٠٢‏/٠٤‏/٢٠٠٦

قــــــصة … وقراءة

في جدلية زمكانية الشمس
قراءة: بلاســــم الضاحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ النص ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زمنٌ فارغٌ للشمس
قصة قصيرة جدا / محمد الأحمد
كأن قلبي هو الذي يحدثني عن كل تلك المتفاوتات البينة، بينما كنت أخطو ساهماً إلى عمق الصوان المعتم، الذي امتلأ برجال لا اعرفها. فاخترت أحد المقعدين الفارغين في أقصى اليمين من زاوية تراكمت فيها حزمة ضوء، تلامعت خلالها ذرات الغبار، و استحالت مزيجاً دافقاً بألوان كرنفالية بديعة، انزلقت من فتحة شقها عماد الخيمة التي فيّأتنا. أصخت السمع إلى ما دارت الألسن من همهمات متوالية..تتحدث عن اللحظات الأخيرة، للمرحوم كحدث جلل قد حدث، توا، ولم يكن في المستشفى: (هكذا.. كان يقول المرحوم)، (…كان يحب المرحوم قبل أن يوافيه الأجل)، وهكذا دارت الاسطوانة بالذكريات توافقياً مع دوران أشعة الشمس المتحولة من كرسي إلى آخر بتتابع متسلسل.
قالوا :- بأنه ترك مالاً كثيراً.
قلت :- ما نفع ما تركه؟
قالوا :- بأنه ترك زوجة جميلة؟
وقلت :- ليكن الله في عونها.
دارت القهوة دوراناً صامتاً على شفاه الجالسين كما دارت سورة الفاتحة دوراناً مهيباً بين كل لحظة بين الراحتين والجبين .. دورة بطيئة الوقع تلتها الرجال بتمتمة شفاه مرتجفة، وبخشوع مستقر اندلع من العمق صار راسخاً كالحزن المقيم.
بقيت تتمات الكلام تصل إلى أذني بتواصل إيقاع حبات المسبحة المضطربة التي تصفقها أصابع رعشة، دون أن يلجمها شيء.
قالوا :- أية سطوة كان يملك؟
قلت :- جردهُ الموت منها!
حضرت أناء الكلام المتواصل رجالات، وذهبت أخر عن الكراسي التي طالتها الشمس، وكأنها تطهرت من البرودة الضاربة في الخشب الفارة، قالوا:-
- ليلة البارحة حضر الكثير من أعيان البلدة.
وقلت :-
- من كان عليه دين يؤديه!
بقيت أنفث دخان السيجارة بين كل تنهدة، ويشخص أمامي تحذير الطبيب الذي سبق، و أنقذ حياتي من موت محقق، كاد يحدث عقب نوبة قلبية، أوشكت أن تجهز عليَّ، ولما كنت اشغل مقعداً بين جموع الحاضرين، ولما بقيت كتلتي، تشغل حيزاً في هذا العالم المزدحم. كانت الشمس قد استقرت في المقعد الفارغ، المجاور لمقعدي. تصاعد الدخان إلى أعلى كأنه يرتقي الحزمة المهيبة، بحثاً عن مخرج، وكنت أتنفس حلقاته بعمق، فما قدرت صبراً على تأجيله، وكأن تحذيرات الطبيب، قد سقطت في منفضة الرماد المليئة بأعقاب السجائر، وقبل أن أنهض، شعرت ببعض الخدر في أطرافي، ولم أستطع النهوض بعدها استقرت الحزمة على فخذي.

_______________________القراءة________________________

هل الشمس وحدة زمانية أم وحدة مكانية ؟.. هي وحدة لقياس الزمن تتوالد منها الأيام وتتعاقب منها الفصول ، زمن ضوئي مأهول بسيول ضوئية متواصلة منذ شروعها ، ليس فيها فجوة تؤشر حسابها الزمني التقليدي في السبق أو التأخير انما زمن افتراضي تخيلي يساوي وحدة ضوئية على افتراض الغاء زمنية الشروع والوصول والأعتماد على تواصل الأنبعاث الضوئي ، فهو يساوي صفر افتراضي على انه لايعي ذاته .
وهي مكان يحسب بعده ضوئيا ، مكان بمكوناته المادية ومقوماته الجويولوجية ، مكان مأهول بأرواحنا وخيالاتنا حسب ، مكان غير مكتشف فهو يساوي صفر افتراضي على انه لايعي ذاته . ومن العنوان الذي يوحي بتساوي الهيمنة الزمانية والمكانية كونهما يشتركان بمصدر مصنّع واحد هو ( الشمس ) نخلص من ذلك الى :
زمن فارغ للشمس = زمن فارغ للنص ، مكان فارغ للشمس = مكان فارغ للنص .
ولأجراء تطبيقات تأويلية من المتن نقتطع الآتي :
1 – المروي عنه ( مات ) زمانه صفر ومكانه صفر لأنه غير مأهول وغير مكتشف حسبما افترضنا .
2 – ( اخترت احد المقعدين الفارغين ) / زمن المقعدين ومكانهما = صفر على وفق ما افترضناه
3 – ( قالوا : - بانه ترك مالا كثيرا ، قلت : - ما نفع ما تركه / الزمان صفر المكان صفر .
4 – ( قالوا : - ( أية سطوة كان يملك ؟ قلت : - جرده الموت منها / الزمان صفر ، المكان صفر .
5 – ( كانت الشمس استقرت في المقعد الفارغ ) / زمن فارغ للشمس ( العنوان ) = زمن فارغ للمقعد ( المتن ) .
بطولة العنوان = الشمس ، بطولة المتن = الموت . وكلاهما لا يعيان ذاتهما ، المتلقي هو الذي يعي هذه الكينونة ويقوننها اذن الشمس = الموت كلاهما فراغ خارج الزمن المحسوب وخارج المكان المأهول لذا صار المتن ( فراغ ) حالة ( ميتا زمانية ، ميتا مكانية ) .
لقد استفاد القاص من الغاء الحدود مابين ( ظاهرية ) الواقع العيني المحسوس و ( شطحات ) الخيال حيث انتج نصا محاكا من نسج هذا الواقع الحسي مع الخيال ، نصا لا يعتمد على النسق الحكائي ولا على البلاغة اللغوية بقدر ما يستفيد من اللعب والمراوغة في كلاهما معا لأنتاج جملة شعرية تحتمل التأويل بعد ان تحقق غرائبيتها غير المتناسقة في التأليف للوهلة الأولى فتجد لها اكثر من موقع لأدهاش المتلقي واستقبال النص لفك هذه الرموز واعادة تركيبها من جديد بتأويلات مخلقة من لدن المتلقي قد لا يجدها غيره وهذا يؤشر نجاح النص الذي يزدهر وينفتح الى عدة مستويات للقراءة . لذا ارى القاص وفق جدا في الوجازة والتركيز والتدبير المرمز لصياغة نص يسري فيه نفس شعري ولغوي خاص لألتقاط الأزمة المنتجة للنص خارج مكونات النص بهدم الحواجز الزمانية والمكانية والحكائية بفعلها التقليدي لمكونات القص المعروفة في سياقات التاليف بعيدا عن السرد التقليدي المستهلك وهذه مشكلة القاص ( محمد الأحمد ) كونه يعتمد على ميكانزم التطور الداخلي للحدث وليس على الحدث نفسه وقوانين بناءه القصصي في المساحات النصيّة وهذه السمة لا تقتصر على هذا النص فقط وانما تمتد على عموم كتاباته لذلك تجد من يعارضها او يقف ضدّها .
الصدمة أو الدهشة التي يحدثها هذا النص القصير ليس في نهاية الحدث كما هي خصيصة اساسية تسود معظم القصص القصيرة بل نجدها في ( فعل ) بنية النص ، غير مكتوبة ولا تحقق تشخيصها المرئي ، طافية في تخوم النص ، لا تـفقد قوتها من العنوان حتى السطر الأخير وبذلك خرج من دائرة النهايات التقليدية واحالتها الى المتلقي ليضع افتراضاته من خلال تأثير عموم النص في توليد نهاياته بمعنى الغاء ( المتوقع ) والأستسلام الى ( الواقع ) الذي يؤثر به سياق النص على المتلقي ، بمعنى آخر قدرة النص على الأنتقال من ( أناه ) الى ( أنا ) المتلقي .
بقي ان اقول شيئا يحسب لصالح ( زمن فارغ للشمس ) كونه نصا قصصيا قصيرا جدا فنحن الآن في عصر الزمن المحسوب والمقنن والمحكوم بوحدات الوقت وتفاصيلها الدقيقة التي تفرض هيمنتها على يومنا بقوة امام هذا التدفق الكبير من آليات النشر المرئية والمسموعة والمقروءة والتي لم تترك لنا وقتا فائضا لقراءة المطولات من على شاشات الأنترنيت مثلا من هنا ارى ضرورة انتباه كتاب الأنترنيت الى عدم الأطناب والأطالة والأهتمام بالنص القصير المكثف الممتع والمفيد مراعاة لأستفادة القارئ من سيف الوق
 Posted by Picasa

ليست هناك تعليقات: