلحقه بإنسان ما، فأنه ما تعود أبدا على سلب أحد حقه، و لا يعرف فعلا سوى أن يقول بأنه سينتظر أربعة أيام حتى يكون له المال شرعا، و ما لم يعترضه من يسأله عن ذلك الكيس بأوصافه الدقيقة، و ما يحتويه… ولكنه بقي متكتما على ذلك الأمر، و سكت عن الثرثرة التي كانت تلازمه كلما صعد معه راكب.. لأول مرة في حياته اشغل ذهنه طوال الأيام الأربعة في الكيس المصنوع من القماش، وحوى النقود...
فبعد اليوم الخامس، قرر أن يتصرف به، و يأخذه إلى ذلك (المصلح)، ويحرر منه الجهاز الذي قارب على الشهرين، مركونا على أحد الأرفف المنسية، وهو بعيد عن بيته، و لا يملك ثمن التصليح..
في تلك الأثناء لمح من بعيد رجلا يرفع يديه، مؤشراً إلى سيارة أجرة جديدة، لم تقف، وتمنيت أنا أن لا يقف إليه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يطوله؛ فوقف صاحبنا عنده قائلا مع نفسه:
- (حتما هذا الرجل الوقور بجبته، وعمامته سيضع حلا لحيرتي، وما عانيت في ما مضى من الأيام.. عساني أستقر على رأي بخصوص ما لقيته، فهو من ابحث عنه؟)..
أشاح الرجل الوقور إلى الجانب الآخر، وكأنه لا يريد الصعود في سيارة قديمة، فنطق صاحبنا ببراءة، ورجاء:
- (مولانا).. اصعد سأوصلك حيثما تريد مقابل دعاؤك بالتوفيق.
ما أن سمع الرجل الكلام حتى رحب دون أن يعلق بشيء، ونصف ابتسامة ارتسمت أثناء حمده لله تعالى.. بعدها قرأ سورتين من القصار، وصار يبتسم لصاحبنا الذي بقي منتظرا الفرصة المواتية ليعرض عليه قصة النقود التي وجدها قبل أيام أربع.
وجدتني اسبر أغوار فكره جيدا، فوجدته قد قرر بأن يختار علبة الحليب التي كانت ناعسة في يد الرجل ذات الخاتم الذهبي، وهو يشع فوق الأدمة البيضاء، كان يحمل العلبة.. كما يحمل التلميذ النجيب كتبه، فبادره صاحبنا مستهلاً:
- مؤكد انك عانيت يا مولانا بالحصول على هذا النوع من الحليب؟.
فأجاب بعد استغفار الله تعالى:
- لا يا بني أنا ذاهب إلى (الشورجة
[2]) أجلب هذا النوع من الحليب.. لانه يناسب جميع الأعمار، والأذواق.. وأنا أوزعه مجانا إلى الناس المتعففة!
كتمت ضحكة كادت أن تسقطني في فخ الفضيحة، ولكني تداركت الأمر، وبقيت مركزا بانتباه لما سوف يحدث.. فرأيت صاحبنا قد حرك رأسه بالإيجاب، وقال برهبة وخشوع:
- جازاك الله خيراً يا مولانا الكريم..
وبقى الرجل الوقور يبسمل، ويحوقل دون أن يوقف أصابعه عن ضرب خرزات المسبحة التي تصدر صوتاً متواصلاً، بتواشج مع صوت محرك السيارة المتواتر بالاهتزازات.. بين زحمة الإشارات، وضجيج الأبواق.. فضيع صاحبنا فرصته في مواصلة السؤال.. ما بين تململ، وتأجيل.. بحثا عن فرصة أخرى مناسبة.. حتى وصل به إلى السوق.. وراح محاولاً الوقوف في مكان مناسب، بحرص، لتقليل الجهد عنه والوصول به إلى غايته..
لكن الرجل قال، بلا مقدمات، كأنه يرسم لشيء آخر:
- أٍريد منك خدمة أخرى يا بني بأن تنتظرني خمس دقائق كي أعود بصناديق الحليب!.
بقي غائبا دقائقه الخمس، وعاد إلى صاحبنا الذي بقي في غاية الانشراح على غير عادته، تبين لي ذلك من تقاطيع جبهته التي لم تكن متراكبة فوق بعضها كعادته، كأنه كان في أوج سعادته.. ظل منتظرا يطوف حول سيارته لمعرفة ما فيها من نواقص، ومزجياً لأي وقت قد يهدر. وما أن قدم الرجل حتى هلل له مرحبا أحسن ترحيب.. كأنه غاب عنه طويلاً، و بقي ينتظره بصبر نافد، ولكن الرجل عاد شاتماً لاعناً تاجر الحليب الذي لم يرض بيعه صندوق الحليب بالسعر السابق…
فبادر الذي أراه ولا يراني مقاطعا:
- كيف لي أن أخدمك.. يا مولانا؟
نبر الرجل الوقور بسرعة بالغة، كمن لا يريد أن تفوته الفرصة…
- لعنة الله على المال.. احتاج منه إلى تكملة ما أعطيته للتاجر، و سأرجعه إليك مع أجرتك المضاعفة بعدما ترجعني إلى منزلي بأذنه تعالى..
همهم بعد قوله بآية من الذكر الحكيم سندت ما قاله، فاخرج صاحبنا كيس النقود، كالمسحور، ولم يحض سؤاله عنه، بفرصة تليق، وسلمه كاملاً بما فيه، ومن فرط الخشوع اخرج له، أيضاً كل ما في جيبه إضافة لبقية ما في جيبه، فانطلق الرجل الوقور غانماً بالنقود إلى عمق (الشورجة) مهمهما:
- الحمد لله انك رجل تسعى إلى الجنة!!.
بقيّ صاحبنا في داخل سيارته ينتظر الدقائق بعد الدقائق... حتى توالت الساعات بعد الساعات… بقيّ ممسكا بعلبة الحليب الفارغة، منتظرا..
و من بعد ملل، رماها، إلى الشارع.. بعد أن وصل به الوقت ليلا، قرر الانطلاق عائدا، يائسا إلى بيته دون أن يبيت في جيبه فلسا واحد يشتري به خضاراً، وخبزاً ككل يوم.. أما أنا فقد تركته على تلك الحال، وحيدا، و مضيت دون أن أهبه مبلغا جديداً يفك من أزمته الجديدة، التي ستبدأ مع زوجه، و لكنه أول مرة تجرأ بصوت واضح شبه باك، مصوبا إلى عينين مليئتين بعتاب مرّ، قائلاً:
- حتى أنت يا ......
[3]!.
baquba

[1] تعريف بالقاص أنور عبد العزيز من مواليد الموصل/ 1935 بدأ النشر منذ عام 1955. صدرت له المجموعات القصصية التالية: (الوجه الضائع عام 1976 في الموصل) و (طائر الجنون/ 1993 عن اتحاد الكتّاب العرب بدمشق) و (النهر والذاكرة/1997) و(طائرالماء/2001 ) و(جدار الغزلان/2003) وآخرها (ضوء العشب/2005) أربعتهم عن دار الشؤون الثقافية العامة/بغداد.
[2] مركز تجاري كبير في بغداد.
[3] كأنه أراد أن يقول بها حتى أنت يا خالقي!!..مقولة شهيرة ابتدعها شكسبير.. (حتى أنت يا بروتس)... Posted by Picasa
انتصرت علينا الحرب،
وما في العمر متسع للفرح،
حيث لا اصدقاء من جلينا اوصو بالحفاظ على ما تبقي،
لان الرصاص نفد،
ونفذ فينا،
وما في العالم من اسلحة الا واثبتت اجسادنا بانها لن تتحملها،
وما في العالم من خطابات،
الا وقد عرفنا بانهم يدفعوننا لغاية
يعرفونها ولا لم نكتشف مبكرين باننا وقودها..
ما في العالم من دموع الا وذرفناها بافتقاد احبابنا الغفلين في بيوتهم..
لم تمت الحرب عندما متنا
ولم تنته الحرب عندما انتهينا
 Posted by Picasa

١٥‏/٠٨‏/٢٠٠٦

مصعب أمير إسماعيل
على نعش الموت
musabamir@yahoo.com

1- رثاء متأخر
غابة من الصمت والحشائش والصمغ المبتججر ، فيها حمل وديع يأكل الحشائش، بعد فترة من الهدوء وهو منهمك بالتهام الحشائش وفي رمشة عين رفع رأسه فشاهد خمسة ذئاب تقترب منه شعر بالهلع والخوف المفرط، توقف عن الأكل، رأى الذهاب الخمسة تقترب منه. عرف أنه لا يستطيع المقاومة ولن ينتهي هذا المشهد بدون خسارة فادحة، صاح بأعلى صوته طالباً الاستنجاد فلم يجبة أحد، اقتربت الذئاب أكثر أنقض أول ذئب وعظه من رقبته فوقع على الأرض، الذئب الثاني أنقض علية وعضه فصيته وهو يصيح بصوت عالي الثلاث الباقون عضوه من مختلف أنحاء جسمه وبدأو يأكلوه وهو يصرخ ويثغر و يموء ويعوي وينبح ويخور-
ثم شبعوا وتركوه ينزف دماً غزيراً دون أن يموت يصرخ من الألم وهو ملقى على الأرض..
2- كان يقود الغيوم إلى الأراضي البور، وكان مع ترو تكي حين ضربه قاتله بالبطلة وكان مع جان دارك حين جلبوها، وكان يتنفس الهواء يعمق في صحراء الربذة مع أبو ذرالخفاري، كان يسخر من الطبقة البرجوازية وأخلاقياتها ثمطا كان زياد رحباني يفعل ذلك كان دمعة في عيني مارسيل خليفة الحزينتين دوماً وكان مع الشيخ أمام يردد أغانية مع الكورس. كان عطر البنفسج، وكنا نلراه في لوحات رامبرادنت ومانتيسن وسلفادوردالي، كان يعشق موسيقى ياني ويبتل بموسيقى جان ميشيل جار الكونية ويبحث مع سوبدنبوغ عن أرواح هلامية لم يعرف اليأس، ويستمتع بالرقصات الكردية الجماعية وينبش في المقابرعن علة يجد نفسه بعد خدعته الحياة ووعدته بضحكة عالية لها رنين لن يهدأ أبداً كان يحاول ان ينقذ الاسماك من الاسماك الكبيرة والحيتان فأكلته الاسماك الكبيرة والحيتان الغبية التي لا تحمل في داخلها ذرة أخلاق واحدة كان يدور ويدور ويدور ويدور حد الغثيان، حد الروضان لكي يتخلص من الافعال والرتاجات الفكرية والاجتماعية
3- صوت: والسماء رفعناها ووضعنا الميزان
4- كروان. كروان كروان كروانة .كرواب كروان له شفاه. قلبه يترنم مع الاخضام الخفية للكواب الفضية
ياليل بتليل بليل اليل والليالي
حين كان جنديا في الحرب مع ايران كان في القاطع الشمالي يمضي وقته الزائد بالقراءة والتأمل العميق فوق الجبال مثلما كان الموسيقارفاغتر الطبيعة تحت أشعة الشمس في مملكة النمسا
مكر مفر مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من علِ
الاماني تتباعد، تتباعد تتباعد يوماً بعد يوم
كان يمتلك أكبر مكتبة في المحافظة منوعة وشاملة لكل الانشطة المعرفية كانيجيد العزف على أوتار المعرفة بموضوعية لم أجدها عند غيره. كانت مكتبته تعادل أتحاد الكتاب في المحافظة بقصيدة كل المهتمين بالثقافة وفي زمن الخوف حين كان الخوف يخاف من الخوف كان هو يجلب معه كتب منوعة ويستنسخها ويوزعها على المثقفين ببطولة ومسؤلية نادرة وعجيبة.

في أحد الايام شاهد عندي مجلة عن السينما وقف طويلاً أمام صورة لفانيسيا براداي ثم قال أريد هذه الصورة قلت له لماذا يتمتم وقال لأنها تشبه حبيبتي التي سأتوجها كثيرا جداً
كنت عاطلا عن العمل. قال لنعمل معاً فوافقت دون أن أعرف نوع العمل كنت أعاني من قرف ما بعده قرف والإسعاد ترتفع أيام الحصار القاسي و المدخولات قليلة جداً كان يجلب علب الدهن وميزان لأقسم الدهن إلى 15 كيلو أعبئها في أكياس النايلون ثم أضعها في المجمدة ليأخذها في اليوم التالي ويجلس على رصيف السوق ليبيع الدهن .
ضيف كان جندياً في الحرب كنت طالباً في الكلية كان يزورني بانتظام ونتحاور ساعات طويلة في مواضيع فلسفية قال لي هناك تضيف للفلسفة يمكن من خلاله فهم أو تضيف كل أنواع الوعي. فهناك أولاً الفلسفة المثالية التي تؤمن بوجود الفكر أوا لائحة أو الوعي بعدها خلوه المادة أما المادية فهي علة العكس تؤمن بوجود المادة وهذه المادة عابر مليارات السنين تكونت مادة غير عضوية والاندري كم مر من السنين ألى أن تشكلت أول مادة عضوية وملاين السنين ألى أن تكونت أول خلية واحدة ثم تطورت الخلية حيث نظرية دارون حين وصلت ألى الانسان الذي بدأ يعي ماحوله عن طريق العلم، أي المادة قبل الفكر- وهناك أيضاً الفلسفة الميتاميزيفة التي تنسب كل مايحدث في الارض ألى قوة كونية فاعلة وأخلاقية ويتقابله الديالنيك الذي يؤمن فهم مكونات الحدث فهم قوانينه الداخلية وكيفية تطويرها وهناك نقط طعان بين اليمين واليسار في الفلسفة فهناك الفلسفة المثالية الميتافيزيقية التي تؤمن بوجد أله واع مدرك أخلاقي خلق هذا الكون وينسب كل ما يحدث في هذا الكون من أحداث إلى هذا الخالق وهذا هو ديدن المؤديان كلها وتمثل اليمين من المعرفة وهناك المثالي الديالكتيك الذي يؤمن بوجود أله لكنهم أيضاً يؤمنون أنت نعد منهج الديالكتيك للبحث وكان هؤلاء هم من الأطباء والمهندسين والعلماء ويمثلون الوسط في المعرفة. وهناك أيضاً المادية الميتافيزيقية التي تؤمن بأسبقية المادة على الوعي لكنهم ينسبون الكثير من الإحداث الى حدة ميثافيزيقية مثلاً كائنات فضائية أخرى.أو جان أو أية جهة كونية. وهذا يمثل يسار الوسط وأما الذي أعطي الحياة أو الذي أوصل الارض لحل كل هذه الحضارة في جميع العلوم هي المادية الديالكنكية التي تؤمن بأسبقية وجود المادة على الوعي وبالتالي تؤمن بديارهكتيك الحدث وهذه الفلسفة تمثل اليسار الذي هو أقرب فلسفة إلى قوانين العالم الموضوعي

كانت أنواتك تبرز صمتك وحياتيك لكنها تخفي في الداخل موأزرة من الحوادث الجادة بحثنا عن دولة لا نطفي فيها النهار ولا تدخلها الفيروسات.

كان حزنك يقدر جثث الذين أعدموا ظلماً ودفنوا في مقابر جماعية كان وجهك ثمار مقطوفة الجنيين مشوه
كان وجهك خارطة من البارود الالم والكتابات
كان وجهك توابيت مكسرة تفلت موتى لحد التقاعد كان وجهك دوماً مراً
أو ناصية ينام عليها أثنان من المجانين أو جمهرة أشباح تتضاجع ليلاً في المقابر أو عكازات لليام المريرة ولمعوقي حروب صدام أو بقايا مطر حزين أو أرجوحة لقمر بدين
أيها الجمال المتفلت من قبضة الجمود ياينبوع الوفاء الصافي ألقو به في بحر الطمأنينة

عبد الكريم قاسم
طرح الحزب الشيوعي العمل
طرح ذات ولبس طرح ذاتي

ألى متى تحمل على ظهرك صليب المسيح وتبحث عن قاتليه وأنت تتعشى بالحنطة الفاسدة، تريد أن تستغور اللحظة، تراقب شيء بها وإمكانيات الحدس فيها، إلى متى تحمل دم الجيش في يدك كي لا يتساقط على الارض.
دع. دمعك يكبر. ويخثر
ألى متى ترقص على جليد النوم
ألى متى تذكر حزناً على عصفور مكسور الجناح
ألم يهدك زمن العبور ألم تتعب من البحث عن دمعة ثقيلة
دع مدعك يكبر يتخثر
يانار الاسئلة التي بلا أجوبة
ألم تعلمك الطيور الهديل
ألم نشرح لك صدرك، ورفعنا عنك وزرك
هذه بلاد السواد منذ أمد بعيد تغرد حقداً وكراهية ونفاقاً وطوائف وقوميات فارغة وعشائر فارغة
لماذا تنبض غضباً كلما رأيت أعمى أو مصاباً بداء الثعلب
كم مرة جئت لكي تكلمها فتعجبها
لقد رحلوا إلى عواصم بعيدة
وبقيت أنت لا تعرف معنى الاستنجاد
لماذا يتعثر حظك أنت وجميع الناس الجيدين
كم مرة بكيت من أجل امرأة هزمتها الرياح
جندي كوني يفر من الكمائن ومصائد الزمن الرخو

كان الوحيد الذي يتواصل مع في الاهتمام بالباراسيكولوجي والبحث عن الحقيقة وعن ما بعد الموت. كنت قد أكتشفت أن الماضي والحاضر والمستقبل موجودات في نقطة واحدة هي شبكة الحوادث شرحت له الكثير عن مفهوم الزمن ألى أن وصلنا ألى أخراجه من أكتشاف أينشتاين أن الزمن هو البعد الرابع للمكان. كنت أدخل في المستقبل بشكل غريب حتى عن نفسي مما دعاني ألى أعادة النظر في الكثير من المفاهيم حول الطاقة والجزرية والقدرية والماركسية والوجودية، لقد بقيت شهران أحاول أن أكتشف الدالة الرياضية لشبكة الحوادث وأضع لها قانون
شبكة الحوادث= الزمن الحاظر×المستقبل/ الماضي
ولا أعرف مدى وقته
وكان بعدها أن قدمت محاظرة أولية للتعريف بالبارسيكوجي
كعلم حديث النشاء وقدمني هو بأعتباره مدير المحاضرة
ونحن نتجول في بغداد رأينا لافتات مقرات حزبية في كل مكان
الحزب الوطني الكردستاني
الاتحاد الوطني الكردستاني
التجمع من أجل الوحدة
الحزب الوطني الديمقراطي
المؤتمر الوطني العراقي
تنظيم حركة
الحزب الشيوعي العراقي
الحزب الشيوعي العمال
الحزب الشيوعي الكردي
الحزب التركماني العراقي
حركة الاتحاد الاشتراكي
الحزب القومي الناصري
القيادة المركزية للحزب الشيوعي
حزب الدعوة الإسلامي
حماس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق حركة الوفاق العراقي.
الحزب الإسلامي العراقي
حزب النهضة وحوالي مئة وخمسون دقيقة
قلت له أيحتاج العراق ألى كل هذه الأحزاب وهذه الجرائد والتجمعات قال
العراقي يحتاج إلى عين ثالثة خلف رأسه كي لا ينظر ألى الوراء أبداً.
رأينا عتالين يحملون ضحية هدية ألى وثن ذابل ورأينا أكواماً من البصل المتعفن
رأينا الماضي مهرجانات للذبح العشوائي وعبارات تستر البقاء رأينا الزاوية تنجذر في خيوم قوانيين التطور رأينا سرابات فرح مكتوم رأينا شلات عزر وخيانة رأينا أنفسنا ضائعين بين مطرقة أسامة بن لادن ومطرقة جورج ووكر بوش
رأينا انسحاب لوحي بجبن متكلس
خبأنا عيوناً في الاعمدة
رممنا مؤخرة قناة هدمها عدي
رأينا مواكب حسينية والضرب بالزنجيل والقامات كنت أنا متلون كالجدي والمساء
وكنت أنت ملثم بخارطة المجرة منذهلا في شفافية الزجاج وقرون الأيائل المعقوفة
قتلنا وما حياً لأ مؤنث متخفياً في رداء الرضيع
رأينا
ورأينا
يا رائحة المطر والتراب القوية في بحر الطمأنينة

 Posted by Picasa

١١‏/٠٨‏/٢٠٠٦

حتى انت يابروتس Posted by Picasa
يحيى أنور
ليست ضرورة الكهرباء هي التي تدفعنا للقراءة
 Posted by Picasa

١٠‏/٠٨‏/٢٠٠٦


قراءة في عالم محمد أركون


اشواق عباس
07 يوليو 2005
“التخطي الدائم و المستمر للحدود” ربما كانت أفضل عبارة يمكن الاستعانة بها لوصف حياة ونشاطات المفكر الكبير محمد أركون .الذي أصبح رمزاً للتجديد والتثوير في التفكير العربي الإسلامي.نظرته الأساسية لما هو قائم اليوم تقوم على الفصل بين المجال السياسي والديني وضرورة إقامة الحوار بين الشرق والغرب و إقامة نظام الحكم الديمقراطي وحركة الأنْسَنَة “الهيومانزم” العربية الإسلامية.
ولد محمد أركون عام 1928 في الجزائر من أصل بربري أتم دراساته الجامعية في جامعة السوربون في باريس ، وفي عام 1968 عين كأستاذ لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في السوربون، و عمل كذلك في برلين كباحثً زائراً في ألـ Wissenschaftskolleg في العام الأكاديمي 1986/1987 .
ابرز ما يميز نشاطاته و أبحاثه العلمية هو تخطيه المستمر للحدود المفروضة عليه ، و المتابع لما قدمه محمد أركون ابتداء من أول دراسة له عن الفيلسوف مسكويه و حتى دراساته الأخيرة يجده مشغولاً بتطوير منهجه العلمي الذي يمكن لنا القول انه يقوم على أساسان الأول هو نظرية المعرفة العلمية أو Epistemologie و التي يحاول من خلالها ( في نطاق الدراسات الإسلامية) تطبيق كل ما هو متوفر من نظريات العلوم الإنسانية في وقتنا الحاضر.
والأساسي الثاني بجانب نظرية المعرفة العلمية والذي يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً فهو النقد ، حيث ينتقد مثلاً نهج الدراسات الإسلامية التقليدية لدى المستشرقين التي تعتمد على التفريق الجوهري الدائم بين الشرق والغرب كما و ينتقد كذلك الكثير من مشاريع المفكرين العرب المسلمين التي ترى بأن إعادة الصيغ القديمة كافية للتوصل إلى المعرفة العلمية.وكلمة النقد هنا لا تعني المفهوم الدال على الفكر المنصف غير المنحاز لكنها تستعمل بكل ما تحتوي عليه من مدلول النقد الثلاثي لدى Kant ( في نقد العقل الخالص “المحض” أو في نقد العقل العملي أو نقد ملكة الحكم “نقد الحاكمة” ) و التي تعتبر من أشهر نظريات النقد الفلسفية في العصر الحاضر. وفي واحد من أهم مؤلفاته يستعين محمد أركون بـ Kant حيث يعنون كتابه كالآتي : في نقد الفكر الإسلامي.
إن القارئ لما وضعه محمد أركون سيثير انتباه التشابه الموجود بينه و بين ابن رشد فكلاهما جمعهما طريق واحد ألا وهو البحث دون كلل عن الحقيقة والمعرفة العلمية عن طريق استخدام الأساليب العلمية الحديثة كل في عصره.و هنا لا بد من الإشارة إلى أن كل منهما اعتمد منهج مختلف عن الأخر في الوصول إلى ما جمعهما ، فابن رشد اعتمد منهج الأرسطوطاليسية بشكل أساسي لدراسة العلوم الفلسفية و الذي لم يكن يعتبر فيها الخبير الأول في هذا المجال في العالم العربي فقط بل يعتبر فيها الخبير الأول على الصعيد العالمي في القرن الثاني عشر بعد الميلاد
