حلمٌ عراقي قد يتحقق
محمد الأحمد
ما زلت احلمُ بان يوما ما سيكون لي فيه احد ما ممن اعرفهم يقرؤون بعض ما أنشره في الصحف أو في بعض صفحات الانترنيت، ليتحقق حلمي بدعوة ما لمؤتمر ثقافي ما، في بلدي طبعا فانا عشتُ أيام تلك معروفاً وُمعَرَفاً باني احضر المهرجانات والمؤتمرات الثقافية معززاً، مكرماً، صائلاً، جائلاً في الأرقة بدون دعوة، لأني كنت بحق اعتبر نفسي مدعوا، ولا أنافس احد على مكان ليس لي، على الرغم من إني اعرف الأسماء أكثر من الوجوه، وهناك كنتُ أرى، وجوهاً ثقافية بحق تستحق بمثل ما استحققت، وجوهاً عراقية كثيرة لا تصلها (ولن تصلها) أية دعوة، لكنها حاضرة رغم التعتيم تضيء بجدلها، ومفاتن آفاقها الصحف العالمية قبل المحلية، فكنت أرى، وكنت التفُّ إليها بمثل ما كانت تفعل، ونجيد التعارف والتعريف، وغالبا ما كنا نرى وجوهاً ليست من الثقافة بشيء، تحضر، وتحاضر في ما لا تعرف. واليوم عندما تأتي اليَّ الدعوة الحقة، الحلم، بدون تجاهل، بقصد، فأنني سوف أرى في زماننا الجديد - هذا- لا لوجود لعابر سبيل أن يكون مدعوا لمهرجان يشترك فيه غير المثقفين، و لا مجال لأي طارئ غير مثقف أن يحشر اسمه بين القوائم، بمثل ما كان يحدث في (هذا) الزمان العتيق الذي حتما سيولي بلا عودة، هو و مثقفيه العجاب.. (لا فرق بين زمان اليوم والأمس) عندما كان الشاعر الذي لم يكتب قصيدة واحدة تستحق التوقف يقود مؤتمرا للروائيين، ويكون أول المدعوين في بلد مضياف، وهو لا يعرف أسماء خمس من الروايات العربية المهمة، كونه صاحب فضل سابق ويرد إليه الفضل بالمثل، نظيره قد كان دعاه يومها إلى مهرجان ما في بلده، او كان يريده ان يكون محمّلا بدين مُسَبَّق، ليضمن صاحبه رد المثل بالمثل، ويكون ذلك المدعو مهماً بأهمية القائمة المطعمة بأسماء كان لها وزناً، فأغلب القوائم مطعمة بالمبدعين الحقيقيين، أو ببعض من كانت فاعلة في زمانها، ويكون للمدعو قيمة من يجلس إليه يحدثهُ عما حدث في المطار ولا حديث يخصّ الإبداع، إلا تغزلاً بالفندق الفلاني الذي عقد فيه المؤتمر الفلاني، و تمرّ العشرة دقائق في القهقة العالية والابتسامات العريضة، الخالية من الرصيد الثقافي. ليعود سريعاً إلى غرفته، ويعلق مكالماته الهاتفية حتى لا يحرجه شاباً عراقيا يعرف في الرواية العربية أكثر مما يعرف عن المطارات التي لم يصلها، فيلبد الضيف بعيدا عن الأضواء حتى تجئ السُفرة العراقية العامرة بما لذ وطاب. حتى تعبر ايام المهرجان كلها، ويأتي المهرجان أو المؤتمر الذي يليه، محملا بالغنائم لكل قادم، والمثقف العراقي، يحمّل الماً ممضاً في التجاهل، والنسيان، واليوم حتما بمثل تلك الدعوة، سأكون، يومها احمل ورقتي لأتنافس بها مع أقراني في الفكر والأعلام، وسيكون ما اطرحه مسموعاً، لكونه بلغة عربية سليمة واضحة المخارج والمقاصد، ولن يتحسس منها أحدا ما، كوني لا اخصّ بطروحاتي شخصا معينا، وإنما اشخص حالة كنا نعانيها، وتحلم الثقافة العراقية بالتخلص منها، فلا يشكو منها العشرات من أمثالي من غير الحزبيين، وسوف تكون الفكرة كالماء الزلال تصل إلى متلقيها بلا غمز أو لمز، وسوف يكون ما قدمت في ورقتي الثقافية بداية لقول آخر يؤججه تلاقح مثقفاً آخراً، وتلتقي الفكرة بالفكرة لأجل أن تكتمل، ويصبح بعدها مفتاحا لبحث جديد. وهكذا تكون الحالة ثقافية صرف، حيث لا تلكؤ في اسطرها، ولا يقتحمها ممن لا يعرف في أولياتها وآليتها. نحلم أن تكون الثقافة أولا بفرز المثقف من غيره، والاحتكام إلى ما نتج منه، وليس ما سوف ينتج في الأحلام، والأوهام. فثمة أسماء تدعي نتاجا عظيما.. بالتالي يكون فيه رأيا آخراً، والثقافة ابداً للمثقفين المجتهدين.
بغداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق