١١‏/٠٧‏/٢٠٠٥

إنهم يبيضون أنا أبيض أيضاً
صلاح زنكنة

أمسكت بالقلم وكتبت .. كاد يموت ذعراً وهو يضع البيضة الأولى ويخفيها بريبة وإرباك كما يخفي جثة قتيل واطمأن لأن أحداُ لم يره بتاتاً. وفي اليوم التالي وضع البيضة التالية وأخفاها أيضاً وهو أكثر قلقاً وإرباكاً، وتوالت البيضات حتى تجاوزت العشرات يخفيها بحرص تام بعيداً عن الأنظار، وصار دون إرادة منه رجلاً بيوضاً لا يدري ماذا يفعل سوى أن يكتم سره في داخله. كبس الهم على صدره وضاقت به الدنيا وأوشك على الجنون، فاضطر أن يكاشف زوجته بما يعانيه من المصيبة التي حلت به، إلا أن زوجته قهقهت، وكأن الأمر في غاية السهولة ولا يستحق كل هذا الخوف والقلق والكتمان.
-وماذا في ذلك؟ جارنا يبيض أيضاً. زوجته أخبرتني بذلك.
سره كلام زوجته وأزاح عن كاهله عبئاً ثقيلاً، مما شجعه على أن يخبر زميله في العمل عن سر جاره الذي يبيض، قهقه زميله وقال دون حرج:
-وماذا في ذلك، أنا أبيض أيضاً.
هذه المرة شعر بارتياح كبير وطفق يضحك ويكركر:
-كنت أظن أني أنا وحدي أبيض.
قال زميله بحماس:
-الجميع يبيضون. تصور أن السيد المدير يبيض بيضتين في اليوم، واحدة في المكتب والأخرى في البيت.
واكتشف شيئاً فشيئاً أن أناساً كثيرين يبيضون، وكان يشاهد عند ذهابه وإيابه إلى العمل أو السوق بعض الأشخاص يرتكنون زوايا ما وهم يضعون بيضاتهم. وكثيراً ما كان يعثر بالبيوض المتناثرة هنا وهناك حتى أصبح الأمر مدعاة فخر واعتزاز "أنا أبيض إذن أنا موجود"، حيث تم الاستغناء كلياً عن الدجاج الذي سرح في الأزقة والشوارع مثل الكلاب السائبة........ وماذا بعد؟ وضعت القلم جانباً وكدت أموت ذعراً وأنا أضع بيضة. بيضة دافئة حملتها في كفي وذهبت إلى زوجتي.
-أنا أبيض!
-وماذا في ذلك، جارنا أيضاً يبيض.
أخذت البيضة من كفي بكل سهولة ووضعتها في الثلاجة وبدأت تمارس عملها في المطبخ.
ذهبت إلى زميلي في الجريدة وسألته مباشرة:
-هل أنت تبيض؟
قال دون حرج:
-أجل!
-ورئيس التحرير؟
-يبيض بيضتين في اليوم واحدة في المكتب والأخرى في البيت.
-والـ.....................؟
-الجميع يبيضون، انظر.
وحين نظرت وقعت عيناي على البيوض المتناثرة هنا وهناك في الممر وفي غرف زملائي، مزقت قصتي على الفور ورحت أهتم بشأن البيض.

ليست هناك تعليقات: