٢٩‏/١٠‏/٢٠٠٧


البيت والمكتبة
البيت عندي هو مكتبته، فالبيوت تتشابه على الاغلب في اغلب المتشابهات، ولكن المكتبة في اي بيت هي العلامة الفارقة، والبيوت التي تحوي على مكتبة عندما نزورها نجدها اكثر حميمية من غيرها، وغالبا ما يكون اصحابها اقرب الى من غيرهم، فالكتب مفاتيح المعرفة، وهي ايضا تدل على طريقة تفكير الرجل، فقد قالوا في السابق قل لي ما تقرا اقل لك من انت، والكتب صارت جواز مرور الى قلب المثقف، لان المثقف في عالم مزحم يكاد يكون غريبا لو لا يستدل الى منطق يتعامل به مع من يضيفه، ولكن لبعضنا مفاهيم اخرى للكتاب، منها بان الكتاب الذي نضعه في مكتبتنا هو مفخرة، والذي نخفيه قد تتعدد الاسباب، ولكن المثقف الحقيقي يعرف بان الكتاب الجيد هو الكتاب الذي لا يمكن اخفاؤه لانه كالعطر لابد وان تتسرب رائحته، الكتب في بيوتنا سيرة حياتنا، ومراحل تطورنا، وهي التي لايمكن نسيانها في يوم ما، الكتب واجهة البيت التي تجتذب المثقف، وربما ينفر منها غيره، ولكن اليوم صار الكتب مهددة لان العالم ازدحم بالمتناقضات والفوارق، والالكترونيات، فصارت الكتب تغوص في حافظات حواسيبنا، وصرنا اليوم نتبادلها عبر الرسائل الالكترونية، وتخطى المثقف الرقيب والفضولي وايضا الذي يستحوذ على الكتاب من دون قراءته.. الكتب صارت مكانا في الفضاء، وصارت سفيرا يعبر عن هوية من يقتنيها، وايضا صارت لدى البعض سلعة لابد ان يتظاهر بها، فالكتب هي الازمنة كلها، وهي الاذواق اروعها...
محمد الأحمد

iالعمة دوريس أديبة نوبل
Doris Lessing
بقلم: محمد الأحمد

ها قد فازت أخيرا العمة دوريس بجائزة نوبل للآداب، من بعد ان وصلت الى عامها الثامن والثمانين، ومن بعد ان وصلت اليها الجائزة وقد عصف بها الزمن وجعلها تمشي بتؤدة من دون أن تستعمل عكازا، وبعد جرفت السنوات الثقيلة كل ملامح البهجة من وجهها، لانها على مدى سبع وخمسين عاما من الكتابة، لم تعرف التوقف، عن حمل دفترها الصغير الذي سرعان ما يمتلئ لتعطيه إلى حفيدتها التي ستدون لها ما كتبته بواسطة مفاتيح الكومبيوتر، حيث بقيت تحبذ القراءة على الكومبيوتر، وليس الكتابة كما تقول لأغلب أصدقائها، فالعمة متوقدة الذهن تذهب للتسوق بنفسها، من دون ان تنسى بان تضيف كتابا جديدا في كل مرة الى سلتها الشرائية، المحملة بالخضار الطازج، عندها الاهتمام الأكبر بالقراءة من الاهتمام بالكتابة، تقرا بالانكليزية والفرنسية والاسبانية، والفارسية، حيث كان مسقط راسها في بلاد فارس (ايران) عندما كان ابوها ضابطا انكليزيا يعمل هناك. جالت طويلا في بلدان جنوب افريقيا، وعاشت قسما من طفولتها في افريقيا ما اثر كثيرا على اعمالها وعاصرت احداثا جسام وتحولات اقليمية حادة، تزوجت مرتين، وطلقت مرتين، وبقيت مناهضة بارزة لحركات تحرر المراة في العالم، كتبت مدافعة بقوة بالغة عن ضرورة افلات المرأة من الاستغلال الجسدي، وضرورة حمايتها من العنف الاسري، وقد ناضلت طويلا مناشدة العالم الرأفة بالمرأة ككائن شريك، وليس ككائن مملوك للرجل كالاسير الضعيف. كان خبر فوزها بجائزة نوبل قد وصلها عندما كانت لوحدها تحمل كيسها المعتاد، ورن هاتفها الجوال، وقد ردت على المتصل بانها لم تعد تهتم بالامر كما لو وصلها متاخرا، ولكنها فرحت كثيرا، قائلة:- (أوه السيد المسيح!... أنا لا أَستطيعُ أَنْ أَهتمَّ أقل). وقررت ترك التسوق لتعود الى شقتها وتستعيد هناك انفاسها، وايضا لتقاوم وقع الخبر عليها، كونها تدرك جيدا ما معنى ان يفوز اديب ما بجائزة نوبل العظيمة، وهي التي تعلمت من معظم الكتاب العباقرة الذين وصلوا اليها بواسطة نوبل الكبيرة، فهي تعتبرها جائزة ايصال الاعمال الادبية الى الخلود، وهي بلاشك مؤمنة بان نوبل تمنح وفق مناهج قويمة وبلاشك بانها ستجد اشهر الصحافيين ملاحقة امام عتبة دارها، وبالفعل عندما وصلت العمة دوريس وجدت جمهرة من الصحافيين ينتظرونها عند البوابة، وحملوا عنها كيسها الحافل بالخضار والفاكهة، ودون ان يتخلوا عن اضاءت الكاميرات الوهاجة والتي غالبا ما تعودت عينيها على ان تهرب بهما من منابع الضوء الحاد، اتوا كصحافيين من كل مكان بالعالم يسألونها عن كل ما يخطر ببالهم، وهي تبتسم عند كل خطوة تتقدمها باتجاه بابها، كانوا يسألوها عن انطباعات ليست من صميم كتاباتها، كلها كانت تخطر ببالها، اغلبها تخص وقع الجائزة عليها، فبقيت تقول لهم بتواضع بانها قد ربحت (جائزة الجوائز) وان نوبل هذه ستجعل قرائها يزدادون ملايين المرات، وستقرأ الناس كتبها الباقية التي لم تنل الفرصة المناسبة من وسائل الاعلام، لانها كتبت كثيرا عن الارهاب، وكتبت عن التطرف المنتبذ، وخاصة الذي يغالي كثيرا بالدم المراق، ومن بين مؤلفاتها الأكثر شهرة (الكراسة الذهبية) و (مذكرات من نجا) و(الصيف الذي سبق الظلام)، كانت (ليسينج) قد رشحت لجائزة بوكر ثلاث مرات، ولم تكن تعلم في يوم ما بانها سوف تكون مرشحة نوبل القوية على مدى حياتها، فالعمة دوريس ليسينج هي المرأة الحادية عشرة التي فازت بالجائزة منذ عام 1901م وهي الكاتب البريطاني الثاني الذي يفوز بالجائزة خلال ثلاث سنوات، حيث فاز بها الكاتب (هارولد بنتر) عام 2005م، وقد وصفت الأكاديمية السويدية ليسينج بأنها (كاتبة ملحمة تجربة المرأة التي سبرت أغوار حضارة متنازعة بتشككها والنار المتقدة في داخلها وقوة الرؤيا لديها)، وبالاضافة الى قيمة الجائزة المادية ستحصل ليسينج ايضا، على جائزة ذهبية ودعوة لالقاء محاضرة باجر مغر في مقر الأكاديمة السويدية، وايضا سوف تستلم مبلغا كبيرا من المال يعادل مليوني يورو، وحتما سوف تعاد طباعة كتبها في طبعات غالية وانيقة، ومذهبة التجليد كحال الادباء الخالدين الذين ابقت نوبل كتبهم مفخرة رفوف المكتبات الغنية، وسوف تترجم اعمالها قاطبة الى جميع لغات العالم، اضافة الى الطبعات الشعبية التي سوف تدخل بها جميع البيوت، وسوف يقتنيها الناس لتقرا في الحدائق والمترو وصالات الاستراحة. صارت العمة موريس اليوم تبلغ العام 88 هذا الشهرِ، وسوف تعد الفائزُ الأكبر سناً لجائزةِ الأدبَ. بالرغم من أنّها تُحتَفلُ بنشر (دفتر الملاحظات الذهبي) الذي دونت فيها ملاحظات المهمة عن علاقتها بالكتابة وتجربتها المحض، وعلى الاغلب لديها الكثير من الأعمال الأخرى غير المنشورة، ففي سنواتها الاخيرة غير مثيرة للاهتمام الاعلامي، ولم تنشر نتاجاها الجديد حيث إنتقدتْ شديدا، و اتهمت بغرابة الأطوار. (أنا لا أَستطيعُ قَول ما فأَنا مَغْمُورُةُ بالمفاجأة)ِ، وقالَت ايضا. (أَنا بعمر 88 سنةً وهم لا يَستطيعونَ إعْطاء نوبل إلى شخص ما قد مات، لذا أعتقد هم كَانوا يَعتقدونَ من المحتمل بأنّهم يُحسّنونَ أوضاع من يَعطونَه)، سوف تبلغ دوريس ليسينغ الثامنة والثمانين من العمر في 22 تشرين الاول/اكتوبر.
تقول:-(انا فرحة لان القراء سوف يقرأون كتابي الجديد الذي خفت عليه من ان اموت ويضيع مع ما يتركه الميت من ملابس)، وان نوبل تَسْحبُهم نحو كتابتها الأخيرِ، (ألفريد وإيميلي) الذي يَتخيّلُ عودة أبويها الى الحياة ولم تكن الحرب حُطّمتْهم، كما (أعطيتُهم حياةَ بدون حربِ)، قالتْ: (أعطيتُهم حياةَ، حياة مُحْتَرمة)، وقد جعلها الخبر تحث خطاها للتهرب من تعاظم ضجيج الاعلاميين حولها، من بعد ان منحت ككاتبة بريطانية يوم الخميس وكفائزة بجائزة نوبل للاداب حسبما اخبرتها الاكاديمية السويدية. وجاء في بيان صادر عن الاكاديمية السويدية ان لجنة نوبل اختارت مكافأة الروائية البريطانية التي تتحدث عن (التجربة النسائية والتي سبرت بتشكك ورؤية نافذة غور حضارة منقسمة). وفي لندن قالت متحدثة باسم دار الادب التي تمثل دوريس ليسينغ لوكالة فرانس برس (نحن سعيدون جدا لانها استحقت فعلا) هذه الجائزة. كتبت الكثير من الاعمال المهمة وبقيت عضوة ناشطة في الحزب الشيوعي البريطاني حتى عام 1956 خلال سحق انتفاضة (المجر) شٌبّهَتْ بجراتها في كثير من الاحيان بالكاتبة الفرنسية (سيمون دو بوفوار) بسبب افكارها المؤيدة لحقوق المرأة. واعدت من اشهر النسوة المتحررات في اوربا، اما كتابها الاكثر شهرة (ذي غولدن نوتبوك) يروي في هذا الاطار قصة امرأة كاتبة ناجحة تكتب مذكراتها في غاية الوضوح والصراحة. وايضا من بقية اعمالها الناجحة (الذهاب للوطن) (1957) الذي تندد فيه بالتمييز العنصري في جنوب افريقيا (الارهابي الجيد 1985) حول مجموعة من الشبان الثوريين من اليسار المتشدد.
الجمعة‏، 12‏ تشرين الأول‏، 2007