أما محمد أركون فقد اعتمد في كتاباته ودراساته عن الدين الإسلامي والتاريخ والحضارة الإسلامية دون وجل على كتّاب أجانب مثل Pierre Bourdieu , Jaccques Derrida , Hans-Georg Gadamer , Paul Ricoeur ,Karl Marx und Clifford Geertz . وهؤلاء المفكرين هم فلاسفة عصر الحداثة مثلما كان الأرسطوطاليون والأفلاطونيون فلاسفة العصور الوسطى. ومن الطبيعي أن يتعرض هؤلاء المفكرون المعاصرون أيضاً للنقد كذلك، فقد استعان واستعمل وقيّم كثيرا من الوافد في كتاباته مما أدى إلى لومه خاصّة من قِبَلِ زملائه العرب والمسلمين . و من الأفكار الأساسية التي يمكن استنتاجها من كتابات أركون:
أولا : هو انه ليس بالإمكان عزل الثقافة الإسلامية والتاريخ والدين عن الحداثة بواسطة جدار رقابة علمية. وجدار الرقابة هذا لا يمكن أن يكون في مصلحة المسلمين، بل بالعكس فإن ذلك يعني ضمناً أنهم غير قادرين على المضي مع حقائق العصر (Moderne) وأن لا قدرة لديهم في مماشاة حقيقة الواقع الحاضر. و هنا يعكس لنا أركون موقف استشراقي سلبي في الأساس كما حلله إدوارد سعيد في كتابه الإستشراق . و كما اسماه المفكر صادق جلال العظم بـ ” ظاهرة الإستشراق المعكوسة”Spiegelbild-Orientalism أي أنها صورة للموقف الاستشراقي. إنّ النظرية الاستشراقية كانت تنظر إلى المسلمين على أنهم مختلفون عن الأوروبيين اختلافاّ تاماً، لذلك لا يمكن إدراك طبيعتهم بالشكل المنطقي. وهكذا يمكن أن تُعكس الصورة. وليس القليل من المفكرين العرب يعتقد أن الأوروبيين لا يمكنهم إدراك ما يدور في فكرهم، وهذه هي تماماً الصورة المعكوسة للاستشراق.
ثانيا : مصطلح Ungedachten “اللامفكر فيه” و الذي يلعب دورا هاما في مؤلفات أركون. و الذي ينطلق فيه من أنه و بحكم اللغة فإن أي نظام فكري توجد فيه انقطاعات ونواقص. أركون هنا يستعار المصطلح من جاك ديريدا ليبحث من خلاله في محدودية مركزية العقل في البحث العلمي لأسباب لغوية، وذلك يعني أن كل معرفة علمية لا يمكن أن تتوفر إلا بواسطة وسيط أي لغة، لذلك فإنها إلى حدٍ ما معتمدة على تلك اللغة. و من هنا تأتي إمكانية التلاعب السياسي طالما أن هناك أمر لا مفكر فيه وغير مذكور.و هو ما يؤسس للفكرة الأكثر خطورة هنا و هي أن كل فكرة أو عقيدة يمكن أن تتحول إلى ايدولوجيا.و هو ما شرحه أركون بوضوح في كتابه “اللامفكر فيه” .
محمد أركون لا يُقرأ اليوم في الدول العربي فقط ( رغم العقبات التي وجدت عربيا في البداية في قراءة كتبه المترجمة في اغلبها عن الفرنسية ) بل و يقرا أوروبا والولايات المتحدة و هو حاضر في الخطاب الإسلامي الفكري من اندونيسيا مرورا بماليزيا ثم جنوب إفريقيا ومصر حتى المغرب.
 Posted by Picasa

٠٢‏/٠٨‏/٢٠٠٦

سالم بن قنديلة

بعقوبة الثقافية
نبعنا المشرق في الجدب المقحف
 Posted by Picasa

٠١‏/٠٨‏/٢٠٠٦

عبد الستار زنكنة
ابراهيم حيدر الخياط
 Posted by Picasa